صوت و فیلم

صوت:

فهرست مطالب

الجلسة الخامس عشر: نور القلب

تاریخ: 
چهارشنبه, 26 مرداد, 1390

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 17 آب 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

نور القلب

طرح الموضوع

«وَاسْتَجْلِبْ نُورَ الْقَلْبِ بِدَوَامِ الْحُزْنِ»1
یقول الإمام الباقر (علیه السلام) فی هذا المقطع من الحدیث: «علیك الإفادة من دوام الحزن للحصول على نور القلب»! بمعنى: إذا أردتَّ أن یكون قلبك نورانیّاً فاجهد لكی تكون دائم الحزن.
ثمّة أسئلة تتبادر إلى الذهن هنا سنتعرّض للإجابة علیها بمقدار ما سیوفّقنا الله عزّ وجلّ إلیه. من هذه الأسئلة ما یلی: ما هو القلب؟ وما معنى نور القلب؟ ما مراده (علیه السلام) من قوله: «على الإنسان أن یكون دائم الحزن»؟ على ماذا یكون هذا الحزن؟ وهل كلّ حزن هو مطلوب؟ هل یرید الإسلام من الناس أن یعیشوا فی حزن وكآبة مستمرّین، أم یریدهم مسرورین وینعمون بالحیویّة؟ وأخیراً: ما هی العلاقة بین الحزن ونور القلب؟

معنى نور القلب ومفهومه

للقلب - وفقاً للاصطلاح القرآنیّ والروائیّ - بُعدان مختلفان على الأقلّ؛ البعد الإدراكیّ، والبعد الـمَیلیّ. یقول القرآن الكریم فی البعد الإدراكیّ: «فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ»2. ومن الواضح أنّه لیس المقصود من العمى هنا العمى الظاهریّ، وإلاّ فمن المسلَّم أنّ العین الظاهریّة تعمى، بل یراد منه عمى القلب. إذن فالقرآن الكریم یرى أنّ العمى الحقیقیّ هو عمى القلب. واستناداً إلى هذه الآیة فالقرآن یرى أنّ للقلب عیناً، وهی تكون مفتوحة تارةً فترى الحقائق، وتكون عمیاء تارةً اخرى. وبناء على ما جاء فی كتاب الله العزیز فإنّ إحدى میزات هذه العین هی أنّها إذا أصبحت عمیاء فی الدنیا فإنّ صاحبها سیُحشر أعمى فی مجال عین القلب فی الآخرة3؛ وإنّه لأمر یدعو لشدید الأسف والحسرة أن یُحشر المرء فی مجال یعلم أنّ فیه اُموراً كثیرة تستحقّ الرؤیة لكنّه لا یستطیع مشاهدتها بسبب العمى.
استناداً إلى ما جاء فی الأحادیث الشریفة فإنّ لهذا القلب اُذنا أیضاً، بل ونورانیّة وظلمة كذلك. وللنور فی القرآن الكریم طیف واسع من الاستعمالات؛ فالقرآن الكریم یعبّر عن نفسه بالنور؛ كما فی قوله: «قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِینٌ»4، وهو یعرِّف اللهَ جلّ وعلا بأنّه نور السماوات والأرض: «اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ»5، ویتحدّث فی آیة اُخرى عن النور الذی جُعل للمؤمنین فیقول: «أَوَمَن كَانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِی الظُّلُمَاتِ لَیْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا»6. وهذا النور هو من نور القلب، وإلاّ فالجمیع – بما فیهم المؤمنون والكفّار – یتمتّعون بالأنوار المادّیة. وهناك آیة اُخرى تقول فی هذا الصدد: «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ یُؤْتِكُمْ كِفْلَیْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَیَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَیَغْفِرْ لَكُمْ»7؛ بمعنى أنّكم إذا آمنتم بالنبیّ إیماناً حقیقیّاً فسیجعل الله لكم نوراً یضیء لكم دربكم. وأمثال هؤلاء لا یكونون فی حیرة من أمرهم، بل یشخّصون تكلیفهم فی الوقت المناسب. وهذه المباحث تنبئ عن حقائق لابدّ أن نؤمن بها وأن نعلم بأنّ الله تعالى یسبغ على باطن الإنسان المؤمن من البركة والمعنویّات والكمال ما له حكم النور فی مقابل الظلمة. فلو كان امرؤ یقود سیّارة لیس فیها مصابیح فی طریق محفوفة بالمخاطر وسط ظلام حالك فإنّه لا یمضی علیه وقت طویل حتّى یهلك. وكذا الطریق التی على باطن الإنسان أن یقطعها صوب الحقیقة فإنّها بحاجة إلى النور وإنّ الله یَهَب هذا النور لبعض عباده. لكنّ بعض الناس یقتل الاستعداد الكامن فی داخله لانبعاث هذا النور ویفرّط باستحقاقه للظفر به فتكون النتیجة أنّه یتیه فی غیاهب الظلمات.
یُعلم بالرجوع إلى الآیات الآنفة الذكر أنّ مراد أبی جعفر الباقر (علیه السلام) من نور القلب هو إمّا عین هذه الحقیقة التی تشیر إلیها الآیات الشریفة المذكورة أو شیء من هذا القبیل. وإنّ من آثار نورانیّة القلب هو أن یتمكّن المرء من التمییز بین الحقّ والباطل، وهذه القدرة على التمییز هی غایة فی النفاسة والقیمة بالنسبة للإنسان المؤمن. وهنا یبیّن الإمام (سلام الله علیه) لجابر طریقاً للظفر بهذه النورانیّة فیقول: «واستجلِب نور القلب بدوام الحزن»!

