ar_porsesh4-ch1_10.htm

التحدیات بین الاسلام واللیبرالیة

سؤال: ما هی المواطن الجوهریة للاختلاف والتحدی بین الاسلام واللیبرالیة؟

جوابه: هنالك عدة مواطن جوهریة للاختلاف بین الاسلام واللیبرالیة، وبعض الاختلافات لا تقتصر على اللیبرالیة، بل ان سائر الافكار التی تشترك مع اللیبرالیة لا تتفق اساساً مع الدین فی هذه النقاط، ونشیر هنا بشكل مفهرس الى بعض الحالات:

أولاً: من المواطن الرئیسیة للتحدی بین الاسلام واللیبرالیة هی قضیة الحریة، فاللیبرالیة ـ وكما تقدم ـ تقول بالقیمة المطلقة للحریة، واستناداً لمذهب الحقوق الطبیعیة فانها تجعل الاصالة لحق الحیاة وحق الحریة وحق المالكیة، اذ یتعین على الناس جمیعاً وكذلك الدولة احترامها وتجنب المساس بها.

غیر ان الحریة لیست قیمة مطلقة فی الاسلام، بل القیمة المطلقة هی الطاعة والامتثال للاحكام الالهیة، فعلى الانسان الامتثال فی كل مورد یقر الله تعالى فیه الحریة أو یشخص تقییدها فی حیز أو دائرة، فالحریات فی الاسلام مقیدة بالحدود الالهیة، فتارة یحرّم ویحظر التعبیر عن المعتقد ویعتبر توجیه الاهانة للمقدسات الدینیة والنبی(صلى الله علیه وآله)والائمة المعصومین(علیهم السلام)مستحقاً لأشدّ العقوبات، واخرى یضیق على حریة القلم والتعبیر ولا یسمح ببیع او شراء بعض الكتب، ویحدّ بواسطة القانون من الحریة الجنسیة، بل ویحد من حریة الاكل واللباس والتردد والبصر والسمع... الخ، فدائرة القانون والحریة فی اللیبرالیة هی مراعاة المصالح المادیة ـ على اساس محوریة الانسان والمادیة ـ بید ان دائرة الحریة فی الاسلام هی مراعاة المصالح المادیة والمعنویة جمیعاً.

ثانیاً: نقطة الاختلاف الثانیة هی ان اللیبرالیة وبعض المذاهب الاخرى ترى محدودیة الانسان بـ «الأنا» الطبیعیة، فلقد دفعت محوریة الانسان والمادیة باللیبرالیة الى ان تهتم بالبعد المادی والحقوق الطبیعیة للانسان وهی: الحیاة، والحریة، والمالكیة، فلیس الانسان سوى مجموعة من الغرائز والرغبات المادیة والحیوانیة، والانسان هو الذی یصنع القیم ویسنّ القوانین ویقرر مصیره، وعلى الاخلاق والدین وسائر القیم ان تتلاءم هی مع الانسان ولیس العكس.

لم یرد التصریح فی هذه المذاهب بالنهی عن السعی وراء الدین والآخرة، لكنهم یقولون لا شأن لنا بها وهم لا یلتفتون الى المعنویات والدین فی مختلف مجالات الحیاة، وبالتالی یتم تهمیش الدین لا محالة وتكون العلمانیة ـ فصل الدین عن الدنیا وعن السیاسة والاقتصاد والاجتماع ـ ولیداً مشؤوماً لمثل هذا النمط من التفكیر.

أما فی الاسلام فان الانسان ذو بعدین مادی ومعنوی، والاصالة للروح والمعنویات، والبدن المادی حامل ومركب للانسان الحقیقی. فالانسان بلا معنویات ولا اخلاق ولا دین ولا التزام بالخالق والمعبود لیس انساناً بالمرّة، وانما هو حیوان ذو رجلین كسائر الحیوانات بل اسوء منها. وبالتالی فهو ـ الاسلام ـ یجعل الاصالة فی كافة الشؤون الانسانیة ـ الاقتصاد والسیاسة والثقافة والفن... الخ ـ للمعنویات، و«الانا» الحقیقیة والروحیة یتخذها ملاكاً، وینزل بالدین الى ساحة الدنیا والمجتمع.

ثالثاً: لا حدود فی الفكر اللیبرالی لحریة التعبیر والفكر لانها لن تؤدی الى سلب حریة التعبیر عن الآخر، وذلك لعدم احتكاك تفكیرنا وكلامنا بالحقوق المادیة للآخرین، اذن فبامكاننا ان نقول ونعبّر عمّا نشاء.

أما حریة التعبیر فی الفكر الالهی والدینی فهی محدودة، فكما تقدمت الاشارة الیه فان الاسلام یحرّم كتابة او تناول بعض الموضوعات ویحظر اقتناء وبیع المؤلفات المضلّة، والاساءة للمقدسات الدینیة والمعصومین الاربعة عشر(علیهم السلام)أشدّ خطیئة فی الاسلام من التعرض لاموال الناس ونوامیسهم وارواحهم، لذلك یتعین التصدی لها ومعاقبة مرتكبها. فمن الامور التی نختلف فیها مع الغربیین الآن هی قضیة اساءة سلمان رشدی للمقدسات الدینیة. ومنشؤ الاختلاف فی هذه الامور یعود الى هذین النمطین من التفكیر والرؤیة للانسان والحریات القانونیة. ناهیك عن ان امتهان الاشخاص والافراد یعد جرماً یستحق التعقیب حتى فی الفكر اللیبرالی والغربی ایضاً فما بالك بتوجیه الاهانة لطائفة كبرى وافكارها.

