سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ: إنّ صواریخ جمیع المؤامرات مصوّبة نحو ولایة الفقیه

قال العلامة مصباح الیزدیّ فی معرض إشارته إلى الأحداث الأخیرة: إنّ صواریخ جمیع هذه المؤامرات والمكائد مصوّبة نحو ولایة الفقیه.
وفی لقاءٍ جمع آیة الله مصباح مع أعضاء حزب الائتلاف الإسلامیّ قال سماحته: منذ صدر الإسلام وحتّى الیوم هناك أحداث جرت وتجری یطلق علیها مصطلح «الفتن». فحادثة مسجد ضرار فی عهد الرسول الأكرم (صلّى الله علیه وآله)، وقصّة السقیفة، وحرب الجمل وصفّین والنهروان كلّها أمثلة على ذلك.
وفی إشارة إلى تأكیدات قائد الثورة المعظّم عدّ سماحته أنّ أهمّ أداة لمواجهة الفتنة هی البصیرة وقال: البصیرة فی زمان الفتن لهی جوهرة نفیسة وهی تختلف نسبتها من شخص إلى آخر، ویتحتّم علینا أن نتضرّع إلى الله بالشكر على أن جعل فی قمّة هرم النظام الإسلامیّ قائداً تفوق بصیرته بصیرة جمیع المدّعین لها.
ونوّه آیة الله مصباح بإجماع الكلّ على أهمّیة البصیرة وقال: بید أنّ هنالك أشخاصاً وضعوا أنفسهم فی مقابل القائد بحیث یرون أنفسهم من أهل البصائر مدّعین امتلاكهم ذكاءً وتجربةً سیاسیّة وعملیّة أكبر، وأنّ لهم ارتباطاً بالمراكز العلمیّة والثقافیّة؛ لكن كیف لنا أن نشخّص أصحاب البصیرة الحقیقیّین؟
ومن خلال بیان أبعاد البصیرة والاستشهاد بآیات من القرآن الكریم أكّد عضو مجلس خبراء القیادة على ضرورة تجنّب النظرة السطحیّة للأمور وأضاف: إنّ الركیزة الأساسیّة للبصیرة هی التفكیر وإنّ على الإنسان أن یمتلك رؤیة ثاقبة إلى القضایا المختلفة؛ لأنّ الذین یقفون فی مواجهة النظام الإسلامیّ هم متآمرون قد أضمروا متطلّباتهم وراء ستُر وإنّ نیّتهم هی تحقیق أهدافهم عبر خداع الناس والاحتیال علیهم. فمع وجود مثل هؤلاء المخادعین فی مواجهتنا یجب علینا أن نكون یقظین وأن نمعن النظر بین ثنایا الأحداث وهذا الأمر لا یمكن تحقّقه إلاّ بالرؤیة الثاقبة والتفكیر العمیق.
وتابع رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث قائلاً: على الرغم من أنّ التفكّر هو من مستلزمات البصیرة، إلاّ أنّ التفكّر وحده غیر كاف؛ وذلك لأنّ الطرف المقابل الذی یحیك أكثر المؤامرات والمكائد شؤماً هو أیضاً أهل تفكّر؛ لكن لا یمكننا القول إنّ أمثال هؤلاء یمتلكون البصیرة. أمّا العنصر الثانی للبصیرة فهو الاستعمال الصحیح لهذه الوسیلة.
وأضاف سماحته: ومن أجل الاتّصاف بالتفكیر السلیم فقد علّمنا القرآن طریقة تعدّ ناجعة فی كافّة المجالات وهی الإفادة من المعلومات والیقینیّات فی حلّ المجهولات والمشكوكات. فكما أنّه یتعیّن علینا استخدام المعلومات للتوصّل إلى المجهولات فی حلّ المعادلات الریاضیّة، فإنّ علینا اتّباع نفس الاُسلوب فی الحوادث الاجتماعیّة.
واستطرد سماحة آیة الله مصباح فی حدیثه قائلاً: إنّ أیّ إنسان منصف فی تحلیله للأحداث الأخیرة والأعمال التی مارسها مثیرو الفتن وأعمال الشغب فإنّه سیلتفت إلى نقطة مشتركة فیها وهی أنّ الصواریخ المعادیة فی جمیع هذه الوقائع تستهدف ولایة الفقیه وأنّ نیّة الأعداء تصبّ فی تضعیف ولایة الفقیه.
وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة: منذ بدایات الثورة والبعض یطرح قضایا من قبیل الاُسلوب الرقابیّ لمجلس صیانة الدستور، وتوسیع دائرة صلاحیّات رئیس الجمهوریّة، و...الخ من أجل تضعیف مكانة الولیّ الفقیه. والیوم نشاهد أیضاً أنّ دعایة العدوّ فی جمیع وسائل إعلامه تنصبّ فی تضعیف روح الإسلام ومنزلة ولایة الفقیه.