هل الحزن مُحبَّذ أم غیر محبّذ؟

هل ینبغی للمرء یا ترى أن یكون حزیناً باستمرار؟ بالطبع فإنّ الإنسان الحزین لا یتمتّع بالحیویّة المطلوبة لممارسة العمل والنشاطات المختلفة؛ إذن فهل یرید الله عزّ وجلّ أن یبنی مجتمعاً یسیطر الحزن على جمیع أفراده؟ إنّ كلّ الجهود التی تُبذل فی الثقافة العالمیّة المعاصرة تهدف إلى خلق حالة من البهجة والسرور للبشر. وإنّ العلوم الإنسانیّة – لاسیّما علم النفس – تؤكّد على ضرورة تنشئة إنسان مبتهج. وكأنّ وجود الحزن والغمّ والأسى فی وجود الإنسان هو أمر غیر نافع ومنحرف. هذا ما تذهب إلیه الثقافة العالمیّة. فهل یتحتّم علینا أن نتّخذ فی مقابل هذه الثقافة موقفاً مناهضاً فنقول: نحن لا نحبّذ الفرح والسرور بتاتاً، فالبهجة أمر سیّئ، وعلى الإنسان أن یعیش فی حزن وأسىً دائمین؟!
العلوم الإنسانیّة المتوفّرة حالیّاً، ونخصّ بالذكر منها علم النفس، هی بقایا لعلم النفس السلوكیّ الأمریكیّ والغربیّ. فجمیع هذه العلوم مبنیّة على الاُصول والمبادئ المادّیة، وكما قال قائد الثورة المعظّم مراراً: إنّها مبنیّة على الاُسس المناهضة للإسلام ولیس الاُسس غیر الإسلامیّة. فإن قلنا: إنّ الإسلام یدعو إلى الفرح، قالو: إنّكم إذن تذهبون إلى ما نذهب إلیه نحن. وإذا قلنا: الإسلام یثنی على الحزن ویتعیّن على الإنسان أن یكون دائم الحزن، فهذا خلاف الفطرة تماماً. فهل خُلِقنا لنكون حزینین یا ترى؟!
إذن لابدّ من أجل حلّ هذه المسألة أن نبدأ من جذورها، فنقول: ما هو الحزن أساساً، وكم هو عدد أنواعه؟ كیف ینشأ الحزن؟ وهل كلّ حزن هو محبَّذ؟ أم إنّ كلّ حزن هو غیر محبَّذ؟ ما هو الحزن الذی تمتدحه هذه الروایة وتعدّه من عوامل نورانیّة القلب؟ وهل یتنافى هذا الحزن مع أشكال السرور الاُخرى؟