رابعاً: ان حق التقنین فی الاسلام مختص بالله سبحانه، أما فی الفكر اللیبرالی فان الناس والبشر هم الذین یضفون الاعتبار على القوانین. ان الاسلام یشدد على المزید من القانون والهدایة فی جمیع الشؤون الانسانیة وله تعالیمه ایضاً حتى فیما یتعلق بالنظافة وحلاقة الرأس والذقن والاكل والنوم وكذلك فیما یخص الافكار والخواطر الذهنیة، اما اللیبرالیة فهی تدعو الى الحد الادنى من القانون وتصرح بان یكون سنّ القوانین عند الضرورة فحسب، واللیبرالیة تؤكد على ان حق التقنین هو للناس وغالبیة المجتمع. عن أی طریق؟ عن طریق السلطات الثلاث. وهل بامكانهم سنّ أی قانون شاؤوا؟ كلا. یجب ان تكون القوانین فی اطار دستور البلاد. وهل للدستور أن یتضمن ای قانون كان ویتم اكماله عن ای طریق كان؟ كلا فلابد ان یجری العمل فی اطار الاعلان العالمی لحقوق الانسان. وما هی كیفیة اعتبار الاعلان العالمی لحقوق لانسان؟ انه فی ضوء مصادقة مندوبی الدول، ولكن ما هو تكلیف الافراد والمجتمعات المعارضة لهذا القانون أو البلدان التی لم تصادق علیه؟ وأی حق یمتلكه البعض فی سنّ القوانین للآخرین؟ وهنا ینقطع الكلام ویأتی الجواب حاسماً وهو لیس سوى اتباع الاكثریة والدیمقراطیة.

وفی الاسلام فان اصل اعتبار القوانین یعود الى المالك الحقیقی للمخلوقات، وهو الذی یمتلك الحق فی وضع القوانین فی كافة شؤون الحیاة، ولا یعود هنالك مجال للسؤال.

خامساً: ترى اللیبرالیة ان الدولة المنشودة هی تلك التی تدافع عن الاُطر العامة للحیاة الاجتماعیة، فالدولة یجب ان تتولى نشر الرفاهیة وان تمارس الحد الادنى من التدخل فی شؤون الناس، واستناداً الى فكرة اصالة الفرد یجب ان تقلل من القوانین الاجتماعیة الى ادنى مستویاتها، وان توفّر المزید من الحریات الفردیة، ومسؤولیة الدولة هی توفیر النظم والأمان لیتمتع الافراد بالمزید من الرفاهیة واللذائذ المادیة.

بید ان الدولة فی الفكر الاسلامی یجب ان تكون موفرة للرفاهیة وناشرة للفضیلة ایضاً. فهی تحافظ على ارواح الناس وممتلكاتهم ونوامیسهم، وتعمل ایضاً على الارتقاء بمعنویات الفرد والمجتمع واخلاقه، واذا ما حصل تزاحمٌ فان حقوق المجتمع تُقدّم على حقوق الفرد، وللفضیلة الاولویة على الرفاه والمادیة. فواجب الحكومة الاسلامیة هو هدایة المجتمع نحو المصالح المادیة والمعنویة.

تأملوا ـ على سبیل المثال ـ ان الاسلام لا یسمح حتى للاقلیات الدینیة واهل الذمة ان یقترفوا المحرمات جهاراً فی المجتمع كأن یشربوا علناً الخمر مثلاً. أو انه لا یسمح خلال أیام شهر رمضان المبارك سواءً للمسلمین أو غیرهم، للأصحاء أو المرضى، للمعذورین وغیرهم، بتناول الطعام امام الملأ العام وبمرأى من الآخرین، وان الحكومة الاسلامیة ملزمة بالتصدی لهذه الحالات والحیلولة دون وقوعها.

سادساً: ان من لوازم الفكر اللیبرالی هو التسامح والتساهل فی شتى المواقف، بالرغم من عدم عمل الدول الغربیة بهذا الاتجاه، فالملتزمون بالدین والمعنویات والاخلاق والاحكام الالهیة یتعرضون للادانة وهم محرومون من بعض الحقوق فی المجتمعات المتحضرة!

ان الاسلام وان كان شریعة سمحة سهلة، لكنه یقر المداراة فی اطار الاحكام الالهیة، ویوجه توبیخه للذین لا یلتزمون بالحدود الالهیة، ویتعامل بالشدة والغلظة فی بعض الموارد، حتى انه لا یسمح لاهل الكتاب بأی نشاط یتنافى مع الدین، مثلما لا یجوز للمسلمین ایضاً القیام بما شاؤوا وسط المجتمع.

وبهذا نجد ان الفكر الاسلامی یختلف مع الفكر اللیبرالی اختلافاً قدره 180 درجة، وانهما لا یجتمعان بأی حال من الاحوال. لكن مما یؤسف له هو تسلّل الاصول والقیم الغربیة الى المجتمعات الاسلامیة ومن بینها بلادنا، بالاضافة الى الغرب، مما ادى الى حصول الترقیع الفكری، لاسیما فی اوساط الطبقات المثقفة، بل وحتى لدى بعض المسؤولین والخواص، ولابد من التحلی بالمزید من التعمق فی الافكار والقیم الاسلامیة الاصیلة لاستئصال هذه الشوائب.

* * * * *


بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...