قال اُستاذ الحوزة العلمیّة: بعد طیّ صفحة النظام غیر الإسلامیّ واستقرار النظام الإسلامیّ فإنّ أهداف الثورة وتنفیذ خططها لا تتحقّق إلاّ على ید مسؤولین ممن یحافظون، مهما اختلفت مستویاتهم، على ارتباطهم بأفراد الشعب بواسطة أو من دون واسطة.
حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أشار سماحة مصباح الیزدی لدى لقائه برئیس مركز التدریب على الإدارة الحكومیّة ومعاون رئیس الجمهوریّة لشؤون الإدارة والطاقات البشریّة فی محافظة قمّ وجمع من المرافقین، أشار إلى حاجة المجتمع إلى المدیرین وقال: بطبیعة الحال عندما یتسلّم نظام جدید مقالید الامور فی البلاد فسیُعهَد بتنفید خططه وأهدافه إلى المدیرین والمسؤولین المتصدّین لمختلف الشؤون الاجتماعیّة، والسیاسیّة، والثقافیّة، والاقتصادیّة ومن المستحیل أن یتمكّن شخص واحد من أن یدیر المجتمع بمفرده.
وفی معرض إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى المسیرة التكاملیّة التی قطعها النظام الإداریّ فی صدر الإسلام قال سماحته: منذ اللحظة الاولى لتشكیل المجتمع الإسلامیّ فی المدینة وبدء القرارات والقوانین الاجتماعیّة والإداریّة بالانتظام شیئاً فشیئاً فقد تسلّم مجموعة من الأشخاص المعیّنین من قبل النبیّ (صلّى الله علیه وآله) المسؤولیّة فی مناصب متنوّعة. بالطبع كان المجتمع آنذاك مجتمعاً بسیطاً وکانت شؤونه متواضعة لكنّه بدأ بالتوسّع تدریجیّاً حتّى وصل فی زمان أمیر المؤمنین (سلام الله علیه) إلى أوج تطوّره بحیث إنّ النظام الإداریّ الذی كان یدیره (علیه السلام) فی الكوفة كان نظاماً خاصّاً وقد نصّب لمختلف المناصب فیه العدید من المسؤولین.
وتابع استاذ الحوزة العلمیّة قائلاً: بعد طیّ صفحة النظام غیر الإسلامیّ واستقرار النظام الإسلامیّ فإنّ أهداف الثورة وتنفیذ خططها لا تتحقّق إلاّ على ید مسؤولین ممن یحافظون، مهما اختلفت مستویاتهم، على ارتباطهم بأفراد الشعب بواسطة أو من دون واسطة.
وتطرّق آیة الله مصباح الیزدی إلى بیان كیفیّة التغییر الحاصل فی الأجهزة الحكومیّة العلمانیّة قائلاً: إنّ تغییر النظام الحاكم فی الحكومات العلمانیّة هو تغییر فی الأشخاص فحسب ولا تتغیّر فیه الأهداف. وكذا الأحزاب فی مثل هذه الأنظمة فإنّ لها أهدافاً مشابهة تقریباً وإنّ الخلافات فیما بینها هی من قبیل الخلافات التكتیكیّة والتنازع على السلطة.
وأكّد اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة على أنّ انتصار الثورة الإسلامیّة كان مقدّمة لتحوّلات جذریّة فی أهداف البلاد ومناهجها وأضاف: الإسلام فی هذه الثورة هو قطب الرحى فی جمیع النشاطات والأهداف. فقد كان المحور فی كلمات الإمام الراحل (رحمه الله) وبیاناته منذ انطلاقه وقیامه بأعباء الثورة هو الإسلام، وإنّ ما كان یتمتّع بالأصالة فی منطقه وثقافته (قدّس سرّه) فهو إقامة النظام الإسلامیّ.
وتابع سماحته: لقد قامت هذه الثورة من أجل تغییر قیم المجتمع، وتقویة المعتقدات الدینیّة لأفراده، وتنمیة القیم الاجتماعیّة على أساس هذه المعتقدات. وأفضل شاهد على ذلك هو نصوص الوصایا المدوّنة من قبل مجاهدینا فی حرب السنین الثمانیة حیث أكّدت فی الغالب على دعم ورعایة قیم الثورة وقائدها.
وفی معرض إشارة رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث إلى أنّ هذه التغییرات لابدّ أن تتحقّق على ید المدیرین والمسؤولین قال: هذا الأمر یتطلّب مدیرین یمتازون بالوعی أوّلاً، وبالإیمان به ثانیاً؛ وهو أن یعلموا أیّ شیء یطلبه الإسلام وأن یعتقدوا اعتقاداً راسخاً بضرورة تنفیذ هذه الأحكام.
وفی مجال تحلیل عضو مجلس خبراء القیادة لعیوب ومعوّقات النظام الإداریّ فی مطلع عهد انتصار الثورة قال سماحته: حیث إنّ مسؤولی البلاد كانوا من خرّیجی الجامعات الغربیّة وأنّ أهمّ مركز لإعداد المدیرین الجامعیّین كان مرتبطاً بمركز أمریكیّ، فإنّه لم تتوفّر مؤهّلات النظام الإداریّ الإسلامیّ، وعلیه لم تكن هناك معرفة بكیفیّة تغییر النظام الإداریّ ولا دافع قویّ لذلك.
