العلاّمة مصباح الیزدی: النقائص التی یعانی منها بعض الخواصّ سببها انعدام المعرفة الصحیحة بالإسلام والدافع السلیم

قال عضو مجلس خبراء القیادة: التكلیف الملقَى على عاتقی وعاتقكم الیوم فی أیّ منطقة كنّا مضافاً إلى معرفة الأصلح والتعریف به فهو التعریف بالفاسدین والمضرّین من الناس أیضاً؛ بالضبط كما لو علمتم أنّ شخصاً یدّعی الطبابة وقد راح یطبّب الناس ویعرّض أرواحهم للخطر فإنّ من واجبكم كشف حقیقته أمام الناس.

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی قال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بقمّ المقدّسة لدى لقائه بأعضاء مركز الأبحاث الثقافیّة: لقد شاءت الإرادة الإلهیّة أن یعیش الناس ضمن حیاة اجتماعیّة وذلك من أجل تهیئة الأرضیّة للإفادة من الرحمات الإلهیّة كمّا وكیفاً. فلولا الحیاة الاجتماعیّة لما تمكّن هذا العدد من البشر – من حیث الكمّ - من الإفادة من الرحمات الإلهیّة، ولما استطاعوا - من حیث الكیف - أن یظفروا بكلّ هذه المراتب من المعرفة والأعمال الصالحة والسموّ المعنویّ.
وقال العلاّمة محمّد تقی مصباح الیزدی مشبّهاً المجتمع بجسد الإنسان: كما اقتضت الإرادة الإلهیّة أن یحتوی جسم الإنسان على أجهزة مختلفة یتكوّن كلّ جهاز منها من أعضاء شتّى وتوجد فی كلّ عضو مختلف الأنسجة، والمحصّلة أنّ ملیارات من الخلایا المختلفة قد اجتمعت لتكوّن جسم إنسان، فقد شاءت هذه الإرادة الإلهیّة أن یتشكّل من كلّ مجموعة من الناس - یُعدّ كلّ إنسان منهم بمثابة خلیّة واحدة – مجتمعٌ یؤدّی كلّ فرد فیه دوره الخاصّ به، بحیث لو أدّى كلّ فرد دوره على النحو المطلوب فسیبلغ المجتمع هدفه المنشود، أمّا إذا كان هناك عجز وأخفق البعض فی أداء واجبهم على النحو الصحیح فإنّ المجتمع لا یبقى سلیماً ولا یتكامل.
وتابع سماحته القول: وكما أنّ جمیع أعضاء البدن هی مهمّة ومحطّ حاجة، بید أنّ لبعضها وظائفَ أعمّ وهی لهذا أهمّ، فالأمر ذاته ینطبق على المجتمع؛ فعلى الرغم من أنّ المجتمع هو بحاجة إلى جمیع أعضائه لكن هناك نُخب یلبّی بعضهم مطالب الناس المادّیة ویلبّی بعضهم الآخر حاجاتهم الفكریّة ولابدّ للأفكار والمعارف الصحیحة حول المصالح والمفاسد أن تنتقل من هؤلاء إلى المجتمع ذلك أنّ الأشخاص العادیّین لا یستطیعون تأدیة مثل هذا الدور.
وأضاف سماحته القول: فكلّنا یعتقد أن أعظم إنسان مؤثّر على المجتمع البشریّ هو الوجود المقدّس للإمام المعصوم (صلوات الله علیه) إذ لا یستطیع أیّ إنسان آخر أداء دوره، وأیّ إنسان غیر المعصوم سیستطیع النهوض بجزء یسیر من هذا الدور بالمقدار الذی یشبه فیه المعصوم ویخطو فی طریقه.
