ar_akhlag3-ch11_15.htm

انواع الاستماع

انواع الاستماع

یكون الاستماع الى كلام الآخرین على انواع: الاول هو أن یعلم الانسان بانّ المتكلم یرید بیان حق وأمر صحیح، فی هذه الحالة یكون الاستماع نافعا للتذكیر فقط أی لكی تتضح لدى السامع المفاهیم التی یعلمها ویلتفت الیها.

النوع الثانی هو أن یعلم الانسان بانّ المتكلم یرید بیان كلام باطل ولیس فی الاستماع الیه أیة فائدة.

النوع الثالث هو أن یجهل المستمع كلام المتكلم تماما، ویستمع الى كلام یجهل بأنه حق أو باطل. أی ما لم یلقِ المتكلم كلامه فانه یجهل صدقه أو كذبه وسیدرك ذلك بعد الاستماع الیه.

للنوع الثالث عدة صور: فی الصورة الاُولى یستمع الانسان الى كلام من یصدّق بحدیثه ثقة به، وللوثوق بالمتكلم تأثیر فی التصدیق بحدیثه.

فی الصورة الثانیة یستمع الانسان الى كلام المتحدث كی یفكّر بشأنه بعد الاستماع الیه ویدرك الحقیقة بفكره وادراكه، لا أن یصدّق بما یلقیه المتكلم تعبداً، نظیر الكثیر من التعالیم التی یتلقاها التلمیذ من استاذه مما له حیثیة ارشادیة لا تعبدیة، بل ان استناده الأساسی یكون على تدبره وتفكیره.

فی الصورة الثالثة لا یثق المستمع بالمتكلم، ولا یكون بنفسه قادراً على ادراك الحقیقة بعقله وتدبره، ویعجز عن تشخیص الحق والباطل فی كلام المتحدث.

نبادر هنا الى البحث بشأن هذه الصور المختلفة.

1 - استماع الكلام الحق

حینما یستمع الانسان الى كلام یعلم بحقانیته فان فعله هذا صحیح ونافع وان كان عالما بحقانیته من قبلُ، لان الانسان یكون فی هذه الموارد التی یعلم بانّ الكلام حق وصحیح غافلا فی الغالب، ویكون استماعه هذا سببا لالتفاته الى الحقائق التی غفل عنها. وعلیه فان الاستماع وان لم یكن فیه عائد علمی، الاّ انّه نوع من التذكیر والإیقاظ من الغفلة وتجدید الالتفات، الأمر الذی له تأثیر نفسی وسلوكی كبیر على المستمع بنحو طبیعی.

اننا نعلم بالكثیر من القضایا ولكنّنا لا نلتفت الیها ولا نتفاعل عملیاً بهذه المعلومات المغفول عنها فی سلوكنا. فی هذه الحالة یكون استماع هذه القضایا من الآخرین سببا لإحیاء معلوماتنا المغفول عنها والتأثیر على سلوكنا.

افضل الكلام النافع لدى الاستماع الیه فی كل حال هو كلام الله فی القرآن الكریم، ثم أحادیث النبی الاكرم(صلى الله علیه وآله وسلم)والائمة المعصومین(علیهم السلام)الواردة فی الروایات، وفی المرتبة الثالثة نصائح العلماء والحكماء واولیاء الله ومواعظهم، حیث لها أهمیة بالغة فی ترسیخ المفاهیم الذهنیة والعقائدیة والأخلاقیة، ولها التأثیر الكبیر على سلوكنا. ولذا یؤكد الاسلام بشدة على الاستماع الى هذه الاحادیث، قال تعالى فی القرآن الكریم:

(وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)([1]).

أجل، یكون السكوت والاستماع الى القرآن عند تلاوته ـ سوى ما فیه من إجلال لكلام الله ـ سبباً لتركیز الحواس والالتفات الى مضمون الآیات ومعانیها، ویجعل المستمع موضعا للالطاف والرعایة الالهیة.

2 ـ استماع الكلام الباطل

حینما یعلم المستمع انّ المتكلم یرید التحدث عن أمر باطل فمن الطبیعی ان یكون الاستماع الیه فعلا خاطئا، وأقلُّ ضرره هو تضییع الوقت، الاّ انّ هناك آثاراً سیئة اُخرى تترتّب على هذا الاستماع نشیر الى بعضها:

الاول هو ان استماع الآخرین الى هذا الكلام الفارغ یروّج لسوق أهل الباطل، أی انّ المتكلم اذا لم یجد مستمعا فانه سیفقد الدافع للكلام، اذ لا یرید عاقل ان یتحدث مع نفسه أو مع الباب والجدار، وان فعل ذلك فلا یضر الآخرین. فالمستمع إذنْ یعین المتكلم على الكذب والكلام الباطل. وعلیه سیكون استماع الكلام الباطل نوعا من الإعانة على المعصیة، وقد حظر الله سبحانه ذلك فی القرآن بعبارة:

(وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَ الْعُدْوانِ)([2]).

