آیة الله مصباح الیزدی: تبجیل السابقین فی طریق الجهاد والشهادة هو تكریم لنفس الجهاد والشهادة

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی وفی ملتقى اُقیم تحت شعار «تعبویّون من الرعیل الأوّل فی مسیرة الجهاد والشهادة لمقرّ علیّ بن أبی طالب (علیه السلام) للحرس الثوریّ» الذی اقیم فی مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بتاریخ 28 تشرین الثانی 2011م، استشهد آیة الله مصباح الیزدی بآیة من الذكر الحكیم یفضّل الله تعالى فیها «السابقین» على التالین وقال: یؤكّد القرآن الكریم تأكیداً خاصّاً على فضیلة السبق فی أعمال الخیر والإحسان وهو موضوع ناشئ عن خلقة الانسان، حیث إنّ الذی یسبق غیره فی القیام بأمرٍ مّا فسوف یكون إنجازه من قِبل الآخرین أسهل بكثیر. ولابدّ من التذكیر هنا – بالطبع - بأنّ السبق فی أمر معیّن یحتاج إلى جرأة وشجاعة خاصّة.
وتابع سماحته بالقول: إنّ لِلشهداء والمجاهدین الذین شاركوا فی الثورة وحرب الدفاع المقدّس عند الله عزّ وجلّ لـمَنزلةً خاصّة بما جاهدوا فی سبیل صیانة الدین والثورة ولسبقهم فی هذا المضمار؛ فقد نال الشهداء بعروجهم إلى السماء من السعادة ما یعجز الكثیر عن إدراكه، أمّا المجاهدون الذین تخلّفوا عن ركب الشهداء فإنّهم حمَلة رسائل رفاقهم الذین حلّقوا فی سماء الشهادة وإنّ تبجیل هؤلاء الثلّة الباقیة من ركب الجهاد والشهادة واجب على كلّ فرد من أبناء الشعب.
وأشار اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة إلى خصائص السابقین فی الإسلام وتكالیفهم وقال: إنّ همّ الشیطان وغمّه دائماً هو التربّص للمحسنین ونصب الكمائن لهم، لأنّهم فی واقع الأمر فی حالة حرب مع الشیطان وهم یبذلون قصارى جهدهم لإرجاع المنخدعین بوساوس الشیطان إلى جادّة الصواب، خلافاً للعاصین الذین یسیرون فی طریق الشیطان بل ویصبحون من أولیائه فی بعض الأحیان؛ ومن هذا المنطلق لابدّ للرعیل الأوّل والسابقین فی طریق الجهاد والشهادة فی المرحلة الاُولى أن یعلموا أنّ الشیطان لهم بالمرصاد وهو ینتظر الفرصة للانقضاض علیهم وخداعهم.
وأضاف رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث قائلاً: على السابقین فی الجهاد وطریق الشهادة أن یشكروا الله على استمرارهم فی المضیّ فی طریق الحقّ، لكن علیهم أن یكونوا فی أشدّ حالات الوعی والیقظة لئلاّ یقعوا فریسة الشیطان وحبائله، وأن یعلموا أن أوّل فخّ ینصبه الشیطان للمؤمنین هو فخّ العجب بالنفس فینظرون إلى أنفسهم نظرة تفضیل على الآخرین بما قاموا به من أعمال. لذا یتحتّم على هؤلاء أن یخافوا باستمرار من عاقبة أمرهم لئلاّ یُسلب منهم كلّ ما كسبوا من الموفّقیات.
وبیّن عضو مجلس خبراء القیادة أنّ الواجب الآخر الملقى على عاتق السابقین فی هذا الطریق هو مسؤولیّتهم تجاه أفراد المجتمع وقال: على الرعیل الأوّل فی هذا المیدان أن لا یبخلوا بنقل تجاربهم وإبلاغ رسائل الثورة والدفاع المقدّس إلى الأجیال المعاصرة لاسیّما جیل الشباب، ذلك أنّ هذا الجیل وبسبب عدم احتكاكه المباشر بأحداث الثورة وما تلاها وعدم مشاركته فی تلك المیادین یحتاج إلى إرشاد الكبار والأخذ بیده من قبل السابقین فی طریق الثورة خوفاً من أن ینخدع بدسائس العدوّ وعملائه فی الداخل، أو أن یعمد – لا سمح الله – إلى المساومة على قیم الثورة ومقدّساتها.
