ar_akhlag3-ch12_9.htm

القرآن والقضاء

القرآن والقضاء

عند الرجوع الى القرآن الكریم نجده یبین ان من اهداف بعثة الانبیاء(علیهم السلام) وأحد واجباتهم المهمة هو أن یقضی القضاة والحكام بین الناس على اساس الحكم الالهی، قال تعالى فی آیة كریمة:

(كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِیَحْكُمَ بَیْنَ النّاسِ فِیَما اخْتَلَفُوا فِیهِ)([1]).

هذه الآیة ان لم تختص بالقضاء ومتابعة خلافات الناس فی الحقوق الاجتماعیة فانها تشملها قطعاً وتدل على ان كتاب الله عز وجل یجب ان یكون حاكما فی موارد الاختلاف، قال تعالى فی آیة اُخرى:

(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِیزانَ لِیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ)([2]).

هذه الآیة تدل على انّ الهدف والحكمة من بعثة الانبیاء والكتب السماویة هو سیادة القسط والعدل فی المجتمع بحیث یشمل انحاء السلوك والعلاقات الانسانیة، ولاشك فی أن موارد الاختلاف والدعوى من أوضح مصادیقه.

ومن جهة اُخرى یذم القرآن الكریم بشدة الذین لا یحكمون على اساس القانون الالهی وینعتهم بأنهم الكافرون والظالمون والفاسقون حیث یقول:

(وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)([3]).

(فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ)([4]).

(فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)([5]). هذه الآیات النازلة على التوالی فی سورة المائدة تحكم بالكفر والظلم والفسق على من لا یقضی فی إطار القوانین الالهیة (بما انزل الله)، ونقول بدقة اكبر: اذا لم یكن قضاؤه فی إطار القوانین الشرعیة فانه یساوی عدم القضاء، اذ عبّرت عنه الآیة بـ (ومن لم یحكم) فانه من باب عدم الملكة. ویعنی ذلك ان الذی یقضی وكان من شأنه القضاء ولم یكن قضاؤه فی إطار الشرع فانه كافر وظالم وفاسق.

وقد خاطب الله عز وجل رسوله الاكرم(صلى الله علیه وآله وسلم) عقیب هذه الآیات فی هذه السورة:

(وَ أَنِ احْكُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ یَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَیْكَ)([6]).

یطلب الله سبحانه من النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) ان یقضی فی إطار الحكم الالهی ولا ینخدع ولا یغفل عن الاحكام الالهیة، وذلك لانّه یوجد اشخاص یتآمرون لكی لا یطبَّق حكم الله، فعلى النبی ان ینتبه ولا ینخدع بهم.

على أی حال فقد تمّ التأكید على هذه القضیة بشدة فی القرآن وهی انّ القوانین الالهیة یجب ان تكون اساساً لحكم الحاكم لا الأمور التی یحبها الناس أو الحاكم ولا امور اُخرى.

القیمة الاخرى التی ینبغی التفات الحاكم الیها فی سلوكه هی ان یراقب نفسه حذراً من الانحراف لدى تطبیق هذه القوانین على الموارد الخاصة، فقد یحكم القاضی فی القضایا العامة والرئیسیّة فی إطار القوانین الالهیة ویكون هدفه العام ـ كما قیل فی الخطوة الاُولى ـ هو الحكم على اساس (ما انزل الله)، ولكنه فی القضایا الجزئیة یتأثر أحیاناً بأحاسیسه ومشاعره واهواء نفسه والدوافع غیر الالهیة.

فی هذه الحالة لا یقول بصراحة وبنحو جازم بأنی اقضی على اساس القانون غیر الاسلامی الفلانی ولكنه ینحرف فی مقام تطبیق القانون العام على مورده الخاص.



[1]. البقرة 213.

[2]. الحدید 25.

[3]. المائدة 44.

[4]. المائدة 45.

[5]. المائدة 47.

[6]. المائدة 49.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...