صوت و فیلم

صوت:

فهرست مطالب

الجلسة السابعهَ: الخوف الصادق

تاریخ: 
سه شنبه, 18 مرداد, 1390

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 9 آب 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

الخوف الصادق

خلاصة ما فات

«وَتَخَلَّصْ إِلَى عَظِیمِ الشُّكْرِ بِاسْتِكْثَارِ قَلِیلِ الرِّزْقِ وَاسْتِقْلالِ كَثِیرِ الطَّاعَةِ، وَاسْتَجْلِبْ زِیَادَةَ النِّعَمِ بِعَظِیمِ الشُّكْرِ، وَتَوَسَّلْ إِلَى عَظِیمِ الشُّكْرِ بِخَوْفِ زَوَالِ النِّعَمِ»1
استعرضنا فی المحاضرة الماضیة فقرة من حدیث جابر یوصیه فیها الإمام الباقر (علیه السلام) بالقول: «یا جابر! استكثر لنفسك من الله قلیل الرزق تخلّصاً إلى الشكر، واستقلل من نفسك كثیر الطاعة لله إزراءً على النفس وتعرُّضاً للعفو»؛ أی فلیكن رزق الله القلیل إلیك فی نظرك كثیراً وعبادتك الكثیرة لله قلیلة كی تستطیع شكر الله تعالى. وقد ذكرتُ حینها أنّ عبارة مشابهة لهذه العبارة جاءت فی أواخر الروایة وهی التی تلوتها علیكم فی مستهلّ الكلام. وقد ذكرنا أنّ الإمام (سلام الله علیه) فی الواقع یرید أن یبیّن هنا طریقة لاستنهاض الدافع إلى الشكر فی أنفسنا. فخلاصة القول: إنّ الهدف من إسباغ النعم كافّة هو الشكر. لكنّه قد جرت العادة عندنا أنّ جلّ ما نصنعه إذا أردنا شكر الله تعالى هو أن نقول: الشكر لله! لكنّنا إذا أمعنّا النظر فی هذا الشكر وجدناه عاریاً عن اللیاقة. إذن فمن أجل أن یكون شكرنا لائقاً فلابدّ من مراعاة أمرین؛ الأوّل هو أن نعرف آلاء الله حقّ معرفتها ولا نستقلّها. ولابدّ هنا من التفكّر ملیّاً بأنّه كم من النعم التی هیّئها ورتّبها الباری تعالى كی یصل هذا الرزق إلى أیدینا؟ والثانی هو أن نستقلّ عباداتنا ولا نقیم لها وزناً.
وقد ذكرنا أیضاً أنّ الله عزّ وجلّ، ولكی یحثّنا على الشكر وجنی جزیل ثماره وعظیم نتائجه، فقد اعتمد أسالیب اُخرى من جملتها الوعد بزیادة الرزق عند الشكر والإنذار – فی المقابل – بزوال النعمة فی حال عدمه. فهو یشیر فی ختام العبارة المذكورة أیضاً إلى نقطتین مهمّتین: «واستجلب زیادة النعم بعظیم الشكر»؛ أی: إذا شئت نیل المزید من النعم فأكثر من الشكر، ولیكن شكراً عظیماً أیضاً. ومن أجل أن تُوفَّق إلى تأدیة عظیم الشكر علیك أن تفكّر فی أنّك إن لم تشكر فستزول منك النعم. وهذان العاملان یُعَدّان من أكبر العناصر المحفّزة للإنسان؛ فكلّ امرئ یسعى لنیل المزید من النعم، وهذا یدلّنا على أنّ الازدیاد فی النعم هو من الاُمور التی تحظى بقیمة عظمى لدى الإنسان. وعلى العكس، فإنّ شحّة النعم یعتبر بلاء عظیماً له. إذن فالالتفات إلى هاتین النقطتین یحثّنا على شكر الله تعالى بما یستحقّه من الشكر. وبالطبع فإنّ الله لیس بحاجة لشكرنا، وإنّ سرّ إصراره على هذه المسألة هو رغبته جلّ وعلا فی أن ینالنا نحن النفعُ من ذلك.
على أیّة حال فإنّ موضوع هاتین العبارتین مترابط وقد ارتأیتُ أن أضمّهما فی بحث واحد حتّى وإن كان بینهما فاصل.