ضرورة سلوك أفراد الشعب سبیل السابقین فی طریق الجهاد والشهادة
وفی معرض إشارة العلاّمة مصباح الیزدی فی جانب آخر من كلمته إلى تكلیف المسؤولین وأفراد الشعب تجاه هؤلاء السابقین أضاف سماحته: یتعیّن على مسؤولی النظام الإسلامیّ أن یقابلوا ولو جزءاً بسیطاً ممّا بذله الرعیل الأوّل من جهود ومساعی فی میدان الجهاد والشهادة عبر احترامهم، وإحیاء ذكریاتهم، وحفظ ونشر آثارهم ومذكّراتهم، وتخصیص بعض الامتیازات لهم.
وتابع سماحته القول: على أفراد الشعب أیضاً أن یحاولوا - من خلال توقیر واحترام السبّاقین على هذا الطریق وأصحاب الثورة الحقیقیّین، واستلهام الدروس والعبر منهم، واقتفاء آثارهم - أن یستفیدوا هم من هذه التجارب من جانب، ویعملوا على استدرار رضا الله تعالى من خلال إدخال السرور على قلوب اولئك الذین سبقوهم إلى الثورة والدفاع المقدّس من جانب آخر.
ولدى استشهاد اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بآیة من الذكر الحكیم مفادها أنّ رسول الله (صلّى الله علیه وآله) لم یسأل الناس على رسالته أجراً إلاّ محبّة أهل بیته (علیهم السلام) أضاف سماحته قائلاً: إنّ تأكید الباری عزّ وجلّ فی القرآن الكریم على محبّة أهل بیت الرسول (صلوات الله علیهم أجمعین) كأجر على رسالته (صلّى الله علیه وآله) هو نابع ممّا تخبّئه هذه المحبّة للناس من حِكَم وفوائد جمّة، ذلك أنّ شأن النبیّ (صلّى الله علیه وآله) هو أعظم من أن یكون بحاجة إلى محبّة الآخرین واهتمامهم، بل إنّ حبّ الناس لأهل بیت الرسالة (علیهم السلام) یكون سبباً فی حفظ وحدة المجتمع ونیل سعادته الاخرویّة ومواصلة السیر على جادّة الحقّ، ...الخ.
وقال عضو مجلس خبراء القیادة: من هذا المنطلق فإنّ محبّة أصحاب السبق فی الجهاد والشهادة واحترامهم یعود بالدرجة الاولى بالفائدة على الناس أنفسهم وعلى المسؤولین، ذلك أنّ هذا الأمر یعود إلى كون قضیّة الجهاد والشهادة ذات قیمة عند المجتمع وإلى مدى اشتیاق أبنائه إلى التضحیة والفداء فی سبیل الدین والوطن.
ولدى بیان رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث أنّ أحكام الدین نابعة من الحكمة قال سماحته: إذا أمعنّا النظر فی فلسفة الأحكام الإسلامیّة فسنجد أنّها طافحة بالقیم والحكم ممّا یُعدّ سبباً لصلاح أفراد المجتمع وفلاحهم. وفی قضیّة احترام العظماء والسابقین فی المجتمع لابدّ من القول: إنّ من بین كلّ ألف نعمة إلهیّة فإنّ تسعمائة وتسعة وتسعین نعمة تنتقل إلى الأجیال اللاحقة من خلال التجارب وهذا یشیر إلى أهمّیة وجود الرعیل الأوّل وتأثیرهم البنّاء على ثقافة المجتمع وتطوّره.
حفظ منجزات الثورة هو واجب الجمیع
وفی ختام حدیث آیة الله مصباح الیزدی وعبر تأكیده على ضرورة حفظ ما قدّمه السابقون على طریق الجهاد والشهادة من منجزات أضاف سماحته: لقد ترك لنا الشهداء، والمعوّقون فی الحرب، ومجاهدوها والرعیل الأوّل الذین شاركوا فی الثورة وحرب الدفاع المقدّس – تركوا لنا تراثا عظیما من القیم والذكریات الفریدة التی یتحتّم على الجمیع الیوم بذل كلّ ما فی وسعهم من أجل الحفاظ على هذه المعطیات ونشرها وإبلاغها للآخرین.
وأضاف قائلاً: لم یبذل الشهداء والذین اُصیبوا فی الحرب ومجاهدو الثورة والدفاع المقدّس كلّ ما بذلوا من الغالی والنفیس إلاّ فی سبیل الإسلام وقیمه ومقدّساته. والیوم أیضاً فإنّ صیانة معتقدات الشعب وقیمه العلمیّة والسلوكیّة تُعدّ من أكثر واجبات أفراد المجتمع الإسلامیّ أصالةّ، وإنّه یتعیّن على الجمیع أن لا یقصّروا ولو لحظة واحدة فی الدفاع عن كیان الإسلام العزیز وحفظ شعائره.