العلامة مصباح الیزدی: میل شعوب المنطقة لأهداف الثورة الإسلامیّة وقائدها یرجع إلى انبعاث روح النزعة الإسلامیّة فی إیران على ید الإمام الخمینیّ (رحمة الله علیه)

فی إشارة لعضو مجلس خبراء القیادة إلى اقتفاء شعوب بلدان مثل تونس ومصر آثار الشعب الإیرانیّ قال سماحته: انّ نهضة شعوب هذه البلدان هی أیضاً من أجل تلك الأهداف الإسلامیّة وتثبیت المعتقدات الإسلامیّة، وإنّ میلهم إلى الثورة الإسلامیّة وقائدَیها یرجع إلى انبعاث روح النزعة الإسلامیّة على ید الإمام الخمینیّ (رحمة الله علیه) فی الامّة.
حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد قدّم رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی جمع من الطلبة الجامعیّین تبریكاته بمناسبة عشرة الفجر أیّام الله وقال: لقد مضى اثنان وثلاثون عاماً على انتصار الثورة الإسلامیّة ولقد اُنجزت خلال تلك الفترة أعمال جمّة تمخّضت عن نتائج مختلفة، ومن المناسب أن یعكف بعض من یجدون فی أنفسهم الصلاحیّة والفراغ المناسبین على تقییم وتحلیل النهضة الإسلامیّة منذ بدایتها، أی خمسة عشر عاماً قبل تاریخ انتصار الثورة إلى یومنا هذا.
ثمّ طرح العلامة مصباح الیزدی تساؤلاً مفاده: هل یا ترى حقّقت هذه الثورة أهدافها وهی التی آتت اُكلها عبر قیام جماهیر الشعب وتقدیمهم التضحیات فی الأنفس والثمرات وتحمّلهم جسیم المحن والآلام فی سبیلها؟ وأضاف: لا شكّ أنّ الثورة حقّقت بعض أهدافها القیّمة، لكنّه من المسلّم أنّ بعض الأهداف والمقاصد لم تُنل لحدّ الآن.
وأوضح سماحته أنّ حُسن الحوادث وقبحها لا یستویان فی نظر الجمیع، فقد یرى فریق بعض الأعمال المنجَزة فی السابق جیّدة جدّاً وتمثّل اُنموذجا للتنمیة والإعمار حتّى وإن كانت على حساب تضییع الحقوق، وبقیمة الاختلاس، وأكل الربا بل ویعدّونها من مقتضیات التطوّر والتقدّم أیضاً فی حین أنّ فریقاً آخر فی المقابل ینظر إلى تلك الإنجازات بعین الریبة، ثمّ قال: من أجل التقییم الصحیح وتقصّی الأضرار فإنّنا بحاجة إلى معاییر نستند إلیها فی التشخیص.
وأكّد آیة الله مصباح الیزدی على ضرورة وجود معیار صحیح للتمییز بین الخطأ والصواب وأضاف: قد تشترك بعض الفرق ذات التوجّهات المختلفة فی بعض الموارد لكن لا تكون جمیعها على حقّ؛ والدلیل هو أنّ بعض الجماعات والأحزاب المختلفة كانت مخالفة لنظام الشاه، لكنّ الامور آلت ببعضهم بعد انتصار الثورة إلى حدّ الحکم بارتدادهم من قبل الإمام الخمینیّ الراحل (رحمه الله).
ومن خلال تأكیده على أنّ البعد الجوهریّ لثورتنا هو بعد ثقافیّ، قال سماحة مصباح الیزدی: المعیار الصحیح یجب أن یكون أیضاً موضوعاً ثقافیّاً، فهو لا ینتج من تجارب مختبریّة، ولا یتحقّق فی جبهة الحرب والنزال، ولا یُستخرج من آبار النفط ومناجم الیورانیوم. فهدف الثورة هو موضوع ثقافیّ یتعیّن التفكیر والاستدلال للقبول به ویتحتّم شحذ الهمم وبذل الجهود لبلوغه.
ونوّه رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بأنّ مفردة «الإسلام» هی من أكثر المفردات المستخدمة فی خطابات الإمام الراحل (رحمه الله) وكلماته، وقال: لقد كان الإمام الراحل (قدّس سرّه) یؤكّد على الإسلام بشكل مستمرّ ویعتبره المعیار فی التشخیص.
