ماهیّة وخصوصیّات فقه الحكومة من وجهة نظر العلاّمة مصباح الیزدی

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی ففی ملتقى اُقیم تحت شعار «طاقات فقه الجواهریّ فی مجال فقه الحكومة» (الذی یأتی ضمن سلسلة ملتقیات تدور حول موضوع فقه الحكومة) قال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث: قد یقول البعض بدافع الجهل أو إنّه مغرض: إذا كنّا نملك فقه أهل البیت (علیهم السلام) فما حاجتنا لفقه الحكومة؟ ومن هنا علینا بادئ ذی بدء أن نبیّن المراد من عنوان فقه الحكومة والألفاظ المستخدمة فیه.
وفی إشارة لآیة الله محمّد تقی مصباح الیزدی إلى التقسیمات المختلفة الموجودة فی الفقه قال: قد یُقسّم الفقه إلى بضعة أقسام انطلاقاً من الاختلاف فی الإجابة على بعض المسائل الفقهیّة؛ كالفقه الشافعیّ، والفقه الجعفریّ، وغیرهما، حیث على الرغم من تشابه المسائل بین هذه الأقسام إلاّ أنّ الإجابة على هذه المسائل قد تختلف باختلاف المذهب.
وفی معرض إشارة سماحته إلى شكل آخر من أشكال التقسیم للفقه وفقاً لمسائله أضاف: فی هذا الشكل من التقسیم تختلف مسائل كلّ قسم عن الآخر؛ كفقه العبادات وفقه المعاملات، حیث هناك اختلاف بین مسائل كلّ قسم منهما.
وتابع آیة الله مصباح الیزدی حدیثه بخصوص بعض التقسیمات الجدیدة للفقه فقال: قد یقسّم الفقه أیضاً بحسب طریقة الاستنباط واُسلوبه؛ كأن یقسّم اصطلاحاً إلى الفقه التقلیدیّ والفقه المتجدّد.
وأضاف سماحته قائلاً: كما أنّه فی تقسیم الفقه تبعاً لاختلاف المسائل یؤخذ أحیاناً العامل الأساسیّ للاختلاف فی نظر الاعتبار فی حین أنّ هناك عوامل اُخرى لها دخل فی هذا الاختلاف أیضاً؛ فمثلاً على الرغم من أنّ العامل الأساسیّ للاختلاف بین فقه العبادات والمعاملات هو الاختلاف فی المسائل، فإنّ الفهم العرفیّ وبناء العقلاء فی باب المعاملات یحوز اهتماماً أكبر، خلافاً للعبادات حیث یتمّ فی حالة انعدام الروایة الرجوع إلى الأصل والمبدأ.
وأوضح عضو مجلس خبراء القیادة أنّ فقه الحكومة هو قسم آخر من أقسام الفقه یرتبط بإدارة المجتمع وقال: یقع فقه الحكومة فی مقابل الفقه الذی یتناول المسائل غیر الحكومیّة حیث إنّ الاختلاف بین الاثنین ینبع من الاختلاف فی المسائل. غیر أنّ هذه القضیّة لا تمثّل العامل الوحید للاختلاف بینهما، فلو كان الأمر كذلك لما كانت هناك مشكلة معیّنة فی تبیینه ولما كان هناك شعور بالحاجة لعقد الملتقیات وتنظیم الأبحاث لهذا الغرض، بل إنّه ثمّة عامل آخر عرضیّ هو السبب فی اختلاف هذین القسمین من الفقه.
وعبر بیان سماحته أنّ الأحكام الحكومیّة تكثر فیها الأحكام الثانویة أضاف قائلاً: فی الفقه الذی یتناول المسائل غیر الحكومیّة هناك أیضاً أحكام ثانویّة یشخّص الفقیه مواردها ویفتی فیها بالالتفات إلى أحكام الشرع الكلّیة، لكنّ العناوین الثانویّة فی فقه الحكومة أكثر؛ وذلك لوجود تزاحمات كثیرة بین مصالح الفرد والمجتمع ومن هنا یُصدر الأئمّة المعصومون (علیهم السلام) فی مثل هذه المواقف وبعنوان كونهم زعماء للاُمّة أحكاماً ولیس فتاوىً. فإذا تسلّم فقیهٌ مقالید إدارة الاُمّة فسیكون له نفس هذا الامتیاز والصلاحیّة أیضاً.
وأشار عضو مجلس خبراء القیادة إلى أنّ إمام الاُمّة ومدیرها یصدر الحكم الحكومیّ على أساس الضوابط الشرعیّة، ثمّ استعرض نماذج لذلك قائلاً: هذه الضوابط والموازین ترتكز على سلسلة من القواعد الفقهیّة التی یستند إلیها قائد الاُمّة فی إصدار حكمه عبر تشخیصه للمصالح والمفاسد وما بینها من تزاحمات.
وأوضح سماحة مصباح الیزدی أنّه لیس المراد من فقه الحكومة هو أنّ الحكومة هی التی تحدّد الفقه وقال: إنّ المشرّع والواضع للحكم هو الله وحده لا غیره، لكنّه من خصوصیّات فقه الحكومة إلى جانب اختلاف المسائل هی غزارة العناوین الثانویّة فیه الأمر الذی لا یسمح بإناطة عملیّة تشخیص هذه العناوین للأشخاص أنفسهم ویتعیّن للعمل بها اتّباع رأی قائد الاُمّة.
وفی إشارة لسماحته إلى شحّة الجهود المبذولة فی الماضی لتبیین فقه الحكومة قال: بالنظر إلى أنّه لم یكن أحد فی الماضی یحدوه الأمل فی أن یتسلّم فقیه جامع للشروط ومقبول من قبل الاُمّة مقالیدَ إدارة الاُمّة ویصدر الأحكام الحكومتیّة فإنّه لم یتمّ العمل على هذا الموضوع إلاّ قلیلاً. لكنّه بقیادة الإمام الراحل (قدّس سرّه) والتضحیات التی قدّمتها الاُمّة المسلمة فقد تحقّق ما كان أشبه بالمحال. ومن هنا علینا أن نحثّ الخطى فی هذا الباب لنعوّض نقائص الماضی.
یُذكر أنّ ملتقى «طاقات فقه الجواهریّ فی مجال فقه الحكومة» قد عُقد بتاریخ 24 أیّار 2012م فی قاعة مؤتمرات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.