ar_porsesh4-ch1_5.htm

حدود الحریة

سؤال: هل الحریة مطلقة أم مقیدة؟ وما هی حدود الحریة؟ ومَن الذی یجب ان یعیّن دائرة الحریة؟

جوابه: كما تقدم القول ان مفردة الحریة من المفاهیم الرائعة والمقدسة بالنسبة للبشریة كلّها، وهذه المفردة تمثل مفهوماً غامضاً وفضفاضاً ومجالا للانزلاق، فالبعض یرون الحریة اسمى وارفع من الله والدین ویقولون انه لا حقّ للدین فی ان یعارض حریة الانسان!

فی معرض الرد على مثل هذه الاقوال ومواجهتها نسأل فی البدایة: ما هو مرادكم من الحریة؟ أهی الحریة المطلقة أم المقیدة؟ فان كانت الحریة المطلقة هی المراد فهی مما لا یقبل بها أحد أبداً، وان قصدتم المقیدة فنحن نسألكم، مَن الذی یحدد الحریة؟ فاما البشر والقوانین البشریة هی التی ترسم الحدود، وهذا مرفوض فی نظر الانسان المسلم، اضف الى ذلك ان المسلمین یؤمنون بالقانون الاسلامی، وان ارتضى غیرهم قانوناً آخر. وإما ان یضع الدین والباری عز وجل الحدود، حینذاك تكون الحریة صحیحة فی اطار القوانین الدینیة والالهیة لیس الاّ.

وللایضاح نقول: ان الحریة المطلقة وغیر المقیدة تعنی قیام كل امرئ بما یحلو له فی قوله ومأكله وسائر أفعاله، وهذه الحریة ترفض كل دین وقانون، لان كل قانون یضع حدوداً لقسم من افعال البشر.

اذن الحریة المطلقة انما تعنی فقدان القانون وبالتالی الفوضى والانفلات والهمجیة، وهذا أمر لا یرتضیه أی عاقل. اذن لابد من ان تتحدد الحریة بقیود على الدوام، وحیث اصبحت الحریة مقیدة فان الحدیث یجری الآن حول قیود الحریة، ما هی ومَن الذی یجب ان یشخصها؟

قیل: ان المعتبر هو الحریة المشروعة والقانونیة، فما المراد من الحریات المشروعة؟ اذا كان المراد من المشروع هو المعنى الشرعی والدینی كما یدل على ذلك الاصل اللغوی فذاك هو ما نقوله من ان الحریات التی تحظى بالاعتبار ـ سواء أكانت فردیة أم اجتماعیة ـ هی التی یحددها الدین ویأذن بها الله سبحانه. اذن ینبغی عدم القول بعد ذلك ان الحریة فوق الدین ولیس للدین ان یقید حریات البشر. واذا كان المراد من المشروع ـ كما هو شائع فی الحقوق السیاسیة ـ هو ما یعنی الحریات التی یقرها القانون، فلابد من تركیز الحدیث هنا على القانون، مَنِ الذی یجب ان یُقر هذا القانون؟ بالاضافة الى انه بذلك یتضح ان القانون یضفی الاعتبار على الحریة، ولیست الحریة فوق القانون. والحریة فی ضوء التفسیر الاول لا تتنافى مع الدین، وهی لا تتنافى مع القانون ایضاً استناداً للتفسیر الثانی، واما القانون الذی یقید الحریة فهو فی تصورنا نحن المسلمین والمؤمنین ـ القانون الذی یضعه مالك الكون والانسان أی الله سبحانه وتعالى، لان حق التشریع والتقنین منحصرٌ بالاساس بالله عز وجل، وفی الحالات التی یكون قد وضع قانوناً فانه یتعین على البشر الامتثال له، أما فی الحالات التی اناط مهمة التقنین فیها للبشر فبامكاننا سنُّ قوانین معینة ضمن دائرة الفراغ تلك من خلال الرجوع للآراء والنظریات. اذن الحریة القانونیة تعود الى الحریة الدینیة المشروعة بالمعنى الشرعی لهذه الكلمة، وبالنتیجة یجب ان تكون الحریة على الدوام فی اطار القوانین الالهیة والاسلامیة لا اكثر ولا اقل.

