العلاّمة مصباح الیزدیّ: یعتبر بعض المسؤولین منصبَ ولایة الفقیه دكّاناً للمعمّمین

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ ففی لقاء لرئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث مع مجموعة من المسؤولین والمدیرین فی وزارة الأمن قال سماحته مشیراً إلى أنّ صحّة الأعمال الاختیاریّة للإنسان هی رهن بسلامة معرفته: هناك ألوان مختلفة من المعرفة، وإنّ كلّ إنسان - وانطلاقا من قراراته التی یتّخذها فی البعدین الفردیّ والاجتماعیّ - یرسم لنفسه إما طریق السعادة أو الشقاء، بل وإنّ هذه الأشكال من المعرفة قد تقود المرء إلى تولّی مسؤولیّات اجتماعیّة أیضاً.
وفی معرض إشارة العلاّمة محمّد تقی مصباح الیزدیّ إلى أنّه ثمّة مساعٍ بُذلت بعد الثورة من أجل الارتقاء بمستوى المعلومات التی یحملها أفراد المجتمع وثقافتهم على كافّة الصعد قال سماحته: لكن لحدّ الآن لا زالت هناك مسافة كبیرة تفصلنا عن الهدف المنشود؛ ذلك أنّه حتّى أكثر قضایا الثورة أساسیّة لا زالت مبهمة بالنسبة للكثیر من المسؤولین الرفیعی المستوى فی البلاد، وإنّهم حتّى إذا رفعوا بعض الشعارات فإنّ میولهم إلى هذه الشعارات من الناحیة العملیّة سطحیّة.
وبیّن سماحة الیزدیّ أنّه منذ بدء تاریخ الحیاة البشریّة إلى یوم الناس هذا والسلطة والرئاسة فی الاُمم المختلفة هی فی حال تغیّر وتداوُل بین الأشخاص وأضاف: وهذه المسألة تتجلّى بكلّ وضوح لدى إلقاء نظرة عابرة على تاریخ البلدان المختلفة وتاریخ بلدنا، كما وأنّ الآیات القرآنیّة تؤیّد صحّة هذا المعنى أیضاً. وهو أمر مشهود حتّى فی تاریخ صدر الإسلام، حیث إنّ النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) لـم یُقبَر بعد حتّى تنازع البعض على الاستحواذ على السلطة وتسلّم مقالید الخلافة.
وعبر إشارة عضو مجلس خبراء القیادة إلى آیات عدیدة من القرآن الكریم أكّد على أنّ هذا التبدّل فی الحكومات وتداول السلطات هو من السنن الإلهیّة وقال: هذا التداول فی السلطات هو فی الحقیقة امتحان إلهیّ لاختبار الأشخاص والأحزاب، فعلى الرغم من أنّ الله عالِم بتفاصیل سجلّ أعمال الشخص ومنجزاته، لكنّ إرادته تقضی بأنّ یصوغ الأشخاص مصائرهم بأنفسهم.
وفی إشارة للعلاّمة مصباح الیزدیّ إلى أنّ جمیع الناس بما فیهم الأنبیاء (علیهم السلام) ممتحنون أضاف قائلاً: لقد كان انتصار الثورة الإسلامیّة امتحاناً أیضاً وإنّ كلّ مَن تولّى - نتیجة لهذه الثورة - منصباً أعلى كان امتحانه أصعب ومسؤولیّته أثقل.
وأردف سماحته قائلاً: إنّ أفراد الشعب الذین یتولّون مناصب واطئة ویشكّلون قاعدة الثورة فإنّ مسؤولیّتهم أقلّ وامتحانهم أسهل كما أنّ الله عزّ وجلّ یتجاوز بسهولة أكبر عن أخطائهم. أمّا المتصدّون لمناصب أعلى وأهمّ فمن حیث إنّ أیّ تقصیر منهم من شأنه أن یؤثّر على مصیر الاُمّة فإنّ مسؤولیّتهم تكون أكبر وامتحانهم أصعب أیضاً وإنّ زللهم لا یُتجاوَز عنه بسهولة.
ورأى اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة أنّ المعرفة الصحیحة وتوجیه الإرادة والدافع باتّجاه الحقّ هما من أهمّ العوامل المحدّدة لسلوك الإنسان وقال: قد یتّخذ المرء أحیاناً قراره بدافع من الهوى ثمّ یحاول تبریر ما قام به بشكل من الأشكال، فی حین یتعیّن علیه أوّلاً أن یدرس الأسباب ویختار السبیل القویمة حتّى وإن كانت لا تتلاءم مع میوله.
وتابع عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: لا زال بعض المسؤولین بعد مضیّ أكثر من ثلاثة عقود على انتصار الثورة یتصوّرون بأنّ منصب ولایة الفقیه دكّان للمعمّمین، بل ویتعاطون مع الولیّ الفقیه أحیاناً كمنافس لهم، من دون أن یعتقدوا بأنّ ولایة الفقیه هی منصب إلهیّ.
