آیة الله مصباح الیزدیّ: الجمهوریّة الإسلامیّة تعانی من نقص الثقافة الإسلامیّة

قال العلامة مصباح الیزدیّ: الحكومات العلمانیّة تعتبر وظیفتها منحصرة فی تأمین المتطلّبات المادّیة للشعوب؛ إلاّ أنّ أكثر وظائف الحكومة الإسلامیّة أصالة هی حفظ الإسلام وإنّ الجمهوریّة الإسلامیّة تعانی من نقص فی الثقافة الإسلامیّة.
وقال سماحته فی لقاء مع جمع من أعضاء التعبئة الجامعیّة لأساتذة جامعات البلاد: الثورة الإسلامیّة فی إیران كانت تحوّلاً شاملاً ولیس مجرّد تغییر نظام حاكم؛ بل إنّ جمیع شؤون البلاد قد شهدت تحوّلاً.
وعدّ سماحته أنّ أساس الثورة الإسلامیّة یرتكز على الفكر وأضاف: لابدّ من الارتقاء بالفكر الثوریّ لأبناء الشعب، إذ من الممكن الهیمنة بالقوّة على كلّ شیء ما عدا فكر الشعب وعقیدته.
واعتبر عضو مجلس خبراء القیادة أنّ الدافع القویّ هو العامل المهمّ لحركة المجتمع وقال: بعد انتصار الثورة الإسلامیّة ومع وجود التوقّعات بأنّ بعض دول المنطقة وسائر الدول المستعمرة كانت عازمة على إلحاق الضرر بالثورة والنظام الإسلامیّین وكان الاهتمام بالمسائل العسكریّة یبدو ضروریّاً، بید أنّ ضعف الدافع فی هذا المجال قد أدّى إلى عدم اتخاذ خطوات جادّة على طریق تحكیم البنیة العسكریّة؛ إلاّ أنّ الأعوام الثمانیة للدفاع المقدّس ومواجهة المشاكل المتعدّدة فی الحرب كان قد أدّى إلى خلق دافع قویّ لتطویر الصناعات العسكریّة كانت نتیجته التقدّم المذهل للجمهوریّة الإسلامیّة على الصعید العسكریّ.
وفی معرض الإشارة إلى أشكال المقاطعة الاقتصادیّة ضدّ الجمهوریّة الإسلامیّة قال سماحة مصباح الیزدیّ: لقد كانت هذه المقاطعات والضغوط سبباً لوصول بلدنا إلى الاكتفاء الذاتیّ فی مختلف المجالات الصناعیّة والإنتاجیّة، وذلك لأنّ الدافع یقوى عند مواجهة التحدیّات.
وألمح إلى أنّ الإنسان فی الظروف العادیّة لا یستغلّ كلّ إمكاناته وطاقاته للوصول إلى الهدف المنشود وأضاف: إنّ وجود المشاكل والنواقص تدفع الإنسان إلى توظیف أقصى قدراته للتخلّص منها وإزالتها.
وفی إشارة إلى التقدّم السیاسیّ الحاصل فی إیران اعتبر سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ أنّ سیاسة إیران الدولیّة فی السنوات القلیلة الماضیة لا نظیر لها فی العالم وقال: حتّى الأعداء أقرّوا بهذه المسألة وهی أنّ إیران كانت هی المنتصرة فی سیاستها الخارجیّة.
وفی معرض الحدیث عن التطوّر الذی شهدته البلاد فی المیادین المختلفة انتقد آیة الله مصباح الیزدیّ الوضع الثقافیّ الراهن وقال: على الرغم من مضیّ ثلاثین عاماً على انتصار الثورة الإسلامیّة لا یوجد هناك دافع لنشر الثقافة الإسلامیّة. لیس هذا فحسب بل إنّ البعض لا زال غیر معتقد بضرورة ذلك.
