آیة الله مصباح الیزدی: إنّ أهمّ واجب لنا هو تناول مسألة ولایة الفقیه بصورة معمّقة وموسّعة

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أشار رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی قمّ المقدّسة لدى لقائه بجمع من علماء الدین إلى المسائل الثقافیّة فی البُعدین السلوكیّ والنظریّ وقال: العدوّ یتآمر على كلا البعدین بخطى حثیثة وإنّ ممّا یؤسَف له أنّه قد بلغ فی بعض المیادین حدّاً یثیر قلقاً عظیماً.
وفی إشارة لآیة الله محمّد تقی مصباح الیزدی إلى إلقاء شبهات من قبیل أنّ القرآن الكریم قابل للانتقاد وتعدّد القراءات وقال: إنّهم بإلقائهم لأمثال هذه الشبهات یحطّون من مكانة القرآن الكریم الذی یمثّل المصدر الأساسیّ للمسلمین إلى مرتبة هی أدنى من مرتبة كتاب التاریخ.
وتابع سماحته مشیراً إلى نمط آخر من مساعی الأعداء الرامیة إلى التشكیك فی مذهب التشیّع بشكل مباشر وقال: لقد تكاتف الیوم عدد هائل من أولیاء الشیطان من أجل محاربة الإسلام والتشیّع.
وتطرّق عضو مجلس خبراء القیادة إلى تقصیرنا نحن بعنوان كون بلدنا أمّ قرى العالم الإسلامیّ وأضاف: إنّ مسألة ولایة الفقیه هی من المسائل الثقافیّة النظریّة التی یُلزِم الشیعةُ أنفسَهم بموجبها - انطلاقاً من معتقداتهم - باتّباع الولیّ الفقیه، وهذا النمط من الحكم یختلف كلّ الاختلاف عن أنماط الحكم فی البلدان الاخرى، ذلك أنّ غایة ما یحصل فی سائر البلدان هو أن یُنتخَب المسؤول فی البلاد من قبل الشعب الذی سینفّذ أوامر هذا المسؤول من باب الوفاء بالعهد.
وعبر إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى أنّ ولایة الفقیه هی الركن المعنویّ للنظام قال سماحته: إنّ اعتبار مشروعیّة الولیّ الفقیه هی بانتسابها إلى الله تعالى، حیث إنّ الذی یجب أن یكون على رأس هرم النظام هو رسول الله (صلّى الله علیه وآله) بالدرجة الاولى، ومن ثمّ الأئمّة المعصومون (علیهم السلام) من بعده، وفی زمان غیبة المعصوم لابدّ أن یتصدّى لهذا المنصب من هو أقرب الناس إلى المعصوم وأشبههم به، وفی الحقیقة فإنّ وجوب اتّباع الولیّ الفقیه صادر من جانب الله تعالى.
وتابع العلامة مصباح الیزدی قائلاً: عبر هذا التوضیح فإنّ جمیع القوانین والمقررّات التی تضعها سائر السلطات الخاضعة لأمر الولیّ الفقیه تكتسب المشروعیّة ویصبح العمل بها واجباً.
وذكّر سماحته بقول الإمام الخمینیّ الراحل (رحمة الله علیه): إنّ طاعة الحكومة الإسلامیّة واجب شرعاً وأضاف: الإمام الراحل (قدّس سرّه) لم یقل: إنّ طاعة الحكومة واجبة عرفاً أو قانوناً، بل قال: شرعاً، ولا یكون الوجوب شرعیّاً إلا إذا كان مستنداً إلى الله عزّ وجلّ.
وأكّد آیة الله مصباح الیزدی على أنّ أشدّ المسائل النظریّة والثقافیّة أصالةً فی ثقافتنا هی مسألة ولایة الفقیه وقال: إنّ حیاة المجتمع الإسلامیّ تستمرّ بولایة الفقیه، وحتّى ألدّ أعداء النظام فإنّهم یعرفون بلدنا ببلد الولیّ الفقیه، وإنّ ما یشهده بلدنا الیوم من تقدّم وتطوّر على الأصعدة المختلفة لم یحصل إلا فی ظلّ ولایة الفقیه.
وأشار استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة إلى تقصیر الحوزویّین فی هذا المجال وأضاف: عندما یبلغ تقصیرنا نحن طلاب العلوم الدینیّة هذا المبلغ، فكیف نتوقّع من خرّیجی الفروع الجامعیّة الاخرى كالهندسة، والفیزیاء، والطبّ، وغیرها أن ینبروا للدفاع عن ولایة الفقیه؟!
وتابع العلامة مصباح الیزدی قائلاً: على الرغم ممّا تتمتّع به مسألة ولایة الفقیه من أهمّیة قصوى على الصعید الدینیّ والعقائدیّ فإنّ حقّها لم یؤَدَّ كما ینبغی. فالعمل فی هذا المضمار لا یُختزل بفتوى فی رسالة عملیّة، بل هناك حاجة إلى حلّ عملیّ وأكادیمیّ، ولا یمكن بیان هذه المسألة للعالم إلا من خلال التبیین الصحیح لاُسُسها واُصولها.
وأوضح الفیلسوف البارز فی العالم الإسلامیّ أنه ینبغی فكّ كلّ ما یحیط باُسس وقواعد مسألة ولایة الفقیه من أسرار والتصدّی للإجابة على جمیع الأسئلة الأساسیّة المتعلّقة بها وقال: لدیّ اعتقاد راسخ بأنّه إذا تمّ تنظیم هذه المسائل ببساطة وإنصاف مع شیء من الذوق السلیم، فسیكون بالإمكان طرحها فی أفضل صورة أكادیمیّة، بل ستكون قابلة للعرض فی جمیع المحافل العلمیّة الدولیّة.
