العلاّمة مصباح الیزدی: المسجد والصلاة یشكّلان جانباً واحداً من جوانب الدین

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد عدّ رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث لدى لقائه مع جمع من أساتذة المعارف الإسلامیّة فی الجامعات والمعلّمین – عدّ الثورة الإسلامیّة واحدة من أعظم حوادث التاریخ البشریّ وقال: إنّ من غیر الممكن تقییم هذه الثورة وقیاسها بغیرها من أحداث العالم، ذلك أنّه على الرغم من كثرة تأثیرات هذه الثورة فی العالم لكنّها لم تعط كلّ ثمارها لحدّ الآن.
ورأى العلاّمة محمّد تقی مصباح الیزدی أنّ أصل هذه الشجرة الطیّبة المتمثّلة بالثورة هی الثقافة وأضاف: إنّ لهذه الثورة أبعاداً متنوّعة، لكنّها فی البعد الثقافیّ على وجه الخصوص قد قدّمت أفضل ما لدیها إلى العالم؛ ذلك أنّها تنهل من تلك الشجرة الطیّبة المتجسّدة فی القرآن الكریم وأهل بیت العصمة والطهارة (علیهم السلام).
وعدّ سماحته المعتقدات والقیم عنصرین أساسیّین من عناصر الثقافة وقال: فهذه المعتقدات والقیم هی التی تشكّل هویّة الإنسان. ونحن بحاجة إلى مساعی مدروسة ومخطَّط لها من أجل أن تعطی الثقافة الإسلامیّة اُكُلها، لكنّنا - للأسف الشدید - لم ننجز لحدّ الآن ما ینبغی إنجازه فی هذا المضمار.
ورأى عضو مجلس خبراء القیادة أنّ التحوّل على الصعید الثقافیّ مرهون بتحوّل فی المؤسّسات الصانعة للثقافة وقال: أخیراً وبعد مضیّ ثلاثة وثلاثین عاماً التفت المسؤولون فی البلاد إلى هذه الحقیقة، لكنّ تحوّلاً كهذا لا یتمّ عبر التجهیزات المادّیة والمال والسلاح والتجهیزات الحربیّة وسائر الخطط والفعالیّات التی تقع ضمن إطار الشؤون السیاسیّة؛ ذلك أنّ الثقافة تتعامل مع أرواح البشر وعقولهم وعواطفهم، ومن هنا فإنّ الثقافة تُصاغ على مدى قرون من الزمن.
وفی إشارة لسماحة مصباح الیزدی إلى آفة ثقافیّة تمّ إقحامها فی المجتمع فی عهد القاجار على ید مجموعة من الشیاطین أضاف: لقد استشرت هذه الآفة منذ ذلك الحین إلى یومنا هذا إلى درجة أنّها أصابت كافّة المجتمع تقریباً بحیث إنّه بعد مضیّ ثلاثة وثلاثین عاماً من عمر الثورة وعلى الرغم من الجهود الثوریّة التی بذلها الإمام الراحل (قدّس سرّه) وقائد الثورة المعظّم فإنّنا لم نوفَّق حتّى الآن إلى الرجوع إلى الثقافة الإسلامیّة الأصیلة ولا زالت المؤسّسات الثقافیّة تعانی إلى هذه اللحظة من آثار الثقافة الغربیّة الأمر الذی یستلزم ثورة لتغییره.
وتابع استاذ الفلسفة الإسلامیّة قائلاً: وعلى الرغم من تأسیس هیئة الثورة الثقافیّة برعایة الإمام الراحل (رحمه الله) منذ أوائل الثورة الإسلامیّة لكن ینبغی أن نفهم أنّ الثورة الثقافیّة تختلف عن الثورة السیاسیّة والعسكریّة؛ ذلك أنّها تستغرق وقتا طویلاً جدّاً ولا تعطی نتائجها خلال فترة قصیرة.
وفی معرض إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى أنّه على الرغم من أنّ التجهیزات والإمكانیّات المادّیة مؤثّرة أیضاً فی الثورة الثقافیّة غیر أنّ الطاقات البشریّة تُعدّ أهمّ ما یتطلّبه هذا النمط من الثورة قال: الثورة الثقافیّة هی ثورة تعتمد بالدرجة الاولى على الطاقات البشریّة التی ینبغی أن تكون - من حیث الكمّ والكیف - بحیث تستطیع أن تؤثّر ثقافیّاً على كلّ مكوّنات المجتمع وأن تحیی الثقافة الإسلامیّة.
ونوّه العلاّمة مصباح الیزدی إلى دور عدد من الناشطین الثقافیّین من أمثال الشهداء الدكتور بهشتیّ، وباهنر، ومفتّح ومطهّری فی الثورة الإسلامیّة وأضاف: لقد احتلّت الكوادر الثقافیّة مركز الصدارة بین الكوادر الثوریّة وقد خطت خطوات واسعة من أجل الثورة الإسلامیّة، غیر أنّ هذه الكوادر لم تكن متناسبة من حیث الكمّ مع حاجات المجتمع.
