صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة السابع عشر: فلسفة النبوة

تاریخ: 
يكشنبه, 7 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 29 آب 2010م الموافق للیلة التاسعة عشرة من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

فلسفة النبوّة

نقدّم أسمى آیات العزاء والتسلیة لإمامنا الحجّة المنتظر ولیّ العصر (أرواحنا فداه) بمناسبة حلول ذكرى استشهاد مولى الموحّدین وإمام المتّقین أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه)، سائلین العلیّ القدیر أن لا یحرمنا من ولایته فی الدنیا والآخرة إنه سمیع مجیب.

التقدیرات العلمیّة والتقدیرات العینیّة

«... وَاصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنِ ابْتَعَثَهُ، إِذِ الْخَلاَئِقُ بِالْغَیْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسَتْرِ الأَهَاوِیلِ مَصُونَةٌ، وَبِنِهَایَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعَالَى بِمَآیِلِ الأُمُورِ، وَإِحَاطَةً بِحَوَادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَوَاقِعِ الْمَقْدُور، ابْتَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى إِتْمَاماً لأَمْرِهِ، وَعَزِیمَةً عَلَى إِمْضَاءِ حُكْمِهِ، وَإِنْفَاذاً لِمَقَادِیرِ حَتْمِه».
التفسیر اللفظیّ لهذه الجمل هو كالتالی: لقد اختار الله النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) قبل أن یبعثه، فی وقت كانت الخلائق فیه مستورة فی غیب العالم وتغشاها حُجب عجیبة ومقرونة بنهایة العدم؛ ذلك أنّ الله عالم بخواتیم الأمور ومحیط بحوادث الدهور وعارف بمواقع المقدّرات، فقد بعثه فی مثل هذا العالم بغیة إتمام أمره، وتنفیذ حكمه، وإنفاذ تلك المقدّرات الحتمیّة.
تشیر السیّدة الزهراء (سلام الله علیها) فی هذه العبارات إلى مرحلتین: المرحلة الاولى هی تلك التی سبقت خلق المخلوقات ولم یكن هناك إنسان بعد. فإنّ الله تعالى كان قد اختار نبیّه واصطفاه فی تلك المرحلة تحدیداً لیكون خاتماً للأنبیاء. أمّا المرحلة الثانیة فهی فی هذا العالم؛ فبعد أن خُلقت السماوات والمجرّات والمنظومة الشمسیّة والأرض وباتت الأرض مستعدّة لاستقبال الكائنات الحیّة للعیش على سطحها فقد مرّت آلاف السنین قبل أن یبعث الله الرسول الأعظم (صلّى الله علیه وآله) بالرسالة. فالزهراء (علیها السلام) تقول تعبیراً عن هذه المرحلة: لقد بعثه الله كی ینفّذ عملیّاً ما كان قد قدّره مسبقاً. إنّه لیس من غیر المناسب فی مثل هذه اللیلة، وهی واحدة من لیالی القدر، أن نتحدّث عن التقدیرات الإلهیّة ونقدّم توضیحاً عن مواقعها وأین کانت، وما ترمی إلیه ولماذا کانت، وكیف أوصل الله تعالى تلك التقدیرات إلى حیّز الإمضاء والتطبیق. ومن أجل أن لا یتّسع البحث كثیراً فإنّنی استعرض هذا التوضیح على نحو مفهرَس.
الأصل فی كلمة القدر والتقدیر هو القیاس. فقد جاء فی الخبر عن الإمام الهادی (صلوات الله علیه) ما مضمونه أنّ التقدیر عبارة عن هندسة العالم. ففی عالمنا البشریّ عندما نهمّ بالتأسیس لمشروع ضخم فإنّنا نقوم فی البدایة بتحدید الهدف المبتَغَى من ذلك. فعمل كهذا یحتاج إلى معلومات؛ ومن هنا فإنّ مرحلة العلم هی أوّل المراحل اللازمة لمقدّرات العمل. وفی الخطوة التالیة نقوم بدراسة المقدّمات الضروریّة لهذا المشروع. فإذا أخذنا كلّ تلك الاُمور فی نظر الاعتبار فسوف یتولّد لدینا تصوّر كامل عن تصمیم المشروع