ar_akhlag3-ch12_3.htm

مسؤولیتنا تجاه المعتدین على المجتمع

مسؤولیتنا تجاه المعتدین على المجتمع

اذا قام شخص بعمل یسبب شقائه وهلاكه المعنوی ویضر بالمجتمع والنظام الاجتماعی، ولا یكون ضارّاً بفرد أو فردین، بل یعرّض اساس المجتمع الاسلامی الصالح الى الخطر فالواجب هو التصدی لمنع هذا التعدی مهما بلغ الثمن، ویكون التجسس بصورة عامة جائزاً فی هذا المورد، إذ انّ من الواجب ان نقوم بالتحری ومراقبة الاوضاع لدى احتمال قیام اشخاص بالتآمر على النظام الاجتماعی، فضلا عمّا اذا علمنا بوجود اشخاص قد عزموا على الاخلال بالنظام الاجتماعی.

ینبغى التأكید هنا على ان جواز التجسس یتوقّف على اذن الحاكم وولی الامر، ویجب القیام به بأمره اذ لا یجوز التجسس الابتدائی بدون اذن الحاكم الشرعی. لقد نهى القرآن الكریم عنه صریحا بقوله تعالى:

(وَ لا تَجَسَّسُوا)([1]).

وهو مطلق یشمل كل الموارد الا الموارد التی یرى الحاكم فیها وجوب هذا الفعل صیانةً لمصلحة النظام، اذ بدونه یتعرض اساس النظام الاسلامی الى الخطر، وهذا مورد استثنائی یؤیده الدلیل العقلی والنقلی.

التدقیق فی الامر بالمعروف

ینبغی الالتفات هنا الى ملاحظة هی ان الامر بالمعروف والنهی عن المنكر والارشاد قد لا یؤدَّى بنحو مناسب نتیجةً لتدخل الاهواء النفسیة والوساوس الشیطانیة، فمثلاً قد یكون شخص على خلاف مع شخص آخر ویفكّر فی الانتقام منه ویودُّ هدر كرامته وافشاء سره لدى الناس بحجة الامر بالمعروف والنهی عن المنكر أو یتعامل معه بفظاظة ویطلق على فعله هذا عنوان الامر بالمعروف.

ویقوم هوى النفس بدوره أحیاناً بطریقة اكثر ظرافة حیث لا یهدر كرامته لدى الآخرین ولكن یحطم شخصیته لدى نفسه، أی ینكّل به باطلاعه على ارتكابه المعصیة الفلانیة فیفخر علیه بتفوقه واظهار سیئاته وحسنات نفسه فیؤدی الى خجله.

ان اقل ضرر فی هذا التعامل هو ان الفاعل لا ینال الاجر والثواب الذی یناله الشخص من الامر بالمعروف، لان القیمة الأخلاقیة لكل فعل تابعة لنیة الفاعل، فاذا كانت نیة الانسان فی القیام بفعل الخیر فاسدة لم یكن ذلك الفعل نافعاً له. بعبارة اُخرى ان هذا الفعل وان كان یحظى بالحسن الفعلی ولكن نظراً لعدم طهارة دافع الفاعل وعدم خلوصه فان عمل الخیر هذا لا یعود بثمرة على الفاعل، لیس هذا فحسب بل قد یكتب معصیة فی سجل المرشد لانه یهدر كرامة مؤمن ویخجله.

إذنْ ینبغی ان نعمل بدقة تامة فی موارد الامر بالمعروف والنهی عن المنكر، ونلتفت الى دافعنا ونُخلص نیاتنا، ویكون تعاملنا مع مرتكبی المعاصی تعامل الطبیب أو الممرِّض المخلص مع المریض، نسعى لمعالجته ونكظم غیظنا و بغضنا، ونحترز من الانتقام. نسعى قدر الامكان لعدم اهدار كرامته وعدم التفاته الى اننا نعلم بمعصیته. لتكن نیاتنا ودوافعنا طاهرة وإلهیة لكی ننتفع معنویا واخلاقیا من أداء تكلیف الامر بالمعروف والنهی عن المنكر، وفی عبارة واحدة: علینا رعایة جمیع الشروط المطلوبة.

ولكن المؤسف ان فی الكثیر من الموارد لا تراعى الشروط الشرعیة للأمر بالمعروف والنهی عن المنكر، ولا یوجد اخلاص فی النیة. ومع ذلك یظن الانسان انه قد قام بواجبه، فی حین انه بفعله هذا قد أفسد بدل الإصلاح وجعل عامل السیئة لجوجا ودفعه للاصرار على فعله، لانه یرى كرامته قد هدرت فی المجتمع فیجرأ على ارتكاب المعصیة و تكرارها.

