العلاّمة مصباح الیزدی: الشهید المطهّری كان إحدى بركات الجهاد المخلص للإمام الخمینیّ (رحمه الله)

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أشار رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث لدى لقائه بجمع من مقاتلی فرقة علیّ بن أبی طالب (علیه السلام) للحرس الثوریّ فی قمّ المقدّسة – أشار إلى أنّه من بین أنماط رحمة الله عزّ وجلّ یوجد نمط من الرحمة یتوقّف الظفر به على الفعل الاختیاریّ للعباد، وقال: إنّ بإمكان الإنسان من خلال فعله الاختیاریّ أن یصل إلى مقام الخلافة الإلهیّة.
وذكر العلاّمة محمّد تقی مصباح الیزدیّ أنّ الحیاة الدنیا تكون دائماً مقرونة بأشكال التضادّ والتزاحم وأضاف: إنّ وجود مثل هذه التزاحمات والمصاعب توفّر الأرضیّة لوصول الإنسان إلى مقام الخلافة الإلهیّة؛ وإذا تمكّن الإنسان من اجتیاز هذه المصاعب والعقبات فسیصل إلى هذا المقام السامی. لكن لابدّ أن نعلم بأنّ معرفة الطریق أمر بالغ الأهمّیة من أجل بلوغ القرب الإلهیّ وحیازة هذا المقام الرفیع.
وأشار آیة الله مصباح الیزدی لدى تلاوته آیة من القرآن الكریم إلى أنواع الهدایة وقال: إنّ كلّ مَن جاهد فی سبیل الله فإنّ الله عزّ وجلّ سیهدیه إلى سبیله ویریه صراطه المستقیم.
ورأى سماحة مصباح الیزدی أنّ مصطلح «الجهاد» هو عنوان عامّ یشتمل على مصادیق عدیدة وأضاف: الجهاد فی مجال الثقافة الإسلامیّة مفهوم مقدّس وله میادین مختلفة منها الجهاد المسلّح، والجهاد الاقتصادیّ، والجهاد السیاسیّ، والجهاد الثقافیّ.
وفیما یخصّ الجهاد السیاسیّ أردف عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: لقد طُرح هذا النمط من الجهاد فی صدر الإسلام عندما كان المنافقون یكیدون للإسلام ویحاولون إشعال الفتن؛ ومن هنا فإنّ وجود الفتنة یُعدّ من دواعی لزوم الجهاد السیاسیّ.
وعبر بیان سماحته بأنّ الجهاد الثقافیّ یتصدّر باقی أنواع الجهاد فی الأهمّیة قال: لقد سعى معظم أعدائنا من أجل الحیلولة دون نفوذ الفكر الإسلامیّ إلى قلوب الناس – سعوا إلى إعداد وبثّ البرامج الثقافیّة الهادفة إلى النیل من الإسلام وهو ما شاع فی عصرنا الحاضر على وجه الخصوص. ومن هذا المنطلق فقد انبرى قائد الثورة المعظّم (حفظه الله) منذ عشرین عاماً خلت إلى التحذیر من الخطر الثقافیّ للأعداء معبّراً عن هذا الخطر بتعابیر شتّى من جملتها: الجهاد الثقافیّ، والغارات الثقافیّة اللیلیّة، والناتو الثقافیّ، ...الخ. وعلى الرغم من وجود مثل هذه الأخطار فی عهد النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) غیر أنّها لم تكن بصورة نشاطات مخطّطة ومنظّمة كما هی علیه الیوم.
ولدى إشارة اُستاذ الفلسفة والتفسیر إلى محدودیّة قدرة الإنسان وأنّ الشخص الواحد غیر قادر - من الناحیة العملیّة - على خوض جمیع میادین الجهاد، أضاف قائلاً: بالنظر إلى تعدّد میادین الجهاد فإنّه یتعیّن تقسیم العمل؛ وذلك بأن یكرّس الذین أمضوا سنوات طویلة من أعمارهم فی البحث عن المسائل العلمیّة، أو الاقتصادیّة، أو...الخ – یكرّسوا جهودهم فیما تخصّصوا فیه وینهضوا لمقارعة العدوّ فی هذا المیدان بالتحدید. هذا على الرغم من أنّ الظروف قد تقتضی شیئاً آخر؛ كأن یشتركوا فی مجال الجهاد المالیّ أیضاً.
وتابع سماحة مصباح الیزدی قائلاً: وقد یمنّ الله سبحانه وتعالى أحیاناً – وإن كان بشكل نادر واستثنائیّ جدّاً – یمنّ على بعض الأشخاص بتوفیق خوض میدانین أو عدّة میادین جهادیّة. ولا ینال هذا التوفیق إلاّ العزیز والممتاز من عباد الله عزّ وجلّ، وقد كان الإمام الخمینیّ الراحل (قدّس سرّه) واحداً من هؤلاء.
ولدى استعراض آیة الله مصباح الیزدی لبعض الذكریات عن حیاة الإمام الراحل (رحمة الله علیه) قال مضیفاً: حتّى فی الوقت الذی كان یبدو فیه أنّ الشغل الشاغل للإمام الخمینیّ هو تدریس العلوم الدینیّة فقد كان یخوض جهاداً فی سبیل الله على عدّة أصعدة. وقد صار باستطاعتنا الیوم - بعد تقادم الزمن واتّضاح الأبعاد المختلفة لشخصیّته رحمه الله – صار باستطاعتنا تحلیل ممارساته الجهادیّة تلك.