فعل الله لا تنقصه الحكمة

أوّلاً استناداً إلى الرؤیة الإلهیّة والتوحیدیّة فإنّه ما من شیء إطلاقاً أودعه الله فی وجود الإنسان بحیث یكون لغواً بل لابدّ أنّه ینطوی على حكمة. فقد خلق الله للإنسان الضحك كما خلق له البكاء وإنّ كلاًّ منهما مطلوب فی محلّه المناسب وضروریّ ومفید أیضاً للإنسان. وجلّ المشكلة یكمن فی أنّه: ما هو محلّهما المناسب؟ فالشهوة - على سبیل المثال - تدفع بالإنسان فی الظروف العادیّة إلى حدّ الحیوانیّة، غیر أنّها إذا انعدمت انقرض النسل البشریّ بالكامل. لذا فإنّ وجود الشهوة نعمة ولابدّ أن تُستعمل فی محلّها المناسب ولا ینبغی استخدامها بشكل غیر مناسب. إذن فوجود الحالات المتضادّة فی الإنسان مفید وضروریّ ویتعیّن علیه استخدامها فی سبیل تكامله. فالقرآن الكریم یستخدم اُسلوب الوعد والوعید لدعوة الإنسان إلى الصالحات؛ فیقول مثلاً: «لا یَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ»8؛ أی: إنّ الذین یمتثلون لأوامر الله تعالى سوف لن یُبتلوا بالحزن فی یوم القیامة. ویُعلم من هذه الآیة ونظائرها أنّ حالة الحزن لیست مطلوبة ومحبَّذة دائماً. وفی المقابل فإنّ إدخال السرور إلى قلب المؤمن قد عُدّ أمراً حسناً ومحبَّذاً؛ ممّا یُفهم منه أنّ السرور والفرح للمؤمن هو أمر مطلوب حتّى فی الدنیا.

اختلاف الرؤیة الإلهیّة عن الرؤیة المادّیة

إذن كیف لنا – بالإلتفات إلى ما مرّ - أن نجمع بین هذا المبحث والأحادیث التی تمتدح الحزن؟ طبقاً للمدارس غیر التوحیدیّة فإنّ أهداف الحیاة تنحصر فی النتائج الدنیویّة دائماً وإنّ الأشیاء الـمُرضیة للإنسان هی التی تشكّل الغایة من العیش. وانطلاقاً من هذه الرؤیة فإنّ غایة ما یوصی به علماء النفس كمنهج للحیاة هو أن یكون المرء فی بهجة مستمرّة وأن یعرف جیّداً كیف یوفّر أسباب السعادة لنفسه. والقرآن الكریم یقول على لسان هؤلاء: «إِنْ هِیَ إِلاّ حَیَاتُنَا الدُّنْیَا»9. ومن البدیهیّ أنّ المرء عندما لا یفكّر إلاّ بالحیاة الدنیا فإنّه لن یطلب من اُمور الدنیا ما یجلب له الهمّ والحزن، لأنّ ضالّته فیها هی السعادة والراحة.
لكنّه وفقاً للرؤیة التوحیدیّة فإنّ كلّ ما فی الدنیا یُنظَر له كأداة ولا یكون هدفاً بذاته. فحُسن وقبح الاُمور الدنیویّة یرتبط بما تتركه من أثر على الحیاة الأبدیّة. وإنّ كلّ الاُمور الدنیویّة لها أثر – بشكل أو بآخر - فی سعادة المرء الأبدیّة ولیس منها ما هو لغوٌ على الإطلاق، بشرط أن تُستخدم فی موضعها المناسب. فإذا شعرنا بالسرور أو أحسسنا بالحزن فی المحلّ المناسب فسیؤثّر ذلك على سعادتنا الأبدیّة. إذن فكلّ واحد من السرور والحزن محبَّذ بشرط أن یكون فی الموضع المناسب؛ فلا حزن هذه الدنیا غیر محبَّذ ذاتاً ولا بهجتها. ومن هنا یقول القرآن الكریم بخصوص من یجعل من سرور هذه الدنیا هدفاً ویعدّه أصلاً: «إِنَّ اللهَ لا یُحِبُّ الْفَرِحِینَ»10؛ أی إنّ الله لا یحبّ الذین لا یفكّرون إلاّ بالفرح والسرور الدنیویّین. ومن هنا فإنْ وُجد نوع من البهجة بحیث یكون وسطاً بین الحالتین ولا یؤثّر على سعادتنا لا بالسلب ولا بالإیجاب، فهی بهجة مباحة. أمّا إذا كان السرور أو الحزن مؤثّراً فی سعادتنا الأبدیّة ومن النوع الذی یقرّبنا إلى رضا الله فهو مطلوب ومُستحبّ.

