صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الثامنة: شکر النعم الالهیة

تاریخ: 
جمعه, 29 مرداد, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 20 آب 2010م الموافق للیلة العاشرة من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

شکر النعم الإلهیّة

النعم الإلهیّة، والعباد

«وَنَدَبَهُمْ لاسْتِزَادَتِهَا بِالشُّكْرِ لاتِّصَالِهَا، وَاسْتَحْمَدَ إِلَى الْخَلائِقِ بِإِجْزَالِهَا، وَثَنَّى بِالنَّدْبِ إِلَى أَمْثَالِهَا»1.
إنّ هذه الخطبة هی على درجة من الروعة والإمعان فی الفصاحة والبلاغة حتّى إنّ المتخصّصین فی هذا الفنّ لیقفون عاجزین عن بیان دقائق الالتفاتات الموجودة فی هذه العبارات. فعندما یقرأ المرء هذه الخطبة یلتفت إلى أنّها تنطوی على جمال خاصّ. فالقسم الأوّل من الخطبة الذی یتضمّن الحمد لله والثناء علیه ینقسم بدوره إلى أربعة أقسام بُیِّن كلّ قسم منها فی ثلاث جمل رُكّبت تركیباً خاصّاً من حیث السجع والنظم والوزن؛ إذ تقول الزهراء البتول (علیها السلام) فی القسم الأوّل منها: «الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم»، وتُتبع ذلك فی القسم الثانی بالقول: «من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام مِنن أولاها»، أمّا فی القسم الثالث فتقول: «جمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها». ولقد قدّمنا فی المحاضرات الفائتة شرحاً لهذه العبارات.
أمّا فی القسم الرابع فتختتم الزهراء (علیها السلام) فقرة الحمد بثلاث جمل اُخریات تبیّن فیها من خلال السجع والقافیة الخاصّین أیضاًـ العلاقة التی تربط النعم الإلهیّة بالعباد. ففی العبارات السابقة بیّنت (سلام الله علیها) ما یختصّ بكثرة النعم الإلهیّة وكیفیّتها وطول أمدها وفی ذلك بیان لخصائص نفس النعم. أمّا فی القسم الحالیّ فقد ركّزت على علاقة النعم بالخلائق وتعاطی المتنعمّین لها.
تقول فاطمة الزهراء (سلام الله علیها): «وَنَدَبَهُمْ لاسْتِزَادَتِهَا بِالشُّكْرِ لاتِّصَالِهَا، وَاسْتَحْمَدَ إِلَى الْخَلائِقِ بِإِجْزَالِهَا، وَثَنَّى بِالنَّدْبِ إِلَى أَمْثَالِهَا»؛ فالله عزّ وجلّ یثیر فی الناس الدافع إلى الحمد من خلال إسباغ تلك النعم الجمّة وكأنّه بذلك یطالبهم بحمده علیها من خلال العمل. وعلاوة على ذلك فهو یدعوهم إلى مطالبته بالمزید من أمثال تلك النعم.
فی هذه الجمل الثلاث تشیر الزهراء (سلام الله علیها) إلى بضع نقاط. النقطة الاُولى هی أنّ الله تعالى، مضافاً إلى إعطائه النعم لعباده ابتداءً، فقد دعاهم إلى شكر تلك النعم من أجل نیل المزید منها، وهذا الباب بحدّ ذاته هو نعمة عظیمة تفوق غیرها من النعم. فعلى الرغم من أنّ الله عزّ وجلّ لم یقصّر بشیء عند إسباغه لتلك النعم ابتداءً؛ لكنّه، بالإضافة إلى ذلك، فقد فتح لعباده باباً آخر للاستزادة من تلك النعم، وهذا یحكی عن سنّة