ینقل انّ المرجع الدینیّ الجلیل المرحوم المیرزا الشیرازی (ره) كان حاضرا فی مجلس فقام الخطیب بنقل روایة أو قرأ رثاء بدون سند صحیح، فلم یقل شیئا ولم ینبّه الخطیب، فاعترض أحد رفاقه قائلاً: لماذا لم تنهه عن المنكر؟

فأجاب بقوله: ان حفظ كرامة المسلم أوجب من النهی عن المنكر المباشر. من الممكن ان اقول له سرّاً ان ما ذكرته غیر صحیح، فلا موجب لإهدار كرامته بین الناس.

بناء على ذلك یجب ان نعلم من جهة بأن طریق التقوى طریق دقیق، فیجب الالتفات حتى لا تخدعنا اهواء النفس، ولكن من جهة اُخرى یجب علینا الانتباه حتى لا یؤدّی بنا الاحتیاط المفرط فی هذه القضایا الى ترك واجب الامر بالمعروف والنهی عن المنكر، ولا تحول الوساوس واهواء النفس من نوع آخر دون اداء الانسان واجباته. مثل الخوف من انّ النهی عن المنكر یجعل الناهی مبغوضا لدى العاصی، أو یقلل من منافعه المادیة، أو نظیر ذلك من اهواء النفس التی تصد الانسان تلقائیا عن أداء واجب الامر بالمعروف والنهی عن المنكر. إذنْ لابدّ من مراقبة النفس بنحو دائم وحفظها بین حدّی الافراط والتفریط فی هذه العوامل والدوافع المختلفة التی تجر الانسان الى هذه الجهة أو تلك، واختبار الدوافع لمعرفة أىّ دافع یدفعه الى هذا القول أو السلوك.

اضافة الى ما ذكر ینبغی رعایة امور اُخرى فی مجال الأمر بالمعروف:

الاول هو أن ینتبه الانسان تماماً عند الامر بالمعروف والنهی عن المنكر بأن لا یتلوث ویتأثر بالمجرمین، فیقع فی فخ المعصیة بدلاً عن المنع منها وإبعاد الآخرین من الجریمة والمعصیة، وان لا تكون أحواله أسوء من الماضی. من الطبیعی ان تخفف مشاهدة المعصیة ـ كارتكابها ـ من قبحها فی نظر الانسان، كما انّ الكثیر من المعاصی لا تخلو من اللذة. فمن الممكن ان یُثار المشاهد للمعصیة ویرغب فی ممارستها. اضافة الى الدوافع الاُخرى التی قد تقرّب الانسان من الانزلاق، كأن یكون المجرمون من اصدقائه فیرغب فی معاشرتهم أو تدفعه العوامل العاطفیة والصداقات لمشاركتهم فی المعصیة. اذن من الواجب ان یراقب الشخص الذی یرید القیام بالأمر بالمعروف نفسه حتّى لایقع فی فخّ المعصیة.

الثانی ان یكون سلوكه بنحو لا یرغّب الآخرین فی ارتكاب المعصیة، فعلیه اضافة الى عدم ارتكابها أن لا یرغب الآخرون والذین معه فی ارتكابها.

الثالث هو ان یلتفت الى ان لا یكون اسلوبه فظّا وشدیداً بحیث یسوق الآخرین نحو اللجاج والمعارضة والاستمرار فى المعصیة، بل ینبغی ان یدفعهم بسلوكه الطیب الى تركها.

قال تعالى فی وصف عباده الصالحین:

(وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)([2]).

یستفاد من هذه الآیة ان على المسلم التزامَ الوقار والمروءة مع أهل المعاصی والسلوك غیر الأخلاقی، ومن المحتمل أن یكون المراد من هذه العبارة هو أن لا یتأثر نفسه بالعصاة أولاً، وأن یعِظهم ویرشدهم بسلوك صحیح لائق ثانیا، كی لا یرغّبهم فی المعصیة أو یسوقهم نحو اللجاج والاصرار على المعصیة.

وتقول آیة اُخرى فی وصف الصالحین من عباد الله:

(وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)([3]).

لیس المراد انهم یسلمون على الجهلاء فقط، بل ان تعاملهم مع الجهلاء واقوالهم السیئة هو التحدث بكلام سلیم ویكون سلوكهم لیّنا ولائقا.

للمزید من الایضاح للآیات المذكورة نستعین بهذه الآیة التی تقول:

(وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَیْكُمْ لا نَبْتَغِی الْجاهِلِینَ)([4]).

تقول هذه الآیة فی وصف المؤمن: انه حینما یسمع قولاً لغواً فانه یعرض عن ذلك القول ـ لا عن الجاهلین ـ ولا یتزّمت ولا یحقّرهم بأقوالهم، بل یقول: لنا سلوكنا ولكم سلوككم. ومراده هو انه لا یشاركهم فی هذا السلوك ولیس من اهله بل له منهج آخر فی حیاته الدینیة والعقائدیة، انّه لا یؤذیهم أیضاً وهو المستفاد من عبارة (سلام علیكم) الاّ انّ طریقه مستقل ولا یسلك سبیل الجهلاء.

