آیة الله مصباح الیزدیّ: المعرفة، والهمّة، والإخلاص، والعمل الجماعیّ هی العناصر الضروریّة لحفظ الثقافة الإسلامیّة والترویج لها

قال سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ: هناك قلق من نسیان حقیقة هذه الثورة والأهداف الأساسیّة التی قام من أجلها الثوریّون، وإنّه لیُخاف من أن ینبری أشخاص للادّعاء بأنّ الشعب كان یعانی من مشاكل اقتصادیّة وقد ثار لتحسین أوضاعه المعیشیّة، فی حین أنّ الإمام الراحل (رحمه الله) وبما كان یمتلكه من نفاذ البصیرة الإلهیّة كان قد تنبّأ بكلّ ذلك وأكّد فی خطاباته على الهدف الذی نهضنا بالثورة من أجله وما الذی لم نثُر فی سبیله.

قال سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ: هناك قلق من نسیان حقیقة هذه الثورة والأهداف الأساسیّة التی قام من أجلها الثوریّون، وإنّه لیُخاف من أن ینبری أشخاص للادّعاء بأنّ الشعب كان یعانی من مشاكل اقتصادیّة وقد ثار لتحسین أوضاعه المعیشیّة، فی حین أنّ الإمام الراحل (رحمه الله) وبما كان یمتلكه من نفاذ البصیرة الإلهیّة كان قد تنبّأ بكلّ ذلك وأكّد فی خطاباته على الهدف الذی نهضنا بالثورة من أجله وما الذی لم نثُر فی سبیله.
حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ فإنّ رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث ولدى لقائه بطائفة من طلاب «مشروع الولایة» عدّ فترة الدفاع المقدّس من أكثر عهود تاریخ البلاد نورانیّة. وفی إشارة إلى انقضاء أكثر من ثلاثین عاماً من تاریخ الثورة تطرّق سماحته إلى عملیّة نقل المهمة من الجیل الذی كان له الأثر الفاعل فی قیام الثورة الی الجیل الجدید وكیفیّة انتقال معطیات الثورة والدفاع المقدّس من الجیل الماضی إلى جیل المستقبل.
ومن خلال تقسیم عضو مجلس خبراء القیادة لمعطیات الثورة إلى مسائل تمتاز بالمظاهر المادّیة واخرى لها ارتباط بالقضایا المعنویّة والفكریّة قال سماحته: إنّ انتقال الامور المادّیة لیس بمشكلة، ومن النماذج العینیّة على هذا النمط من المعطیات هی إمساك حرس الحدود لثغور البلاد بقبضة من حدید، والتطوّر الهائل الذی حصل فی صناعة أعقد المعدّات والآلات الحربیّة، والتغییرات الحاصلة فی الإعمار والتحضّر والاقتصاد. أمّا قضیّة أنْ یعلَم الجیل الجدید أیّ جوّ فكریّ وثقافیّ كان سائداً فی المجتمع قبل الثورة، وأیّ عامل كان وراء قیام الثورة, وأیّ عامل كان السبب فی انتصارها، وما كانت أهداف الثوریّین، وما الذی كان یریده الإمام الراحل (ره) وما الدور الذی نهض به إبّان الثورة، الخ فإنّها من الاُمور التی یُعدّ الحفاظ علیها و تناقلها عبر الأجیال أكثر صعوبة وأشدّ خطورة من المعطیات العینیّة والمادّیة.
وقال العلامة مصباح الیزدیّ مشیراً إلى اختلاف دوافع الثورة الإسلامیّة مقارنة بالثورات الاخرى: إنّ أهمّ عامل تقوم من أجله الثورات فی العالم هو العامل المادّی، وكلّنا یعلم بشكل إجمالیّ أنّ الدوافع المحفّزة لقیام ثورتنا تختلف. لكنّ هذه العقیدة لیست شفّافة بما فیه الكفایة وهی تُرفع فی كثیر من الأحیان كشعار، وإنّ القلق كلّ القلق من أن یتولّد تدریجیّاً لدى أجیالنا القادمة، وجرّاء انعدام المعرفة بماهیّة هذه الثورة وأهدافها ومُثلها، تصوّر مفاده أنّ ثورتنا هی من سنخ الثورات العالمیة الاخرى.
ونوّه سماحة الیزدیّ إلى تحذیر الإمام الراحل من تحریف الثورة وقال: هناك قلق من نسیان حقیقة هذه الثورة والأهداف الأساسیّة التی نهض من أجلها الثوریّون، وإنّه لیُخاف من أن ینبری أشخاص للادّعاء بأنّ الشعب كان یعانی من مشاكل اقتصادیّة وقد ثار لتحسین أوضاعه المعیشیّة، فی حین أنّ الإمام الراحل (رحمه الله) وبما كان یمتلكه من نفاذ البصیرة الإلهیّة كان قد تنبّأ بكلّ ذلك وأكّد فی خطاباته على الهدف الذی نهضنا بالثورة من أجله وما الذی لم نثُر فی سبیله.
