صوت و فیلم

صوت:

أعظم رسالات القرآن الكريم

لقاء سماحته مع مجموعة من قوّات الشرطة؛ التاريخ: 31 أيار 2020م، الموافق: 8 شوال 1441ه
تاریخ: 
يكشنبه, 11 خرداد, 1399

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

اللهُمّ كُن لوليّكَ الحجّةِ بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعةِ وفي كلّ ساعةٍ، وليًّا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليلًا وعينًا حتّى تُسكِنَه أرضكَ طوعًا وتمتِّعَه فيها طويلًا.

من ناحيتي أبارك لكم العيد الفائت[1]، وأرحّب بقدوم السادة إلى المؤسّسة وأشكرهم على أن منحونا شرف إضافتهم. جميع الحضور، لله الحمد، من أهل الفضل؛ إذ ناهيك عن العلماء المعروفين بالفضل فإنّ باقي الأعزّة وسائر المسؤولين الذين يتولّون المسؤوليّات في هذا النظام قد حظوا بالفضل والفضيلة، وتهذّبوا بالروحانيّات الإسلاميّة طيلة السنوات الماضية، وببركات كلام سماحة الإمام الراحل(رض) وسماحة الإمام القائد الخامنئي(دامت بركاته) من بعده.

دَيدَننا نحن طلبة العلوم الدينية قراءة الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة، لكن الملاحظ لدى استعراض القرآن الكريم والسُنّة الشريفة هو أنّنا نواجه فيهما أمورًا يختلف أسلوبها بعض الشيء عن المباحث التي نجدها في الكتب والتي يطرحها العلماء في أبحاثهم العلميّة. ولا شك أنّ بيان هذه الأمور وتفسيرها وتوضيحها مَهَمّة شاقّة عَهِد بها الله سبحانه وتعالى إلى الـمُلِمّين بهذه المعارف والذين من واجبهم إبلاغها إلى الآخرين.

تدبير الله تعالى في عالم الوجود

جرَت عادتُنا أن نقول، مثلًا: في قَرن كذا ثارَ فلان، ونصره أهل البلد الفلاني، فانتصر.. وكم كان شخصيّةً مقتدرة، وتتّصف بكيت وكيت، وأنّ خططه كانت جيّدة، وأنّه – مثلًا – انتصر في معركة كذا، واستولى على المنطقة الفلانية، أو طَرد العدو الفلاني من بلد كذا، ...إلخ. لكنّنا قلّما نشاهد، أو لربّما لا نشاهد أصلًا هذا الأسلوب في القرآن الكريم. فمَن يفتح المصحف الشريف ويبدأ بمطالعته يرى، منذ الصفحة الأولى، أنّ أسلوب خطاب الله عزّ وجلّ لأنبيائه، بشكل مباشر، وللآخرين، بشكل غير مباشر، هو: نحن الذين ندير شؤون العالم، و: نحن من فعلنا كذا بواسطة فلان.

في بدايات دراستنا الحوزويّة كان هضْمُ بعض المفاهيم شاقًّا علينا بعض الشيء، مثلَ أنّه: الله هو الفاعل أم الناس؟! بل إنّ الأفعال المسنَدة إلى الله هي من الكثرة والسعة ما يجعل توضيح بعض هذه الإسنادات لا يتسنّى إلا بشقّ الأنفس. مثلًا يقول تعالى: (إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ[2] فما معنى أن يقول الله: "يُضلّ من يشاء" وهو الذي كلّ كلامه يدور حول هداية البشر وإرسال الأنبياء؟! أو يقول في موضع آخر: (وَجَعَلْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّة[3] ختَمنا على قلوب البعض، وجعلناهم عُميًا وصُمًّا، فلا يفقهون شيئًا، ولن يؤمنوا؛ (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُون).[4] هذه من الأمور التي كان هضمُها في بداية حياتنا الحوزويّة شاقًّا علينا، فنتساءل: ما هذا المنطق؟ ألا يمنح هذا الكلام ذريعةً لأولئك الذين يفعلون ما يفعلون، ثمّ يقولون: الله هو الذي فعل، أو هو الذي منعَنا من الهداية إلى سواء السبيل؟! ثمّ، حقًّا! ما هو دافع الله تعالى من الحديث إلى الناس بهذه اللغة؟

