ar_porsesh4-ch1_11.htm

حریة التعبیر

سؤال: هل ان حریة التعبیر مطلقة أم محدودة؟ وهل یُمكن منع أحد عن الكلام وهل یصح سماع أی كلام؟ وهل یجوز شراء أو قراءة أی كتاب أو مقالة؟

جوابه: لقد طرح فی سالف الازمان ان الافراد یتمتعون فی المجتمعات الدیمقراطیة بحقوق وحریات، ولیس لأی قانون ان یسلب هذه الحریات، وهذا الامر الذی جرى تدوینه فی الاعلان العالمی لحقوق الانسان فیما بعد انما یعتبر امثال هذه الحریات فوق القانون وان انتهاك أىّ منها انتهاكٌ لحقوق الانسان.

من معالم البلدان الدیمقراطیة ان المواطنین فیها یتمتعون بحریة التعبیر. وللناس حق الاحتجاج على الحكومة أو الحزب الحاكم أو مطبقی القانون أو المقننین أو أی شخص آخر، والتعبیر عمّا یرتضونه ویرونه صحیحاً. وفی بلادنا ایضاً یعتقد البعض وتماشیاً مع مثل هذه الرؤیة ـ ان بلادنا بلد حرّ ویدار وفقاً للاسلوب الدیمقراطی، اذن لابد ان تُحفظ لنا هذه الحریات، وعلیه یجب ان یكون للشعب الحق فی ان یتحدّثوا بما شاؤوا مع أیٍّ كان، والتعبیر عن احتجاجهم بأی نحو شاؤوا.

ولكن هل یقر الاسلام والنظام الاسلامی مثل هذه الرؤیة فی حریة كل انسان بالتعبیر عما یرید وبأی اسلوب كان؟ وهل یمكن اطلاق أی كلام وسط أی تجمع، أو أن یوضع بین أیدی الآخرین أی مؤلَّف لیطالعوه؟ أم ان بعض الكلام ممنوع؟

یعلم الجمیع ان لا معنى ولا امكانیة للحریة المطلقة التی لا تعرف الحدود، وان لحریة العمل والتعبیر والحریات الاجتماعیة والسیاسیة حدودها على أیة حال. ونحن نعتقد ان حدود الحریة تتمثل فی المصالح الحقیقیة للمجتمع سواءً أكانت مادیة أم معنویة، واذا كان هنالك فعلٌ مخالف لقوانین الاسلام فلن یكون حراً ابداً. غیر ان حریة أی شخص فی الغرب محدودة بحریة الآخرین، أی بامكان أی امرئ فعل ما شاء شریطة ان لا یضایق حریة الآخرین، ومن الواضح ان هذین المنطلقین مختلفان فیما بینهما ولا یمكن الجمع بینهما.

ان للكلام والسماع والقراءة وسائر النشاطات احكامها فی الاسلام، فلا یمكن التفوه بكل شیء أو الاستماع الیه، فلا یجوز ـ مثلاً ـ اطلاق الغیبة أو التهمة أو افشاء اسرار الناس، مثلما لا یجوز طباعة ونشر وبیع وشراء الموضوعات المضللة، وقد ورد فی موضوع المكاسب المحرمة فی المصادر الفقهیة بانه یحرم شراء وبیع الكتب الضالة، أی یتعین عدم شراء الكتب التی تتضمن موضوعات من شأنها ان تسبب انحرافاً فكریاً لدى القارئ ناهیك عن قراءتها أو نقلها للآخرین.

والاسوء من ذلك ان ینبری من یعیش فی بلد اسلامی ومن خلال
كتاب أو مقالة أو نشرة أو جریدة ـ للتبلیغ ضد الاسلام والقوانین الالهیة والمقدسات الدینیة أو توجیه الاهانة الیها أو التهكم والاستهزاء بالاحكام الاسلامیة، فمن المسلّم به ان هذا الفعل حرام ومنكر یتعین النهی عنه ومنعه، ویجب على المسلمین التصدی له بالقول والتذكیر أولاً وبتقدیم الشكوى الى الدولة والدوائر القضائیة فی المرحلة اللاحقة لتتخذ الاجراءات الجادة فی مواجهة هذه الممارسات.

من اهم واجبات الدولة الاسلامیة ایضاً التصدی للتحركات المنافیة للاسلام وللمنكرات فی مختلف الاصعدة الثقافیة والصحفیة والاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة حفاظاً على المصالح المادیة والمعنویة والاخلاقیة للمواطنین وللمسلمین. وان القرآن الكریم اكثر من ای مصدر اسلامی آخر یحدد مسؤولیة المسلمین ازاء الكلام الذی یصدر منافیاً للاسلام واحكامه اذ یقول: «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَیْكُمْ فِی الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آیاتِ اللّهِ یُكْفَرُ بِها وَیُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى یَخُوضُوا فِی حَدِیث غَیْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِینَ وَالْكافِرِینَ فِی جَهَنَّمَ جَمِیعاً»1.