وعندها سیتسنّى لنا، على غرار هذا التصوّر، وضع الخطّة اللازمة لتنفیذه. فخطّة التنفیذ تمثّل المرحلة النهائیّة لمراحل الإعداد حیث لا یبقى بعدها إلاّ التوكّل على الله والبدء بتنفیذ خطّة المشروع على أرض الواقع. بالطبع نحن نعلم أنّ الله سبحانه وتعالى لیس بحاجة إلى مثل هذه المراحل كی ینجز كلّ واحدة منها فی زمن معیّن. فالزمن أساساً لیس له أیّ دخل فی أفعال الله عزّ وجلّ. إنّنا نحن الذین نحتاج بسبب ما نعانیه من الضعف الوجودیّـ إلى التفكیر بشكل تدریجیّ، والتشاور مع الآخرین كی نضع تصمیماً لمشروع معیّن ومن ثمّ نعِدّ الخطّة اللازمة لتنفیذه عملیّاً. فلو أمكننا تصوّر كلّ تلك المراحل فی آن واحد فلن نكون بحاجة إلى الزمن حینئذ؛ لكن على أیّة حال فإنّ تلك المراحل تكون من الناحیة العقلیّةـ مترتّبة إحداها على الاخرى؛ بمعنى أنّه حتّى لو أمكننا تصوّر أنّ جمیع تلك المراحل تتحقّق فی آن واحد فسیكون لها تقدّم وتأخّر أیضاً؛ أی بمعزل عن التقدّم والتأخّر الزمانیّین فإنّ هناك نوعاً آخر من التقدّم والتأخّر. فمثلاً عندما ندیر المفتاح فی قفل الباب فإنّ الید والمفتاح یدوران مع بعضهما؛ لكنّ الید هی التی تدیر المفتاح وإنّ لحركة الید ودورانها تقدّماً وجودیّاً على حركة المفتاح.
قد یتبادر إلى الذهن هنا السؤال التالی: إذا لم یكن فعل الله تعالى محتاجاً إلى زمن وهو عزّ وجلّ قادر على أن یقول للشیء كن فیكون، فلماذا إذن یقول عزّ وجلّ بخصوص خلق العالم: «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ»1؟
كما قد ذكرتُ فی محاضرة سابقة فإنّ ذلك العالم الذی لا یخضع للزمان محیط بهذا العالم. فما دمنا فی عالم الزمان فإنّنا ندرك هذا التأخّر والتقدّم فی الزمن؛ لكنّه بالنسبة لله تعالى وهو المحیط بهذا العالم فإنّ جمیع تلك الاُمور حاضرة عنده فی آن واحد. فالمخلوق هو الذی یولَد فی ستّة أیام، أمّا الأمر الإلهیّ فلا تدرّج فیه فهو (یقول له كن فیكون). فهذا التدرّج هو من شؤون المخلوق ولیس من شؤون الخالق.
فمولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) تتحدّث عن مرحلتین فیما یتعلّق باصطفاء النبیّ (صلّى الله علیه وآله) وبعثته بالرسالة، وهی تستخدم للمرحلة الاولى تعابیر من قبیل اصطفاه، واجتباه، وسمّاه، وللمرحلة الثانیة كلمات من أمثال أرسله، وابتعثه، وما إلى ذلك. فالمرحلة الاولى هی مرحلة العلم، وهذا المعنى فیما یخصّ فعل الله جلّ وعلا یطلَق علیه «التقدیر العلمیّ»؛ وهو یعنی أنّه حتّى فی عالم علمه سبحانه فإنّ الله عزّ وجلّ یقدّر الأشیاء ویقیسها من جهة أنّه ما هو الأمر الذی یجب أن یقع، وفی أیّ موطن، وما هی المدّة الزمنیّة التی یحتاجها لذلك، وكم یتعیّن أن یكون حجمه، وما هی الامور التی ستتعلّق به، والخ. فهذا ضرب من التقدیر لكنّه یكون فی عالم العلم. أما عندما تُعَدّ خطّة التنفیذ ویبدأ العمل، فستكون لهذا الجانب من العمل مراحل وهو ما یدعى ﺑ«التقدیر العینیّ». تقول سیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) هنا: «عِلْماً مِنَ اللهِ تَعَالَى بِمَآیِلِ الأُمُورِ، وَإِحَاطَةً بِحَوَادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَوَاقِعِ الْمَقْدُور»؛ فلمّا كان الله یعلم بعواقب الامور، ویحیط بجمیع الحوادث، ویعرف مواقع تلك المقدّرات فقد عیّن منزلة وموقع النبیّ (صلّى الله علیه وآله) فی ذلك العالم بعنوان كونه خاتماً للأنبیاء. فالكلام حتّى هذه اللحظة یدور حول العلم