كان الاستاذ الشهید المطهّری، بما یمتلكه من میزات خاصّة، رمزاً للمعلّم فی النظام الإسلامیّ

قال آیة الله مصباح الیزدی: لقد أعطى الإسلام العلم والعالم والمعلّم منزلة مرموقة؛ حتّى إنّ بعض جوامع الروایات قد خُصّص لهذا الغرض.

ونقلاً عن مراسلنا فإنّ سماحة آیة الله مصباح، الاستاذ البارز فی الحوزة العلمیّة، وفی معرض إشارته لجانب من تلك الروایات، فی كلمة له خلال المراسم التی اُقیمت الإثنین الماضی إحیاءً للذكرى السنویّة لشهادة الاستاذ المطهّری، وتكریم الأساتذة النموذجیّین لمؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث، قال: لقد جاء فی أحادیث النبی الأکرم و أهل البیت (علیهم السلام) عبارات تحیّر العقول بخصوص منزلة العلم والعالم؛ نذكر من جملة ذلك الحدیث الشریف الوارد عن النبیّ الأكرم (ص) فی خطابه لأبی ذرّ: «یا أبا ذرّ! الجلوس ساعةً عند مذاكرة العِلم أحبّ إلى الله من قرأءة القرآن كلّه اثنی عشر ألف مرّة»؛ وقال فی حدیث آخر: «إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به» وإنّه على أساس هذه الروایة كان الشهید الثانی یذهب إلى درسه حافی القدمین.

وأضاف رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) قائلاً: كما یوجد فی المقابل من الروایات ما یذمّ بشدّة العلماء الذین لا یعملون بما اُوتوا من علم، أو الذین یتّخذون من العلم وسیلة لأغراضهم الدنیویّة، أو یسیؤون الإفادة منه.

وفی تحلیله لتلك الروایات قال آیة الله مصباح الیزدی: إنّ السرّ وراء أهمیّة العلم یكمن فی أنّه الفصل المقوّم للإنسان، وإنّ ما جعل الملائكة تسجد للإنسان هو >العلم<؛ ذلك لأنّ الله كان قد علّم آدم أسماءً «وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا» قبل أن یأمر الملائكة بالسجود لآدم (ع).

وصرّح سماحته: إنّ الظرفیّة والإمكانات المطلوبة لجعل المرء عالماً مُودَعة فی الإنسان وهی ما تفقدها الملائكة أنفسهم.

واسترسالاً فی حدیثه أضاف عضو مجلس خبراء القیادة (آیة الله مصباح): إنّ علم الإنسان هو غیر علم الحیوانات؛ فهو علم عن وعی واطّلاع وبإمكانه التأثیر على وجود الإنسان، وإیصال إنسانیّته إلى حیّز الفعلیّة، وجعله لائقاً لنیل مقام خلیفة الله؛ بالطبع لیس المقصود أیّ علم، بل إنّه ذلك العلم الذی تكون النیّة فی اكتسابه هی التقرّب إلى الله تعالى، ویكون خلواً من الجوانب السلبیّة.

كما وقال أستاذ الحوزة البارز مصباح الیزدی: من الممكن لكافّة العلوم أن تُوضَع على الجادّة المفضیة إلى الهدف النهائیّ المتمثّل فی معرفة الله والتقرّب إلیه؛ إذ أنّ تحدید الوجهة التی یتّخذها العلم هو بأیدینا. فإن كانت الغایة من المشاقّ والمعاناة التی یتجشّمها المرء من أجل تحصیل العلم هی أهداف دنیویّة، فسیحظى بنتائجها فی هذه الدنیا؛ أمّا إذا كانت فی سبیل الله فسیكون حینئذ ممّن «یُدعَى عظیماً فی ملكوت السماء».

وفی غضون استعراضه لبعض الممیّزات الشخصیّة للشهید المطهّریّ أضاف سماحة آیة الله مصباح الیزدی: لقد كانت علائم العبودیّة والإخلاص بادیة للعیان على كلّ خطوة یخطوها هذا العظیم، ولم یكن لیعیر أدنى اهتمام أو یكترث لاستحسان الآخرین وقبول المخاطَبین فیما یختاره من مواضیع ویتّخذه من مواقف على الصعیدین العلمیّ والاجتماعیّ.

وفی إشارة له إلى مسألة أنّ الأعداء كانوا قد عرفوا الشهید المطهّری قبل أن نعرفه نحن، قال سماحته: لم یعش الشهید المطهّری بعد انتصار الثورة الإسلامیّة إلاّ ثمانین یوماً، لكنّنا نشهد إلى یوم الناس هذا آثار أعماله ونشاطاته فی المجالات الاجتماعیّة المختلفة، وإنّه لیتحتّم علینا ونحن نُحیی ذكرى هذا الشهید أن نتعلّم من خصوصیّات هذا الشهید، لاسیّما ما یتعلّق بإخلاصه ومعنویّاته.

وفی الختام قال أستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة: الطریق الذی یتعیّن علینا سلوكه هو العثور على السبیل المفضی إلى التمسّك بأنوار أهل البیت (علیهم السلام) من خلال الإفادة من توجیهات وإرشادات أمثال الإمام الخمینیّ الراحل، والشهید المطهّری، وغیرهم من العظام الذین توجب المطالعة فی حیاة أیّ واحد منهم النورانیّة، وإنّ أبسط السبل وأكثرها تأثیراً فی هذا المضمار هی الإكثار من توسّلنا بالعترة الطاهرة (علیهم السلام) وأن نمدّ ید الاستجداء من هذا المنهل بصدق من نیّاتنا، وأن نعلم أنّنا مهما وصلنا من مقام ومنزلة فإنّنا نظلّ من السائلین اللائذین بهذا الباب؛ لأنّه «فما شیء منّا إلاّ وأنتم له السبب وإلیه السبیل».