آیة الله مصباح الیزدیّ: علینا استغلال محبّة الناس لأهل البیت (علیهم السلام) لتنمیة محبّتهم لله

قال العلامة مصباح الیزدیّ: إنّ أشدّ ما نحن بحاجة إلیه الیوم هو تقویة علاقة المحبّة مع الله تعالى، لكن ما یؤسَف له أنّ هذا الأمر قد تضاءل حتّى فی مجتمعنا؛ على الرغم من أنّه ـ ببركة أهل البیت (علیهم السلام) ـ فإنّ محبّتهم ومحبّة الأئمّة (علیهم السلام) متجذّرة بقوّة فی قلوب الناس ولابدّ من استغلال هذه النقطة لتقویة محبّة الناس لله عزّ وجلّ.
وحسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآیة الله مصباح الیزدیّ فإنّ رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث كان قد أشار ضمن ندوة فكریّة تربویّة جمعت الأساتذة إلى تعدّد مراتب الكمالات الإنسانیّة واختلاف درجات الناس من حیث السعادة والشقاء وقال: إنّ وجود الخلل الخُلُقیّ لدى مختلف الناس أمر لا یمكن إنكاره؛ لكنّه ثمّة حساسیّة أكبر تجاه بروز هذه الظاهرة فی أوساطٍ من قبیل علماء الدین، لأن ما یُتوقّع ویُنتظَر منهم یفوق ذلك.
ونوّه آیة الله مصباح الیزدیّ إلى أنّ مجتمع الیوم یعانی من أنماط كثیرة من الضعف الخُلقیّ وتابع قائلاً: لابدّ من التركیز أكثر على أنماط الضعف الأشدّ والأكثر عمومیّة.
ولدى استعراضه لبعض الإمكانیّات المتوفّرة لنشر الفساد قال: فی العصر الحاضر هناك وسائل مختلفة یمكن الإفادة منها لنشر الفساد وهی فی متناول الجمیع وسهلة المنال، وإنّ طلبة العلوم الدینیّة باعتبارهم جزءاً من هذا المجتمع هم أیضاً یواجهون خطر الإفادة الغیر المناسبة من هذه الإمكانیّات.
وتابع العلامة مصباح الیزدیّ القول: بالطبع إنّه اللطف الإلهیّ الذی زرع المیول المعنویّة فی قلوب جیل الشباب وإنّه هو عزّ وجلّ وحده القادر على سوقهم نحو المعنویّات فی خضمّ هذا البحر المتلاطم من وسائل ترویج الفساد.
واستطرد سماحته قائلاً: بالإضافة إلى عوامل التخریب هناك نقاط ضعف تُفاقِم شدّة هذا التخریب ومن المؤسف أنّ قسماً من نقاط الضعف تلك تختصّ بشریحة علماء الدین، فهذه الشریحة التی یُنتظر منها أن تأخذ على عاتقها ـ بعنوانها الطبیب ـ إصلاح نقاط ضعف الآخرین قد باتت هی ضحیّة بعض نقاط الضعف تلك.
وعبر التأكید على أنّه یتعیّن على المربّی أن یؤثّر بسلوكه ونهجه على المتربّی قال سماحته: إذا وُجد خلل فی نهج وسلوك نفس المربّی فسوف یغرس هذا الخلل فی المتربّی أو على الأقلّ لن یتمكّن من إزالة خلله.
وفی معرض إشارة العلامة مصباح الیزدیّ إلى ظهور المدارس العرفانیّة الباطلة واستغلال المحتالین والمَكَرة لروحیّة الانجذاب للمعنویّات من أجل خداع الشباب قال: للأسف فإنّ هذه الانحرافات قد ولّدت شرخاً حتّى فی الحوزة العلمیّة.
ولدى بیان أنّه لابدّ بادئ ذی بدء من معرفة الأخلاق وتهذیب النفس أضاف سماحة رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث القول: الإفراط والتفریط موجودان دوماً وعلى كافّة الصُّعد؛ فالبعض من أهل التحجّر والتعامل الجافّ كان لا یلتفت إلاّ إلى ظواهر الأخبار والروایات وقشور الدین؛ بینما لم یُولِ البعض الآخر أصلاً أهمّیة لظاهر الروایات الأخلاقیّة التی وصل بعضها إلی حدّ التواتر.
واعتبر سماحته مستنداً إلى بعض الروایات أنّ صفات الحرص والحسد والكِبر هی من جذور الكفر وأضاف: لربّما لا یلتفت المرء فی البدء كیف أنّ الحسد والحرص ینتهیان إلى الكفر؛ لكنّه مع بعض التأمّل فی تلك النقاط ومشاهدة بعض المصادیق یمكن أن تتوضّح القضیّة.