إلهیّة جدیدة. فالسنّة الاُولى هی أنّ الله یعطی لمخلوقات هذا العالم كلّ ما یلزمهم لمعیشتهم. غیر أنّه تحنّی علیهم بلطف أسمى فی إجازته لهم بالإفادة من المزید من النعم. إذ یمكن لحیاة الإنسان أن تستمرّ بما یسدّ رمقه من یسیر الطعام ولیس ثمّة من ضرورة لأن یضع فی متناوله تلك الأصناف من الفاكهة، والخضار، واللحوم، واللبن، والعسل، وأنواع النباتات المختلفة، فمواصلة الإنسان لحیاته من دون تلك الاُمور أمر مقدور علیه. إذن تنوّع الغذاء هو بحدّ ذاته نعمة زائدة. وكذا الأمر فی سائر المسائل؛ فبعض الأشیاء تكون ضمن حدّ الضرورة واحتیاج الإنسان فقط، غیر أنّ هناك إمكانیّة استفادته من نعم الله تعالى بما یفوق ما تستدعیه حاجته وجنْی المزید من اللذّة منها، أمّا السبیل إلى ذلك فهو أن یقْدر النعم التی منّ الله بها علیه حقّ قدرها. وهذه هی من السنن القطعیّة والتی لا تقبل الاستثناء فی التدبیر الإلهیّ. یقول القرآن الكریم فی هذا الباب ما یقلّ نظیره فیما یماثله من بیانه لمختلف السنن الإلهیّة: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِیدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدٌ»2. فالأذان هنا بمعنى الإعلان، وإنّ باب التفعّل یدلّ على قول الأذان بالمزید من الصراحة والفصاحة والجزم؛ فكلمة «تأذّن» تعنی: الإعلان الصریح والمؤكّد. ثمّ تبیّن الآیة موضوع هذا الإعلان عن طریق العبارة التالیة: «لئن شكرتم لأزیدنّكم»؛ أی: لأزیدنّكم نعمة. وقد كان بمقدور الله عزّ وجلّ أن یقول: «إن شكرتم زادكم الله» نعمةً، بید أنّه جلّ وعلا لم یصغ العبارة هكذا، بل استخدم فی صیاغتها جملة تعدّ فی نظر الاُدباء جواب قَسَم، فقال: «لئن شكرتم»؛ وتقدیرها: «والله لئن شكرتم»، كما أنّ جواب القسم جاء بلام التأكید ونون التأكید الثقیلة؛ ومن هنا فقد روعی تأكید الكلام بالكامل، لیكون المعنى: إنّ هذه السنّة الإلهیّة لا تدع بتاتاً أیّ مجال للشبهة وهی سنّة قطعیّة لا استثناء فیها؛ مفادها أنّكم إذا شكرتم نعم الله جلّ وعلا فإنّ نعمتكم ستزداد حتماً وقطعاً. «ولئن كفرتم إنّ عذابی لشدید». فالباری عزّ وجلّ یهدّد ویتوعّد بأنّكم إن كفرتم فاعلموا أنّ عذاب الله شدید. وهو بالطبع لا یقول: لأعذبنّكم.
وبهذا البیان فإنّ الله فی الحقیقة یدفع بالناس إلى طلب زیادة النعم، فإنّ بیان هذا الأمر یخلق فی الناس دافعاً إلى المزید من الشكر. ومن الحَسَن هنا أن نفتح باباً للاخوة من أجل الدراسة والبحث حول هذه المسألة؛ فالشكر هو عمل اختیاریّ، وكلّ عمل اختیاریّ یحتاج إلى أرضیّة فكریّة؛ أی إنّ المرء یحتاج إلى العلم والاطّلاع من أجل القیام بهذا العمل، ولكنّه لابدّ قبل العلم من توفّر أرضیة للدافع؛ بمعنى أنّه یتعیّن توفّر دافع فی الإنسان لإنجاز هذا العمل، وأن یمیل قلبه إلیه. فبمعزل عن العلم بالعمل لابدّ من إرادة القیام به، وإذا ضُمّ هذان الإثنان إلى بعضهما تحقّق الفعل الاختیاریّ. فهناك اُمور كثیرة یعلم معظمنا أنّها حسنة إلاّ أنّنا لا نأتی بها لانعدام الدافع فینا لذلك، فالإنسان لا یقوم بما یعلم أنّه فعل حسن إلاّ إذا وُجد فی داخله الدافع للقیام به. ومن هنا فإنّ من أعظم أدوار المربّی والمعلّم هو تقویة دوافع المتربّی من خلال السعی إلى إثارة العاطفة والمحبّة فی داخله.