خطّة للعمل بالعلم

یتابع الإمام الباقر (علیه السلام) حدیثه فیقول: «وَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ حَاضِرَ الشَّرِّ بِحَاضِرِ الْعِلْمِ، وَاسْتَعْمِلْ حَاضِرَ الْعِلْمِ بِخَالِصِ الْعَمَلِ، وَتَحَرَّزْ فِی خَالِصِ الْعَمَلِ مِنْ عَظِیمِ الْغَفْلَةِ بِشِدَّةِ التَّیَقُّظِ، وَاسْتَجْلِبْ شِدَّةَ التَّیَقُّظِ بِصِدْقِ الْخَوْفِ». الإمام (علیه السلام) یركّز فی هذه الوصایا الأخیرة على نقطة جوهریّة وهی: أنّك إذا استثمرت ما هو بحوزتك فی الوقت الحاضر فستحصل على النتیجة المطلوبة؛ فإن خفت من أن یصیبك شرّ فاستخدم ما فی جعبتك من علم؛ أی حاول أن تحسن العمل بما تعلم. فعمل الإنسان عن ریاء وعُجب وتظاهر وما إلى ذلك لیس هو عملاً بما یعلم، بل هو عمل مخالف للعلم؛ ذلك أنّ العلم یقول له: لابدّ أن یكون عملك خالصاً. ومن أجل أن تكون قادراً على الإخلاص فی عملك فاسْعَ أن تكون یقظاً تمام الیقظة فی جوف اللیل، وأن تتجنّب الغفلة لأنّ الغفلة تقود إلى الریاء فی العمل. وبغیة الحفاظ على حالة الیقظة فإنّ علیك أن تجتهد فی أن یكون خوفك خوفاً صادقاً! ولوجود الترابط بین هذه الجمل فساُحاول التعرّض إلیها ضمن تحلیل واحد.

اغتنم ما تعلم!

نحن غالباً ما نسعى إلى اكتشاف السبیل التی تؤمّن لنا سعادتنا وكمالنا، ونظنّ أنّ اكتشاف سبیل كهذه هو بمثابة وصفة سحریّة وسرّ خفیّ علینا التجوال فی أقطار العالم وأكنافه كی نعثر على خبیر یعرف كیف یحرّر لنا هذه الوصفة الفریدة. لكنّ تفكیرنا بهذه الطریقة یدفعنا إلى التقاعس عن التوجّه نحو قمّة الكمال والقناعة بما أصبناه وما هو متوفّر بأیدینا. فهمّة المرء تقضی فی بدایة الطریق أن ینال المقامات العالیة، لكنّه عندما یشاهد أنّ الأمر لیس بالسهولة التی یتصوّر فإنّه یتراجع شیئاً فشیئاً حتّى یصرف نظره عن الأمر كلّیاً.
ومن أجل إلغاء هذا النمط من التفكیر سعت الروایات إلى التأكید على عدم تكثیف المساعی فی كثرة طلب العلم؛ بل أن یركّز الإنسان سعیه فی العمل بالمقدار الذی لدیه من علم. یقول النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) فی هذا المجال: «مَن عمل بما یعلم وَرّثه الله علمَ ما لم یعلم»2. إذن فالمهمّ هو أن یستفید المرء ممّا بحوزته من العلم قبل أن یذهب إلى طلب غیره. بالطبع انّ المراد من العلم هنا هو العلوم التی ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأعمال العبادیّة وطاعة الله عزّ وجلّ.
فنحن نحبّ أن نعلم كلّ شیء؛ نودّ أن نعلم كیف وصل الأئمّة (صلوات الله علیهم أجمعین) وأولیاء الله المقرّبون إلى ما وصلوا الیه من مقامات عالیة؟ وما هی سلسلة المقامات والسبیل الموصلة إلیه؟ فهذا هو حبّ الاستطلاع الذی غرسه الله تعالى فی قلوب البشر وهو عامل مهمّ فی دفع الإنسان إلى طلب العلم. لكنّ الأفضل من ذلك هو أن یعمل المرء بما تعلّمه. فشكر العلم یكون فی العمل به. ألسنا نرغب فی أن نقوم بما یجعلنا نشكر الله شكراً عظیماً كی یزیدنا من نعمه؟ فهذه الالتفاتة تمثّل بحدّ ذاتها علماً من العلوم وإنّ شكرها یكون فی العمل بموجبها. ولهذا یقول الإمام الباقر (علیه السلام): «حاول جهدك أن تعمل بما اُوتیت من علم، على أن یكون عملك خالصاً».