وفی معرض إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى أنّ علینا أن نعلم لأیّ شیء خُلِقنا وما هو الهدف من خلقتنا أضاف: إذا عرفنا ذلك سیتسنّى لنا معرفة مَن هم النُّخَب فی المجتمع والسبل التی یتّبعونها للوصول إلى هذا الهدف. إلاّ أنّ التاریخ الإسلامیّ والآیات القرآنیّة تحدّثنا عن أنّ هناك دائماً قسماً عظیماً من أفراد المجتمع وهم قاصرون عن إدراك واجبات النُّخب ولا یستطیعون تشخیص ما ینبغی أن یكون علیه النُّخب والخواصّ فی المجتمع، والسبب فی ذلك یعود إلى عدم معرفتهم بماهیّة السعادة الحقیقیّة للمجتمع ومواصفات المجتمع المثالیّ.
واستطرد سماحته بالكلام قائلاً: یعتقد الكثیر من البشر أنّ المجتمع المطلوب والمثالیّ هو المجتمع الذی تُؤَمّن فیه جمیع الحاجات المادّیة ویتوفّر فیه الأمن والطمأنینة النفسیّة، فی حین أنّ إنسانیّة الإنسان هی رهن بالمعنویّات وأنّ الحاجات المعنویّة هی أهمّ مطالب الإنسان، وأنّ جمیع الأنبیاء قد بُعثوا لهذا الغرض، وأنّه من هذا المنطلق أصبح الإنسان خلیفة الله، وإلاّ فلیس للإنسان أیّ أفضلیّة على الحیوانات، بل إنّ بعض الحیوانات أفضل من الإنسان من هذه الوجوه.
وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: على الرغم من أنّ عدم معرفة البعض بمطالبهم المعنویّة أمر غیر مرغوب فیه، لكنّ الأكثر إیلاماً هو أنّ اولئك الذین أدركوا هذه الحاجة والذین ربما بذلوا جهوداً فی هذا المضمار وتحمّلوا أنواع الأذى والتعذیب بسببه وقاربوا حدّ الشهادة – أن اولئك قد انحرفوا عن الطریق السلیم وانكروا كلّ ذلك.
ومن خلال تأكید العلاّمة مصباح الیزدی على ضرورة مراقبة النفس والحذر من الزلل قال: على النخب أن یعرفوا واجباتهم فی هذا المجال وأن لا یكتفوا بالسعی لحفظ أنفسهم من الزلل بل أن یحاولوا الأخذ بید المتورّطین فی المزالق. لیس هذا فحسب، بل حتّى إذا شكى بعض النخب من الانحراف فإنّ على النخب الاُخرى الوقوف بوجههم ومنع الآخرین من الانحراف باتّباعهم.
ثمّ قال سماحته: والآن إذا أردنا معرفة ما إذا كان نُخَبنا یقومون بواجبهم أم لا فعلینا أن ننظر إلى ما یحملونه من عقیدة، وأن نتساءل: هل إنّهم یفكّرون بتلبیة حاجات المجتمع المعنویّة؟ فإن كانوا باستمرار یشكون من المشاكل الاقتصادیّة ولا یتكلّمون عن المشاكل الثقافیّة التی تتفاقم یوماً بعد یوم، أو كانوا یفتخرون فقط بالإنجازات الاقتصادیّة والاختراعات والتطوّر ولا تُعدّ الإنجازات الثقافیّة ذات أهمّیة فی حساباتهم، فعلینا أن نفهم أنّهم یشكون من النقص ولا یفهمون الواجب الملقى على عواتقهم.
