تأثیر عقلیّة الإنسان أو عدم تأثیرها على النظریّات العلمیّة برأی العلاّمة مصباح الیزدی

من خلال ردّ سماحة رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث على السؤال القائل: «هل یحمل المؤمن والكافر انطباعاً واحداً بالنسبة للظواهر المختلفة»؟ قال: بالنسبة للظواهر الطبیعیّة فإنّ انطباعهما واحد، أمّا بخصوص الظواهر التی لها أثر على سلوك الإنسان وسعادته وشقائه فإنّ انطباعهما مختلف.

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد تطرّق رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی الاجتماع الخامس المنعقد ضمن سلسلة الاجتماعات التی تبحث موضوع العلم الدینیّ – تطرّق إلى الأسئلة التی تتناول قضیّة ما إذا كانت العقلیّة التی یحملها الإنسان مسبقاً ونظرته الكونیّة وعقیدته ذات أثر على تشخیصه واستنتاجه فی حقل المسائل العلمیّة أم لا؟ وإذا كانت مؤثّرة فهل بالإمكان تفكیك هذه العقلیّة عن العلم واستخراج العلم الخالص؟ وفی حال عدم إمكان التفكیك، ألا ینبغی القول: إنّه لا یوجد علم یقینیّ إذن؛ ذلك أنّ النتائج المستحصلة من علم معیّن إنّما تمّ الحصول علیها بتأثیر عوامل مختلفة؟
وعبر بیان العلاّمة مصباح الیزدی أنّ هذا السؤال یُطرَح من قبل جماعتین قال: الجماعة الاُولى هی تلك التی تطرح هذا السؤال فی باب فلسفة الدین وتمیل إلى الاستنتاج بأنّه لا وجود للعلم الیقینیّ، لأنّ اختلاف الذهنیّات یؤدّی إلى اختلاف النتائج المتوصَّل إلیها. أمّا الجماعة الثانیة فهی التی سلكت سبیل الإفراط وترید الوصول إلى نتیجة فی حقل العلم الدینیّ مفادها أنّ كلّ علم ینقسم إلى قسمین؛ دینیّ وغیر دینیّ؛ ذلك أنّ المؤمن والكافر یختلفان فی سوابقهما الذهنیّة، وحیث إنّ هذا الاختلاف فی العقلیّة یؤدّی إلى حصول نتائج مختلفة، فإنّ نظرة الإنسان المؤمن إلى العلم تُنتج علماً دینیّاً بینما تكون النتیجة الحاصلة من نظرة الكافر إلیه هی العلم غیر الدینیّ.
وأضاف سماحته قائلاً: یرى أصحاب هذه الفكرة أنّ الشاهد على صحّة مدّعاهم هو تأثیر الثقافات والبیئة والمعتقدات على اختلاف آراء العلماء.
ثمّ قدّم آیة الله مصباح الیزدی فی ردّه تحلیلاً لهذه الأسئلة وقال: إذا كان قصد السائل هو: هل إنّ أیّ سوابق ذهنیّة تكون مؤثّرة على أیّ علم أم لا؟ وكان ناظراً إلى عموم القضیّة، فإنّه لا دلیل على ذلك؛ والنموذج البارز على نقض هذه النظریّة هو المسائل الریاضیّة؛ حیث إنّ النتائج الحاصلة منها متشابهة فی شرق الأرض وغربها، وحتّى لو ظهرت بعض الاختلافات بین الریاضیّات الحدیثة والقدیمة فإنّها لا ترقى إلى حدّ نفی بعضهما البعض. ومن هنا یمكن القول فی الجملة إنّ الإنسان لا تحكمه عوامل مختلفة، وإنّه من الممكن أن یكون رأی واحد لمختلف الأشخاص الذین یحملون میولاً شتّى.
وقال سماحته: كما لابدّ من النظر فی المراد من كلمة العلم؛ ذلك أنّ العلم یعنی أحیاناً البیئة التی یبیّن فیها العلماء والمفكّرون آراءَهم ونظریّاتهم باتّباع الطرق والمناهج المختلفة، حیث إنّ الكثیر من العوامل یمكن أن تلقی بظلالها على هذا النمط من العلم؛ فمثلاً: فی علم الفقه الذی یُعدّ أقدس علومنا نلاحظ وجود هذه الاختلافات أیضاً، بل قد یفتی مجتهدٌ بحرمة أمر معیّن بینما یفتی آخر بوجوبه.