الغفلة آفة الإخلاص

لكن كیف السبیل إلى إخلاص العمل؟ فلو وقف العبد وحیداً فی مسجد أو صحراء یعبد ربّه من دون أن یراه أحد لما وجد فی نفسه ما یحرّضه على الریاء، فالدافع للریاء لا یتولّد لدى المرء إلاّ إذا علم بأنّ شخصاً یراقب عمله؛ لأنّ «الریاء» یعنی إظهار العمل للآخرین. فإذا تولّد فی نفس المرء حافز على الریاء فستراه یحدّث نفسه: «إذا قمت بعملی بالكیفیّة التی ترضی فلاناً من الناس فإنّنی سأحظى بمكانة مرموقة عنده وأقطف ثمار هذه المكانة. إذن من الأفضل أن اُصلّی صلاة لائقة أمامه»! غافلاً عن أنّ هذه النیّة تبطل صلاته؛ فلقد أغفَلَ ربّه إرضاءً للناس، وهذا من موجبات سخط الباری عزّ وجلّ.
إنّ ما یوجب خروج العمل عن حالة الإخلاص هو الغفلة عن مقام المعبود ولوازم ذلك المقام. فأوّل أثر للنیّة المشوبة هو ذهاب العبادة، بل وقد یُسجَّل له ذنب فی صحیفة أعماله أیضاً. إذن فمن أجل أن یصبح عملنا خالصاً یتعیّن علینا المحافظة على هذه الیقظة حتّى لا تعرض الغفلة علینا.
ومن أجل حفظ هذه الیقظة فإنّ علینا الالتفات دوماً إلى هذه النقطة وهی: مَن هو الذی نتعامل معه؟ یجب أن نتنبّه باستمرار إلى أنّ تعاملنا هو مع الله سبحانه، وأنّ خلقه لا یقدرون على فعل أیّ شیء لنا: «وَإِن یَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِن یُرِدْكَ بِخَیْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ»3. إذن فما الذی یدفعنی إلى التفكیر بالناس والتظاهر أمامهم بالعبادة والزهد والتقوى؟! ینبغی لهذه القضیّة أن تكون حاضرة فی أذهاننا دائماً. بالطبع إنّه عمل شاقّ ویحتاج إلى تمرین متواصل، ونادراً ما یُكلّل بالنجاح، فمشاغل الدنیا تجرّ الإنسان إلى الغفلة بین الفینة والاخرى. لكنّنا إذا تمكنّا من تقویة الخوف من الله فی نفوسنا وجعله خوفاً صادقاً فإنّنا سننجوا من الریاء والغفلة.

ثق بوجود جهنّم!