وأكّد سماحة مصباح الیزدیّ على أنّ الأنبیاء والأئمّة (علیهم السلام) قد جاءوا واستُشهدوا من أجل تلبیة حاجات المجتمع المعنویّة وقال: إنّ المجتمع بحاجة إلى نُخب یدركون على الأقلّ أنّ للمجتمع – بالإضافة إلى الحاجات المادیّة - حاجاتٍ معنویّة، ویتساءلون ویتأمّلون فی مدى الأشواط التی قطعها النظام لیصبح نظاماً إنسانیّاً یصنع الإنسان ویكون مرضیّاً عند الله تعالى؟
وعبر إشارة سماحته إلى أنّ الهدف من الثورة كان الإسلام ولیس السعی نحو الرفاهیّة وأضاف القول: ینبغی أن یكون معیارنا للتقدّم والتطوّر هو: هل إنّ الإسلام بات یتقدّم فی مجتمعنا یوماً بعد آخر؟ فمع شدید الأسف فإنّ بعض المتصدّین للمناصب الحكومیّة والمسؤولین الحكومیّین فی البلاد لا یعتقدون كما ینبغی بهذه المسائل الأساسیّة للإسلام والثورة؛ فهم - على سبیل المثال – یتناولون ولایة الفقیه فی كلامهم لكنّهم لا یعرفونها حقّ معرفتها بل ولا یقبلون بها أیضاً؛ والحال أنّه استناداً إلى تعالیم الإمام الراحل (رحمة الله علیه) فإنّ رئیس الجمهوریّة المنتخَب بأصوات جماهیر الشعب إذا لم یُنَصَّب من قبل الولیّ الفقیه فهو طاغوت! فالذی لا یحمل هذا الاعتقاد إنّما یشكو من ضعف فی معرفته وعقیدته وینبغی أن یفكّر فی تدارك هذا الضعف وترمیمه. علینا أن نؤمن بأنّ تطوّر المجتمع لا یقتصر على التطوّر على المستوى المادّی، وأنّ صناعة الصاروخ أو حتّى صناعة القمر الصناعیّ لیستا دلیلاً على تطوّر البشر، بل إنّ التطوّر البشریّ الحقیقیّ یكمن فی تحویل المجتمع إلى مجتمع عارف بالله ومؤمن به وما التطوّرات المادّیة إلاّ لوازم ثانویّة لذلك.
وقال آیة الله مصباح الیزدی مستشهداً بآیات من الذكر الحكیم: إذا نحن آمنّا بالله تعالى وعملنا بواجباتنا فسیمنحنا الله عزّ وجلّ القدرة على صناعة ما هو أهمّ وأفضل من القمر الصناعیّ.
وفی إشارة للعلاّمة مصباح الیزدی إلى وجود القادة الصالحین فی نظامنا الإسلامیّ أضاف قائلاً: لقد منّ الله سبحانه وتعالى علینا أن بعث لنا الإمام الخمینیّ (رحمه الله) الذی كان النموذج الإنسانیّ الذی یرضاه الله وكانت حكومته النموذج الحكومیّ الذی یرضاه الله أیضاً، وقد خلَفه من بعده خلیفة قد لا یوجد على وجه الأرض مَن هو أكثر لیاقة منه لهذا المنصب. أمّا واجبنا أنا وأنتم، نحن الذین أتمّ الله علینا هذه النعمة، فهو أن نبذل ما بوسعنا لنختار لتولّی مناصب البلاد نُخباً یضعون تلبیة حاجات المجتمع المعنویّة نصب أعینهم.
وتابع سماحته القول: التكلیف الملقَى على عاتقی وعاتقكم الیوم فی أیّ منطقة كنّا مضافاً إلى معرفة الأصلح والتعریف به فهو التعریف بالفاسدین والمضرّین من الناس أیضاً؛ بالضبط كما لو علمتم أنّ شخصاً یدّعی الطبابة وقد راح یطبّب الناس ویعرّض أرواحهم للخطر فإنّ من واجبكم كشف حقیقته أمام الناس.
وأضاف سماحته: بالطبع إنّ هناك حدوداً لكلّ ذلك ولا ینبغی إراقة ماء وجه أحد من دون داع أو نسیان ما یتّصف به من قیم إنسانیّة، لكنّه لابدّ من توعیة الناس وتنبیههم فی حدود وقایتهم من الوقوع فی الفخّ. انظروا إلى تاریخ الأنبیاء والأئمّة الأطهار (علیهم السلام) وعظماء دیننا وإمامنا الراحل (رحمة الله علیه) وغیرهم، فلولا توعیة الجماهیر ولولا كشف الفاسدین أمامهم لما انتصرت هذه الثورة.