وعدّ اُستاذ الحوزة العلمیّة فی قمّ المقدّسة أنّ هدف الثورة الإسلامیّة هو ترویج الثقافة الإسلامیّة والعمل بقوانین الإسلام وأضاف: لقد أكّد الإمام الخمینیّ (قدّس سرّه) منذ بدایة الثورة على ضرورة تشكیل «مجلس الثورة الثقافیّة» وكان القرار هو عدم إعادة فتح أبواب الجامعات ما لم یتمّ إصلاح الوضع الثقافیّ فیها؛ إلاّ أنّ استغلال الأعداء لمسألة إغلاق الجامعات وبذریعة الوقوف أمام التخلّف العلمیّ فی البلاد فقد تمّ فتح الجامعات ثانیة؛ لكنّه لم تُتّخذ بعد ذلك إلاّ القلیل من الخطوات على هذا الصعید.
وأضاف سماحته: بعض الشخصیّات من ذوی البصیرة الثاقبة كسماحة قائد الثورة المعظّم ومنذ فترة رئاسته للجمهوریّة وعبر تذكیره بنشاطات الأعداء المتمثّلة فی الغزو الثقافیّ، والنهب الثقافیّ، والغارة الثقافیّة، و«الناتو» الثقافیّ فقد كان یؤكّد على لزوم نشر الثقافة الإسلامیّة الغنیّة من أجل الوقوف بوجه نشاطات الأعداء ومخطّطاتهم.
وأشار العلاّمة مصباح الیزدیّ إلى الأحداث الأخیرة التی شهدتها البلاد والإهانة لأكثر أحكام الدین ضرورة وأكثر المسائل فی البلاد قداسة مضیفاً: فی فترة من الزمن لم یكن أحد لیجیز لنفسه إهانة ولو صورة مرجع دینیّ؛ لكنّنا نشهد الیوم أنّ الإهانة قد طالت حتّى الشخصیّة المقدّسة لسیّد الشهداء (علیه السلام). فی أوائل أیّام الثورة انهمك البعض فی نشر الدین فی حال تغلب علیه الصفة العرفانیّة؛ إلاّ أنّ الأمور قد بلغت بهم حدّاً أنّهم بعد الخروج من إیران والسكنى فی البلدان الغربیّة باتوا یشكّكون حتّى بوجود الله وعصمة الأنبیاء والوحی وهذا الأمر هو إیذان بالسقوط والتقهقر الثقافیّین.
ونوّه سماحة مصباح الیزدیّ إلى الانحطاط الثقافیّ فی العالم وقال: الیوم ومن خلال وسائل كالهاتف الجوّال، والصحون اللاقطة (الساتلایت)، والانترنیت أصبحت المفاسد سهلة المنال للجمیع ولمّا كان من غیر الممكن محو مثل هذه الوسائل فإنّه یتوجّب علینا، عبر الاستفادة من العوامل الإیجابیّة، السعی الحثیث لنشر وتقویة الثقافة الإسلامیّة.
وقال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث: فی ظروف كهذه انقسم الناس إلى جماعات عدّة: فطائفة تعتقد أنّه لا طائل من مواجهة الثقافة الغازیة ولیس لنا من بُدّ سوى القبول بها.
وتابع سماحته قائلاً: كما ویعتقد البعض الآخر أن لیس على عاتق الحكومة أیّ تكلیف فی هذا المضمار وعلى البلد الإسلامیّ، حاله حال البلدان الاُخرى، أن لایبدی أیّ ممانعة فی هذا المجال؛ وذلك لأنّ الدین والثقافة أمران شخصیّان وأن وظیفة الحكومة تقتصر على تأمین أمن الشعب ومصالحه المادّیة؛ بل إنّ البعض ومن خلال طرح الشعارات ینوی توفیر وسائل اللهو والفساد المحرّمة للشباب بحجّة احترام جیل الشباب.
وتابع سماحته: هؤلاء یعتقدون بأنّه لا ینبغی للحكومة أن تتدخّل فیما یتعلّق بأخلاق المجتمع وثقافته وفی هذا السیاق فقد روّجوا لثقافة التساهل والتسامح ووضعوا العنف فی الطرف المقابل لهما وقبّحوه. هؤلاء الأشخاص قد داسوا علناً قوانین الإسلام تحت أقدامهم بذریعة أنّها خشنة وأنّها مخالفة للبیان العالمیّ لحقوق الإنسان.
