آیة الله مصباح الیزدیّ: طلب العلم، والتحلّی بالبصیرة، وإخلاص النیّة هی العناصر الأساسیّة لأداء واجب علماء الدین

قال اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة والجامعة فی مجال المقارنة بین العلوم المختلفة: إنّ ما یكون من بین العلوم المختلفة سبباً لسعادة الدنیا والآخرة ولا یكون لثماره ونتاجاته نفاد هی العلوم الدینیّة. فسائر العلوم تمثّل واجباً كفائیّاً بالمقدار الذی تلبّی فیه متطلّبات المجتمع، ولابدّ من تحصیلها أیضاً، غیر أنّ نتائجها محدودة بهذه الحیاة الدنیا، ومن هذا المنطلق فإنّ أفضلیّة العلوم الدینیّة ـ فی مقام الترجیح ـ على غیرها من العلوم هی غیر قابلة للقیاس.

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ فقد قال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی الحفل الافتتاحیّ للسنة الدراسیّة 2010ـ2011: نحن نستلهم من تقارن بدء العام الدراسیّ الجدید مع اسبوع الدفاع المقدّس أنّه كما بادر اُولئك الأعزّة فی سنوات الدفاع المقدّس إلى بذل أرواحهم أو وضعها على الأكفّ استعداداً للتضحیة بها ذوداً عن الإسلام والقیم الإسلامیّة وقد أدّوا ما فی رقبتهم من دَین للإسلام والمسلمین، فلنكن نحن أیضاً على استعداد لقضاء أوقاتنا وحیاتنا على طریق الذود عن الإسلام والقیم الإسلامیّة.
وعدّ سماحته أنّ مرتبة قرب كلّ شخص تختلف باختلاف درجة إخلاصه وقال: كما أنّه لم تكن مراتب القرب من الله بالنسبة لجمیع الذین ذهبوا إلى جبهات القتال متساویة وأنّ كلّ من كان یتمتّع بإخلاص أكبر كان قد نال حظّاً أوفر من الثواب والأجر، فإنّ فی رقبتنا نحن أیضاً واجباً توصلیا وعلینا أن نكرّس جانباً من أوقاتنا من أجله، إلاّ أنّ قیمته المعنویّة تعتمد على ما نحمله من مرتبة النیّة والإخلاص.
ولدى الإشارة إلى الآیة الأخیرة من سورة العصر عدّ آیة الله الیزدیّ أنّ الواجب الأساسیّ لعالم الدین هو التواصی بالحقّ والصبر وأضاف: إنّ التواصی بالحقّ جارٍ فی مجال العقیدة والعمل وإنّ التواصی بالصبر یشمل أیضاً الصمود بوجه العدوّ الخارجیّ وكذا العدوّ الداخلیّ المتمثّل بالنفس والشیطان.
وفی جانب آخر من حدیثه اعتبر سماحته أنّ تقسیم الواجبات هو من مقتضیات الحیاة الاجتماعیّة وتابع قائلاً: على كلّ جماعة أن تتولّى جانباً من الأعمال كی ینتفع المجتمع برمّته من ثمار أعمالهم؛ فجماعة تنخرط فی سلك الطبابة، واخرى تأخذ جانب الصناعة، وثالثة تنهض بأعباء الزراعة، ورابعة تتصدّى لاُمور التجارة، ولتأخذ جماعة خامسة أیضاً على عاتقها قضیّة طلب العلم وتعلیمه.
وفی مقام مقارنة العلوم قال استاذ الأخلاق فی الحوزة والجامعة: إنّ ما یكون من بین العلوم المختلفة سبباً لسعادة الدنیا والآخرة ولا یكون لثماره ونتاجاته نفاد هی العلوم الدینیّة. فسائر العلوم تمثّل واجباً كفائیّاً بالمقدار الذی تلبّی متطلّبات المجتمع، ولابدّ من تحصیلها أیضاً، غیر أنّ نتائجها محدودة بهذه الحیاة الدنیا، ومن هذا المنطلق فإنّ أفضلیّة العلوم الدینیّة ـ فی مقام الترجیح ـ على غیرها من العلوم هی غیر قابلة للقیاس.
