العلاّمة مصباح الیزدیّ: وجود الاشتراك اللفظیّ فی مجال لفظتی العلم والدین یبعث على مغالطات یقع فیها حتّى ذوو الذكاء الحادّ

قال عضو مجلس خبراء القیادة: إذا استُعملت كلمة العلم بمعنى التجربة الحسّیة كمجرّد مصطلح فی مقابل ما هو موجود للعلم من مصطلحات اُخرى فلیس ثمّة مشكلة، لكنّ المشكلة تكمن فی أنّ هذا المصطلح قد اكتسب بعداً قیمیّاً، وإنّ كلّ فرضیّة یتمّ إثباتها بغیر هذا الطریق، حتّى وإن كان من خلال البرهان العقلیّ المتقن، فإنّها تُعدّ فرضیّة غیر علمیّة وعدیمة القیمة.

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد تعرّض رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی سلسلة من المحاضرات التی ألقاها فی جمع من أساتذة جامعات قمّ المقدّسة – تعرّض إلى بیان لفظتی العلم والدین قائلاً: كلمة العلم هی من المشتركات اللفظیّة التی لها معانٍ كثیرة.
وتطرّق العلاّمة محمّد تقی مصباح الیزدی إلى بعض معانی العلم وقال: إنّ أحد معانی العلم انّه مقولة نفسیّة وهو الاعتقاد بحقیقة لا سبیل لاحتمال الخلاف إلیها وهی ما تكون فی مقابل الظنّ، والشكّ، والوهم، وإنّ كلّ فرضیّة تثبت مطابقتها للواقع فإنّها تُدعى فرضیّة علمیّة.
وتابع سماحته: وقد یعنی العلم أحیاناً مجموعة المسائل التی تتّخذ محوراً وموضوعاً واحداً لكن لیس من الضروریّ أن تتطابق جمیعها مع الحقیقة؛ كما هو الحال فی علم الفقه وعلم التاریخ وعلم الریاضیات.
وأشار عضو مجلس خبراء القیادة إلى معنى آخر من معانی العلم وأضاف: وقد یكون للعلم معنىً أخصّ من المعنى السابق بحیث یشمل مجموعة المسائل التی تتألّف من قضایا كلّیة فحسب. والعلم وفقاً لهذا المصطلح لا یشمل العلوم المؤلّفة من القضایا الشخصیّة، ومن هنا لا یُعدّ التاریخ والجغرافیة علماً وفقاً لهذا المصطلح.
وتابع سماحته قائلاً: وقد یُطلق العلم أحیاناً اُخرى على مجموعة القضایا الحقیقیّة والاعتباریّة، وبعبارة اُخرى فإنّه لا یستعمل العلم إلاّ لمجموعة القضایا الحقیقیّة.
ولدى بیان آیة الله مصباح الیزدی لنماذج من المعانی المختلفة للعلم قال سماحته: اكتسب العلم عبر بضعة قرون من الزمن معنى اصطلاحیّاً آخر وهو تلك المجموعة من القضایا التی لا یمكن إثبات محمولها لموضوعها إلاّ عن طریق الحسّ والتجربة اللذین یمكن عرضهما على الآخرین حتّى سُمّیت كلّ فرضیّة من هذا القبیل فرضیّة علمیّة.
ولدى بیان سماحته أنّه طبقاً لهذا المصطلح فإنّ كلّ معرفة تتأتّى عن طریق الشهود والعرفان والعقل فإنّها لا تكون علماً قال: وقد رُوِّج لهذا المعنى للعلم بغزارة إلى درجة أنّه كلّما تحدّثوا ضمن الثقافة الجامعیّة عن «العلم» فإنّه لا یُراد به غیر هذا المصطلح الخاصّ.
واستطرد العلاّمة مصباح الیزدی فی حدیثه قائلاً: إذا استُعملت كلمة العلم بمعنى التجربة الحسّیة كمجرّد مصطلح فی مقابل ما هو موجود للعلم من مصطلحات اُخرى فلیس ثمّة مشكلة، لكنّ المشكلة تكمن فی أنّ هذا المصطلح قد اتّخذ بعداً قیمیّاً، وإنّ كلّ فرضیّة یتمّ إثباتها بغیر هذا الطریق، حتّى وإن كان من خلال البرهان العقلیّ المتقن، فإنّها تُعدّ فرضیّة غیر علمیّة وعدیمة القیمة.