وتطرّق سماحته إلى تأثیر المیول والنزعات على اتّخاذ القرارات وقال: من الممكن لمیول من قبیل حبّ الإمام الخمینیّ أو العشق لقائد الثورة أن تكون منشأ لاتّخاذ قرارات صائبة، وفی المقابل فإنّ من الممكن أیضاً لحبّ المنصب والجاه والشهرة والثروة أن یكون سبباً لاتّخاذ قرارات وإنجاز أعمال باطلة.
وبیّن العلاّمة مصباح الیزدیّ أنّ المرء قد یكون على استعداد أحیاناً للتخلّی عن دینه، بل وعن دنیاه أیضاً، فی سبیل الشهرة وأضاف: إذن هناك مثل هذه الأخطار على القرارات التی یتّخذها الإنسان. ومن هنا لابدّ من الالتفات إلى أنّه إذا كان رضا الله عزّ وجلّ هو الدافع لاتّخاذ القرار كانت جمیع أعمال المرء عبادة، أمّا إذا كان الدافع هو الأنا صار سلوك المرء اتّباعاً للشیطان.
وعبر تأكید آیة الله الیزدیّ على أنّ الامتحان الإلهیّ یكون أصعب وأثقل على اُولئك المسؤولین عن مصیر الاُمّة قال سماحته: لقد كانت لی تجربة سیاسیّة واجتماعیّة طویلة لأكثر من ستّین عاماً وقد شهِدتُّ تحوّلات كثیرة عن كثب، ومع كلّ هذه التجربة فإنّنی لم أحتمل قطّ فی فتنة عام 2009م أنّ أشخاصاً أمضوا سنین طویلة فی خدمة الثورة الإسلامیّة بل وتقلّدوا مناصب رسمیّة بمرسوم من نفس الإمام الراحل (قدّس سرّه) كانوا على استعداد فی أواخر شیخوختهم أن یشتركوا فی مؤامرة للإطاحة بالنظام الإسلامیّ.
وأردف سماحته مخاطباً الحضور: ما من أحد على الإطلاق قد ضمن لنا السعادة والجنّة وإنّ الله تعالى إنّما وضعكم الآن فی هذه المناصب وأعطاكم هذه المسؤولیات كی یمتحنكم بها.
وأضاف العلاّمة الیزدیّ مؤكّداً مرّة اُخرى على ضرورة المعرفة الصحیحة والدافع الإلهیّ: یتعیّن علینا – سواء على صعید المعارف الأساسیّة أو على صعید القضایا المعاصرة – أن نرتقی بمستوى معرفتنا وأن نقتفی أثر المتخصّصین فی القضایا التی لا نحیط بها علماً.
ومن خلال أشارة سماحته إلى ضرورة الرجوع إلى مرجع التقلید فی القضایا الفردیّة قال: أمّا فیما یتعلّق بالأحكام والمسائل الاجتماعیّة المعاصرة فإنّه یتحتّم علینا اتّباع رأی الولیّ الفقیه، فإنّ وجود الولیّ الفقیه هو لهذا الغرض أساساً.
وعبر بیان عضو مجلس خبراء القیادة أنّ البعض یرى نفسه فی مستوى الولیّ الفقیه ورأیه معادلاً لرأی الولیّ الفقیه من حیث الأهمّیة أضاف قائلاً: إذا كنّا نعتقد بالولیّ الفقیه فعلینا أن نضع طاعته فی صلب جدول أعمالنا وأن نضع المعارضات والتوتّرات والأذواق الشخصیّة جانباً.
وأوضح سماحة آیة الله مصباح الیزدی أنّ المحور الأساسیّ لنشاطات الغرب یكمن فی الحرب الناعمة، وقال مؤكّداً على ضرورة عمل وزارة الأمن على تشخیص وتبیین سبل وآلیّات الحرب الناعمة: لقد انهار الاتّحاد السوفیتیّ باُسلوب الحرب الناعمة ولقد عمل الغرب على رسم وتنفیذ نفس الخطّة للإطاحة بالثورة الإسلامیّة، لكنّ الله عزّ وجلّ قد حفظ هذه الثورة ببركة الإمام الخمینیّ الراحل (رحمة الله علیه) وتضحیات أبناء هذا الشعب المخلص وزاد أعداءها خزیاً وخیبة یوماً بعد آخر.
وفی معرض إشارة اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة إلى أنّ جمیع الاُمور بید الله سبحانه وتعالى وما نحن إلاّ وسائل للامتحان تابع قائلاً: إنّ التوكّل على الله والتوسّل بأولیائه الأطهار هو أفضل عامل للاستقامة على الصراط المستقیم.