العلاّمة مصباح الیزدیّ: التقصیر فی أداء الواجب الثقافیّ هو خیانة لدماء الشهداء

قال اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة عند إشارته إلى أنّ التقصیر فی أداء الواجب یعدّ خیانة فی حقّ دماء مئات الآلاف من الشهداء والمعلولین الذین ضحّوا بالغالی والنفیس فی هذا السبیل، قال: إذا شهد عملنا انحرافاً فسوف یؤثّر ذلك فی المجتمع وفی الأجیال القادمة أیضاً وهذه المسؤولیّة تقع بالدرجة الاُولى على عواتق المنخرطین فی العمل الثقافیّ.

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ فقد عدّ رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث لدى اجتماعه بكوكبة من أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافیّة، عدّ أنّ الثورة الإسلامیّة لا نظیر لها فی العالم وقال: لم یكن لیُتصوّر أن یحصل تحسّن سریع فی جمیع أوضاع البلاد بمجرّد انتصار الثورة، ذلك أنّ البلاد كانت تواجه نواقص كثیرة منذ البدایة كما أنّ الأعداء أیضاً كانوا قد سعوا للإطاحة بالنظام الجدید بكلّ ما اُوتوا من قوّة، وإنّ تمكُّن النظام الإسلامیّ من الصمود بقیادة الإمام الراحل (قدّس سرّه) وجهود أصحابه كان أشبه بالمعجزة، لكن كان من الممكن التنبّؤ ـ اذا اخذنا بعین الاعتبار الظروف العینیّة وإمكانات المجتمع ـ بظروفٍ وزمان معقول من أجل تحسّن أوضاع البلاد وشؤونها.
ولدى إشارة آیة الله مصباح الیزدیّ إلى التطوّرات التی شهدتها البلاد على صعید المسائل العلمیّة والصناعیّة والاقتصادیّة شبّه سماحته تلك الاُمور بالمعجزة وأضاف فی الوقت ذاته: إنّ أهمّ مسائل الثورة الإسلامیّة هی العمق الثقافیّ؛ أی تلك الاعتقادات والمُثُل الإسلامیّة، ذلك أنّ الاختلاف بین هذا النظام وغیره من الأنظمة یكمن فی طابعه الثقافیّ، وإلاّ فانّه من الممکن العثور على إعمار وبناء فی بلدان اُخرى أیضاً.
وألمح سماحته إلى قضیّة أنّ النشاطات الثقافیّة، خلافاً للأعمال الاقتصادیّة والسیاسیّة والاجتماعیّة، تتأخّر فی إعطاء ثمارها ولا تظهر آثارها فی المجتمع إلاّ من خلال برامج وخطط طویلة الأمد، و عدّ سماحته أنّ مصدر النشاطات الثقافیّة هو الطاقات البشریّة ذات الفكر الوقّاد والإرادة الصلبة وتابع قائلاً: فی مطلع الثورة انبرى أشخاص من أمثال الشهید بهشتیّ، والشهید مطهّری، والشهید باهُنَر لسدّ هذه الثغرة فقاموا خلال بضعة أشهر قصیرة بالتأسیس لأعمال بنیویّة ننتفع نحن بثمارها إلى یومنا هذا، لكنّ الأعداء سبقونا فی التعرّف علیهم فأذاقوهم كأس الشهادة ملحِقین بذلك بالبلاد خسارة ثقافیّة ضخمة.
وتابع العلاّمة مصباح الیزدیّ قائلاً: باستشهاد هؤلاء العظماء واجه نظامنا فراغا فی المسؤولین الثقافیّین، وحتّى فی قضیّة أسْلَمَة الجامعات تصدّى للأمر أشخاص كانوا هم أنفسهم مصدراً للإشكالات وكانت كلّیات الحقوق والعلوم السیاسیّة فی قبضة أفراد عُلِم فیما بعد فسادهم. ونستطیع القول إنّ العدید من الأشخاص الذین نهضوا بأدوار فعّالة فی الفتنة الأخیرة كانوا قد تتلمذوا على ید أمثال هؤلاء الأساتذة.
واستطرد آیة الله مصباح الیزدیّ قائلاً: بالالتفات إلى وضع الجامعات وفی وقت كان الكثیر من المسؤولین من الطراز الأوّل فی البلاد یروّجون للعلمانیّة، كیف یا ترى نرجوا تحویل الجامعات إلى جامعات إسلامیّة؟!
وتابع استاذ الحوزة العلمیّة مضیفاً: حاول البعض فی السنوات الأخیرة أن یقوم ببعض التحرّك فی هذا المیدان، لكنّ الطریق لا زال یواجه إبهامات وتعقیدات ولا زلنا نعانی من العجز على صعید القدرات الفكریّة من أجل التخطیط والقدرات السیاسیّة من أجل الدعم والإسناد.
وفی إشارة إلى أشكال النقص الموجودة فی مجال اتّخاذ القرار وتنفیذ قرارات المجلس الأعلى للثورة الثقافیّة قال سماحة مصباح الیزدیّ: على الرغم من موقف الإمام الخمینیّ الراحل (قدّس سرّه) وقائد الثورة المعظّم (حفظه الله) حیث أکّدا علی أنّ القرارات التی یصادق علیها المجلس الأعلى للثورة الثقافیّة هی بحكم القانون، فإنّه لا زال هناك من الأشخاص، ممّن لم یدركوا إلى الآن المعنى الحقیقیّ لولایة الفقیه أو ممّن یُبطنون نیّات السوء، یرون أنّ صلاحیّات الولیّ الفقیه منحصرة فی الموارد المذكورة فی الدستور ویعتقدون بأنّه لیس للقائد الحقّ فی التدخّل فی سَنّ القوانین.