وبیّن سماحته أنّه لیس العلم بهذا المصطلح هو الوحید الذی یبعث على الإیهام، بل إنّ العلمیّین من الناحیة العملیّة لا یقیمون اعتباراً لأیّ علم غیر هذا العلم، ثمّ أضاف: هذا فی حین أنّ هناك قضیّةً مغفولاً عنها؛ وهی أنّه: هل إنّ هناك تجربة حسّیة فقط، أم إنّه ثمّة تجربة غیر حسّیة أیضاً؟ وهل إنّ هناك من سبیل یفوق التجربة الحسیّة من حیث الاعتبار والإتقان أم لا؟
وتابع آیة الله مصباح الیزدی قائلاً: بالطبع نحن نعتقد بأنّ العلوم التجریبیّة لا تنفرد بالاعتبار، بل إنّ هناك من البدیهیّات العقلیّة ما یتمتّع بقیمة تفوق ما للعلوم التجریبیّة بكثیر، وإنّ الشهود هو واحد آخر من هذه السبل؛ لاسیّما الشهود الذی یحصل للأنبیاء (علیهم السلام) والذی یُعدّ أرقى أنواعه. هذا مضافاً إلى أنّه لیس هناك احتمال للخطأ فی العلوم الشهودیّة؛ فی حین أنّه بشهادة علماء العلوم التجریبیّة فإنّ الكثیر من الأخطاء تحصل فی الأخیرة.
ورأى العلاّمة مصباح الیزدی أنّ الأبحاث المتّصلة بعلم المعرفة هی رهن بجهود العلاّمة الطباطبائیّ والشهید المطهّری (رحمة الله علیهما) وقال: إنّ العلم الذی تقاس عادةً العلاقة بینه وبین الدین هو العلم التجریبیّ، وبسبب الاشتراكات اللفظیّة الموجودة فإنّه تنشأ – مع الأسف – مغالطات فی هذا المجال توقع فی أشراكها حتّى ذوی الذكاء الحادّ والمتخصّصین. وانطلاقاً من كون هؤلاء یقیمون للعلم وزناً قیمیّاً، فإنّه یُصار إلى إظهار الدین بأنّه غیر علمیّ وعدیم القیمة.
واستمراراً فی حدیث استاذ الفلسفة الإسلامیّة وعبر تأكیده على ضرورة التعرّف على الألفاظ والمصطلحات قال سماحته: حتّى كلمة «الدین» التی أصلها عربیّ فهی تُعدّ مشتركاً لفظیّاً أیضاً؛ حیث إنّ لها فی العربیّة وحتّى فی القرآن الكریم معانیَ مختلفة.
وأردف سماحة مصباح الیزدی مشیراً إلى بعض تلك المعانی قائلاً: فالدین فی أحد معانیه هو مجموعة كونیّة وآیدیولوجیّة تشتمل على ما یتعلّق بالإنسان والوجود والخلقة من عقائد وما یتناسب معها من سلوكیّات؛ ووفقاً لهذا المعنى فإنّ عبادة الشمس وعبادة الأوثان تُصنَّف كشكل من أشكال الدین أیضاً.
وقال سماحة آیة الله مصباح الیزدی: وقد یُراد من الدین أحیاناً الأدیان السماویّة فلا یشمل حینئذ عبادة الأوثان وأمثالها.
وفی معرض إشارة سماحة مصباح الیزدی إلى الدین الإسلامیّ أضاف قائلاً: نحن نعتقد بأنّ الدین الإسلامیّ هو الدین الحقّ وهو ینطوی – كما هو مشهور – على ثلاثة أقسام: العقائد، والأخلاق، والأحكام؛ یعنی أنّ الدین لا یتأتّى من مقولة بعینها، بل إنّ مجموعة العقائد تُعدّ اُصول شجرة الإسلام، والأخلاق ساقها وفروعها الرئیسیّة، أمّا الأحكام فتمثّل أغصان هذه الشجرة وأوراقها.
