ar_porsesh4-ch1_4.htm

هل الانسان مجبر أم مختار وحرّ؟

سؤال: مع وجود مختلف القوانین المسیطرة على الانسان والكون، أین موقع الاختیار؟ وما الفرق بین الاختیار التكوینی والحریة التشریعیة؟ وهل الانسان مختار؟

جوابه: من القضایا المهمة والجدیة على صعید فلسفة معرفة الانسان هو بحث الجبر والاختیار، فلقد كان هذا البحث من الامور القدیمة بالنسبة للبشر حیث كان موضع أخذ وردٍّ واختلاف فی الآراء، وكذلك الیوم اذ له سوقه الساخن فی المحافل الفلسفیة عالمیاً.

ان اثارة هذا البحث والالمام بجوانبه یستدعی المزید من الوقت، ونحن هنا نشیر لهذا الموضوع باختصار وذلك لارتباط قضیة الاختیار بموضوع الحریة.

كما تعلمون ان المتكلمین المسلمین ینقسمون الى ثلاث فئات فیما یخص مسألة الجبر والاختیار وهی:

أ ـ الاشاعرة: وهم القائلون بالجبر ویعتبرون التوحید الافعالی لله مستلزماً لنفی الاختیار عن الانسان.

ب ـ المعتزلة: وهم القائلون بالتفویض وایكال الاعمال للانسان، ویرون عدم تدخل الخالق فی أفعال البشر تنزیهاً له عن الأفعال السیئة والخطایا.

ج ـ الامامیة: وهم یعتقدون بـ «الامر بین امرین» ویقتفون إثر الائمة المعصومین(علیهم السلام) فی عدم قبولهم بالجبر الكلی والتفویض التام. وبتعبیر مبسَّط ومتسامح: اننا مجبرون من ناحیة ومختارون من ناحیة اخرى.

والیوم هنالك من لهم میول مضادة للاشتراكیة ویؤیدون الحریة المطلقة للانسان ویقولون: ان بمقدور الانسان ان یفعل ما یشاء، وثمة عبارة مشهورة لجان بول سارتر یقول فیها: لو شئتُ لانتهت حرب فیتنام، ومعنى هذه العبارة المفرطة فی المبالغة ان لذى الانسان القدرة على ایقاف حرب كبرى یشترك فیها الملایین، وفی المقابل هنالك فلاسفة یقولون ان اختیار الانسان وهمٌ، والحقیقة هی ان الانسان اسیرٌ لمجموعة من القوانین الجبریة وهو یساق نحو جهة ما بالاجبار.

والفكرة الصحیحة والدینیة هی ان الانسان مختار ولكن فی حدود معیّنة، فللبشر مساحات اختیار ما بین النقاط التی تلتقی عندها القوانین السائدة على الكون والطبیعة، فدائرة عمل البشر تتمثل فی استثمار القوانین لصالح غایاته، وهو باستثماره لقانون طبیعی واكتشافه المتواصل یحقق غلبةً على قانون طبیعی آخر، وان معنى عبودیة الانسان التكوینیة هو اننا نعیش بین الآلاف من القوانین الطبیعیة والعلل والمعلولات ونتمتع باختیار تكوینی ضمن دائرة ضیقة.

وفی اطار دائرة الاختیار التكوینی هذه، هل بامكان الانسان ان یفعل ما یحلو له أم هنالك مجموعة من القیود والقوانین التشریعیة تقید عمله؟ والجواب هو: ان لنا قوانیننا فی هذه الدائرة لكنها لیست قوانین تكوینیة بل هی قوانین تشریعیة أو اعتباریة أو قیمیة، أو ما عبّر عنه القدماء قبل آلاف السنین بدائرة العقل العملی فی مقابل القوانین الخارجیة التی تمثل دائرة العقل النظری.

ان الالتزام بالقوانین التشریعیة هی مسؤولیة الانسان ولا جبر هنا أبداً، فمن كان طالباً للكمال والسعادة عمل بهذه التعالیم والاّ فبمقدوره تركها. والانسان یمتلك قابلیات خارقة، فاذا ما عمل بالقوانین الالهیة والتشریعیة نال القرب من الله وجواره، وان لم یعمل بها وعصى هوى الى اسفل السافلین والى مرتبة ادنى من الحیوانات. فالتعالیم الشرعیة كالتعالیم الطبیة إن عمل بها المریض نال السلامة وإن خالفها أصابه المرض أو تفاقم مرضه، ففی الوقت الذی یكون المریض مختاراً فی العمل بتعلیمات الطبیب لكنه اذا كان طالباً للسلامة والنشاط فعلیه الالتزام بالمقررات الصحیة، وهذا ما یعنیه الاختیار.

اذن بلوغ السعادة مادیاً ومعنویاً، فردیاً واجتماعیاً منوط بمجموعة من القوانین التشریعیة التی یتعذر بلوغ السعادة الابدیة بدون الالتزام بها، وان كان بمقدور الانسان القول: اننی حرٌّ ولا أرید العمل بهذا القانون أو هذا الدواء وارید الدخول الى جهنم، كما یقوم بذلك الكثیر من الناس فی الخارج.

ولا بأس ان نشیر هنا الى الدلیل على الاختیار، فبالاضافة للوجدان والشعور الباطنی بوجود الاختیار فان وجود الدین ومختلف القوانین الحقوقیة والجزائیة والاخلاقیة وما شابهها والاطراء على البشر وذمهم، كلها ادلّة على اختیار الانسان. بل ان ما یفتخر به الانسان ویمیزه هو اختیاره خطّه بحریة، ولولا هذا الاختیار لم یكن هنالك ما یمیزه عن سائر المخلوقات. وحیثما جرى الحدیث عن مدح أو ذم لسیرة اشخاص وسلوكهم وتوجهاتهم فمعناه ان كل واحد منهم قد اختار فعله هذا بحریة، فلو ان طفلاً أو رجلاً قام بفعل مجبراً، فهل بامكانكم توبیخه بالقول لِمَ فعلت هذا; أو مدحه بالقول احسنت صنعاً؟!

ان فی كافة الادیان والقوانین الحقوقیة والمذاهب الاخلاقیة یوجد افتراض سابق وهو «ان الانسان حرٌّ» لان الانسان إن كان مجبراً فلن یكون من معنىً للامر علیه أو نهیه، لاسیما الادیان التی فرضت كلّ هذه الاحكام والاوامر والنواهی على كلام الانسان ومأكله ومشربه وما ینظر الیه وما یقرؤه وسائر افعاله، اذن یتضح من هذا انها تعتبر الانسان مختاراً ولولا حریة الانسان فی عمله لما انزل الله الحكیم والعادل مثل هذه الاحكام أبداً، وبالرغم مما یراه علم النفس والمذهب السلوكی الذی یرى سلوك الانسان افرازاً للوراثة والبیئة الطبیعیة والاجتماعیة ولا یفتح أمام الاختیار مزیداً من المجال، فان الادیان ولاسیما الاسلام تجعل لكل عمل من اعمال الانسان تكالیف عدیدة وتعتبر الانسان مختاراً ومسؤولاً فی كافة المجالات.

* * * * *


بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...