يد الله فوق كلّ يد

بعد سبعين عامًا ونيِّف من دراسة العلوم الدينيّة وصَلنا، رويدًا رويدًا، بفضل بعض الأساتذة والأعلام، إلى نتيجة مفادها أنّ مشكلة معظم الناس هي أنّهم لا يعلمون ما هو دور الله تعالى في عالم الوجود. نعم الأشياء الأخرى يعلمها الجميع؛ مثلًا: الكفّار والمنافقون، الذين لا يؤمنون بإله أصلًا، ألا يعلمون ماذا صنعَت ألمانيا وبريطانيا والولايات المتّحدة في الحرب العالميّة الثانية؟ إنّهم يعلمون ذلك فعلًا. إذًا هذه الأمور واضحة ولا حاجة إلى أن يذكُرَها الله. لكنّ الشيء الذي لا يدركه الناس أبدًا، أو يدركونه بشكل ضعيف، وهم بحاجة إلى التذكير به دومًا هو: فلترَوا أنّ يد الله فوق أيدي هؤلاء، ولتكن ثقتكم به، واعلموا أنّ هؤلاء مجرّد أدواتٍ ووسائط.

تصوّروا مهندسًا معماريًّا يصمّم مخطّطَ بناية ثمّ يُشرف على بنائها. المهندس نفسه كم آجرة يضع فوق الأخرى؟ كم ينقل من الأحمال والإسمنت؟ لا شيء، هو فقط ينظر ويوجّه أن افعلوا هنا كذا وهناك كذا. العمّال هم من ينجز الأعمال الرئيسة ويتصبّب عرقًا، لكن لا أحد يقول: العامل هو من بنى البناية. العمل الرئيس يسجَّل باسم من صمّم، وأعدَّ المخطّطات، وأشرف على البناء، وتابع الأمور. ونأتي نحن فنغمض أعيننا عن المهندس والمصمّم، ونكتفي بالقول: أيّ إبداع أبدعه العامل اليوم؟ ما أحسنَه من عامل! لقد بنى هذا الجزء بإتقان! لكن أيّ دور كان للعامل هنا؟! إنّه معلّمه المهندس الذي وجّهه وقال له ماذا يصنع. العمل عمَل المعلّم المهندس، والبروفسور الذي صمّم مخطّطات البناية وأشرف على بنائها، أمّا العمّال فأسبابٌ وأدوات.

أعظم رسالات القرآن الكريم

إن قال قائل: إنّ أعظم رسالة للقرآن الكريم هي تنبيه الإنسان إلى دور الله في عالم الوجود ما كان كلامه جزافًا. فأنتم ترون أنّ الشيطان فعلَ كذا وكذا، لكنّ الله يقول: نحن الذين أمهَلناه؛ هناك مَن أصغى للشيطان، واتّبعه، وأغمضَ عينه وأصمَّ أذنه، لكن نحن الذين أضلَلناه، فِعل الإضلال بيد الله، أمّا هؤلاء فهيَّؤوا أدواته، واستحقّوه. أو، مثلًا: أنزلْنا عذابًا فبادَ الناسُ عن بكرة أبيهم، أرسلْنا جائحة كورونا، أو الطاعون – قبل قرن من الزمن – فهلك كثيرون. أو تسامحَ الناس في أمرٍ ما، وأفسدوا، فظهرَ ميكروب وأُصيبوا به، ...إلخ. لكن مَن يُعِدّ التصاميم، ويرسم المخطّطات، ويأمر، ويستطيع - إلى نهاية المطاف - أن يغيّر كلّ شيء، ويُصلِح الأمور، هو أحدٌ آخر، وهو فوق هذه الأمور. لذلك فإنّه حتّى حين ينزل العذاب يقول أيضًا: إن تتوبوا، وتتوجّهوا إلى الله، نرفع عنكم العذاب، بل نجعل هذا العذاب نفسَه سببًا لتكاملكم؛ فإنْ ترجعوا إلى الله بصدق من نيّاتكم فسنجعل البلايا نفسَها، التي بلوناكم بها بسبب جُرمكم الذي ارتكبتموه، سببًا في نضجكم وتكاملكم.