ان الذین یحملون فكراً لیبرالیاً وغربیاً یعتبرون الناس ورأی الاغلبیة ملاكاً للقانون والمقنن، فاذا ما ارتضى الناس نوعاً من الحریة صار قانونیاً والا فلا، واذا ما ارتضوه فی فترة ما كان قانونیاً واذا ما رفضوه فی فترة اخرى اصبح غیر شرعی، فالشذوذ الجنسی ـ مثلاً ـ كان غیر قانونی فی الغرب سابقاً لعدم قبول الناس به حینذاك، لكنهم وحیث یقبلونه الآن فهو یصبح قانونیاً الیوم.

أما فی الفكر الاسلامی والدینی فان المشرع هو الله تعالى، وان حدود الحریة فی الغرب هی نقطة التزاحم مع حریة الآخرین ومصالحهم المادیة، بید ان حدود الحریة فی الاسلام هی المصالح الحقیقیة للبشر سواء كانت مادیة أو معنویة.

حتى لو اردنا العمل فی الجمهوریة الاسلامیة فی ایران وفقاً للفكر الدیمقراطی الغربی، فبما ان غالبیة الشعب مسلمون فان رأی الاغلبیة ینسجم مع الاسلام والدین، وفی جمیع الاحوال فان الدین الاسلامی
هو الذی سیرسم حدود الحریة، وان الذین یدّعون الایمان بالله والاسلام ویقولون فی نفس الوقت بوجوب عدم تقیید الحریة وان الحریة فوق الدین، إما انهم غافلون عن التناقض فی كلامهم وإما انهم على وعی بالامر ویخدعون الناس بنفاقهم وزیفهم.

ان حریات الانسان على نوعین هما:

1 ـ الحریة الفردیة والاخلاقیة.

2 ـ الحریة الاجتماعیة والحقوقیة.

وما یحدد الحریة فی كلا المجالین هی المصالح المادیة والمعنویة للفرد والمجتمع التی اوضحتها الاحكام الشرعیة. فمنطق الدین هو: من لم یشأ فله ان لا یؤمن، أما وقد آمن بالدین فعلیه الالتزام بالقوانین والحدود الالهیة ایضاً، وأمّا الایمان بالاسلام والعمل طبقاً للمذهب المادی واللیبرالی فانّهما لا یجتمعان أبداً.

لو ان الناس على وجه البسیطة جمیعاً كفروا بالله ودینه فانهم لا یضرّون الله شیئاً1، بل الضرر یلحق بالناس انفسهم. ولا منّة لنا على الله ودینه بل الله یمنّ علینا اذ هدانا لدینه ووفقنا للاسلام.2

وحیث اننا قد قبلنا الاسلام فلابد ان نقبل بالحریة فی اطار الدین، وما سوى ذلك لا نعتبره حرّیة بل هو حیوانیّة.

وفی الختام نضیف: ان الاجابة على اسئلة من قبیل: ما هی المصلحة؟ وما مدى سعتها؟ ومَن الذی یجب ان یحددها؟ تتفاوت باختلاف الثقافات. فسبیل الثقافة الاسلامیة تفترق عن سبیل الثقافة الالحادیة الغربیة، واذا ما اضحت المصالح المعنویة والروحیة للافراد بالاضافة الى النظام والامن والمصالح المادیة للفرد والمجتمع محدّدة للحریة فی ظل النظام الاسلامی، فلا مناص من ان تزداد دائرة الحریة فی الدین ضیقاً باضافة القید الثانی وتضاعف القیود. اذن لابد من معرفة ان الحقیقة تتمثل فی ان دائرة الحریات فی النظام الاسلامی اكثر ضیقاً منها فی الانظمة غیر الدینیة.

* * * * *




1. ابراهیم: 8

2. الحجرات: 17

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...