وتابع آیة الله مصباح الیزدیّ مشیراً إلى حسد قابیل لأخیه هابیل وقتله نتیجة لذلك الحسد وكذا حسد إخوة یوسف له وقال: إنّ أرضیّة الحرص والحسد وحبّ المقام موجودة لدى الجمیع ولابدّ للأمن من شرّ هذه الرذائل من اللجوء إلى الله المتعال.
وأشار عضو مجلس خبراء القیادة إلى حدیث شریف فی هذا الصدد وتابع: إنّ حبّ الرئاسة والمال والمنصب هی من البلایا الخطیرة للغایة على جمیع البشر ولا یتسنّى لأیّ بشر مهما بلغ من المناصب العلیا فی الروحانیّة والدین أن یعتبر نفسه فی مأمن منها؛ ومن الممكن العثور على نماذج عینیّة لها فی المجتمع.
وتابع سماحته: ینبغی أن لا نضع كلّ مشاكلنا على شمّاعة أمریكا؛ وذلك لأنّ البعض وبسبب حبّهم للرئاسة والمنصب وما یعانونه من ضعف خُلقیّ قد ارتكبوا نفس ما اقترفته أمریكا فی سبیل الوصول إلى مآربها، ولو أنّ هؤلاء ما كانوا یعانون من نقاط الضعف تلك لم تكن أمریكا قادرة على استغلالهم.
واستطرد آیة الله مصباح الیزدیّ فی حدیثه قائلاً: قد تكون نیّة البعض تطبیق سیرة أهل البیت (علیهم السلام) على أرض الواقع لكنّهم یضلّون السبیل جرّاء عدم قدرتهم على مراعاة كیفیّة التطبیق.
ولدى ذكره للإمام علیّ (علیه السلام) بانّه كان یمشی فی السوق ممسكاً السوط بیده لیشرف على سیر الأمور، قال استاذ الحوزة العلمیّة: یا ترى هل یتحتّم علینا نحن أیضاً فعل مثل ذلك كی نكون عاملین بسیرته علیه السلام؟ الملاحظة التی تسترعی التأمّل فی سیرة أهل البیت (علیهم السلام) هی ما تنطوی علیه سیرتهم من ظرافة، ولابدّ ـ من أجل التوصّل إلى الحُكم المناسب فی المواطن المختلفة ـ من تحلیل جیمع أقوالهم وأفعالهم وإمعان النظر فی الموارد المشابهة لها وتحلیلها.
واستمرّ آیة الله مصباح الیزدیّ فی حدیثه قائلاً: إنّ أوّل ما ینبغی الاعتناء به فی قضیّة التربیة هو أنّه كما یجب ـ فی عملیّة السیر والسلوك إلى الله ـ أن لا یقع المرء فی فخّ التحجّر والجمود الفكریّ فإنّ علیه أن لا یسقط أسیراً للثقافة المعاصرة والتقلید الأعمى للآخرین والعرفان الزائف.
واسترسل سماحته فی القول: الخطوة الثانیة على طریق التربیة وإصلاح الأخلاق هی الالتفات إلى مشاكل العصر التی یعانی منها الشباب والتی یتّسع نطاقها یوماً بعد یوم، والتفكیر فی إیجاد الحلول التی تتمتّع بقابلیّة التطبیق؛ إذ لا یمكن الوقوف بوجه الانحرافات عبر المواجهة السلبیّة والمكر والحیلة، بل یمكن القول بأنّه من غیر الممكن مواجهة وردع تیّار الفساد إلا بإیجاد تیّار معنویّ مقابِل یكون باستطاعته تقدیم الحلول.
وتابع سماحة العلامة مصباح الیزدیّ القول: إنّ أشدّ ما نحن بحاجة إلیه الیوم هو توطید علاقة المحبّة مع الباری تعالى، لكن ما یؤسَف له أنّ هذا الأمر قد تضاءل حتّى فی مجتمعنا؛ على الرغم من أنّه ـ ببركة أهل البیت (علیهم السلام) ـ فإنّ محبّة هؤلاء العِظام مترسّخة بقوّة فی قلوب الناس ولابدّ من الإفادة من هذه النعمة فی هذا السبیل.
ومن خلال استعراضه لبعض النماذج تابع استاذ الحوزة العلمیّة حدیثه قائلاً: إنّ إنذار الخَلق من نار جهنّم وحده غیر كاف؛ وإنما هناك طرق مختلفة للنفوذ إلى قلوب الأشخاص ولابدّ من معرفة هذه الطرق وسلوكها من أجل إیجاد آصرة محبّة بینها وبین الله عزّ وجلّ.