لكن المؤسف أنّ أولئك الذين يُتوقّع منهم أكثر، في مجتمعنا الإسلامي، أن يبيّنوا هذه الأمور، ويُنتظر منهم أن يعملوا هم بها، ويعلّموا الآخرين، هم في غفلة عنها. ولا أريد كشف المستور أكثر وتسمية المقصّرين في هذا المجال.

التوجّه إلى الله هو سرّ انتصار الإمام الراحل(رض)

بخصوص قضيّة الثورة الإسلاميّة،[5] وبالدرجة الأولى طَرد الشاه من إيران، وهزيمة أمريكا، التي ابتدأت من حادثة صحراء طَبَس، فتارةً نتناول القضيّة بصفتنا مؤرّخين، فنناقش خلفيّات ذلك وأسبابه؟ فنقول: أجل، ظهرَ في قمّ عالم دين، وقال أمورًا، واتّبعه الناس، وكانت الظروف مواتية، فصُدِّق كلامُه، وتطوّرَت الأحداث حتّى فرّ الشاه من إيران، ثمّ حصل كذا وكذا، ...إلخ.. تاريخٌ على أيّة حال؛ فبعض الدور نهضَ به عالم الدين المذكور، والبعض الآخر الناسُ الذين استجابوا له واتّبعوه.. الفِعل فِعل هؤلاء، فما دور الله في القضيّة؟! ما صلة الموضوع بالله أصلًا؟! إنّه عالم دين قام بفعلٍ ما، واتّبعه الناس، ولا علاقة لله بالمسألة، إنّها قضيّة تاريخ، وتهمّ المجتمع! هذه هي النظرة التاريخيّة إلى القضيّة.

لكن السؤال هو: لماذا منطق القرآن الكريم دائمًا هو: "إنّا"، "نحن الذين فعلنا"، بل "الضلال أيضًا بأيدينا"، "توسيع رزقكم وتضييقه هو الآخر بأيدينا"؛ (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَه[6] وعشرات الآيات بهذا المضمون، لماذا يقول ذلك؟ لكي لا تلتفتوا إلى هذه الأسباب فقط، بل لتنظروا إلى يد أخرى تهيّئ هذه الأسباب. فماذا يصنع الله هنا؟ إنّ من سُنَنه تعالى هي أنّ الناس الذين يُذعنون بسرعة لعنصر الهداية الذي أرسله الله إليهم، ويعملون بما جاء به، يزيد في توفيقاتهم وبركاتهم على نحوٍ موصول؛ فإن فعلوا فعلًا واحدًا، أعطى هذا الفعل سبعَ ثمار، وإن أتوا بسبعة أعطَت سبعين، وإن فعلوا سبعين أعطَت سبعمئة، ثمّ يقول: حساب ذلك ليس في أيديكم، فنحن نزيد كيف نشاء! إن أنكرتم ذلك، فلنضرب من حركة سماحة الإمام الخميني(ره) مثلًا؛ ما كان دور الإمام يا ترى؟! أيّ سلطة كانت في يده؟! أكان لديه مالٌ كثير؟! أكان أنصاره كثُرًا؟! أكان صاحب عقارات كبيرًا؟! أكان مالكَ مصنع؟! لعلّ كثيرًا من متديّني عصرنا لا يعلمون أنّ الكثير من المتزيِّين بزيّ الإمام(ره) كانوا يعارضونه منذ البداية! نعم، أحدُ دواعي معارضتهم كان العرفان والفلسفة وما إليهما. في ظروف كتلك؛ حيث لم يكن للإمام مال، ولا مُريد، ولا جاه وسلطة، ولا بناية، ولا أُسرة وعشيرة؛ فقد يكون للفرد عشيرة [تسانده]، أمّا هو فقد قَدِم من مدينة "خُمين" وعاش هنا [في قم]، وحتّى أهل خمين ما كانوا يعرفونه حقّ المعرفة، إذ كان قد هاجر في مطلع شبابه إلى "أراك"، ومن ثمّ قدم إلى قم. رجل كهذا يقول للشاه: "آمُر أن يسحبوك من أذُنك ويرموك خارجًا!" لمن يقول مثل هذا الكلام؟! لقَب "صاحب الجلالة" كان إذا نطقَ به أحد مجرّد نُطق يُعاقَب! ما كان أحد يجرؤ على النطق به. كان يقال: "صاحب الجلالة المبجَّل يقول...!" لمثل هذا الرجل كان يوجّه سماحة الإمام(ره) خطابه قائلًا: "إن لم تكُفّ عن هذه الأعمال سآمُر أن يسحبوك من أذنك ويرموك خارجًا!" وقد فعل هذا فعلًا! أعالم الدين ذاك فعلَ ذلك؟! هو قال فقط: إلهي، أيّ واجبٍ تأمرني به سأعمل به. إن قلتَ: قل هذا، سأقول: سمعًا وطاعة، فالأمرُ أمرُك.