وأكّد عضو مجلس خبراء القیادة على أنّ من المقدّمات الضروریّة للتواصی بالحقّ هی سلسلة العلوم التی یتحتّم على عالم الدین تقدیمها إلى الآخرین بعد اجتهاده فی مجال الدرس والتحقیق.
وأشار سماحة آیة الله الیزدی إلى أنّ الطائفة الاُولى من هذه السلسلة هی العلوم التی تتعامل مع صلب الدین من عقائد وأخلاق وأحكام وتابع القول: التواصی بالحقّ لا یقتصر على تبیین الأحكام بل یتعدّاه إلى تبیین العقائد الحقّة، وكذلك القیم والحقوق التی حدّدها الإسلام لكنّها لا تقع ضمن دائرة الأحكام التكلیفیّة بشكل مباشر.
ورأى رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث أنّ دائرة المعلومات الدینیّة واسعة للغایة، وأشار على سبیل المثال إلى جهود سماحة آیة الله الجوادیّ الآملیّ فی تفسیر القرآن الكریم وقال: الحمد لله المتعال على أن منّ علینا باُستاذ تفسیر للقرآن الكریم یعمل بكلّ شغف فی هذا المجال، وعلى الرغم من مضی أعوام طوال على تدریسه للتفسیر بشكل یومیّ لكنّه لحدّ الآن قد لا یكون تجاوز نصف القرآن إلاّ بقلیل وهو بحاجة إلى سنین طویلة كی ینهی دورة كاملة من التحقیق والتفسیر؛ نسأل الله العلیّ القدیر أن یمدّ فی عمره مائة سنة اُخرى وأن یزید من بركات وجوده.
وأضاف: إنّ التحقیق فی عمق معانی القرآن الكریم لا نهایة له، فحتّى إذا أعمَلْنا نحن الدقّة والتحقیق فی البحوث التی قدّمها كبار المفسّرین إلى الآن، وأجرینا علیها المزید من البحوث فإنّنا سنكتشف أنّها تحتاج إلى المزید من التحقیق أیضاً.
وأكّد سماحته على أنّ البحث فی صلب الإسلام هو واحد من العناصر الأساسیّة على صعید العمل بالدین، لاسیّما تطبیق أحكام الإسلام على مستوى المجتمع وتغذیة النظام الإسلامیّ بالمعارف الدینیّة، إلاّ أنّ ذلك غیر كاف، وقال مضیفاً: نحتاج من أجل هذا الهدف إلى علوم اُخرى یتعیّن علینا تحصیلها والبحث فیها كی نقوى من خلال الإفادة منها على تطبیق أساس الدین.
وأشار عضو مجلس خبراء القیادة من باب المثال إلى جهود الشهید البهشتیّ فی الأعوام التی سبقت انتصار الثورة الإسلامیّة وقال: لقد خطر فی بال المرحوم آیة الله البهشتیّ (رضوان الله تعالى علیه) منذ الأیّام الاُولى لاندلاع الثورة أن یبحث ویحقّق فی مسألة الحكومة الإسلامیّة وجَمَع آنذاك مجموعة من كبار العلماء تحت شعار «خطّة الولایة». إنّ القدر الموجود حالیّاً لدى الحوزة العلمیّة بقمّ وبعض القدماء من الفضلاء من معلومات حول مسائل الحكومة الإسلامیّة هو ـ إلى حدٍّ ما ـ رهن بجهود المرحوم آیة الله البهشتیّ.
ورأى سماحته أنّ وجود الكثیر من الإبهامات والعجز فی مجال المسائل الحكومتیّة من وجهة النظر الإسلامیّة هو مؤشّر على أنّ نصوص المصادر الدینیّة لوحدها غیر كافیة لتنفیذ الأحكام الإسلامیّة ولابدّ من توفّر مسائل اُخرى، وإنّنا بحاجة إلى المزید من الجهود والمساعی من أجل تبیین هذه المسائل.
