آیة الله مصباح الیزدیّ: الارقتاء بالثقافة الدینیّة هو السبیل لنزاهة أجهزة الدولة

قال اُستاذ الحوزة العلمیّة فی قمّ المقدّسة لدى لقائه بعدد من مسؤولی الضرائب فی البلاد: إنّ الارتقاء بالثقافة الدینیّة لدى موظّفی الحكومة هو من أنجع السبل للمحافظة على نزاهة الأجهزة الحكومیّة والنهوض بمستواها.

وأضاف سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ فی إشارة له إلى أهمّیة الدور الذی تؤدّیه الضرائب فی إدارة البلاد: ممّا یؤسف له فإنّ التزامن بین تولّی حكومة جدیدة للسلطة فی بلادنا واكتشاف مصادر النفط أدّى إلى غفلة الحكومات المتعاقبة عن وضع نظام صحیح لجبایة الضرائب والإفادة منها وباتت قضیّة عدم اتّكال الدولة على عائدات النفط مجرّد شعار خلال ما یقرب من خمسین عاماً ولم تُتّخذ أیّة خطوة جادّة فی هذا المضمار، ونحن نطمح إلى حصول تحوّل حقیقیّ ومُجدٍ فی اقتصاد البلاد من خلال التوظیف الصحیح لأموال الضرائب.

وعدّ سماحته ارتكاز القانون الضریبیّ على العدالة من أركان النظام الضریبیّ الصحیح وقال: یتعیّن على المتخصّصین أن یسعوا ـ من خلال الإفادة من خبرات باقی الدول والانتفاع من التعالیم الإسلامیّة ـ إلی تنظیم قانون الضرائب بنحو یضمن حقوق الشعب بالإضافة إلى كونه نافعاً لاقتصاد البلاد.

وفی معرض إشارته إلى أنّه لا زالت الضرائب فی بلدنا تُفهَم بأنّها نوع من الاتاوة والمال المأخوذ عنوة اعتبر سماحته أنّ بناء الثقافة هو ركن آخر من أركان النظام الضریبیّ وأضاف: لابدّ للمؤسّسات الثقافیّة ووسائل الإعلام وحتّى المناهج الدراسیّة أن تنهض بدورها على صعید إصلاح نظرة وتصوّر المجتمع بخصوص الضرائب.

وعدّ عضو مجلس خبراء القیادة الاسلوب التنفیذیّ فی جمع الضرائب وإیداعها فی الخزانة هو الركن الثالث فی النظام الضریبیّ قائلاً: إن كون القوانین مبنیّة على العدالة لا یضمن لوحده تنفیذها بشكل عادل، فما لم یتمتّع المنفّذون للقانون بالإیمان والإخلاص اللازمین فسوف یُستغلّ القانون بشكل سیّئ.

ورأى سماحة استاذ الحوزة العلمیة أنّ وجود الخطأ والزلل فی أجهزة الدولة هو أمر لا یُنكَر وأضاف: على الرغم من أنّه حتّى فی أكثر المؤسّسات قداسة یمكن العثور على أشخاص یقعون فریسة للزلل والخطأ جرّاء الأهواء والنزوات، إلاّ أنّ المهمّ هنا هو خفض نسبة الخطأ إلى أقلّ قدر ممكن. وقال: لا وجود لنظام یكون مبرّأ من الخطأ والزلل تماماً. بل حتّى فی عهد خلافة أمیر المؤمنین (علیه السلام) حیث اُقیمت أكثر الحكومات عدلاً فإنّ مؤاخذة وتغییر عمّال الدولة وولاتها من قبل الإمام (علیه السلام) كان مؤشّراً على صدور المخالفات من هؤلاء.

وتابع العلامة الیزدیّ القول: لا یتحقّق الارتقاء بمستوى الثقافة الدینیّة من خلال تبادل الكتب الرسمیّة وإصدار القوانین؛ إذ مع اضمحلال القیم والمُثُل فی المجتمع فإنّه ینفتح، مع كلّ قانون جزائیّ، باب للتملّص والتفلّت من هذا القانون؛ أمّا إذا كان المنفّذون ملتزمین بالقیم والعقیدة الإسلامیّة فإنّ الموظّف سینجز عمله على أساس من الإنصاف حتّى مع وجود العجز والضعف فی القانون.

وأكّد سماحة الیزدیّ على ضرورة بناء الثقافة الدینیّة فی مؤسّسات الدولة مضیفاً: إذا تمّ ترسیخ الاعتقادات الدینیّة وآمن المسؤولون والموظّفون بأنّهم مسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى عن كلّ عمل یقومون به، فإنّهم لن یخالفوا أبداً وسیمارسون عملهم باحتیاط، وحتّى لو مورس الظلم بحقّهم فلن یجیزوا لأنفسهم ظلم الآخرین فی مقابل ذلك.

وفی إشارة له إلى أنّ وضع أجهزة الدولة الیوم أفضل بكثیر من ذی قبل قال آیة الله الیزدیّ: بالطبع لا یزال أمامنا طریق طویل للوصول إلى المطلوب.