خُرَّمشَهر الله هو الذي حرّرها!

تواصلَت أحداث الثورة، حتّى اندلعَت الحرب مع العراق وصدّام، وما صاحَبها من أحداث، وكانت أحداث تحرير خرَّمشَهر. قال سماحة الإمام الراحل(ره) آنذاك: "خرّمشهر اللهُ هو الذي حرّرها!" لو أنّ قائدًا انتصر في حربٍ لقال: "نحن من فعل كذا وكذا، نحن من أذقناكم الويل، ...." أمّا سماحة الإمام(ره) فقد قال، عوضًا عن هذا كلّه: "خرّمشهر الله الذي حرّرها!"

وفي حياته الشخصيّة، بل في نهجه العلمي، ومن ثمّ في أسلوب إدارة مجتمعه، وصولًا إلى الاصطدام مع قوى العالم الكبرى، كان منطقه، سواء في أعماق قلبه، أو ما يجري على لسانه، هو: نحن نسأل الله، فإن رأى في ذلك مصلحة، أصلَحَ لنا الأمور، وإن شاء الله ستنصلح.

ثمّة كلام لسماحة الإمام(ره)، لم أسمعه أنا من لسانه، لكن سمعتُه مرارًا من أشخاص ثقاة، وهو أنّه(ره) قال: "أحيانًا يتبادر إلى ذهني شيء، فأقوله، لم أكن قد فكّرتُ فيه، ولا أدري لماذا تبادر هذا الشيء إلى ذهني وقلتُه، ثمّ أكتَشف فيما بعد أنّ هذا الكلام بالضبط كان يجب أن يقال في ذلك الحين تمامًا!" أي إنّ الله تعالى أحيانًا يعلّم الإنسانَ في أوقات لا تكون الظروف الإنسانيّة العاديّة مواتية لذلك؛ بتعبيرنا الدارج: يُلهَم إلهامًا. حياة الإمام اليوميّة كانت هكذا، ونحن لا ندري. ونحمد الله أنّه قد جعل بعد الإمام(ره) خلَفًا يشبهه في هذا الأمر.

العمل بالتكليف هو سر النجاح

فلنتعلّم هذا من القرآن الكريم، وهو أنّ العمل الأساسي هي ذلك الذي يفعله الله تعالى، متى ما اقتضَت مشيئتُه. علينا فقط أن نعمل، بهذا المقدار، على أن لا نَحُول دون لطف الله عزّ وجلّ ولا نُفسدَه! فإنْ أمرَنا بفعلٍ ما! قلنا: سمعًا وطاعة. لنحاول أن نكون عمّالًا مطيعين. فالمهندس يعرف جيّدًا كيف يرسم مخطّط البناء، ويصمّمه، وينجزه. غاية ما يمكننا تقديمه من إنجاز هو أن نكون عمّالًا مطيعين؛ إن أمرَنا أن نأتي بالطين، نقول: سمعًا وطاعة، احمِل الآجُر، نقول: سمعًا وطاعة. وإلّا فلستُ أنا الذي شيّد البناية. إن تعلّمنا هذا فسيرتاح بالُنا نحن من جهة، ولن نصاب بالغرور من جهة أخرى؛ لن نفسد الأمور، ولن نمضي وراء أهوائنا فنقول: يجب أن أكون كذا! بل أنا عبدٌ لله، وعيني تراقبُ يدَه، أنتظِر متّى يرسل لي سببَ رحمةٍ منه، ويوفّقني لأمتثل هنا أمرَه، ليكون ذلك سببًا لأن يتلطّفَ سبحانه عليّ في الجنّة بالمزيد من رحمته. فإنّ كلّ شيء بيده؛ (أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَميعًا[7] (إِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَميعًا).[8]

