العلامة مصباح الیزدی: الدین یؤخذ من القرآن والمعصومین (علیهم السلام) والعلماء، ولیس من المرتاضین ومحضّری الجنّ

قال العلامة مصباح الیزدی: لابدّ من أجل معرفة الدین وتشخیص سبیل الهدایة من الرجوع إلى العقل، والقرآن وكلام المعصومین (علیهم السلام)، ثمّ - فی زمان الغیبة - إلى الفقهاء.
حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أشار رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بقمّ المقدّسة لدى لقائه مع جمع من حرس الثورة إلى أنّ الله تعالى قد خلق الإنسان تاركاً له كامل الاختیار والإرادة لانتخاب طریق السعادة بنفسه، وقال: من خصوصیّات الإنسان بعنوان كونه خلیفة لله عزّ وجلّ هی أنه یستطیع أن یتقدّم فی طریق الكمال من ناحیة، أو أن ینحدر فی مهاوی الانحطاط والسقوط من ناحیة اخرى.
وأضاف استاذ الحوزة العلمیة بقمّ المقدّسة قائلاً: إنّ من لوازم تنفیذ إعمال الإرادة للوصول إلى الكمال معرفة الطریق الصواب؛ ذلك أنّ الاختیار والإرادة لا ینتفع منهما الا مَن عرف الطریق الصحیح.
وتابع سماحة مصباح الیزدی القول: ومضافا إلى وسائل المعرفة المشهورة كالحواس والعقل فقد أرسل الله بلطفه الذی لا نهایة له أنبیاء وجعل لهم خلفاء لهدایة البشر كی یتمكنوا مِن تمییز طریق الصواب عن سبیل الانحراف.
وقال عضو مجلس خبراء القیادة: صحیح أنّ الماضین قد عاملوا المعصومین (علیهم السلام) بجفاء، وقد بادرهم بعضهم بالعداء، ولم یقدّم لهم البعض الآخر الدعم والحمایة اللازمین غیر أنه شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن لا یظهر المعصوم الثانی عشر (عجّل الله تعالى فرجه الشریف) حتى یصل العالم إلى مستوى یستطیع معه الإفادة من وجوده (علیه السلام).
وفی معرض إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى واجب المكلّفین عندما لا یمكنهم الوصول إلى المعصوم (علیه السلام) قال سماحته: حتى فی زمان حضور المعصوم فإنه (علیه السلام) یُنصّب على مَن لا یمكنهم الوصول إلى الإمام أشخاصاً بعنوان انّهم نوّاب وخلفاء، وهذا هو ما نطلق علیه فی ثقافتنا «ولایة الفقه».
وقال مستطرداً: یشهد التاریخ منذ صدر الإسلام إلى یومنا هذا أنّ الفقهاء والعلماء قد نهضوا ولا زالوا ینهضون بدور بالغ الفعالیّة والتأثیر فی حال غیاب المعصوم (علیه السلام) لاسیّما فی زمن الغیبة الكبرى، ولولا وجودهم فلربّما لم یبق من الإسلام شیء، أو أنّه إذا بقی منه اسمه فإنه سیكون محرّف المحتوى بالكامل.
واستشهد استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بآیة من الذكر الحكیم وقال: تشاء إرادة الله دوما أن تكون هناك منظومتان فی مواجهة بعضهما البعض: منظومة الأنبیاء، ومنظومة شیاطین الإنس والجنّ.
وفی إشارة عضو مجلس خبراء القیادة إلى ضرورة انتخاب جادّة الصواب للوصول إلى الكمال قال سماحته: لقد منح الله للإنسان كامل الخیار إلى درجة أنّ القرآن الكریم الذی هو كتاب هدى یمكنه أن یشكّل للبعض - جرّاء الاستعمال غیر الصحیح له أو تفسیره بالرأی – عاملاً للضلال. ومن هذا المنطلق فإنّ شیاطین الإنس، كالمرتاضین وأمثالهم، یتمیّزون بقدرات خارقة للعادة یستطیعون بواسطتها خداع الناس والاحتیال علیهم؛ لكن على الناس عبر الاختیار الصحیح أن یخلّصوا أنفسهم من كمائن الشیاطین ویفتّشوا عن جادّة الصواب بالإفادة من أسباب الهدایة.