والمعرفة وهو ما ینطبق على التقدیر العلمیّ. لكنّه عندما ینزل جبرئیل (علیه السلام) على النبیّ (صلّى الله علیه وآله) فیقول له: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ»2 فلن یعود هناك كلام عن العلم، بل ستكون هذه مرحلة التنفیذ، وتطبیق الخطّة، وإنزال المشروع إلى مستوى العینیّة؛ ومن هذا المنطلق فإنّ السیّدة الزهراء (علیها السلام) تبیّن هذه المرحلة بهذه الكیفیّة: «ابتعثه الله تعالى إتماماً لأمره، وعزیمةً على إمضاء حكمه»؛ أی إنّ الله قد بعث نبیّه لیُتمّ الأمر، لأنّه كان مصمّماً على إمضاء الحكم الذی أصدره فی عالم العلم وتنفیذه فی عالم العین: «وإنفاذاً لمقادیر حتمه»؛ فما لم تصل المقدّرات إلى مراحلها النهائیّة فهی قابلة للتغییر. وعمل المهندس یشبه هذا أیضاً؛ فعندما یصل العمل إلى تمامه وتوضع آخر لبنة فی البنیان یكون العمل قد اُنجز بتمامه. والمقدّرات الحتمیّة هی الامور التی لا تقبل التغییر، وقد اُشیر فی القرآن الكریم إلى بعضها؛ فمثلاً یقول عزّ من قائل: «هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»3؛ فهی إرادة الله الحتمیّة فی أن یُبعث النبیّ فی آخر الزمان ویُظهر دینه ویجعله الغالب على كافّة الأدیان، أو یقول: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِی الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ الصَّالِحُونَ»4؛ أی نحن كتبنا فی التوراة وفی الزبور ونقولها فی القرآن أیضاً إنّ الذین سیرثون الأرض هم الصالحون. فهذا قضاء محتّم. تقول مولاتنا فاطمة (علیها السلام): لقد بعث الله النبیّ (صلّى الله علیه وآله) بالرسالة من أجل أن تتحقّق هذه المقدّرات الحتمیّة، فلو لم یُبعث رسول الله (صلّى الله علیه وآله) فی هذا العالم فلن تصل تلك المقدّرات إلى مستوى الحتمیّة. إذن تلاحظون أنّ سیّدتنا فاطمة (علیها السلام) قد تبنّت اسلوبین فی التعبیر: فالحدیث قبل البعثة یدور حول المقدّرات المتعلّقة بعالَم علم الله؛ وهی المقدّرات العلمیّة. أمّا بعد البعثة فقد دار الكلام عن المقدّرات الحتمیّة: «إنفاذاً لمقادیر حتمه». ومن هنا نستنتج أنّ لدینا نمطین من التقدیر؛ أحدهما فی عالم علم الله تعالى، وثانیهما فی عالم العین، وقد ذُكرت لكلا النمطین الكثیر من المصادیق فی الآیات القرآنیّة وفی الروایات على حدّ سواء. وحیث تمرّ علینا فی هذه الأیّام لیالی القدر أرى من الضروریّ الالتفات إلى هذه النقطة وهی أنّ طائفة من التقدیرات هی تقدیرات علمیّة وهی المكتوبة فی اللوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات. وإنّ قسماً من هذه التقدیرات العلمیّة هو غیر حتمیّ والقسم الآخر حتمیّ؛ فعلى سبیل المثال عندما یعیَّن لشخص ما أجَلُه فسیكون له أجَل حتمیّ وأجَل معلَّق ومشروط. كأن یكون أجله مشروطاً بالصدقة؛ فإن أعطى الصدقة طال أجله وإن لم یعطها قصُر. فهذا یتعلّق بالتقدیرات القابلة للتغییر. لكنّ الله یعلم ما إذا كان هذا المرء سیعطی الصدقة فی النهایة أم لا وكم سیكون عمره بسبب ذلك. فهذا النمط من التقدیرات یمثّل التقدیرات العلمیّة الحتمیّة، وإنّ التقدیرات التی تبلغ مرحلة الحتمیّة فهی ستصل إلى مرحلة القضاء. إذن أصبح لدینا مرتبتان فی عالم العلم، التقدیر العلمیّ والقضاء العلمیّ. وكذا الأمر بالنسبة لعالم العین فإنّ له مرحلتین أیضاً؛ مرحلة مشروطة واخرى حتمیّة، والمرحلة الأخیرة هی التی یتمّ إمضاؤها؛ والإمضاء هو انقضاء وتمام الأمر من دون رجعة.