وفی معرض إشارة العلامة مصباح الیزدی إلى الطراز الفكریّ لبعض المسؤولین السابقین الذین كانوا یرون الثقافة فی الأفلام والرقص والموسیقى، أضاف سماحته: بل إنّ بعض هؤلاء كان یعتبر قید «الإسلام» الموجود فی أسماء بعض المؤسّسات والوزارات قیداً شكلیّاً وُضع من أجل إرضاء أفراد الشعب، غیر ملتفت إلى أنّه لو كان لمجرّد إرضاء الشعب لم تكن هناك حاجة إلى قیام ثورة أصلاً، ذلك أنّه فی زمان شاه إیران أیضاً كانت مراسم العزاء الحسینیّ تقام فی قصر «جلستان»، وكان الشاه یذهب لأداء مراسم العمرة ویرتدی ثوبی الإحرام.
وذكّر عضو مجلس خبراء القیادة بأنّ بعض الساسة بعد انتصار الثورة كان یرى الإسلام سلّماً للوصول إلى الهدف المنشود، وقال: إنّ مهمّة صیاغة الفهم الصحیح للإسلام ونشر وترسیخ المعتقدات والقیم الإسلامیّة تقع على عاتق الشریحتین المثقّفتین المتمثّلتین بطلبة الجامعات، والحوزویّین.
وتابع سماحته القول: إذا وُجد الإسلام وتوفّرت المعتقدات الإسلامیّة الصحیحة فستأخذ باقی الامور مجراها الصحیح أیضاً، لكنّه إذا كانت المعقتدات خاطئة فلن تكون فی سائر أشكال التطوّر جدوى، أمّا فی حالة انعدام الاعتقاد بالإسلام وبقیَمه فلن یكون بین بلدنا وباقی البلدان والطواغیت فرق یُذكر؛ ذلك أنّ الشاه أیضاً كان یرغب فی أن یكون بلده متطّوراً وعامرا وقویّاً، على أنّه لم یفعل شیئاً فی هذا المجال، لكنّ الشعب طرده لا من أجل التطوّر، بل من أجل تطبیق القیم الإسلامیّة فی البلا0د وتحویل ماهیّتها من دولة للكفر الظاهر والبیّن، إلى بلد مؤمن عابد لله مفتّش عن الحقّ.
وقال العلامة مصباح الیزدی أیضاً: حتّى المدارس الفكریّة الاخرى قد تتقاطع فی بعض النقاط مع الإسلام لكنّها لیست إسلاماً. فالقومیّة تمثّل هدفاً، أمّا الإسلام والنزعة الإلهیّة فیمثّل هدفاً آخر، وهناك تضادّ بین الاثنین فی كثیر من الأوقات. فلو كان إصرارنا منصبّاً على الإیرانیّة والقومیّة، هل كان شعبا مصر وتونس لیَحذوَا حذونا؟! فإذا لاحظتم بعد مضیّ اثنین وثلاثین عاماً من عمر الثورة میول هذه البلدان الواحد تلو الآخر إلى الثورة، وأهدافها، وإیران، والجمهوریّة الإسلامیّة، وقائدنا فلیس هذا الا من باب أنّ هذا الإمام قد جعل روح الإسلام تدبّ فی جسد هذه الاُمّة؛ روح النزعة الإسلامیّة، ولیس النزعة الإیرانیّة. فلو كان اعتمادنا على إیران وحسب، فأیّ نقطة كان یمكن أن نشترك فیها معهم؟
وفی جانب آخر من حدیثه قال العلامة مصباح الیزدی: انّ مثیری الفتنة هؤلاء إمّا أنّهم مختلفون مع الثورة فی الهدف، وإنّ محافظتهم على بعض الظواهر هی من منطلق نفاقهم، وإمّا أنّهم كانوا فی بدایة الطریق مع النظام فبهرتهم الملذّات المادّیة واجتذبتهم شهوة المنصب والثروة شیئاً فشیئاً.
وأضاف استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة مستشهداً بآیة من القرآن الكریم قائلاً: معتقدات بعض هؤلاء الأشخاص كانت قویة فی بدایة الأمر، لكنّ تقادم الأیّام وتغلّب الملذّات المادّیة كانت السبب فی وهن معتقداتهم لیقعوا فی النهایة فی أسر السلطة والشهوات.
وأكّد رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث على لزوم فهم المعارف الإسلامیّة، وتعزیز المعتقدات القیمیّة وترویجها وتعمیقها على صعید المجتمع، ثمّ قال: علینا بادئ ذی بدء أن نضع الأهواء والنزوات جانباً ونجتنب الغفلة التی هی سبب التوجّه نحو المادّیات، ذلك أنّ الغفلة هی أساس معظم ما نشهده فی البلاد من قصور وهفوات. بالطبع لا یفوتنا هنا أن نذكر أنّ ما حقّقته الثورة من منجزات ببركة دماء الشهداء لا یمكن بحال من الأحوال قیاسه بتلك النقائص وذلك القصور.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد جرى فی مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی الیوم العاشر من شباط عام 2011 عشیّة الذكرى الثانیة والثلاثین لانتصار الثورة الإسلامیّة.