فلو أنّنا أولَينا هذه المسألة المزيد من الاهتمام في الشؤون الثقافيّة الخاصّة بقوّات الشرطة، والقوّات العسكريّة وجميع القوى الفاعلة، ولفَتنا كوادرَها إلى ضرورة أن يكون أملُكم بالله وحده، وأن تفتّشوا عمّا يريده الله تعالى منكم ولا غير، فتعملوا بالتكليف الملقى على عاتقكم – لو أنّنا فعلنا ذلك فإنّ الله يعرف ماذا عليه صنعه. حينذاك لن تستقيم أمور الشخص الاجتماعيّة فحسب، بل سيعطي الله كلّ فرد منكم أكثرَ ممّا كان يتوقّعه بآلاف المرّات. آنذاك لن يقول أحد: ماذا كان دورُ فلان بالأمس، وماذا كان أبوه، وفي أيّ عائلة ترعرع، بل سيقال: إنّه اليوم يخدم في النظام الإسلامي، وإنّ يد صاحب الزمان(عج) تُرَبِّت على رأسه. بأيّ عزّة يمكن حصول ذلك؟!

والعكس صحيح أيضًا؛ لو وظّف الإنسان ما منحه الله من المؤهّلات والعزّة في خدمة بطنه، وبيته، وزوجه، وأولاده فقط، فسيوجّه الله إليه صفعةً لا ينساها ما دام حيًّا من أنّه: تَخدَع الجميع، أتريد أن تخدع الله أيضًا؟!

العلم والعمل أساس الثورة

لو أنّنا تعلّمنا أمرين، وهو أنّ الله تبارك وتعالى كلّما تحدّث في القرآن الكريم عن الأنبياء أكّد على هذين الأمرين لا غير، وهما: (يُعَلِّمُهُم)، و(يُزَكّيهِم)؛ وهو أوّلًا أن نخبر الناس ونوَعّيهم بما يجب أن يعلموا به، وثانيًا أن نُعِدّ لهم أرضيّة العمل، من التربية السليمة؛ أي: التعليم، والتربية.

هناك أمور كثيرة لا نعلمها. الشيء الذي علينا أن نعلمَه لم نتعلّمه بعد. فلأسعَ لأن أتعلّمه أنا، وأحاول أن أعلّمه للآخرين أيضًا. ثانيًا، قد أكون أعلم بالشيء، لكن هواي لا يطاوعني للعمل به، أو أتقاعس عن العمل به. فلأتمرّن على أن أنجز ما هو تكليفي بشكل سليم.

لا بدّ أن نجعل أساسَ أمرنا في أن نعلم أوّلًا ماذا علينا صنعه؟ وماذا يريد الله تعالى منّا؟ أمّا: مَن أنا؟ وما دوري؟ وما منصبي؟ وما رتبتي؟ فدع كلّ هذا جانبًا. أنت عبدُ الله. الله ماذا يريد منك؟ ثمّ ليحاول المرء، ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، أن يعمل بما يريده الله منه على أحسن وجه. لا يقول: هذا ليس شأني! أو ليس كذا! أو لم يحن وقتُه بعد! أو سأُنجزه بعد حين إن شاء الله! العمل الذي يعلَم أنّ الله يريدُه منه يجب أن لا يتقاعس في إنجازه الساعة.