ارتباط البعثة مع التقدیرات الحتمیّة

وهنا یرد سؤال مفاده: ما هی العلاقة بین اختیار النبیّ (صلّى الله علیه وآله) وبین كون الله عالماً بأنّه أیّ مقدّرات ستكون وكیف ینبغی أن تقع؟ ومن أجل الإجابة على هذا السؤال علینا أن نفهم الهدف من خلقة هذا العالم. لقد سبق لنا القول إنّ الهدف الأساسی لله عزّ وجلّ من خلق عالم الوجود هو أكمل ما یمكن أن یوجد فی عالم الخلقة من الموجودات وهو الوجود المقدّس للنبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) وبما أنّ نور هذه الشخصیّة متّحد مع أنوار المعصومین الأربعة عشر (صلوات الله علیهم أجمعین) فإنّ اُولئك المعصومین الأربعة عشر هم فی الحقیقةـ الغایة الأساسیّة من وراء الخلقة ثمّ یتلوهم أكثر الناس شبهاً بهم وهم أنبیاء الله وأولیاؤه وخالص المؤمنین، أمّا الباقون فهم عیال على وجود هؤلاء. لكنّ الله لا یشیح بوجهه حتّى عن هؤلاء العیال. لیس هؤلاء فحسب، بل إنّهم إذا لم یذكروا اللهَ سوى لحظة واحدة فهو لن یغضّ الطرف عن تلك اللحظة وسیمهّد لهم الأرضیّة لكی ینادوا الله ویلجأوا الیه. فمن بین الملیارات من البشر الذین یعیشون على مرّ العصور من الممكن أن توجد ثلّة من الناس الصالحین والله یعلم كم من الأجیال لابدّ أن تأتی وتذهب كی یظهر إنسان صالح. فإنْ عَلِم الله تعالى بإمكانیّة ولادة إنسان صالح بعد أربعة أجیال من الناس الكفرة فإنّه سیهیّئ الأرضیّة لولادة هذا الجیل الرابع واستمراره بالحیاة حتّى یولَد ذلك الإنسان المؤهّل لاکتساب نور الله تعالى. فهذه من ألطاف الله ورحمته التی لا نهایة ولا نفاد لها.
فما الذی ینبغی فعله فی مرحلة العلم كی یصیر الناس من عباد الله والسائرین على طریق قربه؟ فلابدّ بادئ الأمر أن یودَع فی وجودهم ما یلزم لهذا الغرض. إذن ینبغی أن یجعل الله لهم عقلاً یمكنهم بواسطته التمییز بین الخیر والشرّ. لكنّ الله جلّ شأنه یعلم أنّهم بحاجة مضافاً إلى العقلـ إلى هادٍ آخر. فلو توفّر مَن یتولّى تربیتهم فقد تتكوّن بینهم وبین الله علاقة تكون السبب فی استحقاقهم للجنّة. أمّا إذا لم یرسل الله إلیهم الأنبیاء فلن تكون عقولهم بمفردها كافیة لبلوغها. هذه الامور هی من المباحث المرتبطة بمرحلة العلم، وهذا هو ما یسمّى بالتقدیر العلمیّ. إذن فمنذ اللحظة الاولى لوضع التصمیم الابتدائیّ للخلقة كان لابدّ من أن تؤخذ بعینی الاعتبار قضیة مهمة وهی أن تكون لمخلوقات أصیلة أیضاً مرتبةٌ من مراتب الوجود من أجل أن تكوّن روابط مع الآخرین بغیة هدایتهم إلى سواء السبیل؛ ومن هنا فإنّ من الضروریّ أن تكون لهذه المخلوقات الأصیلة مراتب متنزّلة تتمثّل فی وجوداتهم الجسمانیّة، كما ویتحتّم أن یكونوا فی هذا الوجود مثل باقی البشر وإلاّ فلن یكون باستطاعتهم التعاون معهم والأخذ بأیدیهم. كما یجب أن یكون لهذا الدلیل والهادی ارتباط وثیق بالله عزّ وجلّ: «وَمَا كَانَ اللهُ لِیُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَیْبِ وَلَـٰكِنَّ اللهَ یجَْتَبِی مِن رُّسُلِهِ مَن یَشَاءُ»5؛ فأنتم لم تنالوا الأهلیّة اللازمة كی یطلعكم الله على الغیب؛ لكنّه یوجَد من بین البشر من یملك تلك الأهلیّة، وقد شاءت إرادة الباری تعالى أن یختار هؤلاء ویُظهر لهم الغیب. فلابدّ أن یأتی هؤلاء الذین هم من سنخكم كی یأخذوا بأیدیكم ویهدوكم. وهنا تتجلّى فلسفة النبوّة أیضاً، وتتّضح الإجابة على سؤال هو: لماذا یرسل الله تعالى الأنبیاء من أجل هدایة البشر؟ ولماذا یوحی لهؤلاء ولا یوحی إلى الآخرین؟ والغرض من هذه المقدّمة هو أنّه یتعیّن فی التصمیم الابتدائیّ للخلقة، ومن أجل أن یجد الناس الذین سیولَدون بالتدریج بعد ملیارات من السنین الأهلیّة والاستعداد لتلقّی ما لا نهایة له من أصناف الرحمة الإلهیّة ولا نفاد له من أشكال السعادة الاخرویّة، یتعیّن أن تؤخذ بعینی الاعتبار قضیة النبوّة، وإلاّ فسیتعطّل وجود سائر البشر ولن یصلوا إلى الهدف المرجوّ من وجودهم وإنّ فی ذلك نقضاً للغرض ومخالفة للحكمة.
لقد اتّضح إلى هنا التكلیف الواجب العمل به فی عالم العلم. فما الذی ینبغی فعله فی عالم العین؟ فمن أجل أن ینَفّذ على أرض الواقع ما قام الباری عزّ وجلّ بتصمیمه وإعداده فإنّه قد بعث النبیّ (صلّى الله علیه وآله) «إتماماً لأمره، وعزیمةً على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادیر حتمه».

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرین


1. سورة الأعراف، الآیة 54.

2. سورة العلق، الآیة 1.

3. سورة التوبة، الآیة 33.

4. سورة الأنبیاء، الآیة 105.

5. سورة آل عمران، الآیة 179.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...