واسترسل سماحته فی حدیثه قائلاً: كان من الممكن التفكیر بحلّ بسیط (كما تبادر إلى أذهان السادة أخیراً) وتمریر مادّة واحدة فی المجلس وهی أنّ ما یصادق علیه المجلس الأعلى للثورة الثقافیّة هو فی حكم ما یصادق علیه مجلس الشورى الإسلامیّ كی لا یتمكّن ذوو النیّات السیّئة من إیجاد خلل فی القرارات المصادق علیها من قبل مجلس الثورة الثقافیّة.
ولدى تأكید آیة الله مصباح الیزدیّ على أنّ إسلامیّة الثورة هی بثقافتها الإسلامیّة قال: إنّ المشكلة الاُخرى التی یعانی منها المجلس الأعلى للثورة الثقافیّة هی إلقاء المسائل السیاسیّة بظلالها على المسائل الثقافیّة، ذلك أنّه إذا صارت الثقافة اُلعوبة بید الساسة فإنّهم سیفسّرون القوانین وینفّذونها وفقاً لما تشتهی أنفسهم، حتّى وإن كانت قرارات المجلس الأعلى فی حكم القانون.
وحسب قول سماحته فإنّ المشكلة الاُخرى هی وجود الثغرات فی آلیّات الرقابة والمتابعة لتنفیذ ما یصادق علیه المجلس الأعلى للثورة الثقافیّة الأمر الذی یؤدّی إلى عدم تمتّع قرارات هذا المجلس بضمان تنفیذیّ وعدم وجود من یطالب بإنجازها.
كما ورأى سماحة مصباح الیزدیّ أنّ المشكلة الاُخرى هی عدم اهتمام المسؤولین التنفیذیّین بتنفیذ تلك القرارات وقال: لربّما أحجَمَ مسؤول ـ حتّى من دون سوء قصد ـ عن تنفیذ قانون مصادق علیه اعتقاداً منه لمخالفته للمصلحة، اللهمّ إلاّ أن یخاف من مسؤول أعلى منه أو أن یكون له دافع شخصیّ فی تنفیذه.
وتابع رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث مضیفاً: وبعیداً عن المشاكل القانونیّة والسیاسیّة، یتعیّن علینا أن نرسّخ الشعور بالمسؤولیّة فی أنفسنا. فإنْ وُجِد الدافع للعمل فإنّنا ـ ومن أجل بلوغ ما نصبوا إلیه من أهداف ـ نسعى ونجتهد ونتابع لنصل إلى النتیجة المرجوة، أمّا إذا حُرمنا من الدافع فإنّنا سنبحث عن عذر لعدم القیام بذلك.
وقال سماحته: یجب على الإنسان أن یلتفت إلى أنّه مسؤول أمام الله عزّ وجلّ، فإنّ تأیید بعض الناس لشخص معیّن حفاوة به لفوزه بأصوات الناخبین یُفصح ـ فی الحقیقة ـ عن عدم إحساسهم بالمسؤولیّة وعدم اعتبار أنفسهم مسؤولین أمام الله تعالى.
وألمح العلاّمة مصباح الیزدیّ إلى أنّ التقصیر فی أداء الواجب یعدّ خیانة فی حقّ دماء مئات الآلاف من الشهداء ومعلولی الحرب واُولئك الذین تحمّلوا فی هذا الدرب وطأة التعذیب لأعوام طوال وقال: إذا لاقى عملنا انحرافاً فسوف یؤثّر ذلك فی المجتمع والأجیال القادمة أیضاً. وهذه المسؤولیّة تقع بالدرجة الاُولى على عواتق المنخرطین فی العمل الثقافیّ فی البلاد؛ بالطبع قد یرتكب آخرون بعض المعاصی لكنّهم لا یكونون مسؤولین عن كفر المجتمع وانحرافه دینیّاً وفكریّاً.
وتطرّق عضو مجلس خبراء القیادة إلى ذكر بعض النماذج وقال: إنّ خطاباً أو كلاماً واحداً، یبدو فی الظاهر أنّه تشكیك فلسفیّ، قد یقتلع ـ فی الحقیقة ـ اُصول جمیع المعتقدات والقیم ویكون منشأ لكفر الملایین من الناس.
وفی إشارة لسماحته إلى مبحث العلوم الإنسانیّة، وأسلمة الجامعات، ومسائل الساعة الثقافیّة، وغیرها من البحوث المتعدّدة المطروحة فی هذا المضمار قال: تقضی القاعدة العقلائیّة فی كلّ أمر بالرجوع إلى المتخصّص فیه وفی البحوث الإسلامیّة والثقافیّة أیضاً لابدّ من الرجوع إلى الخبراء فی هذا المجال، ولا ینبغی لاختلاف الأذواق فی طرق الإدارة أن یؤدّی إلى إغفال المباحث التخصّصیة والعمل وفقاً للأهواء أو أخذ المشورة من غیر المتخصّصین فیما یتعلّق بالشؤون الإسلامیّة، ذلك أنّ اتّباع مثل هذا النهج هو أمارة على افتقاد الهمّ الدینیّ والانصیاع خلف الأهواء والنزوات.
 

آخرین محتوای سایت

تحصیلات دینی خواهران؛ ضرورت‌ها و موانع
بسم الله الرّحمن الرّحیم الحمد لله ربّ العالمین و صلّی الله علی سیّدنا محمّد وآله الطّاهرین...
القرآن الكريم دواء أصعب الأمراض
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. اللهُمّ...
کتاب صوتی «بدرود بهار» منتشر شد.
در واپسین روزهای ماه مبارک رمضان، کتاب صوتی «بدرود بهار» در پایگاه اطلاع‌رسانی آثار حضرت‌آیت‌الله...