الخصوصیّات البارزة لآیة الله بهجت كما یرویها العلاّمة مصباح الیزدیّ

قال عضو مجلس خبراء القیادة: على الرغم من اختلاف الأذواق فی الطریقة والمنهج فإنّ نقطة الاشتراك بین عظماء الدین هی إیمانهم بأنّ على الإنسان أن یكون عبداً لله تعالى. بالطبع من الممكن أن تختلف هذه العبودیّة من شخص لآخر؛ فعلى سبیل المثال كما أنّ العبادات المالیّة لا تشمل مَن لیس له مالاً فالأمر مشابه فی مجال التكامل أیضاً؛ فقد تكون الاستعدادات الذاتیّة لشخص معیّن وظروفه بحیث تقتضی منه اُسلوباً سلوكیّاً خاصّاً وتقتضی من الآخر اُسلوباً آخر.

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ فقد قال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث لدى لقائه بجمع من أساتذة وطلاّب مدرسة رُشد العلمیّة محییاً ذكرى سماحة آیة الله بهجت – قال: إنّ مسیرة الإنسان التكاملیّة لا تشبه المسیر الخطّی المدرّج بدرجات ثابتة بحیث إنّ الواصل إلى الدرجة العلیا منه یكون لا محالة حائزاً على درجاته النازلة كلّها الأمر الذی یمكنّنا من تقسیم كبار عرفائنا ووضعهم فی درجات متفاوتة فیكون أحدهم فی الصدارة ویأتی الباقون وراءه بالترتیب من حیث السلوك، بل إنّ الجهات الروحیّة للإنسان بالغة التنوّع.
وأضاف العلاّمة محمّد تقی مصباح الیزدیّ مشیراً إلى العبارة المشهورة «إنّ تجلیّات الله لأولیائه متنوّعة» قائلاً: فقد یترقّى البعض من جهات معیّنة ویترقّى آخرون من جهات اُخرى.
وقال سماحته طارحاً بعض الأمثلة: فقد شاهدت أنا شخصیّاً من كبار العرفاء ممّن یمتلك خصوصیّة معیّنة لا یمكن العثور على عینها فی عارف آخر. فآیة الله بهجت وآیة الله بهاء الدینیّ (رحمهما الله) كان كلاهما من كبار العرفاء، لكنّه إذا صادف دعوتهما معاً إلى مجلس واحد - كختمة صلوات مثلاً - فمن الممكن أن یشاهَد بعض التفاوت والاختلاف فی المنهج بین الاثنین حتّى أثناء هذه الفترة القصیرة، لكنّ ذلك لا یعنی بالضرورة أنّ أحدهما أكمل من الآخر.
وفی معرض إشارة آیة الله الیزدیّ إلى أنّه قد یخلتف أحیاناً عدّة عرفاء فی الطریقة والمنهج على الرغم من تتلمذهم على ید اُستاذ واحد، قال: فآیة الله بهجت، والعلاّمة الطباطبائیّ، والشیخ عبّاس القوتشانیّ كانوا جمیعاً من تلامذة آیة الله القاضی، لكنّهم كانوا یختلفون فیما بینهم فی السلوك؛ فالعلاّمة الطباطبائیّ – مثلاً - كان یدرّس الفلسفة والتفسیر، والشیخ عبّاس القوتشانیّ كان یدرّس الأسفار الأربعة فی منزله فی مدینة النجف الأشرف تلك التی كان تدریس الفلسفة فیها أمراً غیر محبّذ، أمّا آیة الله بهجت فلم یدرّس حتّى درساً واحداً فی العلوم العقلیّة، بل كان معروفاً فی عدم استخدامه للالفاظ الفلسفیّة فی بحوثه.