فمجرّد العلم بأنّ الله قد منّ علینا بنعم جمّة هو غیر كاف لاستثارة دافع الشكر فی أنفسنا، فالأمر یتطلّب شیئاً آخر، وهو ضرورة توفّر الرغبة والمیل القلبیّین لأن نكون شاكرین. وهذا من العوامل التی أوجدها الله بشكل فطریّ فی كیان الإنسان؛ فالإنسان مفطور بطبیعته على أن یشعر فی قرارة نفسه بضرورة الخضوع فی مقابل من علِم بأنّه قد أسدى إلیه خدمة، والإحساس بأنّه مدین له، والسعی لمجازاته على ما أسبغ علیه من اللطف؛ فعلى أقّل تقدیر یأتی بالشكر على لسانه، أما إذا لم یفعل ذلك فانّه یظلّ یراوده شعورٌ كمَن فقدَ شیئاً ولم یعثر علیه. قبل بضع سنوات وفی أثناء رحلة إلى أمریكا دُعیت إلى إلقاء محاضرة فی إحدى الجامعات، لكنّ ضجّة وزحاماً ما لبثا أن استولَیا على الجامعة برمّتها بعد إلقاء المحاضرة، وفی خضم ذلك التجمّع الغفیر كان أحد الطلبة یصرّ إصراراً عجیباً على التقرّب منّی، فرجوت الأخوة المرافقین لی أن یسمحوا له بالتقرّب لنرى ما الذی یودّ قوله. فاقترب منّی مكتفیاً بالقول: كنت أرید فقط أن أقول لك: شكراً جزیلاً. قال ذلك وذهب. فقد كان یشعر بنقص فی داخله ولم یهدأ له بال إلاّ بالإعراب عن الشكر. هذه مسألة فطریّة؛ فالإنسان لا یستطیع أن یكون غیر مبالٍ أمام من أحسن إلیه. بالطبع هذا الأمر لیس من مختصّات الإنسان بل هوموجود فی الحیوانات أیضاً، بل إنّ بعضها یفوق الإنسان بكثیر فی إظهاره للشكر. فهناك من الحیوانات التی إذا أعطاها المرء لقمة خبز أو قطعة عظم تظلّ مدّة مطأطئة رأسها ومتذلّلة أمامه! فهذا أمر مودَع من قبل الله فی جمیع الحیوانات، أمّا فی الإنسان فلابدّ أن یمتاز هذا الأمر بالمزید من الوعی.
فی إحدى المرّات وفی أثناء مجلس عقد بخصوص الشكر قال قائد الثورة المعظّم (حفظه الله تعالى): ینبغی توفّر بضعة اُمور من أجل الشكر؛ أوّلها عِلم الإنسان بأنّ ما فی یده نعمة، وثانیها أن یعلم بأنّ هذه النعمة هی من الله تعالى؛ فإن اعتقد بأنّ النعمة هی من نفسه فإنّه لن یشعر فی داخله بالدافع إلى الشكر. فالإنسان لن یبادر إلى الشكر إلاّ إذا أحسّ بأنّ هذه النعمة هی من الله تعالى وأنّ الله قد أعطاه إیّاها عن علم وقصد؛ لا أنْ یظنّ أنّها قد وصلت إلیه فی سیاق عملیّة جبریّة. فبعد أن یعلم أنّها نعمة، وأنّ الله هو الذی منّ علیه بها، عندئذ سیُضَمّ هذا الإحساس الفطریّ إلى ذلك فیبادر إلى الشكر. فهذا الإحساس الفطریّ بالاعتراف بالجمیل هو الآخر قد خلقه الله فی وجودنا وهو بحدّ ذاته نعمة تحتاج بدورها إلى شكر.

