العلامة مصباح الیزدیّ: البصیرة ـ فی الحقیقة ـ هی الحصول على معلومات كاملة عن أهداف الخصم ودوافعه وقدراته وإمكانیّاته ومؤیّدیه فی الداخل والخارج

قال عضو مجلس خبراء القیادة: إنّ الهدف من السیاسة البشریّة والدنیویّة هو نیل المناصب والسلطة، فی حین أنّ السیاسة الإلهیّة تهتمّ كثیرا بالسیاسة لكن لیس بعنوان كونها هدفا وإنّما للعمل فی سبیل مرضاة الله وخدمةً لعباده، وبالطبع مع اضافة قید وهو أنّه لا یمكن فی السیاسة الإلهیّة الإفادة من أیّ وسیلة وإن كانت فاسدة أو محرّمة للوصول إلى الهدف، ذلك أنّ الحرام لا یجرّ إلاّ إلى الحرام.
حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ، فقد أشار عضو مجلس خبراء القیادة فی الاجتماع الذی عقد تحت شعار «الثورة الإسلامیّة ونظرة تحلیلیّة للقضایا السیاسیّة المعاصرة» إلى أنّ مسألة الثورة الإسلامیّة كانت مطروحة منذ خمسین عاماً وقال: لقد كان هذا البحث مطروحاً قبل انتصار الثورة وقد طُرح أیضاً بعد انتصارها بنفس هذا الاسم، أی: الثورة الإسلامیّة والجمهوریّة الإسلامیّة.
ونوّه سماحته بقید «الإسلامیّة» فی اسم الجمهوریّة الإسلامیّة الإیرانیّة وقال: جمیع المؤسّسات التی تمّ تشكیلها بعد انتصار الثورة كانت تحمل لاحقة «الإسلامیّة»، لكنّ بعض مسؤولی البلاد الذین احتلّوا المناصب فی الدورات السابقة عدّوا ـ عبر أفعالهم وحتّى فی أقوالهم ـ قید الإسلام هذا قیداً شكلیّاً لیس غیر.
وألمح سماحته إلى أنّ تسمیة الأشیاء مع درج هذه اللاحقة صار أمراً عادّیاً وأضاف: لعلّ هناك من الجمعیّات ما یلیق لها لاحقة «ضدّ الإسلامیّة» أكثر لكنّ اسمها یحوی لاحقة «الإسلام»، بید أنّه لابدّ من الالتفات إلى أنّ ثورتنا كانت إسلامیّة وینبغی أن تكون مؤسّساتها إسلامیّة أیضاً، وهذا هو عین ما أكّد علیه مؤسّس هذه النهضة العظیمة منذ الیوم الأوّل لنهضته، فلو أنّنا أمعنّا النظر فی خطاباته فسنجد أنّ ما كان یتصدّر اهتماماته هو قضیة الإسلام.
وفی معرض إشارة العلامة مصباح الیزدیّ إلى عبارة المرحوم آیة الله المدرّس المشهورة اعتبر أنّ القسم الأعظم من الإسلام مرتبط بالسیاسة الإسلامیّة، وقال: السیاسة هی تدبیر شؤون المجتمع، ولقد بلور الإمام الخمینیّ الراحل (رحمه الله) جملة آیة الله المدرّس هذه فی المجتمع على أرض الواقع.
واستعرض عضو مجلس خبراء القیادة خصوصیّات الثورة الفرنسیّة الكبرى وثورة اكتوبر فی روسیا مقارناً بینهما وبین ممیّزات الثورة الإسلامیّة الإیرانیّة، وأضاف: بعد مضیّ ثلاثین عاماً على انتصار الثورة الإسلامیّة فی إیران لا زالت هذه الثورة تمارس تأثیرها المتزاید على بلدان العالم، وكما أنّنا فی الأیّام الاُولى من هذه الثورة لم نتمكّن من إدراك عظمتها فإنّنا لا زلنا غیر معتقدین بهذه العظمة، وإنّنا نترك الأمر للأجیال القادمة كی تعكف على تحلیل ودارسة عظمة هذه الثورة.
وتطرّق آیة الله مصباح الیزدیّ إلى التحلیلات المختلفة المطروحة حول الثورة الإسلامیّة وقال: یعتقد البعض أنّ الظلم والجور، والوضع الاقتصادیّ المتردّی للشعب، إلى جانب تشكیل حزب «تودة» ونشاطات الماركسیّین واتّساعها كانت العلل الرئیسیّة من وراء قیام الثورة غیر أنّ الإمام الخمینیّ (رحمة الله علیه) وفی خضمّ تلك التیّارات نجح فی إضغاء طابع الاسلام وعلماء الدین على هذه الثورة، بمعنى أنّ ماهیّة الثورة الإسلامیّة لا تختلف كثیراً عن الثورة الفرنسیّة الكبرى وثورة اكتوبر فی روسیا. كما ویرى آخرون أنّه لمّا كان الإمام الخمینیّ (رحمه الله) یمتلك معرفة عمیقة بالمجتمع من الناحیة السیاسیّة فقد طرح شعار الإسلام من أجل أن یجمع جماهیر الشعب حوله لا من منطلق أنّه شعار حقیقیّ. وأمثال هذه التحلیلات تُطرح فی الغالب من قبل أصحاب المیول القومیّة.