وهنا تكمن المشكلة! فخوفنا من الله لا یتّصف بالعمق، فهو لا یتعدّى كونه ادّعاءً سطحیّاً. فعندما یكون خوف المرء من أمرٍ مّا جدّیاً تراه یتوخّى الحذر الشدید لئلاّ یُبتلى به. فلو قیل: هناك فی الطریق سلك كهربائیّ مجرّد من غلافه ملقىً على الأرض وهو موصول بالكهرباء ومن وَطَأه سیُصعَق، فسوف یتّخذ الجمیع جانب الحیطة والحذر حتّى وإن كان احتمال كونه مكهرباً واحداً بالمائة فقط، حذراً من الإصابة بالصعقة الكهربائیّة. فإذا كان المرء یخاف من جهنّم ومن سقوطه من عین الله تعالى بقدر خوفه من سلك الكهرباء فسوف یكون یقظاً باستمرار كی لا یأتی بما یثیر غضب الباری جلّ وعلا وسخطه علیه.
یقول الإمام (سلام الله علیه): «إذا أردت المحافظة على هذه الیقظة فی سبیل عدم الابتلاء بالریاء والتحایل وطلب السمعة وكلّ ما یبطل العبادة فلابدّ أن یكون خوفك خوفاً صادقاً». وهنا یتبادر السؤال التالی إلى الذهن: كیف نجعل خوفنا صادقاً؟ وللإجابة على هذا السؤال یتعیّن الالتفات إلى قضیّة أنّه من أجل القیام بأیّ فعل فإننا نحن مَن ینبغی أن یقرّر القیام به، ومن ثمّ نُقدِم علیه بإرادتنا بعد التفكیر والتأمّل. فإنّ عرْضَ خطّة للطریق لا یعنی أنّ العمل سیُنجَز وینتهی كلّ شیء، بل إنّ تقدیم الخطّة هو من أجل الإرشاد إلى الطریق الصحیح وتبیین مراحله كی یتمكّن المرء من التقدّم إلى المرحلة التالیة بسهولة أكبر، أمّا الذی یتّخذ القرار ویُقدِم على العمل للحصول على نتائجه فهو الإنسان نفسه: «وَأَن لَّیْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىٰ»4.
فمن أجل صیانة هذه الیقظة علینا تقویة الخوف فی أنفسنا، وإطالة التفكیر فی كلام الله تعالى وفی أنّه: هل هذه الصورة التی ترسمها الآیات القرآنیّة عن عاقبة أهل المعصیة جدّیة؟ فابن آدم دائماً یرجّح دفع الضرر على استجلاب النفع. فلو دار الأمر بین أن یدفع عن نفسه مرضاً عضالاً وبین أن یحظى بجسم رشیق وجمیل فهو سیرجّح دفع الضرر. فدفع الضرر هو من أهمّ العوامل المؤثّرة فی أفعالنا الاختیاریّة. وحتّى القرآن الكریم فإنّه یختار لأنبیاء الله تعالى صفة المنذرین؛ حینما یقول: «أَلَمْ یَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ یَتْلُونَ عَلَیْكُمْ ءَایَاتِ رَبِّكُمْ وَیُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ یَوْمِكُمْ هَـٰذَا»5، أو: «لِیُنْذِرَ یَوْمَ التَّلاقِ»6. فصحیح أنّ الأنبیاء (علیهم السلام) كانوا مبشّرین ومنذرین فی آن معاً، لكنّ صفة «المنذر» قد اُطلقت علیهم بشكل مطلق، خلافاً لصفة «البشیر» فهی لم تكن صفة مطلقة لهم؛ ذلك أنّ تأثیر الإنذار فی عمل المرء یفوق تأثیر أیّ شیء آخر. طبعاً قد یُقدِم الإنسان على تعریض نفسه لضرر بسیط من أجل خیر ونفع أعظم، لكنّه إذا تساوى عنده الضرر والنفع فإنّه یفضّل دفع الضرر على جلب النفع. ولا یتحقّق دفع الضرر إلاّ إذا خاف المرء من شیء مّا وعندها فقط سیسعى إلى دفع ضرره عنه، فإن لم یشعر بالخوف منه فإنّه لا یحاول دفع ضرره؛ فلو لم یخش الإنسان المرضَ فإنّه لن یراعی لوازم الصحّة والسلامة وسوف یُبتلى بالمرض لامحالة.