وقال عضو مجلس خبراء القیادة: حاول البعض فی فتنة عام 2009 أن یُظهر نفسه بعنوان المخلص للجماهیر، فكانت جمیع الخسائر التی تكبّدتها البلاد بسببهم ناجمة عن تسامح البعض فی عدم التعریف بهؤلاء وكشفهم، والأسوأ من هؤلاء هم الذین كانوا یدرون ما هی حقیقتهم لكنّهم سكتوا على الرغم من ذلك. ولم یكن هذا السكوت بسبب التقوى، فقد كانوا أشبه باُولئك الذین شاهدوا رأس سیّد الشهداء (علیه السلام) یُحَزّ ولم یحرّكوا ساكناً.
وأوضح آیة الله مصباح الیزدی أنّه لیس كلّ سكوت مطلوباً ودلیلاً على التقوى وقال: یتعیّن علینا دائماً أن نضع المصالح الإسلامیّة فی الحسبان وننبّه الناس لما یتهدّدهم من أخطار وكشف المخادعین وطلاّب الفتنة وأنصارها أمام الملأ. بالطبع قد یكون التعریف بالأصلح كافیاً أحیاناً لتحقّق هذا الهدف وذلك عندما یكون كلامنا مسموعاً عند الناس ولا یساورهم الشكّ، لكنّه عندما یشتبه علیهم الأمر، فإنّه یتعیّن كشف النقاب عن الوجه الحقیقیّ لمثیری الفتنة وأنصارهم أمام الشعب كی لا تنطلی علیهم حیلهم.
وأضاف سماحة مصباح الیزدی قائلاً: إنّ النقص الذی یشكوه بعض نخبنا ینبع أوّلاً ممّا یحملونه من معرفة بالإسلام والقیم الإسلامیّة وأنّهم لا یعرفون الإسلام كما ینبغی، بل حتى إنّ بعضهم لا یعتقد بولایة الفقیه أساساً. وثانیاً ما ینتابهم من نقص فی الدوافع؛ إی إنّهم یشخّصون الحقّ والحقیقة جیّداً لكنّ طموحهم لتحقیق مصالحهم الشخصیّة یحول بینهم وبین الالتزام به.
ولدى إشارة العلاّمة مصباح الیزدی إلى أنّ البعض لا یتقن غیر إطلاق الشعارات لكنّه لا یثبت فی میدان العمل قال: أغلب أصحاب القصور یتقنون الانتقاد، لكنّهم یفرّون فی ساعة الحرب والنزال، أمّا الحفاة من الناس فإنّهم یحضرون فی الساحة ویواجهون سنان الأعداء بصدور عاریة، ولعمری فإنّ دماء هؤلاء هی التی منحتنا إمكانیّة طرح مثل هذا الكلام.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد جرى بتاریخ 27 كانون الثانی 2012م فی مبنى یاوران مهدی «أنصار المهدیّ (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف)» فی جمكران.

آخرین محتوای سایت

کتاب صوتی «آیین پرواز» منتشر شد.
کتاب صوتی «آیین پرواز» در پایگاه اطلاع‌رسانی آثار حضرت‌آیت‌الله مصباح یزدی رضوان‌الله علیه بارگذاری...
راهکارهایی برای تهذیب و خودسازی
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیم الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَالصَّلَوةُ وَالسَّلامُ...
اقسام خدمات ممکنِ پزشکان به جامعه بشریت
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیم الْحَمْدُللهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلامُ...
ارزش واقعی لحظات زندگی
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الْحَمْدُللهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَالصَّلَوةُ وَالسَّلامُ...
تحصیلات دینی خواهران؛ ضرورت‌ها و موانع
بسم الله الرّحمن الرّحیم الحمد لله ربّ العالمین و صلّی الله علی سیّدنا محمّد وآله الطّاهرین...
القرآن الكريم دواء أصعب الأمراض
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. اللهُمّ...

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...