صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة السابعة والعشرون: العدل والطاعة والامامة الامامة؛ امان من الفرقة

تاریخ: 
چهارشنبه, 17 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 8 أیلول 2010م الموافق للیلة التاسعة والعشرین من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

العدل، والطاعة، والإمامة

الإمامة؛ أمان من الفُرقة

«... وَالْعَدْلَ تَنْسِیقاً لِلْقُلُوبِ، وَطَاعَتَنَا نِظَاماً لِلْمِلَّةِ، وَإِمَامَتَنَا أَمَاناً مِنَ الْفُرْقَةِ ...» 1
أشرنا فی المحاضرة الماضیة إلى اثنین من تعالیم الإسلام وقمنا بتوضیحهما بمقدار ما وفّقنا الله تعالى إلیه من وسع. ومتابعةً للخطبة الغرّاء فقد ذكرت مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) ثلاثة عناوین اُخرى من تعالیم الدین، التی تُعدّ - فی نظری - بیت قصید الخطبة الفدكیّة.
تقول مولاتنا (علیها السلام): لقد أمر الله عزّ وجلّ بالعدل كی تسود القلوب حالة من الانسجام والوفاق، وجعل طاعتنا أهل البیت (علیهم السلام) سبباً لانتظام الملّة.
ویختلف مصطلح «الملّة» عن مصطلح «ملّت» المعروف فی الفارسیّة؛ حیث یعنی الأخیر تلك الجماعة من البشر التی تعیش حیاة اجتماعیّة مشتركة فی بقعة جغرافیة واحدة وتجمع أفرادها عناصر عرقیّة، وهی تساوی مصطلح «nation» فی الانجلیزیّة و«شعب» فی اللغة العربیّة. لكنّ مصطلح «الملّة» فی العربیّة یعنی شیئاً آخر، ألا وهو شریعة الحیاة، ومنهج السلوكیّات والآداب والسنن التی تحكم المجتمع. إذ یقول القرآن الكریم على لسان النبیّ الكریم (صلّى الله علیه وآله): «قُلْ إِنَّنِی هَدَانِی رَبِّی إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیمٍ دِیناً قِیَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِیمَ حَنِیفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِینَ» 2 ؛ أی إنّنی اتّبع شریعة جدّی إبراهیم (علیه السلام) فی مقابل دین الیهود والنصارى.
ثمّ تقول الزهراء البتول (سلام الله علیها): «وَإِمَامَتَنَا أَمَاناً مِنَ الْفُرْقَةِ»؛ أی وقایة من تفرّق الاُمّة؛ فهی (علیها السلام) تطرح فی هذه العبارة ثلاث قضایا لا تُعدّ أیّ واحدة منها من قبیل العبادات والواجبات العبادیّة التی قد تمّ الحدیث عنها حتّى الآن، بل إنّ هذه القضایا الثلاث ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمجتمع.