وتابع سماحته: كان لابدّ منذ البدایة من تنظیم وتنفیذ خطّة مدروسة لإعداد مدیرین ثوریّین وإسلامیّین، لكنه - ولأسباب من جملتها الصراعات الداخلیّة وحرب السنوات الثمانیة - لم یكن ثمّة مجال لتطوّر المراكز الثقافیّة ورفدها بالابتكارات اللازمة على هذا الصعید ممّا أدّى إلى عدم تدوین وتنفیذ خطّة مدروسة من أجل تنشئة مسؤولین ثوریّین وإسلامیّین.
ورأى العلامة مصباح الیزدی أن الأعمال المنجزة لحد الآن هی غیر كافیة لتغییر الثقافة وأضاف: إنّ عملیّة إقحام عدد من الآیات أو الروایات فی وسط النصوص الغربیّة لن یؤدّی إلى تغییر الثقافة الإداریّة.
واستطرد الاُستاذ فی الحوزة والجامعة فی حدیثه قائلاً: شیئاً فشیئاً تمّ إدراك هذه الحاجة وبدأ عدد من الأشخاص الذین تحدوهم رغبة أكبر فی هذا المجال بحثّ الخطى من أجل تحقیق هذه الأهداف بتوجیه ودعم من الإمام الراحل (قدّس سرّه) وقائد الثورة المعظّم (دام ظلّه).
وذكر سماحته الأبحاث التی اُنجزت فی كلّیة الإدارة فی جامعة طهران فی مجال الإدارة المقارنة وقال: لقد تمّ تشكیل لجنة مؤلّفة من مجموعة من أصحاب الطراز الأوّل من أساتذة البلاد من أجل البحث فی قضیّة الإدارة الإسلامیّة كانت تُموَّل بمیزانیّة یتمّ توفیرها من قبل نفس الأعضاء فضلاً عن المؤسّسات وقد استمرّت لبضع سنوات، ولكنّ هذا العمل أیضاً لم یدم لأسباب معیّنة.
ولدى مناقشة رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) لأسباب وعلل عدم تتویج مثل هذه الأبحاث الأساسیّة بالنجاح فی بلادنا قال: من المؤسف أنه لا توجد فی البلاد دوافع قویّة من أجل القیام ببحوث أساسیّة طویلة الأمد.
وقال أیضاً: ممّا لا شكّ فیه أنّه یوجد الیوم أیضاً أشخاص یرغبون فی الإفادة من الثقافة والمصادر الإسلامیّة من أجل إدارة البلاد، لكنّهم قد لا یعلمون السبیل الصحیحة لذلك، بل وحتّى لو توفّر أشخاص یتمتّعون بالتجارب الكافیة فی هذا المیدان ویستطیعون وضع خطط ومناهج طویلة الأمد لهذا الغرض، فإنّ الذین یمتلكون الدافع لتنفیذ ذلك قلیلون.
وقد أكّد سماحة آیة الله مصباح الیزدی على ضرورة الاهتمام بالخطط المتوسّطة والقصیرة الأمد أیضاً وأضاف سماحته قائلاً: بالطبع لابدّ أن یُخطَّط لمثل هذه البرامج والخطط وأن تُدرس بشكل جیّد؛ فالواعون یعلمون بأنّ نصف الزمن الذی تتطلّبه المشاریع المهمّة والخطیرة یجب أن یُصرَف فی مجال التخطیط.
وقال الاُستاذ فی الحوزة والجامعة: یجب أن یتفرّغ أشخاص بشكل مستقلّ عن الأجواء السیاسیة ولا تدفعهم إلا خدمة الإسلام والبلد الإسلامی من أجل تنظیم خطط ومناهج ترمی لإعداد مدیرین ومسؤولین صالحین، حیث إن تصنیف الكتب وإطلاق الحدّ الأدنى من الأبحاث فی هذا المجال تُعدّ الخطوات الاُولى على طریق هذا الأمر الخطیر والمصیریّ.
وعبر التأكید على ضرورة الاجتناب عن الأعمال الصوریّة والشكلیّة الصرفة قال سماحته: إذا اكتفینا بهذا المقدار من الأعمال فلا أعتقد أنّنا سنصل إلى أكثر ممّا وصلنا إلیه لحدّ الآن.
وأضاف العلامة مصباح الیزدی قائلا: إذا كان الهدف هو أن یُدار هذا النظام بالآیدیولوجیّات والقیم الإسلامیّة والمعتقدات الدینیّة فیتعیّن أن یُعدّ المسؤولون والمدیرون فیه إعداداً صحیحاً؛ إذ كیف یتسنّى الوصول إلى هذا الهدف والنهوض بهذا الأمر بواسطة أشخاص ومدیرین هم غرباء عن أصل النظام، وآیدیولوجیّاته، ومعتقداته، وقیمه؟!
ورأى رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) أنّ السبیل الأمثل لذلك هو انتخاب مجموعة من الأشخاص تقوم بوضع خطّة ترمی إلى تنشئة مُدیرین صالحین وإسلامیین وأضاف: تستطیع كوادر هذه المؤسّسة أن تمدّ ید العون فی هذا المجال.
وفی إشارة لاُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة إلى تأكید الإمام الراحل (رحمة الله علیه) على الآیة المرقّمة 46 من سورة سبأ وقال: إذا كان العمل فی سبیل الله عزّ وجلّ فستكون فیه البركة ویتوّج بالنجاح والازدهار، أمّا إذا امتزج بالمآرب الشخصیّة والحزبیّة فإنّه سیتلوّث ویفسد.