آیة الله مصباح الیزدیّ: التقلید الأعمى، وحبّ الثروة والمقام، والتعالی هی عوامل الفساد الثلاثة

فی معرض إشارة العلامة مصباح الیزدیّ إلى عوامل الفساد المستمرّة فی المجتمعات البشریّة منذ صدر الإسلام إلى یوم الناس هذا عدّ سماحته أنّ التقلید الأعمى، وحبّ الثروة والمقام، والتعالی هی العوامل الأساسیّة الثلاثة للفساد.
ولدى لقاء آیة الله مصباح الیزدیّ بجمع من الشبّان المسلمین والطلاّب من بلدان الأرجنتین، وفنزویلا، وكولومبیا، والبرازیل، وتشیلی، والاُورغوای ممّن اعتنق بعضهم الإسلام حدیثاً وبعد الترحیب بهم قال سماحته: على الرغم من بُعدنا عن بعضنا جغرافیّاً إلاّ أنّ العلاقة المعنویّة القائمة بیننا بسبب الإسلام قد أسهمت فی ربط قلوبنا مع بعضها.
وأضاف اُستاذ الحوزة العلمیّة فی قمّ المقدّسة قائلاً: استناداً إلى الآیات القرآنیّة فإنّ من صنوف الرحمة التی منّ الله بها على رسوله الكریم (صلّى الله علیه وآله) هی رفده بمؤمنین یمتازون بكونهم رُحماء فیما بینهم.
وأضاف سماحته: لقد عاش رسول الله (صلّى الله علیه وآله) بین الناس مدّة أربعین عاماً ببالغ الاحترام حتّى عرفه الجمیع بأنّه الأمین وكانوا یقیمون له شأناً عظیماً، ولم تبدأ العداوات إلاّ عندما اُمر (صلّى الله علیه وآله) بهدایة الناس إلى الله وتحذیرهم من عبادة الأوثان وقبائح الأعمال.
وأشار آیة الله مصباح الیزدیّ إلى علل عداء الكفّار للنبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) وقال: لم یطلب النبیّ (صلّى الله علیه وآله) من الناس فی مقابل دعوتهم إلى الله أجراً ولم یكن فی نیّته التأمّر علیهم؛ إلاّ أنّ التعصّب الأعمى والخشیة من فقدان الثروة والمقام والتعالی كانت هی العوامل الثلاثة الجوهریّة وراء عداء الكفّار للنبیّ الكریم (صلّى الله علیه وآله).
وفی معرض إشارته إلى أنّه على طول التاریخ كانت هذه العوامل الثلاثة هی سبب الفساد لیس فقط فی البلدان الإسلامیّة بل حتّى فی البلدان الغیر الإسلامیة تابع سماحته: إنّ التعصّب والتعالی العرقیّ موجود فی عالم الیوم وإنّ أسوأ أشكاله تتجلّى فی إسرائیل؛ فهؤلاء یرون أنفسهم أنّهم العرق الأسمى فی العالم وأنّ باقی الناس ینتمون إلى أعراق متدنّیة ولابدّ من تقدیمهم فداءً فی سبیل العرق الأسمى.
ونبّه سماحته إلى تقسیم الناس إلى مستكبر ومستضعف وقال: هذا النوع من التقسیم مذكور أیضاً فی القرآن الكریم وإنّ الفساد الذی كان مهیمناً على مجتمع مصر المتحضّر كان سببه تعالی فرعون وتسلّطه على رقاب الناس حیث أدّت هذه الروحیّة بفرعون ومن أجل تثبیت تسلّطه إلى استضعاف الناس من خلال إیجاد الفوارق الطبقیّة بین أفراد الشعب.
ونوّه سماحته إلى الحكمة من وراء حكایة قصص الماضین وتكرار بعضها أكثر من مرّة فی القرآن الكریم وقال: یمكن استخلاص ملاحظتین تربویّتین ـ الاُولى فردیّة والاُخرى اجتماعیّة ـ من تكرار ذكر تلك القصص: فالاُولى هی تعرّف الإنسان على اُصول الفساد والانحراف عنده فی الدنیا والآخرة والمتمثّلة بالتعصّب فی غیر محلّه، والتقلید الأعمى للماضین، والتعالی كی لا یُبتلى بها، والثانیة هی أن نفهم أنّه على الرغم من أنّ المستكبرین والفرعونیّین على طول التاریخ كانوا یسعون للتسلّط على رقاب الناس، إلاّ أنّ إرادة الله قد قضت بانتصار المستضعفین على المستكبرین وإنّ فی ذلك لبشارة لنا أیضاً وهی أنّنا إذا خطونا وسرنا على طریق الحقّ، ونصرنا دین الله تعالى، فإنّ النصر سیكون حلیفنا.