وأوضح عضو مجلس خبراء القیادة أنّ تمسّك الشعب بالقیم الإسلامیّة وخوفه من زوال تلك القیم هو الدافع الأساسیّ للثورة الإسلامیّة وأضاف: إذا رغبنا فی بقاء حقیقة ثورتنا مصونة من دون تحریف، وأن تنتفع الأجیال القادمة من ثمارها، وأن تشقّ طریقها بنفسها من أجل إدامة تلك الآثار وحفظها، فإنّه یتعیّن علینا الاجتهاد فی التعرّف على ثقافة هذه الثورة على النحو الصحیح والمحافظة علیها.
ورأى سماحة مصباح الیزدیّ أنّ الهدف الرئیسیّ للثورة هو تأسیس النظام الإسلامیّ، وعبر استعراضه لخطابات الإمام وسلوكه فی ذلك الحین قال سماحته: الشیء الذی كان الإمام الراحل (قدّس سرّه) قد جعله منذ الیوم الأوّل لانطلاق الثورة محوراً لخطاباته وسلوكه هو الإسلام، وحتّى آخر لحظة فی حیاته كانت هذه الكلمة فقط هی التی تستقطب كلّ اهتمامات الإمام. فجمیع الاُمور الاخرى لم یكن الاهتمام بها إلاّ فی ضوء هذه الكلمة، وإلاّ فإنّ النقطة الأساسیّة التی كانت تشكّل المَعْلَم لهذه الثورة هو أنّها إسلامیّة. فالهدف كان إقامة الإسلام، وتطبیق الأحكام الإسلامیّة على الأرض, وإشاعة القیم الإسلامیّة، وأخیراً حاكمیّة الإسلام على المجتمع. فأهداف كهذه لم تتوفّر فی أیٍّ من ثورات العالم المختلفة.
وعدّ سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ أنّ المحافظة على أصالة الثورة تكمن فی الحفاظ على عنصر إسلامیّتها وتابع قائلاً: لو أنّ عنصراً آخر حلّ شیئاً فشیئاً محلّ هذا العنصر، أو عُدّ عنصراً بارزاً ومهمّاً فی هذا المجال، أو أمسى ـ لا قدّر الله ـ شریكاً للعنصر الأصلیّ فإنّ ذلك خیانة لهذه الثورة ولدماء الشهداء الأعزّاء ولله وللإسلام ولكلّ مقدّساتنا. فالشیء الوحید الذی باستطاعته أن یحافظ على هویّتنا الثوریّة وقِیَمنا ومُثُلنا هو هذه الكلمة لیس غیر، أمّا المسائل الاُخرى فإمّا أن لا یكون لها دور أساساً أو أنّ دورها هو فرعیّ وجانبیّ محض. فالعنصر الأصیل فی ثورتنا هو العنصر الثقافیّ، إذ لم یكن عنصرها الأساسیّ عسكریّاً، ولا اقتصادیّاً، ولا سیاسیّاً. نعم كانت كلّ تلك الاُمور موجودة، لكنّها كانت فی ظلّ الثقافة الإسلامیّة وفی طولها، ذلك أنّ الإسلام هو الذی یرید كلّ ذلك.
وفی معرض التأكید على دور «الهدف» فی النشاطات الاجتماعیّة قال سماحة الیزدیّ: الذین یثورون من أجل النهوض باقتصادهم فإنّ العقل یحكم بفشلهم إذا لم یتحقّق هذا الهدف، ذلك أنّهم أعلنوا منذ البدایة أنّ هدفنا من الثورة هو التمتّع بحیاة أفضل؛ لكنّه إذا كان الهدف شیئا آخر، ولم تكن اُمور كالاقتصاد والحرب والتطوّر العلمیّ وما إلى ذلك سوى وسیلة لبلوغ ذلك الهدف، فلن یكون النصر حلیف الثوّار إلاّ بتحقّق ذلك الهدف المنشود. فلو تحقّقت جمیع الاُمور ولم یتحقّق الهدف الأساسیّ من الثورة فهذا دلیل على فشلنا. لهذا فمن أجل أن نفهم فی أیّ مرحلة نحن نسیر، وهل إنّنا نتقدّم ونقترب من أهدافنا، أم إنّنا ـ لا سمح الله ـ نبتعد عنها، فعلینا أن ننظر كم اقتربنا نحن من الإسلام، وكم نَمَت وازدهرت المعتقدات الإسلامیّة فی مجتمعنا، وكم زاد إیمان الناس بحقائق الإسلام، وإلى أیّ مدى تُحترَم القیم الإسلامیّة فی مجتمعنا.