السعی نحو العدالة یؤلّف القلوب

ونقدّم هنا ما یبدو لنا توضیحاً لهذه النقاط: لقد اقتضت حكمة الباری عزّ وجلّ أن تربط الناس علاقات خاصّة وأن یعیشوا ضمن حیاة اجتماعیّة مشتركة؛ خلافاً لبعض الحیوانات التی تعیش - غایة ما فی الأمر - مع أزواجها.
فالحیاة الاجتماعیّة مفیدة، بل ضروریّة، للبشر ومن المعلوم أنّ المرء لا یتسنّى له بلوغ الكمالات بمعزل عن الحیاة الاجتماعیّة؛ بل قد لا یستطیع أساساً الاستمرار فی الحیاة على وجه الأرض من دونها. وفی ذات الوقت فإنّ لكلّ إنسان هویّة مستقلّة عن غیره، وهو یشعر بامتلاك وجود معزول ومتطلّبات مختلفة عمّا للآخرین. بل قد تتعارض متطلّباته أحیاناً مع احتیاجات الآخرین، وقد ینجرّ هذا التعارض إلى النزاعات والحروب أیضاً. وبالرجوع إلى المصادر الدینیّة فإنّنا نكتشف أنّ مصیر الإنسان هو السفر إلى عالم آخر لا تأثیر للعوامل الاجتماعیّة فیه؛ بحیث یقول القرآن الكریم فی ذلك: «وَكُلُّهُمْ ءَاتِیهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَرْداً» 3 . فلیس للعلاقات النسبیّة تأثیر فی ذلك الیوم: «فَلَا أَنسَابَ بَیْنَهُمْ» 4 ، ولا للعوامل الاجتماعیّة والروابط بین الرئیس والمرؤوس دور هناك: «وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ» 5 . أمّا - من وجه من الوجوه - فإنّ ثمّة اجتماعا فی ذلك الیوم أیضاً؛ لكنّ هذا الاجتماع لن یكون على أساس العوامل المذكورة فی الدنیا. فالمناط یوم القیامة هو مراتب الإیمان؛ بمعنى أنّ الذین تتقارب درجات إیمانهم سوف یأنسون أكثر ببعضهم.
لكنّنا، على أیّة حال، نحتاج إلى البیئة الاجتماعیّة فی الحیاة الدنیا. أمّا السؤال المطروح هنا فهو: إذا كان لابدّ من هذا الاجتماع فأیّ موازین وملاكات تكون مناسبة له؟
من الناحیة التاریخیّة فإنّ للعوامل الطبیعیّة دوراً جوهریّاً فی تشكیل المجتمعات البشریّة كما وقد یكون لبعض العوامل الثانویّة، كاللغة واللهجة، دور فی ذلك أیضاً؛ أمّا الملاك الذی ینبغی على أساسه بناء الحیاة الاجتماعیّة المشتركة للإنسان فهو قطعاً لیس شیئاً ممّا ذُكر. فقد یتشابه شخصان من حیث اللون والعرق واللغة وما إلى ذلك لكنّهما یختلفان فی المعیشة والروحیّة والمصیر اختلافاً كبیراً خاصّة إذا كان كلّ منهما یتدیّن بدین معیّن أو ینتمی إلى مذهب مختلف. لذلك فإنّ اشتراكاً كهذا لا یمكن أن یجعل لهما مصیراً مشتركاً أو أن یربط مصیرهما معاً بالشكل الذی یكون له تأثیر ملحوظ على سعادتهما وشقائهما الأبدیّین. من هنا فإنّه من أجل توثیق الروابط بین أفراد مجتمعٍ مّا واستغلال هذه الروابط للوصول إلى السعادة الحقیقیّة فلابدّ من اُمور اُخرى. ولا نعلم أیّ عامل طبیعیّ من شأنه تأمین هذه المتطلّبات.
فمن أجل أن تتمكّن جماعة من البشر من تأسیس مجتمع وتتولّد بینهم وحدة - فلنُسَمّها وحدة المجتمع - فإنّ أوّل شرط لتحقّق ذلك هو عدم إحساسهم بأیّ شكل من أشكال العداوة والبغضاء تجاه بعضهم البعض. إذ من الممكن أن تؤدّی عوامل معیّنة إلى زرع العداوة حتّى بین الاخوة، بل قد یُقْدِم أخ على قتل أخیه أیضاً. فهناك عوامل نفسیّة شتّى تقف وراء الإحساس بالنفور من الآخرین، لكنّ العامل العامّ الذی من شأنه أن یثیر بین أفراد المجتمع سوء الظنّ، ویقودهم إلى رفض التقارب والتواصل، والإحساس بالخوف من بعضهم هو عندما تتولّد فی نفوسهم نیّات الإضرار بالآخرین وتضییع حقوقهم. فعندما یحسّ المرء أنّ أخاه یتحیّن الفرص لاغتصاب حقّه باستمرار فسیضمر تجاهه سوء الظنّ ویكون منتبها دوما حتى لا یلحق اخوه الضرر به. إذن فأوّل شرط بمقدوره أن یدفع أفراد المجتمع إلى التقارب وإقامة العلاقات فیما بینهم هو أن لا تقوى فی نفوسهم روح الظلم للآخرین والتعدّی على حقوقهم، وأن یشعر كلّ فرد منهم بالرضا بحقّه. بالطبع إذا تولّدت عند أفراد المجتمع روح التعاون وإیثار الآخرین على النفس فسیصبح المجتمع مجتمعاً مثالیّاً. أمّا المراد من إحساس كلّ فرد بالرضا بحقّه فهو الرضا بتحقّق العدالة الاجتماعیّة. فإذا استتبّت العدالة فی مجتمعٍ مّا فسیؤَمّن لكلّ فرد حقّه ولا یعتدی أحد على غیره الأمر الذی سیؤدّی إلى انسجام القلوب. إذن أوّل شرط فی توفیر بیئة ملائمة للوحدة الاجتماعیّة هی العدالة. ولعلّ هذا هو السبب الذی دعى سیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) إلى التأكید بادئ ذی بدء على العدل بقولها: «وَالْعَدْلَ تَنْسِیقاً لِلْقُلُوبِ»؛ فـ «التنسیق» یعنی خلق الانسجام والوقوف أمام التوتّر والتشرذم. لهذا فإنّ الشرط الأوّل فی تأسیس المجتمع المنشود هو انسجام قلوب أفراده وهو ما لا یحصل إلاّ إذا أمِن أفراد ذلك المجتمع من الظلم والحیف والتعدّی من قبل الآخرین.