ان القرآن یحذر أن یا ایها المسلم! انك اذا ما جالستَ الكافرین والمستهزئین بآیات الله واحكامه واستمعت لحدیثهم، فاعلم ان ایمانك سیضمحل شیئاً فشیئاً وانك ستنضم الى صفوف الكافرین
والمنافقین، وذلك لندرة ذوی الایمان الرصین من قبیل سلمان وابی ذر، وان ضعاف الایمان یتعرضون على الدوام لتضییع وفقدان ایمانهم.

ما نستنتجه من هذه الآیة هو عدم الجلوس عند أی حدیث، بل ینبغی عدم مجالسة أیٍّ كان، فلا یصح ولا ینبغی الإدلاء بأی كلام فی أی محفل، ولا ینبغی كتابة أو قراءة أی موضوع لاسیما فی الاوساط العامة وعلى مستوى الصحف والمجلات ووسائل الاعلام العامة.

ربما یتبادر السؤال هنا: أوَ لم یحث القرآن بالذات على الاستماع الى الكلام وان كان معارضاً ثم انتخاب الاحسن منه: «... فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ...»2 أوَ لا ینبغی الاستماع لما یقوله مختلف الناس والتحقیق فیه والرد علیه ومعرفة نقاط القوة من نقاط الضعف فیه؟ أوَ لم یُدلِ المخالفون فی صدر الاسلام وفی عهد الائمة(علیهم السلام) بكلامهم الذی یعج كفراً؟

حری القول فی معرض الاجابة: ان الاسلام والقرآن لم ینه بشكل عام عن الحدیث المشحون كفراً وخطأً، وهو یسمح بالتطرق لبعضها وفق شروط، ولكننا نستطیع الاستماع للكلام الموافق والمخالف والاشكالات التی تثار حول اصل الدین واحكامه ومعارفه القطعیة أو نستطیع قراءتها عندما تكون لنا القدرة على تشخیص احسن القول لنتبعه لاحقاً; وبتعبیر آخر أن تكون لنا القدرة على تمییز الاحسن من بین الاقوال والرؤى وذلك نتیجة لامتلاكنا للمعلومات الكافیة عن ابعاد الدین على اختلافها وكذلك المعرفة لمنهجیة الاستدلالات ومضمونها والاحاطة بالمغالطات التی ربما یتم التشبث بها. وینبغی السماح بالتطرق للقضایا المنافیة للدین فی محضر الذین لا یتمتعون بالقدرة الكافیة للنقد والتحلیل عندما یكون الرد علیها ونقدها جاهزاً معها أیضاً.

وفی هذا المجال لا قیود تحدد النبی والائمة الطاهرین وعلماء الدین وبوسعهم ـ بل یجب علیهم ـ الاستماع للقول المخالف وأدلته وقراءته ومن ثم دراسته ونقده. أما فی مخاطبة الذین لا طاقة لهم على المجابهة أو لم تتوفر لدیهم هذه المقدرة بعد، فالقرآن الكریم ینصح بان لا یدخل مَنْ كان خفیفاً فی وزنه حلبة الصراع مع بطل العالم، وبالرغم من عدم وجود اشكال فی أصل مباراة المصارعة غیر أن كل عاقل یُقر بأن تجری المباراة بین مصارعَین من وزن واحد ومتساویین فی القابلیة، وإن خطر التباری بین مصارع من الوزن الخفیف وآخر من الوزن الثقیل إنما یأتی من انه یؤدی الى إیذاء احدهما وفنائه.

إن الاسلام یأمرنا أن اذا أردتم الدخول فی النقاشات الفكریة والدینیة والعقائدیة فعلیكم أولاً بترصین ایمانكم وترسیخ مرتكزاتكم العقائدیة والعملیة والنزول الى حلبة السباق بعد توفیر الظروف الضروریة للنزال، وأن لا تكتفوا هنا بالمنازلة بل علیكم بتحدّی الخصم ودعوته للمناظرة والنقاش.

إن الذین یعوزهم النضج الضروری للنقاشات الفكریة یتصورون حداثة وصواب كل حدیث یتمیز بأسلوبه الأدبی والمنمق، وربما یصدقون كلاماً متناقضاً تماماً، ونتیجة لفقدانهم القدرة الكافیة على التشخیص فانهم یرون انسجام كل بناء مع أی مبنىً. ولكن اذا ما جرى الحدیث أمام مَن یتمیزون بنضجهم والمفكرین والعلماء واصحاب الفن فانه عندئذ یجری النقد والتحلیل ویُعرف الغث من السمین. وبشكل عام إذا ما طُرحت النظریات والآراء الخاصة بأی علم أمام العلماء والمتضلعین فی ذلك العلم فسوف یسهل نقدها ودراستها; وحینها تتجلى القیمة الحقیقیة لأی كلام. فعلى سبیل المثال عندما تبحث النظریات المتعلقة بالفیزیاء والكیمیاء بین علماء الفیزیاء والكیمیاء، والآراء الفلسفیة والمنطقیة بین الفلاسفة والمناطقة، والمسائل والشبهات الدینیة والكلامیة بین علماء الدین إذ ذاك ستتجلى ماهیتها وقیمتها الواقعیة وستحتلّ المنزلة التی تناسبها.

* * * * *




1. النساء: 140

2. الزمر: 17 و18.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...