العلاّمة مصباح الیزدی: إنّ وجود الانحرافات فی مقابل الصراط المستقیم هو من السنن الإلهیّة

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أشار رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بقمّ المقدّسة لدى لقائه بجمع من معلّمی البصیرة وعلماء التوجیه العقائدیّ والسیاسیّ لدى أجهزة الشرطة وممثّلیّة الولیّ الفقیه فی الحرس الثوریّ – أشار إلى التحوّلات الضخمة التی وقعت فی البلاد خلال نصف قرن مضى وقال: من غیر الممكن قیاس هذه التحوّلات بما حصل من تحوّلات فی باقی نقاط العالم على مدى قرون من الزمن، وإنّ تأمّلاً بسیطاً فی هذا التحوّل العظیم من شأنه أن یجعل الإنسان یدرك جانباً من النعمة الخطیرة المتمثّلة بالثورة الإسلامیّة.
وأضاف العلاّمة محمّد تقی مصباح الیزدی مشیراً إلى نعمة الثورة الاسلامیّة: إنّ كلّ ما هو موجود فی متناول البشر حتّى الكفّار منهم هو آلاء الله عزّ وجلّ، لكنّه لن یُعدّ كلامنا جزافاً إذا قلنا إنّ نعمة الثورة الإسلامیّة ونعمة وجود الإمام الخمینیّ (رحمة الله علیه) وخلیفته بالحقّ من بعده قائد الثورة المعظّم الإمام الخامنئیّ (مدّ ظلّه) هی من أعظم ما منّ الله به على سائر الاُمم من أنعم وآلاء طیلة تاریخ الإسلام.
وعدّ سماحته - مستشهداً بآیات من الذكر الحكیم - أنّ وجود ألوان التضادّ والتزاحم فی العالم هو على أساس الحكمة الإلهیّة وأضاف: حتّى فی الامور الاجتماعیّة فقد وُجد منذ بدایة التاریخ البشریّ ضرب من التزاحم إلى درجة أنّ نزاعاً قد حصل حتّى بین ابنی نبیّ الله آدم (علیه السلام) ممّا انتهى إلى قتل أحدهما.
وذكر آیة الله مصباح الیزدی أنّه توجد فی داخل الإنسان قوى متضادّة تتمثّل بالعقل والداوفع البشریّة المختلفة. وقال مشیراً إلى الآیة المرقّمة 112 من سورة الأنعام: كما أنّ الباری عزّ وجلّ قد بعث الأنبیاء والرسل من أجل هدایة البشر وسعادتهم فقد قیّض فی مقابل هؤلاء من الإنس والجنّ أفراداً مضلّین وشیاطین مهمّتهم إضلال البشر وحرفهم عن جادّة الصواب.
وتابع سماحته قائلاً: لقد اقتضت إرداة الله أن تكون هدایة البشر عبر الاختیار والامتحان. ولتحقّق هذا الامتحان لابدّ من وجود طریقین. فالإنسان قد خُلق وفقاً لهذه السنّة، وإلاّ فقد كان ثمّة ملائكة لا یفتُرون عن طاعة الله تعالى وعبادته، لكنّهم لم یكونوا خلفاء لله سبحانه، ذلك أنّ الذی من شأنه أن یكون خلیفة لله تعالى إنّما هو الشخص الذی یستطیع عبر تضادّ وتزاحم العوامل المختلفة من اختیار السبیل القویم.
وعبر تقدیم عضو مجلس خبراء القیادة لمقدّمة اخرى مفادها أنّه كلّما تعاظمت النعم الإلهیّة ازداد شكرها وثقل التكلیف تجاهها أضاف قائلاً: من ناحیة فقد منّ الله علینا بالنعمة العظیمة المتمثّلة بالثورة الإسلامیّة ونعمة وجود قادة أفذاذ من أمثال الإمام الخمینیّ الراحل (رحمه الله) وقائد الثورة الإسلامیّة المعظّم (دام ظلّه)، ومن ناحیة اُخرى فقد جُعلت العوامل والأدوات الشیطانیّة المضلّة فی متناول الجمیع بكلّ یسر وسهولة. فإنّ عوامل الهدایة – فی الحقیقة – لم تتوفّر على هذا النطاق الواسع الذی نشهده الآن فی أیّ حقبة تاریخیّة مضت، وفی المقابل فإنّ العوامل التی تبعث على الزیغ والضلال لم تكن یوماً بما هی علیه الیوم من الشدّة والقوّة.
