آیة الله مصباح الیزدی: المعیار فی دعم الأشخاص هو مدى تحرکهم فی طریق الحقّ والإسلام الأصیل

قال عضو مجلس خبراء القیادة: ما دام الأشخاص یسیرون فی صراط الحقّ والإسلام الأصیل فإنّهم سیتمتّعون بالدعم.
حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد ألقى سماحة مصباح الیزدی كلمة فی أوّل ملتقى شامل لمقرّ «عمّار» بتاریخ 5 أیار 2011م قدّم فیها بیاناً تحلیلیّاً لعوامل اندلاع الفتنة مستشهداً لذلك بخطبة لأمیر المؤمنین (علیه السلام) یقول فیها: «إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تُتَّبَع وأحكام تُبتَدَع...».
وعبر تبیین استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة لمیزات كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) حول أرضیّات وقوع الفتنة قال سماحته: إذا كان من المقرّر ضمن مجموعة علمیّة دراسة الانحرافات الاجتماعیّة والسیاسیّة بعد الثورة وتحلیل أسبابها وعواملها العلمیّة والنفسیّة والتاریخیّة فسنصل إلى نفس النتیجة التی وصل إلیها أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی هذه الخطبة البلیغة.
وقال آیة الله مصباح الیزدی: لابدّ من النظر فی السرّ وراء هذه الانحرافات وما هی العوامل التی أدّت إلى أن یتغیّر أشخاص قد بذلوا فیما مضى نصرتهم للدین، وضحّوا فی سبیله، وجاهدوا أیّام الثورة، وأسهموا فی تثبیت الثورة بعد انتصارها، وأن یتغیّروا بهذه الدرجة ویسلكوا طریقاً مغایراً بالكامل؟
وأحصى استاذ الحوزة العلمیّة مستنداً إلى كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) عاملین من العوامل المساعدة على وقوع الفتنة فی الدین، وقال: إنّ المیول والأهواء النفسیّة، والبدع والتفسیرات الجدیدة للدین هما العاملان الأساسیّان اللذان سنتوصّل إلیهما فی تحلیلنا لأسباب وعوامل أی فتنة.
وقال سماحته فی توضیحه لهذه العوامل: إنّ بعض المیول النفسانیّة تكون مودعة فی كیان الإنسان كالجینات فتبرز عندما تكون الأرضیّة مناسبة لتحرف أفكار الشخص وسلوكیّاته بما یتناسب مع هذه المیول.
وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: فی مجتمع تسوده القیم الإسلامیّة السامیة لا یلقى هذا البعد النفسیّ صدىً ولا یكون لوحده مؤثّراً، ولهذا یسعى مثیرو الفتن إلى تحریف الدین وابتداع كل ما هو جدید من الكلام والبدع كی یضفوا على أهوائهم طابعاً دینیّاً لئلاّ یلتفت أكثر الناس إلى مخالفتهم للدین ویكونوا موضع قبول لدى المتدیّنین منهم فیتمكّنوا عندئذ من فرض أهوائهم النفسیّة تلك على الجئتمع من خلال كلام جدید مزوّق وبدع مركّبة وظواهر خادعة.
وأضاف سماحة مصباح الیزدی قائلاً: لكنّ هذا البریق الجذّاب والغطاء الجمیل یخفی تحته مخالَفة للدین ومناهَضة للإسلام، وهو الأمر الذی یؤدّی إلى ترسیخ روح وقیم معارَضَة الدین فی المجتمع.
وأكّد آیة الله مصباح الیزدی: وكما یقول أمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام) إنّ أمثال هؤلاء ومن أجل أن یبثّوا أفكارهم المسمومة بین الناس فإنّهم یمزجون فیأخذون من الحقّ ضغثاً ومن الباطل ضغثاً، ویطرحون أباطیلهم بلباس الحقّ والدین محاولین تمهید الأرضیّة لإمكانیّة تطبیقها ضمن إطار المجتمع.
وأضاف استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة: إنّ الوعی والبصیرة ینهضان بدور جوهریّ فی كشف الفتن، لذا علینا الالتفات إلى أنّ الحقّ والباطل لا یبرزان دوماً للعیان بكلّ وضوح، بل یختلطان مع بعضهما البعض.
وتابع بالقول: لا ینبغی أن نتوقّع ممّن یتفوّه بالباطل أن یكون كلّ كلامه باطلاً، بل قد یتخلّل كلامه بعض الحقّ، ومن الناحیة الاخرى أیضاً فلا ینبغی أن نتصوّر أن لا یكون فی كلام أو فعل مَن یسلك طریق الحقّ أیّ باطل، بل إنّ كلام المعصوم (علیه السلام) هو وحده الحقّ المحض، وإنّ اولئك المتّصلین بهذا الینبوع الفیّاض لأهل البیت (علیهم السلام) فإنّهم یتصرّفون طبقاً لأوامرهم وتوصیاتهم (علیهم السلام).