وألمح سماحته إلى البصیرة والوعی المنقطعَی النظیر للإمام الخمینیّ (قدّس الله سرّه) وقال: حتّى فی زمان الإمام الراحل (ره) حیث كان العدوّ قد تلقّى من الإسلام صفعة موجعة فقد تعرّضت ولایة الفقیه ـ بعنوان كونها شعاراً لإسلامیّة هذا النظام ـ إلى هجوم عنیف وكان الهدف هو تضعیف ومحو أصل ولایة الفقیه. كان الإمام (ره) یدرك جیّداً أنّ تلك الدعایة لم تكن موجّهة ضدّ شخصه هو (ره) وقد نوّه إلى هذه المسألة مراراً وتكراراً.
وفی معرض إشارته إلى بصیرة السیّد القائد أضاف سماحته: وكأنّ روح الإمام الراحل تدبّ فی جسد القائد وهو بدوره یعمل بتكلیفه الإلهیّ بشجاعة كاملة كما كان الإمام الخمینیّ (ره).
وأضاف اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة: لو أنّ الولیّ الفقیه اُعطی ثروات العالم بأسره على أن یكفّ عن السعی وراء هدفه فهو لن یفعل ذلك أبداً، بل لو أنّ الجمیع وقفوا ضدّ الإسلام والمصالح الإسلامیّة فهو لن یتخلّى عن هدفه الإلهیّ المقدّس على الإطلاق كما حصل فی زمن الإمام الخمینیّ (ره) حیث لم یكن أیّ واحد من المقرّبین للإمام یوافقه الرأی فی بعض المجالات إلاّ أنّ الإمام الخمینیّ كان ینفّذ ما یراه صائباً حتىّ وقف الجمیع فیما بعد على صواب رأیه.
وأردف العلاّمة مصباح: باستطاعة الأعداء بشكل من الأشكال وعبر التهدید أو التطمیع أن یغووا أیّ شخص فی أیّ منصب كان لكنّ الشخص الوحید العصیّ على التطمیع والانحراف هو الولیّ الفقیه، وذلك لأنّ منصبه منصب إلهیّ ولیس لأیّ أحد القدرة على نصبه أو عزله؛ وذلك لأنّه لو خالف الولیّ الفقیه أحكام الإسلام لعُزل من نفسه، وحتّى إعلان مجلس خبراء القیادة لیس هو بمنزلة عزل للولیّ الفقیه بل هو بمثابة الإخبار بانعزاله. إذن فهذا المقام هو مقام إلهیّ لا یسیر إلاّ على طریق الإسلام ولیس ثمّة معنىً لتطمیع المتصدّی له أو لدفعه نحو الإنحراف.
وأردف رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث القول: بما أنّ الإسلام لا یتبدّل إلى كفر، وأنّه لا سبیل إلى انحراف القائد وهو سیصمد فی الدفاع عن بیضة الإسلام حتّى لو كلّفه ذلك حیاته، فإنّ العدو قد نزل إلى الساحة بكلّ ما لدیه من إمكانیّات ووسائل ومتخصّصین كی یحدّ من شخصیّة القائد، لأنّ إیران تقف شوكة فی عیونهم وقد أذعن الشرق والغرب معاً بحقیقة أنّه ما دام القائد موجوداً، فإنّه لا سبیل إلى حرف إیران عن مسیرها.
وعبر التأكید على ضرورة التحلّی بالبصیرة والدفاع عن القائد قال: إذا عمد أفراد معدودون ممّن یشغلون مناصب مرموقة إلى مثل هذه الفتن نتیجة حبّ السلطة والكرسیّ فلا ریب أنّ أصحاب المناصب الأدنى قد ابتلوا بمثل هذه الحوادث جرّاء ضعف البصیرة لدیهم.
ومن خلال الإشارة لبعض الأحداث قال سماحته: قد توجد فی جبهة الباطل أحیاناً بعض نقاط الحقّ كما قد یُعثَر فی جبهة الحقّ أحیاناً على بعض نقاط الضعف، وهذا هو المقصود من الفتنة أساساً وهو أن یبرز الباطل متستّراً بلباس الحقّ. لكنّه یجب على ذی البصیرة أن یمیّز الحقّ عن الباطل بدقّة ولا ینخدع بما یغطی الباطل من ستار ویلتفت إلى أصله.
وعدّ آیة الله مصباح الیزدیّ الدافع لطلب الحقیقة من العوامل الاُخرى لنیل البصیرة وقال: قد یكون للإنسان أحیاناً قوّة تفكیر جیّدة وقابلیّة على تمییز الحقّ عن الباطل، لكنّه فی تعامله مع الأحداث یصدر حكمه فی البدء بمقتضى میله القلبیّ ثمّ یعمد إلى تبریره، أو إنّه یحكم بشكل آخر انطلاقاً من المجاملات والصداقات، وفی هذه الحالة أیضاً لا یمكن القول إنّ هذا الشخص ذو بصیرة. نفهم من ذلك أنّه حتّى لو امتلك البعض قوّة فكریّة فائقة وامتازوا بالذكاء وتمكّنوا من تمییز الحقّ عن الباطل، لكن لمّا كانوا یفتقرون إلى الدافع لطلب الحقّ والحقیقة فهم فاقدون للبصیرة؛ فأشخاص كمعاویة هم من هذا النمط من الأشخاص الذین یستخدمون ذكاءهم لأهداف شیطانیّة.
ومن الجدیر بالذكر أنّ هذه المراسم قد اُقیمت یوم الخمیس الموافق 2010/01/21م فی صالون تشریفات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.