وتابع اُستاذ الفلسفة قائلاً: وقد یعنی العلم أحیاناً اُخرى الكشف المطابق للواقع، حیث نعتقد أنّ المرء یمكنه - باتّباع الاُسلوب والمنهجیّة الصحیحة - الوصول إلى نتیجة قطعیّة من دون التأثّر بالمیول والسوابق الذهنیّة المختلفة، وإذا وقع شخص تحت تأثیر النزعات والمیول فإنّ ذلك ناشئ عن ضعف نفسه لیس غیر.
وفی إشارة إلى تقسیم العلوم إلى وصفیّة وأمریّة قال سماحة مصباح الیزدی: العلم الوصفیّ هو ذلك العلم الذی یصف الظاهرة وكیفیّة ظهورها والعوامل المؤثرة فیها، أمّا العلم الأمریّ فهو العلم الذی یحمل طابعاً أمریّاً وقیمیّاً ویتعامل مع ما ینبغی وما لا ینبغی من الاُمور، وإنّ احتمال تأثیر العوامل النفسیّة وارد أساساً فی العلوم الأمریّة.
وتابع العلاّمة مصباح الیزدی قائلاً: فإنّ تأثیر العوامل الداخلیّة على العلوم الریاضیّة یكون فی حدود الصفر ولیس للعوامل النفسیّة والعقائدیّة - تقریباً - أیّ أثر على جمیع المسائل الفلسفیّة والفیزیائیّة؛ ذلك أنّ هذین العلمین هما علمان وصفیّان ولیسا أمریّین.
وعبر بیان سماحة مصباح الیزدی أنّه من أجل إثبات مسألةٍ مّا فی العلوم فلابدّ من اللجوء إلى البدیهیّات أو النظریّات التی تمّ إثباتها مسبقاً فی علوم اُخرى وأضاف: فإذا فُرض فی العلوم التجریبیّة على سبیل المثال أن العین لا تخطئ فهذه النتیجة المستحصلة فی المختبر إمّا أن یكون قد تمّ التوصّل إلیها خارج المختبر أیضاً فلابدّ من إثبات ذلك حینئذ، والحال أنّ ذلك لم یثبت وهناك شواهد عدیدة تدلّ على خطأ البصر أو عدم الحصول على نتائج فی الظروف التی تختلف عن ظروف المختبر، ومن هنا فإنّ النتائج الحاصلة من التجربة غیر یقینیّة.
وأكّد العلاّمة مصباح الیزدی أنّه خلافاً لما فی العلوم الأمریّة فإنّ المیول والعوامل النفسیّة لا تؤثّر على نتائج العلوم الوصفیّة وقال: إنّ ما یوجب الخلط أحیاناً هو أنّ لبعض العلوم – كعلم النفس مثلاً الذی یصنَّف ضمن العلوم الوصفیّة – حیثیّة أمریّة عرضیّة أیضاً؛ فمثلاً إذا اكشتف عالم النفس علاقة معیّنة بین أحد العقاقیر وحالة مرضیّة فی بدن الإنسان فإنّه سیصف هذا العقار للمریض، وهذا الوصف یحمل صفة أمریّة، فی حین أنّ أصل علم النفس هو علم وصفیّ؛ وبعبارة اُخرى فإنّ المهمّة الوحیدة التی یمكن أن یضطلع بها علم النفس هی بیان أثر الدواء على وجود حالة خاصّة فی الإنسان لكنّه لا یصف الدواء، أمّا عالِم النفس وعبر اطّلاعه على هذه الصلة بین العقار والمرض فإنّه یوصی المریض بتناول هذا الدواء، وفی هذه الحالة یتّخذ طابعاً أمریّاً. وهنا من الممكن أن یكون للمیول النفسیّة والمعتقدات والثقافة أثر على هذه الحیثیّة الأمریّة التی توجد بالعرض فی علم النفس؛ كأن یبادر عالم النفس غیر المسلم إلى وصف الكحول للمریض انطلاقاً ممّا له من أثر على بدنه، أمّا عالم النفس المسلم فعلى الرغم من عدم إنكاره لهذا الأثر لكنّه وبسبب میوله الاعتقادیّة لا یصف الكحول للمریض.
