ar_akhlag3-ch4_10.htm

المصادیق الممنوعة لـ (الولایة)

المصادیق الممنوعة لـ (الولایة)

اذا تسلط مجتمع على مجتمع آخر فسوف یكون ولیّه عملیا، ولكن هذا النوع من الولایة هی الولایة أحادیة الطرف وتعتبر حالة خاصة لهذا المفهوم كعلاقة دولة استعماریة مع بلد مستعمَر أو تحت الوصایة.

یؤكد القرآن الكریم انّ المجتمع الاسلامی والمجتمع الكافر یقفان فی نقطتین متجابهتین وتتعارض أهدافهما تماماً. من هنا لا یمكن أن تربطهما علاقات ودیة سواء أكانا مجتمعین رسمیین مستقلین أو فئتین اجتماعیتین فی أوساط المجتمع الواحد.

عندما دخل المسلمون المدینة ولم یمتلكوا بعدُ قوة ونظاما وحكومة كانوا مجموعة من المسلمین یعیشون الى جوار المشركین واهل الكتاب. فی هذه الظروف تعایشت عدة فئات اجتماعیة بأهداف مختلفة.

كانت لجماعة المسلمین اهداف اسلامیة وهم بصدد تأسیس المجتمع الاسلامی. ولذا جابهوا الكفار الذین یتابعون اهدافا اُخرى، فلم یكن بالامكان اقامة رابطة التولی فیما بینهم، لان علاقة الصداقة كانت سوف تثیر العواطف فیما بینهم فلا یكون بوسعهم مواجهتهم، وعند نشوب حرب لا ینهضون للمواجهة كما یتوخى وكان الأمر ینتهی بهزیمة الاسلام والمسلمین.

یمكن القول ان ظهور المنافقین والذین یمیلون الى المشركین واهل الكتاب فی اوساط المجتمع الاسلامی كان ولیداً لهذه العلاقات الودیة. لم یلتفتوا الى هذه القضیة المهمة رغم التهدیدات الواردة فی القرآن الكریم ومنع المسلمین من اقامة الصداقة مع الكفار وغدوا مصدراً لأخطار وأضرار بالغة للمجتمع الاسلامی. لقد كان المنافقون عاملاً لاختراق العدو للمجتمع الاسلامی بحكم علاقاتهم الودیة مع الكفار، وقد نهضوا بدور الطابور الخامس فیه.

من هنا كرر القرآن الكریم تحذیره فی هذه القضیة باهتمام بالغ وحذر المؤمنین بشدة من اقامة الصداقة مع الكفار. یحسن هنا أن نقف قلیلا عند الآیة المذكورة لكی تتضح أهمیة هذه القضیة. یقول الله سبحانه فی قسم من الآیة: (لا یتخذ المؤمنون الكافرین أولیاء) ثم یقول: (ومن یفعل ذلك فلیس من الله فی شیء)، فیقف الانسان على مفترق طریقین: إمّا ان تكون له علاقات مع الكفار وإمّا مع الله تعالى لانّهما لا یجتمعان، فاذا اتّجه نحو الكفار انقطعت علاقته مع الله الاّ انّ تكون علاقاته مع الكفار بسبب التقیّة.

ثم یهدّد مرة اُخرى بشدة أكبر بقوله: ان مصیركم هنا بید الله، انتبهوا، فانْ ركنتم الى الكفار فانّ الله سیكون عدوَّكم واحذروا ان تواجهوا الله وتعادوه فانّ مرجع الجمیع الیه، هو الذی سیقضی بینكم ویجزیكم نتیجة اعمالكم القبیحة او الصالحة. ویتضمن كل تحذیر منها تهدیدا أشدّ بالقیاس الى التحذیر السابق مما یدل على أهمیة هذه القضیة التی تهدّد أساس الاسلام وكیان المجتمع الاسلامی.

فی آیة اُخرى یحذِّر الله تعالى من اقامة العلاقة مع الكفار أیضاً حیث یقول:

(الَّذِینَ یَتَّخِذُونَ الْكافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ أَ یَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِیعاً)([1]).

فعلى المسلمین أن یتوكلوا على الله ویعلموا انّ الكفار لن یكونوا مصدراً لعزّتهم واحترامهم. یشیر الله سبحانه من خلال تكرار هذا التحذیر الى الحكمة فی هذه التهدیدات والتحذیرات ویقول:

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ أَ تُرِیدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلّهِ عَلَیْكُمْ سُلْطاناً مُبِیناً)([2]).

اذا أردتم اقامة العلاقات معهم فانّ الله سیجعلكم محكومین ویسلط الآخرین علیكم. فاذااحببتم ان لا یكون الله عدوَّكم ولا یسلط آخرین علیكم فلا ترتكبوا هذا العمل. ویقول فی الآیة اللاحقة:

(إِنَّ الْمُنافِقِینَ فِی الدَّرْكِ الأَْسْفَلِ مِنَ النّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِیراً)([3]).