وعبر تأكید العلاّمة مصباح الیزدی على ضرورة تنشئة كوادر ثقافیّة متخصّصة كمّاً وكیفاً أضاف: على الرغم من أنّ هناك مَن ترعرع فی حِجر الثورة الإسلامیّة وأنّ الحال من حیث الكمّ أفضل بعض الشیء، أمّا من حیث الكیف فإنّه لم یتحقّق نموٌّ مناسب مع هذه الثورة التی تهدف فیما تهدف إلى تغییر ثقافة العالم وتمهید الأرضیّة لظهور صاحب العصر الإمام المهدی المنتظر (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف).
وأشار مفسّر القرآن الكریم إلى بعض النشاطات الثقافیّة هنا وهناك ثمّ قال: لقد هُیّئت الأرضیّة - برعایة صاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) وتدابیر قائد الثورة المعظّم - لإنشاء جامعة تأخذ على عاتقها تنشئة كوادر متخصّصة، وإنّ كلّ مَن یجد فی نفسه القدرة على التأثیر فی تنمیة هذا المشروع والارتقاء بمستواه كمّاً وكیفاً فهو مكلّف بالعمل؛ ذلك أنّ الحركة المذكورة هی عبارة عن عمل تأسیسیّ.
وأشار سماحته فی جانب آخر من كلمته إلى أنّ الثقافة الموجودة فی كلّ مجتمع إنّما تتجلّى فی مؤسّساته الاجتماعیّة وأضاف قائلاً: بالنظر إلى أنّ نظامنا هو نظام إسلامیّ فلابدّ أن تكون ثقافته ثقافة إسلامیّة، لكنّ المشكلة هی أنّنا وفی معرض تبییننا للإسلام نُبتلى ببعض الإبهام والتحیّر بل وأحیاناً ببعض التناقض والتزاحم فی خطابنا.
وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: على الرغم من أنّ هذه التزاحمات ناشئة عن علل قابلة للفهم، بید أنّه یجب علینا أن نعی بأنّنا نعرف الإسلام عبر عناوین مختلفة تشكّل بمجموعها باقة ورد عطرة.
وعبر بیان سماحة مصباح الیزدی بأنّنا نعتقد وفقاً لرؤیتنا التوحیدیّة بأنّ للعالم كلّه أجزاء منسجمة تخضع لنظام واحد، تابَع سماحته قائلاً: إنّ جمال المجتمع ونموّه وتكامله هو رهن بوجود مثل هذا النظام الموحّد، وبالطبع لابدّ من الالتفات إلى هذه الحقیقة وهی كما أنّ النظام التكوینیّ یُدار بتدبیر إلهیّ واحد، فإنّ النظام التشریعیّ أیضاً یدار بتشریع إلهیّ واحد.
وفی معرض إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى أنّ الإسلام هو أكمل الأدیان التی أنزلها الله من أجل تكامل البشر أضاف: هذا الدین لیس هو شیئاً مبعثراً، بل هو عبارة عن مجموعة فكریّة ورؤیة جامعة ترتبط أجزاؤها ببعضها البعض، لكنّنا مع شدید الأسف لم نوفَّق خلال هذه الفترة التی استغرقت ثلاثة وثلاثین عاماً فی تبیین هذه الحقیقة فی مراكزنا التعلیمیّة.
وقال سماحة مصباح الیزدی: لا یقتصر دین الإسلام على المسجد واللطم وزیارة العتبات المقدّسة فحسب. فعلى الرغم من أهمّیة هذه المسائل لكنّها تشكّل جانباً واحداً من عشرات الجوانب فی الدین.
وقال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث مستعرضاً لبعض النماذج: إنّ جمیع أجزاء الإسلام وأقسامه ترتبط ببعضها برابطة عضویّة وباطنیّة فهی تشكّل بمجموعها رداءً یغطّی جمیع أبعاد الحیاة البشریّة وصبغة إلهیّة تصطبغ بها كافّة شؤون البشر الحیاتیّة، وإنّ إغفالَنا لجزء من الدین هو بمعنى تعریفنا له بأنّه دین معیب ویمسی طرحه للعالم على هذا النحو.
وفی إشارة لسماحته إلى وجود بعض أشكال القصور فی المجتمع الإسلامیّ قال: بعض من یتّسم بالسذاحة وسطحیّة الرؤیة یقول عند مواجهته لبعض المشاكل فی المجتمع: «لا ینبغی للمجتمع الإسلامیّ أن یشكو مثل هذه المشاكل»، فی حین أنّها مشاكل تافهة للغایة قیاساً بالقضایا الأساسیّة للإسلام والاُمّة الإسلامیّة التی تواجه تهدیدات جدّیة.
وأكّد العلاّمة مصباح الیزدی مجدّداً على وجود أواصر باطنیّة بین جمیع أجزاء الدین وقال: لو انعدم الاتّصال بین جذور شجرة الإسلام وأغصانها لماتت تلك الأغصان وتساقطت على الأرض.
وأكّد سماحة مصباح الیزدی فی ختام حدیثه على أنّنا إذا تعرّفنا على الأواصر بین جمیع أجزاء الدین وعرّفنا الآخرین بها لحُلّ الكثیر من هذه الإعوجاجات الفكریّة وما یُتصوَّر بأنّه مشاكل، ولأصبنا توفیقات أكبر فی تربیتنا للأجیال القادمة.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد جرى بتاریخ 21 أیّار 2012م فی قاعة مؤتمرات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.