مراتب الشكر

إنّ مسألة الشكر هی على جانب من الأهمّیة حتّى أنّ كبار المتكلّمین عدّوها من بدیهیّات العقل ودلیلاً على وجوب معرفة الله تعالى.
وإنّ للشكر مراتب أوّلها أن یقول المرء بلسانه: شكراً لله؛ الحمد لله. والمرتبة الثانیة هی أن یحافظ على هذه النعمة فلا یضیّعها. فلو أنّ صدیقاً أهداك هدیّة ثمّ لاحظ أنّك أهملتها وضیّعتها، فإنّه سیعاتبك! فحفظ النعمة بحدّ ذاته یعدّ مرتبة ثانیة للشكر؛ وهی تعنی أن لا یستعمل الإنسان النعمة فیما لا یحبّه الله؛ فلا ینبغی استعمالها فی أمر یصبّ فی مصلحة العدوّ وفی مواجهة المنعِم! وبتعبیر آخر: یجب أن لا تُستخدم النعمة فی سبیل المعصیّة.
أمّا آخر مراتب الشكر فهی أنّه إذا فَرضت النعمة علینا تكلیفاً سواء أكان مستحبّاً أو واجباًـ فلابدّ عندها من أدائه؛ فإن اُعطینا ثروة واُرید منّا أن ندفع بعضها للفقیر فلا نقصرنّ فی ذلك، فهذا أیضاً من الشكر لهذه النعمة. وتلك هی المراتب المختلفة للشكر.
قلنا إنّه مضافاً إلى العلم فإنّ عملیّة الشكر بحاجة إلى الدافع والمیل والرغبة؛ فإنّ إحساسنا بکوننا مدینین وشعورنا بضرورة أداء ما فی أعناقنا من دین إنّما هی اُمور أودعها الله فی فطرة الإنسان؛ وهی فی غایة الحسن! لكنّ هذا الأمر الفطریّ یضعُف تدریجیّاً جرّاء التهاون والإهمال ویفقد أثره فیزول ذلك الدافع المحفّز. على سبیل المثال فإنّ المبتلین بالتدخین یشكون فی المرحلة الاُولى من تدخینهم من السعال عند ممارسته؛ إلاّ أنّهم یألفون الدخان شیئاً فشیئاً حتّى یصلوا إلى حدّ الإصابة بحالة من الاضطراب إذا تركوا التدخین. وهذا یمثّل تخریب الفطرة الإلهیّة المودعة فی النفس! ففطرة الله كانت تقتضی السعال والاختناق عند دخول دخان السیجارة إلى الرئة؛ لكنّ الإنسان یخرّب تلك الفطرة بنفسه ویعطّلها عن العمل، بل إنّه یُحدث فی نفسه أثراً معاكساً لها! فإنّ الاُمور تصل بالإنسان أحیاناً، نتیجة الأنانیة، وحبّ الذات، والنزوع المفرط نحو اللذّات، إلى فقدان روح الشكر وعرفان الجمیل بالكامل وحلول حالة اللامبالاة محلّها! فأشخاص كهؤلاء لا یفكّرون إلاّ بمصالحهم القریبة ویسعون إلى استنزاف كلّ ما یستطیعون استنزافه من كلّ مَن هو فی طریقهم. فعندما تلبَّى حوائجهم ینسون خدمات الآخرین وألطافهم. وبهذه الطریقة تنطفئ تلك الفطرة الموهوبة من الله تعالى. فالله هو الذی أعطى هذه الفطرة؛ لكنّ هذا الإنسان، بتصرّفاته المشینة تلك، یقوم بإضعافها، بل ویبدلها أحیاناً إلى الضدّ!