ان مجیء هذه الآیة عقیب الآیة السابقة یشیر الى انّ الصداقة مع الكفار تجرّ الانسان نحو النفاق. ینبغی العلم من جهة بانّ الصداقة مع الكفار تنشأ من رتبة سابقة من النفاق، وتعمل من جهه اُخرى على ترسیخ روح النفاق فی الانسان وتسوقة بالتالی الى الدرك الاسفل من النار، جاء فی آیة اُخرى:

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْیَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِیاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْض وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّالِمِینَ)([4]).

لا تجعلوا الیهود والنصارى اصدقاء لكم ولا تعتبروهم مخلصین لكم لانّهم متعاضدون ومتّحدون ضدَّكم. فلو أقام أحد المسلمین علاقة الصداقة معهم فانّه منهم ویدخل فی دائرة ولایتهم وهم مجموعة أعداء ومناوئین للمسلمین قد انتهجوا الظلم، والله لا یهدی الظالمین.

وجاء فی موضع آخر:

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَكُمْ هُزُواً وَ لَعِباً مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ الْكُفّارَ أَوْلِیاءَ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ)([5]).

فی هذه الآیة اهتمام خاص بالمصالح المعنویة، وقد انصبّ الحكم على الوصف لبیان علة ذلك الحكم. فقوله: لا تتخذوا الذین اتخذوا دینكم هزواً اولیاء یشیر الى علة النهی الإلهی عن اقامة الصداقة معهم وهی أنهم یستهزئون بدینكم وهدفهم هو القضاء علیه. فاذا كان دین الله سبحانه عزیزاً علیكم فلیس بوسعكم ان تكونوا أصدقاءهم. فی ذیل الآیة تحكی عبارة (واتقوا الله) عن لون من التهدید.

وقال تعالى فی آیة اُخرى:

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِیاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِْیمانِ وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ)([6]).

تبین هذه الآیة بنحو خاص انّ النهی عن تولی الكفار لا یختص بمجتمعین أو فئتین، فحتى أعضاء الاُسرة الواحدة اذا كان بینهم كفار وأعداء لله عزّ وجلّ وغیر مسلمین فلا یجوز تولّیهم، فحتى الذین یتولّون الأب والأخوة الكفار هم ظالمون. ولذا یقول تعالى فی الآیة التالیة بلغة التهدید:

(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِیرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَیْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهاد فِی سَبِیلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى یَأْتِیَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ)([7]).

من الطبیعی ان لا یرغب من ارتبط بأعضاء اُسرته برابطة عاطفیة فی الانفصال عنهم أو مواجهتهم، ولكن اذا جابهوا الله ورسوله(صلى الله علیه وآله وسلم)ووقفوا موقف الحرب والعداء مع الله عزّ وجلّ فلا ینبغی للانسان أن ینصاع لهذه العواطف. لقد وضعنا الله تعالى فی هذه الآیة على مفترق طریقین، فیجب انتخاب أحدهما: اما الارتباط والتوادد مع الارحام وأعضاء الاُسرة، واما الارتباط مع الله سبحانه. فاذا انتخبنا أعضاء الاُسرة وكانوا أحبَّ الینا انقطعت وشیجتنا مع الله ولننتظر العذاب الإلهی حسب قوله تعالى فی هذه الآیة. والله سبحانه لا یعتبر هذا الموقف عداء للمسلمین فحسب بل عداء مع الله. فأمثال هؤلاء فاسقون خارجون من عبودیة الله وسوف لا یحققون أهدافهم.

نقرأ فی آیة اُخرى:

(لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الآْخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِیرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الإِْیمانَ وَ أَیَّدَهُمْ بِرُوح مِنْهُ وَ یُدْخِلُهُمْ جَنّات تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهارُ خالِدِینَ فِیها رَضِیَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)([8]).

فی هذه الآیة استعمل لفظ (المودة) بدلاً عن (الولایة)، أی لا تجد اُناسا یؤمنون بالله والقیامة یحبون أعداء الله وإنْ كانوا آباءهم أو ابناءهم. ینبغی أن یكون ملاك المودة لدى المؤمن هو الارتباط بالله. فاذا أدت مودة الانسان الى قطع العلاقة مع الله أو وهنها فلا قیمة لها.

ابتدأت سورة الممتحنة بقوله تعالى:

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِیاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ یُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِیّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِی سَبِیلِی وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِی تُسِرُّونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَیْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ وَ مَنْ یَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِیلِ)([9]).

الذین یعادونكم بسبب الایمان بالله هم أعداء الله أیضاً، فلا یجوز لكم تولیهم والارتباط بهم عاطفیاً فانّهم یعارضون أهدافكم وأساس أعمالكم ومرتكز شخصیتكم. هذه العلاقة ستضرّ بكم سواء أكانت لاسباب عرقیة أو قومیة أو اُسریة أو لصداقات قدیمة.

بناء على ذلك نستنتج من الآیات المذكورة انّ الدین یمثل المركز لتضامن المسلمین اجتماعیا وسیكون كل ما یهدّد هذا المركز ویزعزع التضامن الاسلامی ذا قیمة سلبیة ویجب الابتعاد عنه.



[1]. النساء 139.

[2]. النساء 144.

[3]. النساء 145.

[4]. المائدة 51.

[5]. المائدة 57.

[6]. التوبة 23.

[7]. التوبة 24.

[8]. المجادلة 22.

[9]. الممتحنة 1.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...