واستطرد العلامة مصباح الیزدی قائلاً: قد نلاحظ بعد مضیّ ثلاثة وثلاثین عاماً على انتصار الثورة أنّه یوجد من بین المسؤولین الرفیعی المستوى فی البلاد - سواء من علماء الدین أو من غیرهم - من لا زالوا لا یعترفون بولایة الفقیه بشكل كامل فی حین أنّها تشكّل عمود خیمة النظام الإسلامیّ.
وأردف سماحته قائلاً: إنّنی أرى – من منطلق كونی طالباً حوزویّاً أمضى ستّین عاماً فی الحوزة العلمیّة – أنّ تناول مسألة ولایة الفقیه بصورة معمّقة وموسّعة هو من أوجب الواجبات الملقاة على عاتق علماء الدین.
وقال العلامة مصباح الیزدی مشیراً إلى التقصیر فی هذا المجال: إنّ وضوح مسألة حاكم الشرع والمجتهد الجامع للشرائط جاءت ثمرةً لجهود العلماء والفقهاء على مدى عدّة مئات من السنین، وإنّ مسألة ولایة الفقیه هی تبلورٌ لنفس هذه الفكرة الارتكازیّة، لذا ینبغی أن یتّخذ عملنا منحىً بحیث تكتسب هذه المسألة هی الاخرى مكانتها المرموقة فی الثقافة العامّة للمجتمع.
واستمرّ سماحة العلامة فی حدیثه قائلاً: إنّ السؤال المطروح الیوم فی أغلب دول العالم حول إیران هو مسألة ولایة الفقیه. بل منذ اللحظة الاولى فإنّ الصحفیّین فی فرنسا كانوا یسألون الإمام الخمینیّ (رحمه الله) حول نوع الحكومة التی ینوی إقامتها، وكان الإمام (قدّس سرّه) یجیبهم بجملات فی حدود فهمهم، فی حین أنّه كان - قبل ذلك الحین - قد أعطى دروساً حول مسألة ولایة الفقیه بشكل مفصّل وكامل فی النجف الأشرف.
وفی معرض إشارة سماحة مصباح الیزدی إلى ضرورة أن نتصدّى لتدوین مسألة ولایة الفقیه من الناحیة النظریّة ونضع اُنموذجاً واُسوةً مناسبة لهذه القضیّة من الناحیة العملیّة وقال: إنّ من جملة الإبهامات التی تكتنف هذه القضیّة هو قید «المطلقة» فی ولایة الفقیه الذی حمل البعض على أن ینتزع منها معنى الدكتاتوریّة، ولا زال البعض إلى الآن لا یستوعب حدود صلاحیّات الولیّ الفقیه، وفی مقابل ماذا یكون إطلاقها مقیّداً، بل حتّى أنّ بعض الموالین لها قد وسّعوها لتسری إلى الشؤون الشخصیّة. فعندما تكون مثل هذه المسائل غیر مفهومة إلى الآن عند الموالین، فكیف نتوقّع فهمها من قبل الدول الغربیّة إذن؟! ومن هنا فإنّ عدم الفهم الصحیح لولایة الفقیه كان هو السبب فی إیجاد نظرة سلبیّة تجاه النظام وولایة الفقیه.
وأردف سماحته بالقول: إنّ فكرة أن یعمد امرؤ إلى قول كلّ ما یخطر بباله ویكون من الواجب على الآخرین اتّباعه فی ذلك هی فكرة متخلّفة للغایة، فی حین أنّه - طبقاً لقول الإمام الراحل (قدّس سرّه) - فإنّ أصل ولایة الفقیه هو من أرقى الاُصول.
وأضاف العلامة مصباح الیزدی القول: إنّ معظم النقائص وأشكال القصور تعود إلینا، ونحن نسأل الله أن یكون قصوراً ولیس تقصیراً، فلو كان تقصیراً منّا فإنّنا نكون قد اقترفنا ذنباً عظیماً.
وفی إشارة لآیة الله مصباح الیزدی إلى البُعد السلوكیّ والعلمیّ للثقافة قال سماحته: بالنظر إلى تطوّر الإمكانیّات ووسائل الاتّصال فقد أضحت العوامل المضادّة للثقافة الیوم فی متناول الجمیع حتّى الأطفال الصغار، لكنّ رأس المال الضخم الذی منحه الله تعالى لعلماء الدین هو ثقة الجماهیر بهم حیث لا تزال العدید من الشرائح الاجتماعیّة تكنّ لعلماء الدین احتراماً بالغاً ینبع من أعماق كیانهم، وهذا یرجع إلى بساطة عیش علماء الدین وعدم میلهم إلى الدنیا وهما صفتان ینبغی المحافظة علیهما، ذلك أنّه إذا مال عالم الدین إلى الدنیا فلن یقبل الناس منه حتّى الحقّ من كلامه.
وفی ختام حدیثه أشار سماحته إلى المسؤولیات الخطیرة المتمثلة بالمعرفة، والتربیة الثقافیة، ونشر الأخلاق الإسلامیة قائلاً: إنّ تبیین المسائل الإسلامیّة الأصیلة وتوضیحها هو من واجباتنا، حیث إنّها تعتمد بالدرجة الاولى على معرفتنا نحن بالإسلام وفهمنا الصحیح له. وعلى صعید نشر الأخلاق الإسلامیّة فإنّه ینبغی أوّلاً أن نكون نحن متخلّقین بها ومتربّین علیها.