وتطرّق العلامة مصباح الیزدی إلى قصّة عجل السامری ودوره فی إضلال بنی إسرائیل ثمّ أضاف سماحته: طبقاً لبعض الروایات فإنّ كلّ حادثة حدثت لبنی إسرائیل فإنّها ستحدث للامّة الإسلامیة أیضاً. إذن لیكن فی علمنا أنّ أمثال السامریّ موجودون على الدوام وباستطاعتهم خداعنا والتحایل علینا.
وأكّد آیة الله مصباح الیزدی على أنّ القلّة من الناس عادة هم الذین یستلهمون الدروس والعبر من وقائع التاریخ وقصصه وقال: لقد فاق المسلمون الشیعة ولله الحمد غیرهم فی استلهام الدروس من التاریخ؛ لاسیّما فی حادثة تعیین خلیفة المسلمین بعد رحیل النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) عندما نسی معظم الناس واقعة غدیر خُمّ التی لم یمض علیها آنذاك أكثر من سبعین یوماً.
وتابع سماحته بالقول: یبیّن لنا التاریخ أنّ عدداً لا بأس به من المسلمین الذین كانوا من أهل الصلاة وتلاوة القرآن والإنفاق فی سبیل الله، بل ومن الضاربین بالسیف بین یدی رسول الله (صلّى الله علیه وآله) وأمیر المؤمنین (علیه السلام) قد قاموا بقتل أولادهم بأبشع ما یكون علیه القتل. إذن یتعیّن علینا استلهام العبر والدروس من تلك الوقائع وأن نعلم أنّ تغیّر الحال وانقلاب المآل قد یحصل لأیّ أحد، وأنّ هذه الأشراك كامنة فی طریق الجمیع، وأنّ خطر السقوط والهلاك فیها یهدّدنا جمیعاً بلا استثناء.
كما وقال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث: یتحتّم أوّلاً فی سبیل الهدایة أن نفید من العقل ومن ثمّ نتعلّم القرآن الكریم وكلمات المعصومین (علیهم السلام) بالرجوع إلى أهل العلم والمتخصّصین فی مسائل الدین ألا وهم الفقهاء.
وفی إشارة لآیة الله مصباح الیزدی إلى أنّه لا یمكن أخذ الدین من غیر المتخصّصین فی الشؤون الدینیّة قال: لابدّ من تعلّم الدین من القرآن والسنّة المتمثّلة بكلام المعصومین (علیهم السلام) وذلك بمساعدة العلماء والفقهاء؛ ولیس بالاستعانة بالمرتاضین ومحضّری الأرواح الشریرة والجنّ؛ إذ لا یصحّ الرجوع فی معرفة الدین إلى أشخاص لمجرّد أنّهم قادرون على إنجاز ما یعجز عنه الآخرون.
وأكّد استاذ الفلسفة والتفسیر على أنّ معرفة سبیل السعادة هی رهن بالفهم الصحیح للدین الذی یكون عن طریق العقل والقرآن والنبیّ والمعصومین (صلوات الله علیهم أجمعین) والعلماء، وأضاف: الفقهاء هم ورثة القرآن الكریم والمعصومین (علیهم السلام)، فإذا امتثل أحد أوامر غیر الله تعالى، یكون – فی الحقیقة - قد أشرك بالربیوبیّة التشریعیة.
وبیّن سماحة مصباح الیزدی فی ختام حدیثه أنّنا إذا علمنا أنّ مسألة مّا هی حقّ وجب علینا الثبات والاستقامة علیها حتّى آخر المطاف ثمّ قال: إن نحن عرفنا ـ بعد الدراسة والتمحیص فی أدلّة ولایة الفقیه ـ حقّانیتها فإنّه یجب علینا التمسّك بها والثبات على موقفنا وأن نعلم أنّ مخالفة الولیّ الفقیه تعنی مخالفة الأئمّة (علیهم السلام) التی هی – وفقاً للروایات – على حدّ الشرك بالله سبحانه وتعالى.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد جرى بتاریخ 28 نیسان 2011م فی مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.