وتعرّض استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة والجامعة متابعةً لحدیثه إلى تقهقر القیم الإسلامیّة فی المجتمع، واستطرد طارحاً بضع تساؤلات فقال: یا ترى هل اقتربنا من أهداف الثورة أم إنّنا فی حال ابتعاد تدریجیّ عنها وقد وصلت بنا الحال إلى أن یتفوّه بعض الأشخاص، ممّن یُتوقَّع منهم الإحساس بالمسؤولیّة فی إطلاقهم للشعارات والتصریحات، بكلام لا یَتوقّع أیّ أحد أن یصدر من مسؤول فی بلد إسلامیّ. وهذا الأمر إنّما یؤذن بتراجع فی ثقافتنا.
وفی إشارة من سماحته إلى الآیة الشریفة: «لاَ یُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وِسْعَهَا ...» فقد أكّد على معدّل جهد وقدرة كلّ فرد وقال: علینا أن نسعى إلى معرفة ما الذی یمكن فعله؟ إنّنا إن قمنا بعمل، وإنْ كان صغیراً، لكنّه بنیّة خالصة لوجه الله وابتغاءً لمرضاته فإنّ الله سیطرح فیه البركة، وباُسلوب التصاعد الهندسیّ فإنّه ستزداد قیمة هذا العمل ویتضاعف، تبعاً لذلك، تأثیره فی المجتمع.
واعتبر آیة الله مصباح الیزدیّ أنّ شرط هذه القیمة هو المعرفة الصحیحة، والنیّة الإلهیّة الخالصة فی إنجاز الأعمال وأضاف: أنّنا إذا قصّرنا فی اكتساب المعرفة الصحیحة فقد لا یقودنا إنجاز أعمال كثیرة إلاّ إلى نتائج معكوسة وسلوك طریق معوجّة. كما أنّنا إذا امتلكنا المعرفة من دون أن تتوفّر فینا الهمّة اللازمة للعمل بما نعرفه فإنّنا أیضاً لن نحصل على النتیجة المرجوّة.
ولفت عضو مجلس خبراء القیادة الأنظار إلى قانون «الأهمّ فالمهمّ» وقال: باعتبارنا الطبقة المثقّفة من المجتمع فإنّ علینا أن نعلَم أنّه أیّ المعلومات هی الأهمّ فنتعلّمها ومن ثمّ نحاول تعلیمها للآخرین. فمن بین ما نجیده هو أن نبحث عن الاُمور الأهمّ والتی تجلب للإسلام منفعة أكبر؛ وأن ننظر ما هی الاُمور التی یحتاجها مجتمعنا الإسلامیّ أكثر من غیرها فننجز منها ما وسِعَنا إنجازه. فإن نحن وضعنا هذین الأمرین محطّ اهتمامنا فسوف تُحلّ الكثیر من مشاكلنا.
وأشار آیة الله الیزدیّ إلى قول الإمام (رضوان الله تعالى علیه) بأنّ على كلّ امرئ العمل بما هو مكلّف به قال سماحته: فإن تنازلنا وقلنا: لو توفّرت هذه الروح لدى خمسین بالمائة من أفراد المجتمع وهی أن یتعلّموا ما ینبغی لهم تعلّمه، وأن یعملوا بما یجب علیهم العمل به لكان العالم أفضل حالاً بكثیر؛ فإن لم یصبح جنّة فسیمسی نصف جنّة على الأقل. فمشكلتنا هی التسامح فی اكتساب المعلومات من ناحیة والتقصیر على صعید العمل من ناحیة اُخرى.
وتابع سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ مشیراً إلى التأثیر الأكبر للعمل الجماعیّ مقارنة بالعمل الفردیّ وقال: ألا توافقوننی الرأی على أنّه كلّما كان ارتباطكم ببعضكم أكثر استحكاماً وأنجزتم مهامّكم بشكل جماعیّ ولیس فردیّاً كان تأثیر عملكم فی المجتمع أكبر؟ فتأثیر العمل الفردیّ فی بعض المواطن یكون مقارباً للصفر. فمثلاً جرّبوا، من باب العمل بفریضة الأمر بالمعروف، أن تقضوا بمفردكم یوماً بأكمله من الصباح إلى المساء فی النهی عن كلّ ما ترونه فی الشارع من منكر وقوموا فی المساء بحساب وتحلیل ما كان لعملكم هذا من أثر. بینما إذا قمتم بهذا العمل جماعیّاً واتّفق عشرة أشخاص منكم على إنجاز ذلك، فبعد دراسة للموضوع ووضع برنامج دقیق له، فإنّكم ستحصلون على نتائج أفضل بكثیر. إذن فاجلسوا وتفكّروا فی أیّ الحلول یا ترى هی الأفضل والأنجع فی محاربة ما ینتشر من أنواع الفساد.
ومن الجدیر بالذكر أنّ هذا اللقاء كان قد جرى بتاریخ 23 أیلول 2010م فی مصلّى مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.