وأشار رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث إلى معیارنا العقائدیّ لقول الأشخاص للحقّ وقال: لا ینبغی أن نتوقّع وجود أشخاص لیس فیهم أیّ نقطة ضعف أو إشكال من أجل أن نتعاون معهم، كما ولا ینبغی أن نتعاون مع أیّ شخص كان إذا وُجد فیه عنصر من الحقّ، بل یتعیّن أن ننظر إلى الطابع الغالب فی شخصیّة اولئك الذین نرغب فی التعاون معهم أو دعمهم. وكذا فإنّه لا یجوز أن یحظى شخص معیّن بدعمنا المطلق بل لابدّ أن یكون دعمنا له مقیّداً بالتفافه حول محور الحقّ ومتى ما خرج عن مدار الحقّ فلابدّ حینئذ من وقف دعمنا له. والنقطة الثالثة هی أنّه إذا توفّرت لمنصب معیّن عدّة خیارات فإنّه یتعیّن انتخاب الأصلح نسبیّاً له، وما دام الذی اخترناه یسیر فی جادّة الصواب فإنّنا نتعاون معه.
وأشار سماحته إلى مقطع آخر من خطبة أمیر المؤمنین (علیه السلام) یقول فیه: «یتولّى علیها رجالٌ رجالاً على غیر دین الله» وأضاف: یقول (علیه السلام) إنّه فی مقابل دعاة الحقّ الذین یتّخذون من دین الله محوراً فی توحّدهم وتكاتفهم، توجد نخبة من أهل الفتنة الذین یسعون من أجل تحقیق مآربهم إلى تكوین العلاقات واستدراج المؤیّدین لكن على محور یغایر دین الله، فیرفعون شعارات ذات نفس قومیّ، ویجتهدون فی التشكیك بمحوریّة الإسلام، ویحاولون اجتذاب الناس عبر خلق مناخات غیر دینیّة.
وأكّد آیة الله مصباح الیزدی قائلاً: ولعمری فإنّ هذا یكشف عن علم أمیر المؤمنین (علیه السلام) وقدرته الإلهیّتین حیث استطاع منذ 1400 سنة مضت أن یرسم ملامح هذه الفتن، ویبیّن أنّ من علاماتها الخلط بین الحقّ والباطل وطرح امور غیر دینیّة كعوامل للتوحید والاجتذاب، ویوقظ المسلمین الواعین لأمثالها.
وتابع سماحة مصباح الیزدی قائلاً: فی مقابل ذلك علینا بدایةً أن نضع مسألة بناء النفس فی رأس جدول أعمالنا، ومن ثمّ نسعى إلى النهوض بقدرتنا على التشخیص والتحلیل كی نمیّز الآراء القائمة على الحق عن تلك الشیطانیّة، ونلجأ من أجل التفقّه فی الدین والوقوف على حقائقه إلى علماء الدین الحقیقیّین ممّن لهم سابقة فی الدین وتعمّق فی معرفته، فما من إنسان عاقل یلجأ فی أخذ الدین إلى محضّری الجنّ والسحرة والمرتاضین.
وقال سماحته: كما أنّه فی اتّباعنا لعلماء الدین علینا أن نتخیّر من بینهم من یتمتّع بالحظّ الأوفر من بناء النفس والتقوى.
وتطرّق سماحة مصباح الیزدی إلى الاختلاف بین المسائل الشخصیّة والمسائل الاجتماعیّة وأضاف: العنصر الآخر الواجب أخذه بنظر الاعتبار فی الذی یتعیّن اتّباعه فیما یتّصل بالمسائل الاجتماعیّة هو إدراكه للظروف الاجتماعیّة ورؤیته السیاسیّة.
وعبر بیانه لشخصیّة قائد الثورة المعظّم قال عضو مجلس خبراء القیادة: إذا وُجد شخص كسماحته (دام ظلّه) یستحیل العثور فی سیرته - طوال أكثر من نصف قرن من عمره - حتّى على نقطة سوداء واحدة، ومن ناحیة علمه فی الدین حیث یقرّ به أكبر علماء الدین وذوو الخبرة فیه، ومن حیث التقوى لم تلاحَظ علیه طیلة حیاته أیّ زلة أو عثرة أخلاقیّة، ومن حیث إدراكه للظروف الاجتماعیّة ورؤیته السیاسیّة فإنّ له قصب السبق فی هذا المضمار، فإنّه یتحتّم علینا قدْر هذه النعمة العظیمة حقّ قدرها وشكرها من خلال اتّباعنا له وامتثالنا لأوامره.