وأضاف سماحة الیزدیّ مشیراً إلى الاختلاف فی الأذواق بین العرفاء فی الطریقة والمنهج قائلاً: بل كان العرفاء یختلفون حتّى فی طریقة تنشئة تلامیذهم وفیما یوصونهم به؛ فالعلاّمة الطباطبائیّ كان یوصی بمناهج یترتّب أحدها على الآخر بحیث إنّ التلمیذ لا یعمل بالمنهج الثانی إلاّ إذا عمل بالأوّل، فی حین أنّ آیة الله بهجت لم یكن یستخدم هذ الاُسلوب، بینما نجد - من ناحیة اخرى - أنّ سماحة الإمام الخمینیّ (رحمه الله)، بعنوان كونه واحداً من كبار العرفاء، كان له منهجٌ واُسلوبٌ مختلفٌ تماماً عن الآخرین، لكنّ هذا الاختلاف فی الأذواق لا یعنی التضادّ فیما بینهم.
ووجّه آیة الله الیزدیّ خطابه إلى الطلاّب الحضور مشیراً إلى نماذج من هذه الاختلافات فی المنهج والسلوك بین العرفاء فقال: فإذا التقیتم فی المستقبل ببعض العظماء ممّن یختلفون فیما بینهم فی الذوق فلا تظنّوا أنّ أحدهم لابدّ أن یكون على صواب والآخر على خطأ. ومن هذا المنطلق فعلى الرغم من اختلاف الإمام الراحل (قدّس سرّه) مع آیة الله بهجت فی النهج السلوكیّ فإنّه (رحمه الله) كان یكنّ لآیة الله بهجت محبّة كبیرة جدّاً وكان یعرّف آیة الله بهجت لمن یرید منه أن یرشده إلى اُستاذ أخلاق.
وأضاف سماحته: على الرغم من اختلاف الأذواق فی الطریقة والمنهج فإنّ نقطة الاشتراك بین عظماء الدین هی إیمانهم بأنّ على الإنسان أن یكون عبداً لله تعالى. بالطبع من الممكن أن تختلف هذه العبودیّة من شخص لآخر؛ فعلى سبیل المثال كما أنّ العبادات المالیّة لا تشمل مَن لیس له مالاً فالأمر مشابه فی مجال التكامل أیضاً؛ فقد تكون الاستعدادات الذاتیّة لشخص معیّن وظروفه بحیث تقتضی منه اُسلوباً سلوكیّاً خاصّاً وتقتضی من الآخر اُسلوباً آخر.
وتابع اُستاذ الفلسفة والتفسیر قائلاً: اختلاف المنهجیّة فی أداء التكلیف هذا كان معروفاً حتّى فی صدر الإسلام وهو أمر طبیعیّ. فبعد رحیل النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) اختلف سلوك الزهراء (سلام الله علیها) عن سلوك أمیر المؤمنین (علیه السلام)؛ فقد انبرت الزهراء للاحتجاج على الخلیفة الأوّل بینما لم یفعل علیّ ذلك. ولا یعنی هذا أنّ أحدهما (علیهما السلام) كان قد عمل بتكلیفه الشرعیّ بینما لم یعمل الآخر به، بل إنّ ذلك یوحی باختلاف تكالیف وواجبات كلّ منهما عن الآخر.
وقال سماحته: مضافاً إلى أنّ تكالیف الأشخاص الحقیقیّة وطریقة إنجاز وظائفهم قد تتفاوت أحیاناً تبعاً لاختلاف الظروف، فقد یخطیء غیر المعصوم – أحیاناً اُخرى – فی تشخیص التكلیف الظاهریّ وهو ما لا یعنی بالضرورة فسق هذا الشخص؛ كما قد حصل فی زمان الثورة الدستوریّة [فی إیران] عندما اختلفت آراء مراجع الدین بخصوص دعم الثورة أو معارضتها؛ فقد وقف صاحب «الكفایة» من جانبٍ كأبرز قطب داعم للثورة الدستوریّة فی حین وقف صاحب «العروة» فی الجانب الآخر كأبرز قطب معارض لها، غیر أنّ كلاًّ منهما كان قد شخّص أنّ هذا هو تكلیفه الشرعیّ ولم ینبَرِ أیّ طرف لتفسیق الطرف الآخر على موقفه على الإطلاق.