وعدّ سماحة الیزدیّ أنّ من الواجبات الاُخرى لطلاب العلوم الدینیّة التصدّی للردّ على الشبهات والدفاع عن الإسلام وأضاف: هناك شبهات وتساؤلات تُطرح تشكّك فی أصل الدین والعقائد ولا یمكن الإجابة علیها من خلال الأدلّة الشرعیّة، فنحن بحاجة للردّ على أمثال هذه الشبهات إلى إجابات عرفیّة مقنعة. ففی مثل هذه الموارد لا یمكن ـ على سبیل المثال ـ الاستناد إلى الآیات القرآنیّة، ذلك أنّ البعض قد شكّك فی أصل الإسلام انطلاقاً من ورود مثل هذه المسائل فی القرآن الكریم. فیتعیّن علینا هنا، باعتبارنا المتصدّین للدفاع عن الإسلام، أن نفتّش عن طریق معقول ـ وهو ما تعلّمناه بالطبع من أولیاء الإسلام ـ كی نوصل هذا الشخص إلى قناعة ونقدّم له جواباً شافیاً یقف أمام كفره.
وتابع سماحة آیة الله الیزدیّ القول مشیراً إلى التكلیف الثقیل الملقى على كاهل شریحة علماء الدین: مضافاً إلى كلّ ذلك یتعیّن علینا ان ننهض بتهذیب النفس، والسعی الحثیث للتزوّد بالوعی السیاسیّ والاجتماعیّ كی لا ننخدع، ومن أجل أن نستطیع فی كلّ زمن أن ننهض بدورنا على نحو سلیم ومؤثّر.
وأضاف قائلاً: كلّ ذلك یتطلّب منّا إلقاء نظرة أعمق وأدقّ على منهجنا الیومیّ كی تعلو هممنا من أجل تحصیل العلم وكسب البصیرة والاخلاص فی النیّة.
وفی معرض إشارة سماحته إلى الروایة القائلة: «إذا كان یوم القیامة یوزن دم الشهداء بمداد العلماء فیرجح مداد العلماء على دم الشهداء» قال: یتصوّر الكثیر أنّ تحصیل العلوم الدینیّة هو حرفة كسائر الحرف، إلاّ أنّ هذا التصوّر یوجب الهبوط بمستوى وجود الإنسان وقیمة العلم وقیمة سلك علماء الدین. فقیمة العمل المُنجَز فی سبیل الله وعلى طریق الدفاع عن دینه لا یمكن قیاسه إلاّ بعمل المحاربین على الخطّ الأوّل من جبهات القتال. فلابدّ أن یرقى عملنا إلى مستوى بحیث إذا كتبنا على الورق كلمة واحدة كان لها من الثواب ما لدم الشهید منه ولن یتمّ ذلك إلاّ إذا كانت نیّاتنا خالصة لوجه الله. فإن كان ذلك فقد یصل ثواب تدوین سطر واحد إلى ثواب الشهادة فی سبیل الله. فالإجابة على شبهة واحدة، أو إنقاذ امرئ من الكفر قد یكون له أجر بضعة شهداء. وكلّ ذلك یرتبط بمقدار ما نتمتّع به من همّة فی العزوف عن زخارف الدنیا وبهرجها وإنجاز أعمالنا مرضاةً لله عزّ وجلّ.
یُذكر أنّ هذا الحفل قد اُقیم یوم 25 أیلول 2010م فی صالون مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.

آخرین محتوای سایت

تحصیلات دینی خواهران؛ ضرورت‌ها و موانع
بسم الله الرّحمن الرّحیم الحمد لله ربّ العالمین و صلّی الله علی سیّدنا محمّد وآله الطّاهرین...
القرآن الكريم دواء أصعب الأمراض
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. اللهُمّ...
کتاب صوتی «بدرود بهار» منتشر شد.
در واپسین روزهای ماه مبارک رمضان، کتاب صوتی «بدرود بهار» در پایگاه اطلاع‌رسانی آثار حضرت‌آیت‌الله...