النظام القیمیّ الواحد هو الشرط الثانی للوحدة

لكن هل سیخلو المجتمع حقّاً من أیّة مشكلة إذا أحسّ الجمیع بأنّه ما من أحد یقصد ظلم أحد؟ هنا قد تبرز على السطح مشكلة معرفیّة؛ بمعنى أنّه قد یختلف الناس فی تشخیص الحسَن من القبیح، ویكون بینهم اختلاف فكریّ، أو منهجیّ، أو ذوقیّ، أو غیر ذلك فی حین أنّهم لا یضمرون نیّات الظلم تجاه بعضهم. فإن اشتدّ هذا العامل بحیث أصبحت فی المجتمع عدّة أنماط من السلوكیّات، فلن یستطیع أفراده تكوین علاقات وطیدة فیما بینهم. لهذا لابدّ أن یحكم المجتمع قانون واحد؛ لأنّه إذا اعتبر شخص معاملةً صحیحة وعدّها آخر باطلة، أو إذا رأى أحدهم أنّ الفعل الفلانیّ قانونیّ ورأى آخر أنّه لیس كذلك فلن یتسنّى لمثل هذه المجموعة من الناس أن تتوحّد. فإذا رغب أفراد مجتمع فی أن یعیشوا بانسجام ووئام فیتعیّن علیهم القبول – على الصعید العملیّ - بقانون واحد؛ وهذا هو ما یطلَق علیه عنوان «الملّة». فإن اختلفت الملل، أی تضاربت مناهج الحیاة والأنظمة القیمیّة الحاكمة على المجتمع فلن یكون أفراد المجتمع متلاحمین مع بعضهم ولن یشكّلوا مجتمعاً واحداً؛ لذلك فإنّه یصار فی المجتمعات المدنیّة عادة إلى السعی لسیادة قانون موحّد.

الإدارة الواحدة هی الشرط الثالث للوحدة

بعد تأمین العاملَین الفائتین یبرز عامل آخر جوهریّ ونهائیّ، ألا وهو مسألة الإدارة والتنفیذ. فإذا توفّر جهاز تنفیذی ّموحّد یستطیع تأمین تلك المسائل فإنّ الأركان الثلاثة لوحدة المجتمع ستكون مؤمَّنة؛ وحینها سینشأ مجتمع معقول یستفید كلّ فرد من أفراده من الجمیع فی سبیل حیاته الدنیویّة من جهة، وسعادته الاُخرویّة من جهة ثانیة.
ففی البدایة تُبیّن مولاتنا الزهراء (علیها السلام)، على نحو إرسال المسلّمات، الشرطَ الأوّل المتمثّل بالعدالة، فهو أصل عقلائیّ لا تنكره أیّ مدرسة أخلاقیّة ولا ینفیه أیّ إنسان سلیم وعاقل فی العالم. فقد یكون المرء ظالماً لكنّه یقرّ بالعدالة كأصل قیمیّ. فالمفهوم العامّ للعدالة هو إعطاء كلّ امرئ ما یستحقّه. وهذه القضیّة هی على جانب من الوضوح بحیث إنّه إذا أراد أحد ضرب مثل بأصلٍ لا یقبل أیّ استثناء فإنّه یضرب العدالة مثلاً. فالعدالة هی أكثر قواعد العقل العملیّ عمومیّة.
فإن كنّا - انطلاقاً من هذا التحلیل – نصبوا إلى تشكیل مجتمع سلیم والتنعّم بنعمة الحیاة الاجتماعیّة فلابدّ أن نسعى فی طریق تقویة هذه الروح لدى أفراد المجتمع؛ لكنّ هذا غیر كاف أیضاً. فكثیر هم الأشخاص الذین لا یحملون نیّات الظلم بأیّ أشكاله، لكنّهم فی بعض المواقف التی لا یكون الحقّ فیها معهم یشعرون بأنّ الحقّ معهم وأنّ الآخرین یخطئون فی حقّهم. والسبب فی ذلك یعود إلى اختلاف فی الآراء فی تشخیص مصداق الحقّ، وما دام هذا الخلاف موجوداً فلن یكون هناك مجتمع موحّد ومنسجم؛ ذلك أنّ بذور الخلاف موجودة فی مجتمع كهذا وكلّما سُقیت هذه البذور بمزید من الماء ونُمّیت اشتدّت نسبة الخلاف والشتات والعداوة فی المجتمع وتراجع تحقّق الهدف المرجوّ من الحیاة الاجتماعیّة، ألا وهو التضامن المشترك وإفادة كلّ فرد من الآخرین.
أمّا المسألة الثالثة فهی إدارة شؤون المجتمع. فنحن، شئنا أم أبینا، لا یمكننا التعاطی مع جمیع المشاكل بطریقة الحوار ولابدّ من وجود من یتمتّع بأهلیّة أكثر وصلاحیّات أوسع من غیره كی یتّخذ القرارات النهائیّة. ومن هنا فإنّ وجود مدیر واحد یسوق المجتمع إلى الهدف الصحیح هو الشرط النهائیّ لتشكیل مجتمع مطلوب ومثالیّ.