وقال العلاّمة الیزدیّ مخاطباً الطلاّب: إنّكم الآن فی ریعان شبابكم وستشاهدون من العلماء والعظماء مواقف متغایرة، ومن هنا فحتّى لو كانت بعض مواقفهم غیر صحیحة برأیكم فلا ینبغی أن یكون ذلك سبباً لسوء الظنّ بهؤلاء العظماء.
وقال آیة الله مصباح مبیّناً خصوصیّات المرحوم آیة الله بهجت: إنّ ما شاهدتُّه أنا شخصیّاً كخصیصة بارزة فی شخصیّة آیة الله بهجت هو تأكیده على مراعاة الأحكام الشرعیّة الظاهریّة؛ أی أداء الواجبات وترك المحرّمات. وبالطبع لا یعنی ذلك أنّ مراعاة هذا الجانب كافٍ لتكامل الإنسان، بل المراد هو أنّه ما لم تُتَّخذ هذه الخطوة كبدایة فلن یتسنّى للمرء اتّخاذ الخطوات اللاحقة، وأنّه إذا حقّق المرء الخطوة الاُولى على طریق الله عزّ وجلّ فإنّ الله لن یتخلّى عنه فی الخطوات اللاحقة وسیعرّفه بتكلیفه ویبیّن له الطریق.
ورأى سماحة الیزدیّ أنّ مراعاة الآداب الشرعیّة والمستحبّات الصغیرة ـ كما یبدو ـ تُعدّ خصوصیّة اُخرى من خصوصیّات آیة الله بهجت وقال مشیراً إلى بعض الذكریات عنه: من النادر أنّنی رأیت فی حیاتی شخصاً ملتزماً بدقّة فی جمیع تصرّفاته وسلوكیّاته بالآداب الشرعیّة والمستحبّات والمكروهات مثلما كان هو (رحمه الله).
وأضاف العلاّمة مصباح الیزدی مشیراً إلى مقامات آیة الله بهجت قائلاً: لقد نقل لی الشیخ عبّاس القوتشانیّ – وهو مَن كان آیة الله القاضی یعدّه خلیفته من بعده – بعض مقامات آیة الله بهجت عندما كان فی مستهلّ عمر مراهقته وقبل أن تنمو لحیته وقد أخذ منّی الشیخ القوتشانیّ موثقاً أن لا أتحدّث بهذا الأمر مادام على قید الحیاة. أذكر منها على سبیل المثال أنّ آیة الله بهجت كان فی أوائل فترة تكلیفه یرى فی صلاته اُموراً وكان یظنّ أنّ الجمیع یرونها أثناء صلاتهم لكنّه التفت فیما بعد إلى أنّ هذه الاُمور لا یراها الجمیع أثناء الصلاة.
واستطرد اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة فی حدیثه قائلاً: إنّ الله عزّ وجلّ لا یبخل فی أن یمنّ بما أعطاه لعباده الصالحین على غیرهم، لكنّه لیس من سبیل لبلوغ هذا المقام إلاّ عبر طاعته سبحانه.
وأضاف: علینا أوّلاً أن نعلم ما الذی یریده الله جلّ وعلا منّا؛ فهذه المعرفة لا تُنال إلاّ عبر الدراسة الجادّة. كما أنّ علینا من جانب آخر أن نجعل الدافع الأساسیّ لنا هو طاعة الله عزّ وجلّ كی لا نُبتلى بما أصاب العلماء من عُبّاد الدنیا من آفات. وإنّ أكثر ما یعیننا فی هذا الطریق هو كیمیاء التوسّل بأهل البیت (علیهم السلام) والاستجداء منهم وهذا هو أفضل الطرق وأبسطها، ذلك أنّ الاستجداء لیس بحاجة إلى رأسمال أو مؤونة.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد جرى بتاریخ 15 أیّار 2012م فی صالون تشریفات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...