آیة الله مصباح الیزدی: السعادة الحقیقیّة للإنسان تكمن فی معرفة الإسلام والعمل به

ومن خلال إشارة سماحته إلى أنّ مصادرنا تختلف فی المستوى من حیث الاعتبار والدلالة قال: بعض الآیات القرآنیّة مُحكَمة وهی قطعیّة السند والدلالة، لكنّه ثمّة كلام فی سند ودلالة بعض الروایات، ولهذا فلابدّ من مراعاة سلسلة من المراحل فی عملیّة إسنادها للإسلام.
وأضاف قائلاً: وبالنظر لاختلاف المصادر فی الاعتبار فإنّ المتخصّصین أیضاً یختلفون فیما بینهم إلى حدّ ما.
وردّاً على سؤال مفاده: ما الذی ینبغی فعله مع وجود كلّ هذا الاختلاف؟ قال العلاّمة مصباح الیزدی: إنّ المناط فی المعرفة هو الحقّ، فعلینا إذن أن نرى أیّ هذه الآراء هو أقرب إلى الحقّ.
وتابع سماحته قائلاً: هناك اُسلوبان متّبعان فی معرفة المسائل المختلفة: ففی المرحلة الاُولى هناك طائفة من المسائل ینبغی فیها معرفة الحقّ أوّلاً ومن ثمّ التأسّی بمن یكون كلامه أقرب ما یكون إلى الحقّ، أمّا الطائفة الثانیة فلابدّ فیها بدایةً من معرفة أهل الحقّ والقبول بكلامهم.
واستعرض عضو مجلس خبراء القیادة تاریخ هذا الاختلاف فقال: حتّى فی زمان النبیّ (صلّى الله علیه وآله) فقد كان أصحابه یختلفون فیما بینهم أحیاناً فی الآراء. وفی زمان الإمام الصادق (علیه السلام) أیضاً فقد اختلف اثنان من أصحابه مرّةً حول صفات الله عزّ وجلّ.
وأكّد سماحته قائلاً: یتعیّن علینا أن نضع ثقتنا بمن یكون منهجه وكلامه أقرب ما یكون إلى الإسلام وطریقة أهل البیت (علیهم السلام).
وأردف العلاّمة مصباح الیزدی قائلاً: هذه الخلافات تشاهَد عادة فی المباحث العقائدیّة والأخلاقیّة، وفی المسائل الفكریّة والنظریّة، وفی الطرق العملیّة والسلوكیّة، وإنّ مستوى التعامل مع هذه الخلافات هو الآخر متفاوت.
وقال: یمیل البعض إلى القبول بشخص معیّن ویتصوّرون أنّ كلّ ما یقوله هذا الشخص هو عین الصواب مائة بالمائة بل ویتّخذون مواقف حادّة تجاه ما یخالفه من أفكار.
وتابع سماحة مصباح الیزدی قائلاً: تكلیفنا تجاه أمثال هؤلاء هو أنّه ما لم یُعلم منهم سوء النیّات فعلینا احترامهم وبذل غایة الجهد فی اختیار الرأی الأصلح والأصوب من آرائهم.
وذكر آیة الله مصباح الیزدی: حتّى فی قضیّة الولوج فی المسائل السیاسیّة والاجتماعیّة فقد كان هناك خلاف بین علمائنا منذ قدیم الأزمان وقد انقسموا إلى فریقین فی هذا المجال؛ فبعضهم - كالشیخ البهائیّ - كانوا قد نزلوا إلى الساحة السیاسیّة، فی حین جعل البعض منهم الانهماك فی المسائل الفردیّة والعبادیّة منهجاً لحیاتهم.
وتابع سماحته قائلاً: حتّى فی التعامل مع الجهاز الحكومیّ إبّان حكم النظام السابق فقد كان هناك خلاف؛ حیث كان البعض یعتقد بضرورة المماشاة من أجل الحفاظ على أصل الإسلام، فی حین انتهج البعض نهج معارضة النظام ومقارعته.
وقال أیضاً: وفی زماننا أیضاً فقد انتهج الإمام الخمینیّ الراحل (رحمة الله علیه) نهج معارضة النظام الطاغوتیّ الذی كان حاكماً قبل انتصار الثورة ممّا قاد إلى تبلور نهضة علماء الدین وانتصار الثورة، وهی حادثة قلّ نظیرها فی عالَم التشیّع.
وقال العلاّمة مصباح الیزدی مؤكّداً: إنّ القسم الأعظم من الإسلام یبحث فی المسائل الاجتماعیّة، ولهذا لا یمكن الاكتفاء بالمسائل الفردیّة. فلقد بدأ الإمام الراحل (قدّس سرّه) حركةً مبیّناً هذه المسألة بشكل عملیّ. ونحن إیضاً إذا أمعنّا التفكیر فی هذه القضیّة وحلّلنا حركة الإمام الراحل (رحمه الله) بشكل صحیح على المستوى التاریخیّ لاستنتجنا أنّه لولا تبلور هذه الحركة لما كان قد بقی من الإسلام والتشیّع شیء یُذكر.
وأضاف سماحته قائلاً: إنّ عظمتنا الیوم قد بلغت حدّاً بحیث إنّ الرجل الأوّل فی بلادنا هو عالِمُ دین وإنّ العالَم بأسره یحسب له ألف حساب. ولم یحظَ علماء الدین بهذه المنزلة والمكانة إلاّ ببركة هذه النهضة، إلى درجة أنّه حتّى الدول الاُخرى باتت تتّجه نحو الإسلام من أجل رقیّها وعلوّ شأنها.
وقال سماحته مُردفاً: فی الحقیقة إنّ الإمام الراحل (رضوان الله تعالى علیه) بسلوكه السیاسیّ الاجتماعیّ ذاك هو الذی عرّف للعالم هذا النصف الآخر من الإسلام وقد صمد فی هذا الطریق فی مقابل مختلف العقبات والمعوّقات كی یضع هذه النعمة العظیمة تحت تصرّف الاُمّة.
ورأى آیة الله مصباح الیزدی أنّ شكر هذه النعمة واجب على الجمیع وقال: كلّما زادت النعمة عظمةً، عَظُم التكلیف تجاهها وازدادت آفاتها.
وفی معرض إشارة سماحته إلى تكلیف طالب العلوم الدینیّة فی مثل هذه الظروف قال: تكلیفنا فی هذا المجال هو مواصلة درسنا الحوزویّ بأحسن وجه ومعرفة الإسلام بشكل صحیح، إلى جانب التقوى وتهذیب أنفسنا أخلاقیّاً وأن نتحلّى ببصیرة عالیة وإدارك سیاسیّ واجتماعیّ صحیح لما یدور حولنا من أحداث.
كما وأكّد سماحته قائلاً: على طالب العلوم الدینیّة أن یؤدّی جمیع تلك التكالیف الثلاثة وأن لا یستبدل بأیّ منها شیئاً آخر على الإطلاق.
وفی الختام شدّد سماحة العلاّمة مصباح الیزدی على ضرورة أن نطیل التفكیر بآلاء الباری عزّ وجلّ ولا نغفلها، وأن لا نیأس من النظام الإسلامیّ وندیر ظهورنا إلیه جرّاء بعض ما نراه من قصور وسلبیّات.