و الحاصل أنه یستفاد من هذه الآیة اُمور تساعدنا فی تفسیر عبارة (مرّوا كراما) فی الآیة السابقة، وهی: ان لا یشارك الانسان الجهلاء ولا یماشیهم أولاً، ولا یثیر لجاجتهم ولا یخلق فتنة كبیرة بسلوكه الفظ والشدید ثانیا، ویردّ اقوالهم المهینة الصادرة عن جهل بأسلوب عقلائی رصین ثالثاً. وقد دعت الى ذلك آیات اُخرى بصراحة، تقول آیة كریمة:

(ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ السَّیِّئَةَ)([5]).

أو تقول آیة اخرى:

(وَ یَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ)([6]).

وتقول آیة اُخرى بنحو افضل واوضح:

(وَ لا تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّیِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِی بَیْنَكَ وَ بَیْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ * وَ ما یُلَقّاها إِلاَّ الَّذِینَ صَبَرُوا وَ ما یُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظّ عَظِیم)([7]).

توضح هذه الآیة الآیات السابقة وتبیّن الحكمة فی هذه الوصیّة. ینبغی بالمسلم أن یتحلى بالاخلاق المحمدیة فی تعامله مع الآخرین وتربیتهم وارشادهم وهدایتهم، فعلیه أن یكون لیّنا ورحیما ومخلصا وكالطبیب فی معالجة المریض، وان یجتنب القسوة والحدّة كی ترقّ قلوبهم لكلامه وتمیل الیه حتى فی غیبته. ولكن لیس كل انسان قادراً على مثل هذا السلوك، بل الذین سلكوا الطریق وبلغوا مقام الصبر ونالوا نصیبا وافراً من الكمال الانسانی اللائق هم القادرون على القیام برّد فعل مثل هذا فی مقابل الآخرین.

الدفاع عن حق النفس

القسم الآخر هو رد فعل الانسان ازاء سلوك غیر خلقی لشخص یرید هتك حرمته أو یصادر حقا من حقوقه، ویمكن القول ان هذا أهمُّ بلحاظ ما فیه من حیثیة دفاعیة اضافة الى حیثیة الامر بالمعروف والنهی عن المنكر، كأن یعزم شخص على غصب مال الانسان أو هتك حرمته أو التعدی على عرضه أو مصادرة حقه. السؤال عندئذ: ما هو موقف الانسان المعتدى علیه إزاء هذا الشخص وماذا یكون رد فعله؟

فی الاجابة نستطیع القول: انه یمكن تصور فرضیتین فی هذا المورد:

الاُولى ان یكون الشخص بصدد التعدی ولم یتعدّ بعد، فعلى الانسان ان یدافع عن نفسه ویحول دون وقوع الاعتداء علیه ولا یسمح بضیاع حقه.

الثانیة ان یكون الشخص قد تعدى وغصب حق هذا الانسان، ویرید المعتدى علیه استرجاع حقه أو الاقتصاص منه أو عقابه بأی نحو ممكن.

فی الفرضیة الثانیة یمكن القول: انّ الخضوع للظلم مذموم اجمالاً فی الرؤیة الاسلامیة، وهذه القاعدة صحیحة بشكل عامّ، الاّ انّ تطبیق هذا العامّ على موارده الخاصة وكیفیة التعامل مع الظالم وتحدید السلوك ورد الفعل بصورة دقیقة یحتاج الى دقة ودراسة اكبر.

یستفاد من احادیث النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) والائمة الاطهار(علیهم السلام) انّ الدفاع عن النفس أمر حسن حتى ان بعض الروایات تنص على ان من مات دفاعاً عن ماله كان له أجر الشهید، وأجازت بعض الروایات قتل من أراد الاعتداء على عِرض الانسان، على الاقل فی حالة عدم امكان منعه من الاعتداء الا بالقتل، وتوجد مثل هذه الاحكام والروایات بشكل أو بآخر فی الفقه.

فی مورد الحقوق المرتبطة بعِرض الانسان وكرامته وما یتعلق بشخصیته یثبت له حق الدفاع عن النفس ولا بأس فی ذلك.

وهنا تخطر فی الذهن عدة اسئلة تستدعی الاجابة عنها:



[1]. الحجرات 12.

[2]. الفرقان 72.

[3]. الفرقان 63.

[4]. القصص 55.

[5]. المؤمنون 96.

[6]. الرعد 22.

[7]. فصلت 34 و 35.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...