تقویة الاُمور الفطریّة

وفی المقابل أیضاً فإنّ هناك من العوامل ما یساعد على تقویة هذا الإحساس والمیل الفطریّ فی المرء، حیث إنّه من الممكن تقویة الاُمور الفطریّة بعوامل خارجیّة. وهذه الإمكانیّة تتوفّر أیضاً فی الاُمور الغریزیّة؛ فعندما یجوع المرء وتصل رائحة الشواء إلى مشامّه یقوى عنده الإحساس بالجوع. فهذا الإحساس هو شیء داخلیّ، إلاّ أنّ رائحة الطعام الشهی تقوّیه. وكذا فإنّ المیل إلى النظر إلى الوجه الحسن موجود فی باطن الإنسان، فإن هو لم یسیطر على نظراته ووقعت عینه بضع مرّات على الأجنبیّة فسیقوى هذا المیل فی داخله، وستمسی حینئذ محاربة الشیطان أمراً صعباً. فالعامل الخارجیّ هنا هو الذی یقوّی الإحساس الداخلیّ. ولهذا فإنّ علینا أن نبذل قصارى الجهود فی توفیر العوامل الخارجیّة التی من شأنها أن تقوّی الاُمور الحسنة، وأن نسعى فی المقابل إلى الابتعاد عمّا یقوّی عوامل المعصیة. فكلّما قلّ وقوع نظر المرء على الأجنبیّات، ضعف الدافع إلى المعصیة فی نفسه.
فالله سبحانه وتعالى قد أوجد فی أنفسنا الدافع إلى الشكر والحمد من خلال إعطائنا للنعم: «واستحمد إلى الخلائق بإجزالها»؛ حیث إنّه من خلال إعطاء المزید من النعم قد هیّأ فی داخل الإنسان الأرضیّة للحمد وإثارة هذا الإحساس. وكأنّه عزّ وجلّ یریدنا، عبر عمله هذا، أن نحمده ونثنی علیه. لكنّه لم یكتف بذلك، بل: «وثنّى بالنَّدب إلى أمثالها»؛ فقد جاء بالمزید؛ وهو أنّه دعى إلى الشكر، بل وأمر به أیضاً، بشكل علنیّ. فلو أنّ الله لم یأمرنا بالشكر أساساً لكان لزاماً علینا أیضاً، على أساس العامل الوجدانیّ والفطریّ المودَع فینا، أن نشكره؛ لكنّه لم یكتف بذلك فبادر مراراً وتكراراً إلى دعوة الناس إلى الشكر فی قرآنه المجید؛ كما فی قوله: «أَنِ اشْكُرْ لِی وَلِوَالِدَیْكَ»3، بل إنّه جلّ شأنه یلوم علی أنّ المعترفین بالجمیل والشاكرین هم قلّة من بین الناس: «وَقَلِیلٌ مِّنْ عِبَادِیَ الشَّكُورُ»4.
إذن فإنّه علاوة على امتلاكنا للعامل الفطریّ للشكر وأنّ ضمائرنا تحثّنا على أن نكون شاكرین فی مقابل نعم الباری تعالى فإنّه لابدّ فی البدء من معرفة النعم الإلهیّة. ومن هذا المنطلق علینا أن نفهم أنّ بإمكان تلك العلوم التی تعرّفنا على نعم الله تبارك وتعالى أن تكون ذات أثر فی تبیین تكاملنا. وعلى وجه الخصوص فإنّنی اُوصی إخوانی وأعزائی من طلبة العلوم الدینیّة أن یطالعوا فی مجال فسلجة جسم الإنسان كی یدركوا أیّ مقدار من النعم قد أغدقه الله علینا. فمن بین العلوم الطبیعیّة التی تبعث أكثر من غیرها على أن یقدّر المرء حقّ النعم هو علم الحیاة ووظائف الأعضاء المتعلّق بالإنسان.
فالسیّدة الزهراء (سلام الله علیها) تشیر فی هذه التوصیات الأخیرة إلى تلك الالتفاتات اللطیفة عبر تعابیر هی من الناحیة الأدبیّة، فضلاً عن الجانب النغمیّـ غایة فی الروعة وقمّة فی الجمال. فترتیب العبارات فی كلامها ینمّ عن منتهى الحكمة. فكلامها هذا له أثر تربویّ قویّ للغایة وبإمكان الإنسان أن یفهم من خلال تلك الجملات القلیلة أیّ محلّ یشغله من الإعراب وأیّ وظیفة له فی الحضرة الإلهیّة، وأنّه لماذا یعطیه الله تعالى كلّ تلك النعم أساساً، ولماذا یذكّره بها أیضاً. فهو یذكّره بها كی یعلم أنّها من الله فتثیر فیه، من خلال ذلك الإحساس الذی أودعه الله فی كیانه، الدافع إلى الشكر فیكون شكره من موجبات زیادة نعمه ودوامها، وأن یفید أكثر من نعم الله تلك فیكتسب بذلك اللیاقة لنیل ما لا أمد له من نعمه تعالى فی العالم الأبدیّ.
هذا على الرغم من أنّ أیّ واحد من تلك الاُمور لا یُجدی الله أدنى نفع. فلو عكف البشر بأجمعهم طیلة ما اُعطوا من أعمار على شكر الله تعالى، فهل سیضیف ذلك الی الله شیئاً؟! فتعالى الله أن تتولّد فیه حالة من أثر فعل الآخرین. فمن نحن وما نحن كی نستطیع إیجاد حالة الرضا فی الله عزّ وجلّ! فكلّ ذلك هو لطف منه من أجل أن تتوفّر فینا اللیاقة لتلقّی رضاه، ورحمته، وقربه، ولعمری فإنّ فی ذلك نعمة تفوق غیرها من النعم.
اللهمّ اجعلنا من الشاكرین لأنعمك والعارفین بآلائك یا الله.


1. بلاغات النساء، ص27؛ وبحار الأنوار، ج29، ص220.

2. سورة إبراهیم، الآیة 7.

3. سورة لقمان، الآیة 14.

4. سورة سبأ، الآیة 13.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...