وفی معرض إشارة العلاّمة مصباح الیزدی إلى أنّ البعض كان یتعامل مع سماحته بجفاء فی تلك الفترة أضاف: فعلى سبیل المثال كان تدریس التفسیر فی الحوزة یواجَه بقسوة، بل إنّ بعض الفروع العلمیّة فی الجوزة لم تكن تقابَل بجفاء فحسب، بل كان یُتصدَّى لها أیضاً. لكنّه من جملة الأعمال الجهادیّة للإمام الراحل فی الحوزة العلمیّة هی العمل على إحیاء العلوم العقلیّة، حیث كان (رحمه الله) قد استوعب تلك العلوم على نحو جیّد من ناحیة وعمل من ناحیة اُخرى على تنشئة جیل من التلامیذ فی هذه الحقول العلمیّة، وقد كان الشهید المطهّری نموذجاً بارزاً منهم. فقد عمل الإمام الراحل (رضوان الله تعالى علیه) بجدّ ومثابرة على كسر هذا الحاجز المنیع، لیأتی العلاّمة الطباطبائیّ فیضع اللمسات الأخیرة فی هذا الدرب.
وأشار اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة إلى جهاد الإمام الراحل (رحمه الله) على صعید الأخلاق قائلاً: بغضّ‌ النظر عن درس الأخلاق الذی كان یعطیه الإمام، والذی كان البعض یُغشى علیه فیه من شدّة البكاء والتأثّر، فقد كانت كلّ حركاته وسلوكیّاته دروساً تُحتذى فی الأخلاق وتهذیب النفوس.
ووصف آیة الله مصباح الیزدی الإمامَ (رحمة الله علیه) بأنّه كان شخصاً یمتاز بالبساطة والتواضع وعدم التكلّف وكان دائم الاستعداد للعمل لمرضاة الله عزّ وجلّ، وأضاف: فالجهاد العلمیّ، وجهاد النفس، وتنشئة المجاهدین، ومقارعة ما یطرأ على المجتمع من زیغ وانحراف كانت مجرّد نماذج من جهاد الإمام الراحل (قدّس سرّه). ومن الناحیة الاُخرى فإنّ من التوفیقات التی حبا الله تعالى الإمامَ بها هی أنّه مَنّ علیه بتلامیذ من أمثال الشهید المطهّری.
وقال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث مشیراً إلى میزات الشهید المطهّری: كما كان الشهید المطهّری یفتخر بأساتذته، فقد كان أساتذته یفتخرون به، فكانت النتیجة أن منّ الله علیه بنعمة الشهادة.
وأردف العلاّمة مصباح الیزدی منوّهاً بالروح الجهادیّة والإخلاص لدى بعض العلماء: منذ عشرات السنین وكتاب اللمعة - الذی كتبه الشهید الأوّل وشرحه الشهید الثانی - یُدرَّس لطلاّب الحوزات العلمیّة، وهذه البركات هی نتیجة إخلاص أمثال هؤلاء، وإنّ إخلاصهم هو الذی كان السبب فی ظفرهم بنعمة الشهادة.
وقال سماحته مستشهداً بحدیث نبویّ شریف: إنّ مَن سلك طریقاً یطلب فیه علماً استغفرت له وحوش الصحراء وطیور السماء وفرشت الملائكة أجنحتها تحت قدمیه ، فالشهید الثانی كان معتقداً بهذا القول ولذا فقد كان یذهب حافی القدمین إلى درسه.
ولدى إشارة سماحة مصباح الیزدی إلى بركات نشاطات الإمام الخمینیّ (رحمه الله) ذكر نماذج من هذه البركات فقال: منذ الأیّام الاُولى لانتصار الثورة لاقت أقوال الإمام الخمینیّ رواجاً واسعاً بین مسلمی العالم، ولیست الصحوة الإسلامیّة التی عمّت أرجاء المنطقة الیوم إلاّ استمراراً لبركات نهضة الإمام الخمینیّ (رضوان الله تعالى علیه) تلك.
وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة مستشهداً بروایة شریفة: إنّ مَن سنّ فی الاُمّة سنّة حسنة كُتب فی صحیفة أعماله ثواب كلّ من عمل بها إلى یوم القیامة، وقد حقّق الإمام الخمینیّ (رحمه الله) بنهضته أمراً بحیث إنّ كلّ حركة تقوم اُسوةً بثورة الإمام فی أیّ بقعة من العالم هدفها الإسلام ونشر تعالیمه إلى یوم القیامة فإنّ أجراً سیُسجَّل فی صحیفة عمل الإمام أیضاً. فهل تعرفون مَن استوعب عملُه كلَّ هذا القدر من البركة غیر الإمام (رحمة الله علیه)؟
وأضاف العلاّمة مصباح الیزدی متابعاً: كان ذلك نتیجة الجهاد الإلهیّ للإمام الراحل (قدّس سرّه)؛ ذلك أنّ الإمام كان قد وقف نفسه لله ولسبیله وإنّ هذا الكنز الذی لا نفاد له هو تحفة الله عزّ وجلّ له (رحمه الله).
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد جرى فی 28 نیسان 2012م فی مقرّ فرقة علیّ بن أبی طالب (علیه السلام) للحرس الثوریّ.