ثمّ قال: فمع أنّ من المناسب جدّاً أن نعفّر جباهنا ساجدین لله ساعات كلّ یوم لما أسبغ علینا من عظیم النعم وجسیم الآلاء، لكنّه لا ینبغی - فی الوقت ذاته - أن نسهو عمّا یستعمله الأعداء ضدّنا من عوامل الضلال البالغة الخطورة.
وأضاف العلاّمة مصباح الیزدی قائلاً: لعلّه لم یكن لیخطر فی بال أحد قبل خمسین عاماً أنّ مركزاً دینیّاً أو مؤسّسة إسلامیّة ستؤسَّس یوماً فی إیران، والسبب یعود إلى أنّ علماء الدین كانوا فی تلك الفترة فی أشدّ حالات ضعفهم، لكنّنا نلاحظ الیوم أنّ أكثر الشخصیّات محبوبیّة فی العالم هو قائد إیران الإسلامیّة وهو عالم من علماء الدین.
وفی معرض إشارة سماحته إلى أنّ هناك مهمّتین، إحداهما إیجابیّة والاخرى سلبیّة، تقع على عاتق علماء الدین واولئك الذین یعملون فی مجال الدعوة الإسلامیّة وتبلیغ الدین بعنوان كونهم وارثین للأنبیاء، قال: المهمّة الإیجابیّة هی المعرفة الدقیقة بالإسلام وبمعارف أهل البیت (علیهم السلام) ونشرها على صعید المجتمع، أمّا المهمّة السلبیّة فهی محاربة الانحرافات، ونبذ الخرافات، وردّ الشبهات، وتفنید الإشاعات التی تدور حول الدین الإسلامیّ الحنیف.
واستطرد اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة فی حدیثه مؤكّداً على ضرورة أداء كلّ امرئ لتكلیفه فقال: بالطبع لا ینبغی أن نتوقّع من الجمیع أن یذعنوا لما جاء به الإسلام وللصراط المستقیم ویسیروا علیه، ذلك أنّ القرآن الكریم یشیر فی غیر مورد إلى أنّ الكثیر ممّن یشیعون الباطل ویدعون إلى سبیله هم غیر قابلین للهدایة وأنّ الله – فی الحقیقة، وبسبب اتّخاذهم لهواهم إلهاً لهم - قد أضلّهم وما من أحد یستطیع هدایتهم قطّ.
وأضاف العلاّمة مصباح الیزدی القول: من أجل أن یتمكّن دُعاة الإسلام ومبلّغو علومه من أداء واجباتهم فی البعدین السلبیّ والإیجابیّ فانّ علیهم - بادئ ذی بدء - أن یحیطوا علماً بالمعارف الإسلامیّة ثمّ یعملوا - فی المرحلة التالیة - على بناء أنفسهم وانتهاج تقوى الله عزّ وجلّ، وأن یُنَمّوا – من الناحیة الاخرى – قدراتهم فی إدراك المصالح الاجتماعیّة ویكتسبوا البصیرة فی المجال السیاسیّ الأمر الذی یساعدهم على التطوّر وتنمیة كفاءاتهم. وفی حال افتقادهم لأحد هذه العناصر فإنّهم لن یكونوا عدیمی الفائدة فحسب، بل وقد یتسبّبون أحیاناً بالإضرار بالإسلام؛ فعلى سبیل المثال إنّ العالم المؤمن المتّقی الذی لا یدرك المصالح الاجتماعیّة جیّداً قد یتحوّل، من دون وعی منه، إلى أداة بید الأجنبیّ لتنفیذ مآربه.
واختتم سماحة مصباح الیزدی حدیثه بالقول: یتعیّن علینا أن ننشر الإسلام باسلوب ملؤه المحبّة والتواضع بعیداً عن التحكّم بالطرف المقابل والتكبّر علیه، وأن نبیّن الإسلام بطریقة تشوبها الرأفة والشفقة وبما یتناسب مع فهم المخاطب وقدرته على الاستیعاب.