إذن فالخطوة الاُولى هی أن نسعى لتحصیل الخوف الصادق. أمّا السبیل إلى هذا الخوف فهو التفكّر فی كلمات القرآن الكریم وتعابیر الروایات الشریفة التی تذكّر بما للذنوب والسلوكیّات المنحرفة من تبعات سوء، ومحاولة تجسید هذه التبعات أمام أنظارنا ولو قلیلاً. فهذا النمط من الخوف یبعث على تیقّظ الإنسان وعدم غفلته، وإنّ عدم الغفلة یدفعه إلى الإخلاص فی عمله، والإنسان المخلص یستفید من علمه على نحو أفضل ویؤدّی شكر هذا العلم، وحینئذ سیزید الله فی علمه، وهكذا تتواصل هذه السلسلة؛ بمعنى أنّه: كلّما عمل بما لدیه من المعلومات ازداد علمه. وإنّ العلم الأكثر یقتضی عملاً أكثر وأفضل، وهكذا تستمرّ هذه العجلة فی الدوران حتّى یصل المرء إلى مقامات القرب من الله عزّ وجلّ.
ومن هذا المنطلق یقول أبو جعفر (علیه السلام): «وَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ حَاضِرَ الشَّرِّ بِحَاضِرِ الْعِلْمِ، وَاسْتَعْمِلْ حَاضِرَ الْعِلْمِ بِخَالِصِ الْعَمَلِ، وَتَحَرَّزْ فِی خَالِصِ الْعَمَلِ مِنْ عَظِیمِ الْغَفْلَةِ بِشِدَّةِ التَّیَقُّظِ، وَاسْتَجْلِبْ شِدَّةَ التَّیَقُّظِ بِصِدْقِ الْخَوْفِ». ولعلّ التأكید هنا على كلمة «حاضر» هو من أجل أن لا یظنّ الإنسان أنّ علیه الجدّ والمثابرة لسنوات طوال من أجل طلب العلم وعندذاك فقط یمكنه العمل بهذا العلم، بل إنّه إذا استفاد من نفس هذا العلم الذی بحوزته فی الوقت الحاضر فإنّه سیدفع الشرّ عنه. ثمّ یقول (علیه السلام): إنّ الإفادة من العلم هی أن تعمل به بكلّ إخلاص، وإنّ ما یبعث على تبدّد الإخلاص هی الغفلة. فبغیة صیانة النفس من الغفلة ینبغی للمرء الاجتهاد فی أن یكون فی حالة یقظة تامّة، أمّا المفتاح لهذه الیقظة التامّة والمستمرّة فهو الخوف الصادق. فلابدّ أن تصدّق بما جاء فی الآیات والروایات من ذكر أشكال العذاب كی تستثیر هذه الیقظة فی نفسك. لكنّك إن لم تحمل هذا الأمر على محمل الجدّ فستصاب بالغفلة وستُبتلى فی إثرها بالریاء أیضاً.
ومن ثمّ یأتی الإمام (علیه السلام) بعبارة یكتنفها بعض الغموض، الذی قد یكون بسبب خطأ حصل فی النسخ، وهی: «وَاحْذَرْ خَفِیَّ التَّزَیُّنِ بِحَاضِرِ الْحَیَاةِ». المعنى الذی أفهمه أنا من العبارة هو أنّ الإمام الباقر (سلام الله علیه) یشیر هنا استكمالاً لموضوع الخوف الصادق إلى آفة هذا النمط من الخوف. فإنّ من الاُمور التی تجعل المرء لا یحمل ألوان الإنذار على محمل الجدّ هی معاشرة محبّی الدنیا. فإنّ معاشرة اُولئك الذین لا یفتأون یتّحدثون عن ملذّات الدنیا، وعن صعود أسعار المادّیات ونزولها، وعن الأفلام، وما شابه ذلك ولا ینقطعون عن التفكیر فی التزیّن بزینة الدنیا وزخارفها هی من العوامل التی تخلی قلب الإنسان من الخوف، فلا یصبح بعد ذلك من اُولئك الذین تضطرب وترتعش قلوبهم لذكر الله عزّ وجلّ، بل قد یبلغ مرحلة لا یحبّ معها سماع اسم الباری المتعال! فأنا اُفسّر جملة: «وَاحْذَرْ خَفِیَّ التَّزَیُّنِ» بهذه الصورة: احذر ممّن همّته التزیّن بالحیاة الدنیا. فمعاشرة أمثال هؤلاء تبعث على فقدان الخوف الصادق وإزالة التیقّظ من قلب الإنسان، والله العالم.

وفّقنا الله وإیّاكم إن شاء الله


1. تحف العقول، ص285.

2. بحار الأنوار، ج40، ص128.

3. سورة یونس، الآیة 107.

4. سورة النجم، الآیة 39.

5. سورة الزمر، الآیة 71.

6. سورة غافر، الآیة 15. 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...