وتابع سماحته قائلاً: العلم الذی یُبحث فی حقل العلم الدینیّ یصنّف أیضاً ضمن العلوم الوصفیّة التی - كما قیل سلفاً - لا یتغیّر كشف الحقیقة فیها بتغیّر العقائد والعوامل النفسیّة، هذا على الرغم من أنّه فی المواطن التی تتّخذ فیها الصبغة الأمریّة فمن الممكن أن تُحدث هذه المیول بعض التغییر فیها.
وفی معرض إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى أنّ العلوم الإنسانیّة تشكّل القسم الأعظم من العلوم الأمریّة قال سماحته: النتائج الحاصلة من العلوم الأمریّة تتْبَع القیم التی اُسِّست علیها هذه العلوم وإنّ قوامها أساساً یكون بهذه المبادئ القیمیّة، ومن هنا ففی نطاق هذه العلوم یمكن إثبات المعرفة الیقینیّة على أساس هذه المبادئ القیمیّة ذاتها.
وأوضح سماحته أنّ الحكم القیمیّ لا یمكن أن لا یُبنى على الاُصول والمبادئ القیمیّة وأضاف: من باب النموذج فبالنظر إلى القیم الإسلامیّة المسیطرة على المجتمع الإسلامیّ فإنّ الحجاب یُعدّ أمراً ضروریّاً ومطابقاً للواقع كذلك، أمّا العلاقة بین الحجاب والسلامة النفسیّة للمرأة فهی قضیّة وصفیّة.
وأكّد العلاّمة مصباح الیزدی قائلاً: نفهم بالالتفات إلى ما تقدّم أنّه إذا كان المراد من العلم هو العلم الخالص؛ أی العلم بظاهرة معیّنة، فمن الممكن حصول هذا العلم من دون تأثیر العوامل النفسیّة والعقائدیّة وإنّ الكافر والمؤمن فی هذا العلم سیصلان إلى نفس النتیجة، لكنّ القضیّة تختلف بالنسبة للعلوم الأمریّة.
وعبر بیان سماحته أنّ هذه التوضیحات من شأنها أن تقدّم جواباً شافیاً على الأسئلة الاُخرى، تطرّق إلى السؤال القائل: «هل یرى كلّ شخص العالَمَ من منظاره الخاصّ»؟ وقال ردّاً علیه: ما المراد من النظر هنا؟ فإن اُرید به الظواهر الطبیعیّة فإنّها تتشابه عند الجمیع ولا فرق بین المسلم والملحد، بید أنّه عندما یأتی دور الحكم القیمیّ، فإنّ المناظیر ستختلف وستختلف معها النتائج المستحصلة منها أیضاً.
وأثناء إجابة رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث على السؤال: «هل یحمل المؤمن والكافر انطباعاً واحداً بالنسبة للظواهر المختلفة»؟ قال: بالنسبة للظواهر الطبیعیّة فإنّ انطباعهما واحد، أمّا بخصوص الظواهر التی لها أثر على سلوك الإنسان وسعادته وشقائه فإنّ انطباعهما مختلف.
یُذكر أنّ الاجتماع الخامس الذی تناول موضوع العلم الدینیّ قد عُقد یوم الخمیس الموافق للسابع من حزیران 2012م فی قاعة مؤتمرات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.

آخرین محتوای سایت

تحصیلات دینی خواهران؛ ضرورت‌ها و موانع
بسم الله الرّحمن الرّحیم الحمد لله ربّ العالمین و صلّی الله علی سیّدنا محمّد وآله الطّاهرین...
القرآن الكريم دواء أصعب الأمراض
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. اللهُمّ...
کتاب صوتی «بدرود بهار» منتشر شد.
در واپسین روزهای ماه مبارک رمضان، کتاب صوتی «بدرود بهار» در پایگاه اطلاع‌رسانی آثار حضرت‌آیت‌الله...