ومن خلال تبیینه أنّ الجمهوریّة الإسلامیّة تعانی من نقص فی الثقافة الإسلامیّة تابع قائلاً: إنّ الحكومات العلمانیّة لا ترى من تكلیفها سوى تأمین المتطلّبات المادّیة لشعوبها؛ إلا أنّ أكثر وظائف الحكومة الإسلامیّة أصالة هی حفظ الإسلام. وإذا تصفّحنا خطابات الإمام الخمینیّ (ره) لوجدنا أنّه كان دوماً یُولی الدین الإسلامیّ والحفاظ علیه أهمّیة بالغة ویحدّد الهدف من الثورة بأنّه إقامة الدین الإسلامیّ.
وأضاف سماحته: إنّ نشر الثقافة الإسلامیّة الغنیّة فی المجتمع یحتاج إلى زمان طویل؛ إذ أنّ التحوّل الثقافیّ بطیء بخلاف التحوّل السیاسیّ؛ لكن لابدّ لهذا العمل أن یبدأ من نقطة ما.
وعدّ سماحته أنّ الجامعة هی الغرض الأساسیّ لمخطّطات الأعداء وقال: الثقافة الإسلامیّة والإیمان بالدین هما الیوم عرضة لأبشع الأخطار ولا ینبغی لنا فی هذا المضمار أن نبدی تقاعساً أو ضعفاً؛ بل علینا من خلال الدراسة العلمیّة والبحث تشخیص المشاكل ومواطن العجز ثمّ السعی ـ بعد تعیین أهداف قصیرة، ومتوسّطة، وبعیدة الأمد ـ إلى بلوغ تلك الأهداف.
وذكر العلاّمة مصباح الیزدیّ مستشهداً بآیة من الذكر الحكیم أنّ الثورة الإسلامیّة راسخة وخالدة وقال: الحافظ الرئیسیّ لهذه الثورة هو الله المتعال وهذه الثورة ستدوم إلى الأبد؛ لكن إذا لم نحسن نحن صیانة هذه الأمانة فسیستبدل بنا الله قوماً آخرین. إذن علینا أن نكون اُمناء جیّدین ونقدر هذه النعمة حقّ قدرها ونبذل قصارى الجهود فی نشر الإسلام.
واستطرد آیة الله مصباح الیزدیّ فی حدیثه قائلاً: لا ریب أنّ هذه المسیرة ستعانی من المشكلات والنواقص؛ إلاّ أنّ قدرة الله غیر محدودة ووعده لا یُخلَف وقد وعد جلّ وعلا أنّه إذا وُجدت فی طریق الدین عقبة أو عجز فسیبادر هو تعالی إلى رفعها.
وأكّد أنّ علینا الخطو فی هذا الطریق بكلّ ما اُوتینا من عزیمة وبدافع قویّ وقال: لا یمكن تنفیذ أیّ عمل جبّار ومهمّ من دون تخطیط وبرمجة وكما یتحتّم قضاء ساعات من العمل والتخطیط من أجل إحداث فرع دراسیّ فی جامعةٍ ما، فإنّه من أجل نشر الثقافة الإسلامیّة والشروع بهذه المسیرة العظیمة یتعیّن التخطیط لذلك تخطیطاً دقیقاً وعلمیّاً والتقدّم إلى الإمام خطوة فخطوة.
وتابع مشیراً إلى خطاب سماحة السیّد القائد فقال: إنّ قول سماحته فی أنّ: «الفتنة القادمة ستكون أعمق» لیس هو من غیر حساب وتدبّر وما علینا إلاّ أن نجهّز أنفسنا ونكون على اُهبة الاستعداد. وذلك لأنّنا نتعامل مع أعداء یدأبون منذ 200 عام على رسم وتنفیذ مخطّطاتهم الاستعماریّة وكلّ یوم هم یتصرّفون بمزید من الدهاء والحنكة فی هذا المجال. إذن یجب علینا معرفة ما یقع علینا من تكلیف وأن نبذل كل ما بوسعنا فی سبیل العمل به.