أساس الثورة هو هذان الشيئان: (1) أن نعلم ماذا يريد الله منّا، (2) وأن نحاول إنجازه على أحسن وجه؛ أي: العلم، والعمل. أصحاب الشأن والبارزون في المجتمع عليهم أن يتعلّموا هم جيّدًا، ويعلّموا الآخرين، ويعملوا هم جيّدًا، ويهيّئوا الأرضيّة لعمل الآخرين أيضًا. هكذا يتحقّق المجتمع الذي يحبّه الله تعالى، ومن الواضح كيف سيتصرّف الله مع الشيء الذي يحبّه. أمّا إذا جرَت الأمور على العكس من ذلك؛ فتظاهرنا بأنّنا نسير في سبيل الله، لكنّ ما في أعماق قلوبنا، هو سبيل الشيطان والهوى؛ كأنْ أهوى – في أعماق قلبي – أن أكون رئيسًا، وأن يُقبّل الناسُ يدي، فهنا سأُعاقب، وإنّ العقاب الإلهي يأتي من حيث لا أشعُر. وقد تتوسّع رقعة هذا البلاء؛ وإنّ البلاء الذي يرسله الله عظيم؛ ففي غضون بضعة أيّام انتشرَت [جائجة كورونا] من شمال الصين إلى جنوب أمريكا، وألقَت بظلالها على كلّ شيء؛ على العلم، والاقتصاد، والقضايا العسكرية، والرئاسة، والتدبير! بماذا؟ يقول الخبراء أن لو جمعوا فيروسات كورونا كلّها ووضعوها في ميزان لما تجاوز وزنها خمسة غرامات!

الحكمة من نزول البلاء

لا بدّ أن نعرف الله تعالى. إنّه عزّ وجل يقول بصراحة: (وَما أَرْسَلْنا في‏ قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُون‏[9] ويقول: (فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُم[10] فالأمر ليس منحصرًا فيكم، بل كلّ نبي أرسلناه أنزلنا معه بلاءً ليساعد الناس على التوجّه إلى الله تعالى؛ إذ سيشعر الناس أنّهم في مأزق، وسيفكّرون أنّه ماذا يصنعون؟ وسيقول لهم نبيّهم: التجِئوا إلى الله، فيساعدُهم هذا الشيء أيضًا. لكن بعض الناس قسَت قلوبهم، ونسوا الله، وقالوا: "نحن"؛ (قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ[11] قالوا: هذه الأمور موجودة دومًا، السرّاء والضرّاء، فمَن هو الله؟! هذا كلام العوام! فيقول الله: نحن ننزِّل عليكم البلاء، وإنّ عليكم أن تتضرّعوا، وتلجؤوا إلينا، لنرفع البلاء عنكم. هذا أيضًا لصالحكم، إنّه الدواء المرّ الذي نسقيكم منه لكي نُصلحكم.

معرفة الإسلام والعمل به هو الباب للتغيير الثقافي

الإسلام، في الحقيقة، هو ضرب من الثقافة، وإن كان ثمّة ما يسَعُنا التوصية به فهو أنّ علينا، من أجل التغيير الثقافيّ في مستقبل بلدنا، أن نحاول معرفة الإسلام حقّ معرفته، وتعريف الآخرين به، أن نعمل به نحن أحسن العمل، ونهيّئ الأرضيّة جيّدًا من أجل عمل الآخرين أيضًا.

زاد الله تعالى في توفيقاتنا جميعًا، ووفّقنا لسلوك السبيل التي يرضاها. وحفظ الله سماحة الإمام القائد الخامنئي وأدامه خيمةً على رؤوسنا، وشملَنا جميعًا بدعوات إمامنا صاحب العصر والزمان، عجّلَ الله تعالى فرَجه الشريف.

وفّقنا الله وإيّاكم إن شاء الله



[1]. عيد الفطر المبارك. (المترجم)

[2]. الرعد: الآية27.

[3]. الأنعام: الآية25.

[4]. البقرة: الآية6.

[5]. الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني(ره). (المترجم)

[6]. العنكبوت: الآية62.

[7]. البقرة: الآية165.

[8]. يونس: الآية65.

[9]. الأعراف: الآية94.

[10]. الأنعام: الآية43.

[11]. الأعراف: الآية95.

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...