وانتقد عضو مجلس خبراء القیادة التقلید الأعمى البعید عن المنطق وأضاف: إنّ مجرّد شیوع تصرّفات معیّنة فی الدول المتحضّرة لا یشكّل سبباً وجیهاً لتبنّیها والقیام بها. بل یتحتّم علینا بالاستعانة بالأدلّة المنطقیّة والعقلیّة أن نكتشف الاُمور التی توجب سعادة الدارین ونسعى إلى العمل بها.
ولدى استقباح سماحته للتعالی قال: لا ینبغی إطلاقاً أن یُحقّر المرء شخصاً بسبب لونه وعرقه ویرى نفسه أرفع من الآخرین وأسمى منهم بسبب مقامه وثروته وعرقه.
وتابع آیة الله مصباح الیزدیّ: إنّ البشرى الإلهیّة فی نصرة المستضعفین لیست هی ممّا لا یتحقّق إلاّ بعد آلاف السنین بل إنّ نصر بنی إسرائیل الضعفاء ونجاتهم من قبضة آل فرعون الأقویاء كانت نموذجاً على تحقّق هذا الوعد الإلهیّ.
وذكر سماحته انتصار الثورة الإسلامیّة فی زماننا المعاصر كنموذج آخر على انتصار المستضعفین على المستكبرین وأضاف: إنّ مجموعة من الحفاة المستضعفین ونتیجة خطوهم على طریق الله انتصرت على حكومة مستبدّة قویّة كانت مدعومة من قبل الأجانب فصارت [تلك المجموعة] اُسوة تُحتذى من قبل سائر البلدان المستضعفة من أجل أن یسعوا هم أیضاً ویحثّوا الخطى على طریق استقلالهم وتحرّرهم وعزّتهم.
وأضاف آیة الله مصباح: نحن نعتقد أنّ جمیع المستضعفین سیتحرّرون من سلطة المستكبرین عند ظهور الإمام المهدیّ (عجّل الله تعالى فرجه الشریف) وسیتنعّم كلّهم تحت لواء العدالة.
وجواباً على سؤال أحد الحضور بخصوص وضع الجمهوریّة الإسلامیّة مع كلّ هذه الضغوط الخارجیّة قال عضو مجلس خبراء القیادة: الضغط على الإنسان یولّد فی العادة ضعف الأمل لدیه لكنّ المؤمنین بالوعد الإلهیّ لیس أنّ أملهم لا یتأثّر فی مثل هذه الظروف فحسب بل إنّ الضغط یدفعهم إلى المثابرة والسعی بأمل أكبر من السابق. وهذا ما حصل بعد انتصار الثورة الإسلامیّة فی إیران فكلّما ازداد الضغط على الشعب الإیرانیّ ازدادت ثقته بنفسه واطّرد تقدّمه یوماً بعد یوم.
وردّاً على سؤال آخر مفاده: هل إنّ الثورة قد حقّقت جمیع أهدافها قال آیة الله مصباح الیزدیّ: إنّ أهداف الثورة الإسلامیّة سامیة للغایة ومن جانب آخر فإنّ رحمات الله تعالى جمّة كذلك. من المسلّم أنّ طریقاً طویلاً قد بقی أمامنا من أجل تحقیق جمیع ما نصبوا إلیه من أهداف مقدّسة وكما قال الإمام الراحل (قدّس سرّه): لم یهبّ على إیران إلاّ نسیم من الإسلام. فلابدّ من أجل تحقیق الأهداف بشكل كامل من الجدّ والمثابرة والأمل برحمة الباری تعالى.
ولدى طلب أحد الحضور نصیحة من أجل فهم الإسلام ونشره فی دول أمریكا اللاتینیّة أجاب سماحة العلاّمة مصباح الیزدیّ: إنّ مطالعة تاریخ صدر الإسلام والوقوف على المعاناة والصعوبات التی شهدتها تلك الحقبة الزمنیّة مع عدد المسلمین المحدود ووجود أعداء أقویاء له بالغ الأثر فی هذا المجال. فعندما یشاهد المرء كیف أنّ مجموعة من الناس قد قضوا ثلاث سنوات من الحصار فی وطنهم وبین أهلیهم وأصحابهم حتّى كان یشقّ علیهم الحصول على خبز یومهم وكیف أنّ الله قد حباهم بالعزّة نتیجة صبرهم وتحمّلهم فإنّه سیتّجه إلى أداء تكالیفه وواجباته بمزید من الأمل والصبر.