الثانی ان الاستماع للكلام الباطل والفارغ قد یجرّ الانسان نحو الضلال ویحرفه عن الحق والحقیقة، لان المستمع وان علم ببطلان الكلام، الاّ انّ المتحدث قد یقوم بتزویقه والقائه بنحو جمیل فیتأثر به السامع وینحرف بسببه.

اننا قد جرّبنا هذه الحقیقة غالبا وهی أن الاستماع الى موضوع ما وان كان باطلا وخاطئا حینما یلقى بعبارات جمیلة ومزوَّقة أو یكرر فانه لا یكون غیر مؤثر فینا تماما.

من هنا منعَنا القرآن من الاستماع الى الكلام الفارغ والباطل حیث یقول:

(وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَیْكُمْ فِی الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آیاتِ اللّهِ یُكْفَرُ بِها وَ یُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى یَخُوضُوا فِی حَدِیث غَیْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِینَ وَ الْكافِرِینَ فِی جَهَنَّمَ جَمِیعاً)([3]).

هذه الآیة تهدّد بشدة الذین یستمعون الى الكلام الباطل بأنهم سیبتلون بالنفاق وتلین قلوبهم للكفار ویمیلون الیهم ویتأثرون بذلك الكلام ویضعف ایمانهم ویضمحل تدریجیا. وینهى المؤمنین من الجلوس مع الكفار للتحدث معهم والاستماع الى الكلام الباطل حتى ینصرفوا عن طرح مثل هذا الكلام.

یظهر من الترابط بین صدر الآیة وذیلها وعباراتها أن المؤمنین اذا جلسوا مع الكفار واستمعوا الیهم فانهم سیكونون مثلهم وینتهی أمرهم الى النفاق والإلحاد، كما حدث لأشخاص جالَسوا أهل الباطل بعد انتصار الثورة الاسلامیة واستمعوا الى كلامهم فاصبحوا من جماعة المنافقین أخیراً.

قال تعالى فی آیة اُخرى:

(وَ إِذا رَأَیْتَ الَّذِینَ یَخُوضُونَ فِی آیاتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى یَخُوضُوا فِی حَدِیث غَیْرِهِ وَ إِمّا یُنْسِیَنَّكَ الشَّیْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ)([4]).

3 ـ الثقة بالمتحدث فی تصدیق كلامه

حینما یجهل الانسان انّ الكلام حق أو باطل ویستمع الى المتحدّث كی یصدّقه ثقةً به ویتأثر به فانّه یمكن افتراض عدة حالات مختلفة لذلك، فلا ینبغی الثقة بأی انسان بل یجب ان یكون اهلاً لذلك.

وللوثوق بالمتحدث موارد مختلفة: فیكون تارة فی موارد اعتیادیة وفردیة، وتارة فی موارد ترتبط بالشؤون الاجتماعیة، وتارة فی الأمور الدینیة المحضة.

اذا اردنا الوثوق بشخص فیما یتعلق بالدین وسعادة الانسان وشقائه والتصدیق بقوله فلابدّ ان یكون مرتبطا بمصدر الوحی الذی لا ریب فیه، أی بأشخاص نظیر رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم) والائمة المعصومین(علیهم السلام)أو الصادقین الثقاة الذین ینقلون كلامهم ویستنبطون المعانی منه، اذ انّ التصدیق بكلام شخص غیر موثوق به فعل غیر معقول.

فی الاحداث الاعتیادیة والیومیة خاصةً ذات الصلة بالشؤون الاجتماعیة لا ینبغی الاعتماد على كلام أیّ شخص. طبعا لا نرید القول بضرورة تكذیب كلام الآخرین بلا دلیل، ولكن للتصدیق به والاستناد الیه لابدّ من التحقیق هل القائل أهل للوثوق به أم لا؟

أفضل اُنموذج من الآیات فی هذا المجال هی الآیة التی یستدلون بمفهومها على حجیة الخبر الواحد، قال تعالى:

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَة فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ)([5]).

جاء فی شأن نزول هذه الآیة فی كتب التفسیر والحدیث بانّ الحارث بن ضرار الخزاعی قد أسلم فأرسله رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)الى قبیلته لیبلّغ الاسلام ویجمع الزكاة منها. مرت مدة من الزمن ولم یرسل النبی(صلى الله علیه وآله وسلم)أحداً فظن الحارث ان هناك سوء فهم، فاتّجه الى المدینة مع جماعة من قبیلته، ومن جهة اُخرى ارسل النبی(صلى الله علیه وآله وسلم)الولید لأخذ الزكاة وحملها الى المدینة. غادر الولید المدینة والتقى فی الطریق بجماعة الحارث فرجع الى المدینة وقال لرسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)كذبا بأنهم غیر مستعدّین لدفع الزكاة.