وردّ عضو مجلس خبراء القیادة على هذا النمط من التحلیلات مشیراً إلى الاختلاف الجوهریّ بین الثورة الإسلامیّة وسائر الثورات وقال: إنّه یتعیّن تقدیم توضیحات أكثر فیما یخصّ الفصل المقوّم للثورة الإسلامیّة واختلافها الماهویّ عن باقی الثورات.
وتساءل العلامة الیزدیّ عمّا إذا كان هناك شیئ یدعى السیاسة الإسلامیّة أم انّه مجرّد شعار سیاسیّ، مشیراً بذلك إلى البون الشاسع بین السیاسة البشریّة والإلهیّة وقال: المحور فی السیاسة البشریّة هو الصراع على السلطة والعمل السیاسیّ فیها یعنی الولوج فی خضّم العراك على السلطة حیث تتمّ فی هذا المضمار الإفادة من كلّ السبل المتاحة ابتداءً من قوّة الذراع إلى سطوة المال والثروة والخدیعة والدعایة الإعلامیّة؛ ففی هذا المضمار لا یكون الدین إلاّ وسیلة وأداة أمّا الهدف فهو جلوس المرء وأقاربه ورفقاء حزبه على كراسی الحكم.
وأضاف رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث قائلاً: كلّ شیء فی السیاسة البشریّة هو وسیلة للوصول إلى المناصب، لكنّ الكرسیّ فی السیاسة الإلهیّة هو وسیلة لبلوغ الهدف الإلهیّ، والعمل لمرضاة الله، وخدمة عباد الله، ویضاق فی هذا المجال قید وهو أنّه لا یمكن فی السیاسة الإلهیّة الإفادة من أیّ وسیلة حتّى وإن كانت فاسدة أو محرّمة للوصول إلى الهدف، لأنّ الحرام لا یجرّ إلاّ إلى الحرام.
وتابع سماحته مشیراً إلى تأكید قائد الثورة المعظّم على مسألة البصیرة وقال: البصیرة فی الحقیقة هی الحصول على معلومات كاملة عن أهداف الخصم ودوافعه وقدراته وإمكانیّاته ومؤیّدیه فی الداخل والخارج، وعلى الرغم من أنّ الإحاطة بكلّ تلك المعلومات من أجل الحصول على المنصب مشتركة بین شكلَی السیاسة المذكورَین، لكنّ هذا النوع من الوعی والمعرفة هو عین البصیرة فی السیاسة الإلهیّة، لكنّه فی السیاسة البشریّة التی یقتصر الهدف فیها على اكتساب السلطة فإنّه لا یُطلق علیه عنوان البصیرة.
واستطرد اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة فی حدیثه قائلاً: إنّ نتائج هذین الشكلین من السیاسة تظهر أیضاً على الساسة الإلهیّین والشیطانیّین، والسبب هو أنّ الساسة الإلهیّین یستغلّون جمیع النعم الإلهیّة بالشكل الصحیح، لكنّهم لا یتّكلون أو یعتمدون علیها بل إنّ اتّكالهم دوماً یكون على الله عزّ وجلّ. وهذا یعنی أنّ على المرء أن یبذل قصارى جهده ولا ییأس وفی الوقت ذاته أن لا یكون توكّله إلاّ على الله تعالى.
وأضاف العلامة الیزدیّ مستشهداً بآیات من الذكر الحكیم: حتّى عندما یَعِد الله عزّ وجلّ المؤمنین بالنصر فی معركة بدر بواسطة تنزیل الملائكة فإنّه لا یعتبر النصر نتیجة مباشرة لنزول الملائكة بل ینسبه إلى نفسه فقط.
وتابع سماحته: عندما یرى الإنسان نفسه متّصلاً بمعین لا ینضب فإنّه لن ییأس أمام كیل الأعداء للتُّهم والشائعات وضغوطهم وحملاتهم الإعلامیّة بل ـ على العكس ـ إنّ ذلك سیزید أیضاً فی إیمانه، ومن هذا المنطلق فإنّ سیاسیّاً إلهیّاً كالإمام الراحل (قدّس سرّه) ورغم علمه الكامل بقدرات العدوّ الجبّارة وإمكاناته الضخمة، فإنّه یقول: «إنّ أمریكا لا تستطیع أن ترتكب أیّ حماقة».
وعبر إشارة سماحته إلى ما تعرّض له المؤمنون عبر التاریخ من الضغوط والأذى والمعاناة أضاف: مع أنّ الله عزّ وجلّ قادر على تأمین الحیاة الكریمة للمؤمنین من دون ضغوط وآلام، لكنّه لم یفعل ذلك من أجل أن یمتاز الصالحون الحقیقیّون عن غیرهم بعد خوضهم للامتحان والاختبار.
وقال سماحته متابعاً: نحن الذین یتعیّن علیهم أن یحدّدوا إن كانت ثورتنا إسلامیّة حقیقةً أم لا، وذلك من خلال سؤالنا لأنفسنا: هل نحن راغبون حقّاً بالإسلام أم انّنا نعتبره مجرّد شكلیّات؟ وإذا كنّا نرى أنّ ثورتنا إسلامیّة حقّاً فإنّه یتعیّن علینا إعادة النظر فی بعض تصرّفاتنا وسلوكیّاتنا.
من الجدیر بالذكر أنّ هذا الاجتماع قد جرى یوم 18 تشرین الثانی 2010م فی مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.