أهل البیت (علیهم السلام) هم المرجع العلمیّ والتنفیذیّ للمجتمع

الأصل القیم المتمثل بالعدالة هو حكم عقلی لا مجال للمناقشة فیه. لكنه تبقى هناك مسألتان اُخریان عالقتان؛ الاولى: من هو المسؤول عن تعیین نظام قیمی صحیح وتثبیت الأحكام والقوانین؟ ومن الذی یجب أن یتصدى للتنفیذ وقیادة المجتمع؟ وهاهنا تطرح السیدة الزهراء (سلام الله علیها) قضیة «طَاعَتَنَا...، وَإِمَامَتَنَا ...»؛ فهی تقول بنحو إرسال المسلم: من أجل أن یسود المجتمع قانون واحد ونظام قیمی منسجم یتعین علیكم طاعتنا والرجوع إلینا عندالاختلاف، ثم تقول فی نهایة المطاف: «وَإِمَامَتَنَا أَمَاناً مِنَ الْفُرْقَةِ» فی المجتمع ومن تشتته وتشرذمه. وهذه الكلمات إنما تشكل المقدمة والتوطئة لطرح ما یدور فی ذهنها (سلام الله علیها) من المسائل التالیة.
فهل مسألة الإمامة یا ترى من المسائل القطعیة المدعومة من وجهة النظر الإسلامیة بدلیل متقن؟ وهنا یكمن الخلاف الجوهری بین الشیعة والكثیر من غیرهم. فمن بین طوائف المسلمین المختلفة هناك من یقبل بالمسألة الاولى، على الأقل من الناحیة النظریة؛ بمعنى أنهم یعتقدون بأن النظام القیمی الصحیح بعد وفاة الرسول الأعظم (صلّى الله علیه وآله) لابد أن یؤخذ من أهل البیت (علیهم السلام). إذ یقول بعض طوائف أهل السنة: نحن نقر بأن رسول الله (صلّى الله علیه وآله) قال: إن الإمامة من بعدی هی فی اثنی عشر رجلا من قریش وإن هؤلاء الاثنی عشر هم أئمة أهل البیت (علیهم السلام). فهم یقبلون بأن المرجع الفكری والعلمی للامة الإسلامیة هم آل رسول الله (صلّى الله علیه وآله)، بل إن من یتصف منهم بمزید من الإنصاف یقول: حتى الخلفاء كانوا یقبلون بذلك والدلیل هو لجوء الخلفاء إلى أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی حل الكثیر من القضایا المستعصیة واحترامهم لرأیه والعمل به. فأهل السنة أنفسهم یروون روایات جمة عن الخلفاء لاسیما الخلیفة الثانی أنه قال: «لا أبقانی الله لمعضلة لم یكن لها أبو الحسن» 6 . وإن من المعروف أیضا قول عمربن‌الخطاب بما یقرب من سبعین مرة: «لولا علی لهلك عمر». فبعض طوائف أهل السنة یدعون أن الخلیفة الأول والثانی كانوا یدعون المنصب السیاسی ولیس المنصب العلمی، وهذا یفسر رجوعهم لأهل البیت (علیهم السلام) فی حل المعضلات العلمیة.
إذن فالمسألة الاولى هی المرجعیة العلمیة وإن الزهراء (علیها السلام) عندما قالت: «وَطَاعَتَنَا نِظَاماً لِلْمِلَّةِ» كان من الممكن أن یقبلوا بسهولة أكبر أنه لابد لهم - من أجل الحصول على نظام سلوكی وقیمی مدون ومقبول عند الله - من الرجوع إلى أهل البیت (علیهم السلام) واتباعهم؛ لكن المسألة التی تحوز أهمیة أكبر هی المسالة الثانیة؛ وهی أنه: هل لابد ان یكون المسؤول التنفیذی الذی یمتلك صلاحیة إصدار الأحكام الحكومیة أن یكون من أهل البیت (علیهم السلام) أیضا أم لا؟ وهل یكون تعیینه عن طریق انتخاب الرعیة؟ هذه المسألة هی موطن الخلاف الرئیسی بین الشیعة وسائر طوائف المسلمین، ونحن نعلم أن هناك شواهد كثیرة فی القرآن الكریم وفی كتب الأحادیث وحتى فی كتب أهل السنة الروائیة على صحة قول الشیعة فی هذا المجال.
على كل حال فلا مجال فی نظرنا لأی شك أو ریب فی أنه ناهیك عن أن أهل ابیت (علیهم السلام) معینون من قبل الله تعالى كمرجع علمی للامة، فإنهم لابد أن یتولوا المناصب التنفیذیة أیضا لتتم إدارة شؤون المجتمع بواسطتهم بشكل مباشر. بطبیعة الحال لا یعنی ذلك أن یوجد الإمام المعصوم (علیه السلام) فی جمیع أنحاء البلاد لیدیر كل مدینة أو قریة بنفسه مباشرة، فذلك أمر مستحیل. فلو تواجد المسلمون فی مناطق اخرى، فلابد أن تدار شؤونهم تحت سلطة الحكومة المركزیة بأن یرسل الإمام إلیهم من ینوب عنه فی الحكم.
ما فعلته فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) هنا هو أنها أولا: دست هذه الجمل وسط معارف الإسلام المسلمة. فمن جانب تحدثت عن الصلاة، والصوم، والحج ومن جانب آخر تكلمت عن الجهاد والأمر بالمعروف والنهی عن المنكر وما إلى ذلك. یتعین القول: لقد أعملت الزهراء (سلام الله علیها) قمة الحنكة فی تهیئة الأذهان لاستقبال بیان مسألة الإمامة لتفهم الناس أن التكلیف الأساسی الملقى على عاتقهم هو طاعتنا. ثانیا: إلى جانب طرح هذه المسألة فهی (علیها السلام) تشیر إلى الحكمة من ورائها فتقول: إن المجتمع الإسلامی بحاجة إلى وحدة الفكر والتدبیر، وإن عدم توفر هذه الوحدة من شأنه أن یضیع مصالح الامة الإسلامیة. كما أنه إذا لم یكن ثمة نظام حاكم یدبر شؤون المجتمع على أرض الواقع، ویطبق القواعد العامة على الموارد الخاصة، ویتصدى لإعمال إدارة البلاد عندما تبرز الحاجة إلى ذلك فسینشأ الخلاف المؤدی إلى الهرج والمرج والفوضى أیضا. إذن فإن ما یمكنه حفظ المجتمع من الفرقة والتشتت هی الإدارة الواحدة التی یطلق علیها عنوان «الإمامة»، وقد جعل الله عز وجل هذه الإمامة فینا أهل البیت (علیهم السلام).
هذه الملاحظة تحظى بأهمیة بالغة ولابد - برأیی – من اعتبارها بیت قصید الخطبة الفدكیة. نسأل الله العلی القدیر أن لا یفرق بیننا وبین أهل البیت (علیهم السلام) فی الدنیا والآخرة.

وصلى الله على سیدنا محمد وآله الطاهرین.


1 . بحار الأنوار، ج29، ص223.

2 . سورة الأنعام، الآیة 161.

3 . سورة مریم، الآیة 95.

4 . سورة «المؤمنون»، الآیة 101.

5 . سورة البقرة، الآیة 166.

6 . بحار الأنوار، ج76، ص52.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...