ارسل النبی جماعة لاخذ الزكاة من الحارث فالتقوا به خارج المدینة مع جماعته فسألوه عن الاوضاع فأجاب باننا انتظرنا مدة لیأتی شخص فیأخذ الزكاة منا فلم یأتِ، ولذا اقبلنا الى المدینة لنقدّمها الى النبی(صلى الله علیه وآله وسلم)، فعلم أن خبر الولید كان كذبا. فالآیة المذكورة نزلت لتقول: انّ الفاسق اذا أخبركم فلا تعملوا بمضمون خبره من دون تحقیق وتثبُّت. وقد نقل شأن النزول هذا فی اخبار مستفیضة بطرق الشیعة والسنّة، وصرّح بانّ المقصود من الفاسق فی الآیة هو الولید، وكاد أن یسبب كذبه وقوع أحداث مُرّة تستتبع الندامة. كان للولید هذه الشخصیة ثم تبوّأ مناصب مهمة فی الحكومة الأمویة.

استدل الأصولیون بمفهوم هذه الآیة على حجیة الخبر الواحد، وهو انّ المخبر اذا كان ثقة ویعتمد علیه ولم یكن من اهل الفسق والفجور فانه یمكن الاستناد الیه فی الخبر وتصدیق قوله.

بناء على ذلك إننا نصدّق بقسم من الكلام بصورة مباشرة على اساس الثقة بالقائل، ومن دون تدقیق فی أصل الكلام ومن دون تحقیق حول صحته وسقمه، والتصدیق بهذا القسم من الكلام یستند الى ثقتنا بالقائل، ولكن من جهة اُخرى لیس بوسعنا الوثوق بأیّ شخص، بل یتوقف ذلك على توفرُّ بعض الشروط الروحیة والنفسیة والخصال الأخلاقیة، وبدونها یكون الوثوق فی غیر محله وبلا أساس، وقد یسفر فی بعض الموارد عن نتائج مُرّة وندامة.

4 ـ الاستماع من أجل الاتّباع للأحسن

الحالة الاُخرى هی أن نستمع للكلام ونتدبر بشأنه ونستند الیه بتشخیصنا صحته أو سقمه ونصدّق بما رأیناه صحیحاً. قال تعالى فی هذا المجال:

(وَ الَّذِینَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أَنْ یَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَى اللّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِینَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَْلْبابِ)([6]).

یبدو أن المراد من (القول) فی هذه الآیة هو القرآن، وقد أسلفنا فی محله بان عنوان (القول) من الاسماء والعناوین التی اطلقت على القرآن، وهنا أیضاً من شواهده وموارده، وعلى فرض ان یكون المراد من (القول) هو الأعم بحیث یشمل كل كلام، وكان معنى الآیة والامر الالهی المتوجه للنبی(صلى الله علیه وآله وسلم)فی الآیة هو: بشّر الذین یستمعون أیّ كلام فیتبعون أحسنه، فحتّى بناء على هذا الفرض یكون من الشروط والأمور المفروضة فی الشخص المقصود فی الآیة الكریمة هو امتلاكه القدرةَ على التشخیص، كی یستطیع معرفة الاحسن من بین ما یستمع الیه من اقوال ثم یتّبعه. إذنْ اذا لم یمتلك قدرة التشخیص بین الحق والباطل فانه لایكون مشمولا للآیة، وهذه الآیة لا تشجعه أبداً فی الاستماع الى جمیع الاقوال. انّ المخاطب فی هذه الآیة هو من یحظى بدرجة من الادراك والتشخیص تُمكّنه من تشخیص الاقوال والكلمات الطیبة والسیئة فیتمكن من فرز الطیبة والعمل بها، خاصةً مع الالتفات الى الآیات الاُخرى التی تؤكد عدم الاستماع الى القول الباطل وتحذِّر من الابتلاء بالنفاق فیما اذا استمعتم الى القول الباطل، وتكونون مع الكفار فی جهنم. فی ضوء ما ذكر كیف یمكن استنباط وجوب استماع ایّ انسان لكل قول؟

لا یرید القرآن الكریم أن یقول استمعوا لكلِّ كلام من كل قائل قطعا، بل لابدّ ان یكون القائل ثقة وصالحا، أی فی الكلام الذی تریدون تلقّیه من القائل وتستندون الیه ان كان مرتبطا بشؤون الحیاة الاعتیادیة فینبغی ان یكون القائل ثقة وصادقا، واذا كان مرتبطا بالامور الفنیة ویحتاج الى الاجتهاد فلابدّ أن یكون القائل ـ علاوة على ذلك ـ أهلا ومتخصصا وخبیراً فی ذلك الفن.



[1]. الاعراف 204.

[2]. المائدة 2.

[3]. النساء 140.

[4]. الانعام 68.

[5]. الحجرات 6.

[6]. الزمر 17 و 18.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...