وقال آیة الله مصباح الیزدی متابعاً: یتعین - عبر توضیح تلك الألفاظ والمفردات ومعرفتها وما یُراد من استخداماتها - یتعیّن النظر فی طبیعة العلاقة التی تربط العلم بالدین، وما یوجد بین منجزات ومعطیات كلّ منهما من اختلافات، وهل هناك من نقاط اشتراك وتلاقی بینهما؟
وعبر بیان سماحة مصباح الیزدی أنّ سبل إثبات الحقیقة والمعرفة مختلفة، قال: الطریق التعقّلی، والطریق التجریبیّ، والطریق النقلیّ والشهود كلّها من أشكال طرق المعرفة، ولا یمكن إثبات أیّ قسم من أقسام الدین عبر سبیل واحدة.
ولدى استشهاد العلاّمة مصباح الیزدی بآی من الذكر الحكیم قال سماحته: بالضبط كما یزعم بعضهم الیوم بأنّ كلّ معرفة لا یمكن لمسها عبر التجربة الحسّیة فهی غیر ذات قیمة، فقد حصر بعضهم فیما مضى أیضاً كلّ معرفة بالمعرفة الحسّیة فكانوا – فی كثیر من الأحیان – یطلبون من الأنبیاء رؤیة الله تعالى فی حین أنّ السبیل إلى معرفة الله سبحانه لیست حسّیة، ولا نقلیّة أیضاً، بل إنّ السبیل الوحیدة لإثبات وجود الله عزّ وجلّ هی السبیل العقلیّة.
ولدى بیان سماحة مصباح الیزدی أنّ وجود الله تعالى – خلافاً لبعض التصوّرات – لا یمكن إثباته حتّى بمعجزات الأنبیاء، تابع قائلاً: السبیل إلى إثبات وجود الله تعالى هی عقلیّة، هذا وإن أمكن حصول هذه المعرفة عن طریق الشهود أیضاً؛ لكنّ الطریق الأخیر شخصیّ أوّلاً، وغیر قابل لنقله على الآخرین ثانیاً.
وعبر إشارة اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة إلى أنّ بعض المسائل الدینیّة لا یمكن فهمها إلاّ عن طریق النقل، أضاف: فلا یمكن بأیّ حال من الأحوال أن نفهم من خلال العقل أو التجربة أنّ صلاة الصبح لابدّ أن تكون ركعتین.
وأوضح العلاّمة مصباح الیزدی أنّ طرق المعرفة العقلیّة والنقلیّة لا تحظى بالقبول لدى العلمیّین فهم یعدّونها غیر علمیّة وعدیمة القیمة وقال: هذا على الرغم من أنّه حتّى الطریق التجریبیّ فإنّه یستقی اعتباره من الطریق العقلیّ، لكنّ العلمیّین – ومن دون الالتفات إلى هذه الحقیقة – یعدّون الحسّ معیّاراً لكلّ شیء؛ فی حین أنّ الحسّ یحتمل الخطأ.
وقال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی ختام حدیثه: إنّ نطاق العلم كما یُصطلح علیه یشمل جمیع المسائل القابلة للتجربة. ومن هنا فإنّ مسائل ما وراء الطبیعة تُعدّ خارجة عن نطاقه، وهی لیست فی متناول یده كی یبدی فیها رأیاً.
یُذكر أنّ هذه المحاضرة هی الاُولى من سلسلة محاضرات تناولت «العلم الدینیّ» وقد اُلقیت بتاریخ 12 نیسان 2012م فی قاعة مؤتمرات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.

آخرین محتوای سایت

کتاب صوتی «آیین پرواز» منتشر شد.
کتاب صوتی «آیین پرواز» در پایگاه اطلاع‌رسانی آثار حضرت‌آیت‌الله مصباح یزدی رضوان‌الله علیه بارگذاری...
راهکارهایی برای تهذیب و خودسازی
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیم الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَالصَّلَوةُ وَالسَّلامُ...
اقسام خدمات ممکنِ پزشکان به جامعه بشریت
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیم الْحَمْدُللهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلامُ...
ارزش واقعی لحظات زندگی
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الْحَمْدُللهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَالصَّلَوةُ وَالسَّلامُ...
تحصیلات دینی خواهران؛ ضرورت‌ها و موانع
بسم الله الرّحمن الرّحیم الحمد لله ربّ العالمین و صلّی الله علی سیّدنا محمّد وآله الطّاهرین...
القرآن الكريم دواء أصعب الأمراض
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. اللهُمّ...