آیة الله مصباح الیزدی: على الإنسان البصیر التمییز بین مواطن الرأفة والعنف

-

قال سماحة آیةالله مصباح الیزدیّ متطرّقاً للإعلان العالمیّ لحقوق الإنسان: إنّ العمل بكلّ مواد الإعلان العالمیّ لحقوق الإنسان یستلزم وضع أوامر القرآن الكریم وتعالیمه جانباً.

وقال سماحته فی معرض إشارته إلى ضرورة تحلّی الإنسان المؤمن بالبصیرة: المنافقون، وبهدف نشر الثقافات المنحطة وما یخالف القیم فی البلدان المختلفة، یسعون إلى استخدام المفاهیم المطّاطة التی لیس لها تعریف محدّد وجامع.

وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة: إنّ الثقافة اللیبرالیّة التی تحكم العالم الیوم تنطوی على مباحث وأمور هی ـ فی الحقیقة ـ مخالفة للإسلام ومناهضة للقیم أیضاً.

وفی إشارة إلى تاریخ إعلان حقوق الإنسان قال العلاّمة مصباح الیزدیّ: على الرغم من أنّه لم تمض أكثر من مائة سنة على هذا الإعلان فقد تمّ الترویج له بشكل واسع حتّى بات مصدراً ومرجعاً یُرجع إلیه فی بعض الدول الإسلامیّة والمسلمة بل وإنّ البعض قد أعطاه من القیمة ما یوازی القرآن الكریم.

وعندما تطرّق إلى أنّه من وجهة نظر هذا الإعلان فإنّ كلّ ما یتنافى (حسب الرؤیة الغربیّة) مع كرامة الإنسان لابدّ من حذفه من القوانین الجزائیّة للدول قال سماحته: وفقاً لهذا الإعلان فإنّه لابدّ من إلغاء كلّ قانون جزائیّ یحتوی على العنف؛ بمعنى أنّه یجب أن تخلو جمیع البلدان من أحكام من قبیل الإعدام والجَلْد وأن یتمّ الاستعاضة عنها بعقوبات الغرامة المالیّة والسجن، وهذا المعنى یخالف صریح تعالیم القرآن الكریم.

وبعد استعراضه لبعض النماذج قال سماحة آیة الله الیزدیّ: إنّ الترویج الواسع لإعلان حقوق الإنسان فی العالم جعل تلك الحقوق تترسّخ إلى درجة دفعت بعض المسلمین إلى الاعتقاد بأنّ الحدود الإلهیّة لم تعد قابلة للتطبیق فی عصرنا الحاضر وأنّها قد عفّی علیها الدهر.

وأضاف سماحته: طبقاً لمواد إعلان حقوق الإنسان فإنّ تنفیذ الحدود الإلهیّة یُعدّ عنفاً والإسلام ـ من هذا المنطلق ـ یعتبر مُداناً، أمّا الاغتیالات والجرائم التی تجری فی أنحاء المعمورة والتی شهدنا یوم أمس نموذجاً لها فی سیستان وبلوتشستان فإنّها توضع فی خانة الدفاع عن حقوق الإنسان.

و بعد استعراض آیات من القرآن الكریم، أشار سماحته إلى الألفاظ المطّاطة والخدّاعة المُستخدمة فی الإعلان العالمیّ لحقوق الإنسان وقال: الكرامة لیست هی قیمة مطلقة، ففی الوقت الذی أشار الله تعالى فی القرآن الكریم إلى مسألة الكرامة الإنسانیّة وجعل للإنسان كرامة، فقد عرّف الأشخاص الذین یقفون بوجه الحقّ بأنّهم شرّ الدواب. إذن فإنّ الله عزّ وجلّ لا یعتبر أشخاصاً كصدام أو كالمجرمین الذین یقومون بكلّ تلك الجرائم فی فلسطین أسوأ البشر فحسب بل یصنّفهم بأنّهم شرّ الدواب ولا یرى أیّ كرامة لهم.

واسترسالاً فی حدیثه أشار سماحته إلى مسألة العنف قائلاً: العنف لا هی قیمة ولا هی ضدّ القیمة بشكل مطلق وقد أمر الله سبحانه وتعالى فی مواطن عدیدة من القرآن الكریم بالتعامل مع المنافقین والعاصین بقسوة وتنفیذ الحدود الإلهیّة بحقهم؛ إذ أنّ إجراء الحدود فی المجتمع من شأنه أن یمنع الفساد ویحافظ على العفاف.

وفی معرض إشارة رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث إلى الرأفة الإسلامیّة قال: كلّما حصل تزاحم بین اللیونة والرأفة وبین حفظ الأمن والعفّة فی المجتمع الإسلامیّ، فإنّه یُقدّم حفظ النظام الإسلامیّ على غیره إذ أنّ الرأفة فی هذه الموارد غیر مطلوبة.

وعند استشهاده بآیات من الذكر الحكیم قال العلاّمة الیزدیّ: لو أنّ المنافقین ندموا وأعلنوا توبتهم قبل تورّطهم ووقوعهم فی قبضة القانون لشملتهم الرأفة الإسلامیّة؛ لكنّهم إذا لم یُظهروا الندم حتّى اُلقی القبض علیهم حیث لا یعود هناك سبیل للفرار فلا فائدة لندمهم هذا ویتحتّم التعامل مع أمثال هؤلاء بقسوة بالغة.

وقد استعرض سماحته نماذج من الأحكام الدقیقة للإسلام وقال: إنّ ما یتمتّع به الدین الإسلامیّ من عفو، وصفح، ورحمة، ورأفة لا تتوفّر فی أیّة اُمّة أو دیانة اُخرى؛ لكن عندما یثبت أنّ الأعداء یحوكون المؤامرات ویدبّرون المكائد للإسلام فإنّ الرأفة والعطف والاتّحاد حینئذ ستكون سبباً للانخداع وتوجیه طعنة للإسلام.

وأضاف العلاّمة الیزدیّ فی ختام حدیثه: یتعیّن على الإنسان أن یتحلّى بالبصیرة فی المواطن المختلفة ویمیّز بین الموارد التی تستوجب العنف وتلك التی تستدعی الرأفة الإسلامیّة.

وقد قدّم آیة الله مصباح الیزدیّ فی هذا اللقاء التعازی لقائد الثورة الإسلامیّة والشعب الإیرانیّ بمناسبة استشهاد كوكبة من قادة الحرس الثوریّ وجمع من المواطنین فی الحادثة الإرهابیّة الألیمة لیوم أمس الأحد، محییاً بذلك ذكرى هؤلاء الشهداء ومعظّماً شأنهم.

وممّا تجدر الإشارة إلیه فإنّ هذا اللقاء قد عُقد فی صالة المؤتمرات التابعة لمؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بتاریخ 2009/10/19.