الحزن على الدنیا أم على الآخرة؟

الحزن الناجم عن ضیاع اللذائذ الدنیویّة لیس محبّذاً بتاتاً ولا یؤدّی إلى سعادة الإنسان، بل یقف حجر عثرة فی طریق سعادته. فالإنسان الحزین یفتقر إلى القوّة على ممارسة أیّ عمل أو نشاط ولا تحصل له حالة حضور القلب أثناء العبادة. ولا ریب أنّ حزناً كهذا لا یطلبه الإسلام ولم یوصِ به أبداً. لكن ما حكم الحزن على الآخرة؟
هناك عوامل مختلفة من شأنها أن تورث الحزن من أجل الآخرة؛ فتفكیر المرء بمضیّ عمره وتفریطه بالفُرَص، وتفكیره بأضرار المعاصی على آخرته، وبالحرمان من مقامات أولیاء الله الرفیعة یجعله فی حزن عمیق. هذا النمط من الحزن یدفع الإنسان إلى تجنید طاقاته للإفادة ممّا تبقّى من الفرص ومعرفة قدر عمره والعمل للآخرة أفضل من ذی قبل. فهل یمكننا أن نقول إنّ حزناً كهذا لیس مطلوباً؟ فاغتمام الإنسان بسبب ذنوبه وعقوباتها سیدفعه إلى بذل قصارى جهده للتكفیر عنها وتركها. فمثل هذا الحزن محبّذ لأنّه یقود إلى عمل أكثر ونشاط أكبر، وهو لا یشبه الحزن على الاُمور الدنیویّة الذی یورث الاكتئاب والتعاسة، بل إنّه یشكّل عاملاً لرقیّ الإنسان وسموّه.
فإذا حزن المرء الیوم على تفویت فرصة فسیدفعه حزنه هذا غداً إلى الإفادة بشكل أفضل من عمره. فإن تكرّر هذا الحزن فی یوم غد أیضاً فسیكون سبباً لاستعداده فی الیوم الذی یلیه. فإذا استمرّ هذا الحزن ما دام المرء على قید الحیاة فسیكون مدعاةً لأن یستفید أكثر من كلّ یوم من عمره وینال المزید من الكمالات. لهذا فكلّما زاد حزن الإنسان على ماضیه ازداد نشاطه ورقیّه وتكامله. إذن فالمقصود من «دوام الحزن» هو هذا الحزن. بطبیعة الحال إذا رحل المؤمن عن هذه الدنیا فلن ینتابه أیّ حزن؛ إذ یقول عزّ من قائل: «إِنَّ الَّذِینَ قَالُواْ رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُواْ وَلا تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِی كُنتُمْ تُوعَدُونَ»11؛ فالملائكة تتنزّل على أمثال هؤلاء فی ساعة الموت أو لربّما قبل هذه الساعة قائلة لهم ذلك وأنّكم من الآن فصاعداً ستكونون فی سرور تامّ وطمأنینة كاملة. فالمؤمن لا یغتمّ على ترك الدنیا، لأنّه یرى نعماً أعظم قد هیّأها الله تعالى له.
یقول العلیّ القدیر: إنّ الحكمة من تذكیرنا إیّاكم بوجود القضاء والقدر وقولنا: كلّ ما یقع إنّما هو مكتوب فی كتاب: «مَا أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ فِی الأَرْضِ وَلا فِی أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِی كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا»12 - الحكمة من ذلك هی: «لِكَیْلا تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُواْ بِمَا ءَاتَاكُمْ»13. نفهم من ذلك أنّه لا قیمة لفرح الدنیا وحزنها، إلاّ أن یكون وسیلة لسعادة الإنسان فی الآخرة.

الجمع بین الحزن والفرح

الحزن من أجل الآخرة لا یتنافى بتاتاً مع باقی المسرّات. فإنّ من میزات الإنسان أنّه خُلق بهذه الصورة بحیث من الممكن أن یكون حزیناً وفرحاً فی آن واحد، وهو أمر عجیب. فمن حیث إنّ الإمام الحسین (علیه السلام) قد بلغ أعلى المقامات بشهادته فنحن فرحون، لكنّ ذلك لا یتنافى مع حزننا ولطمنا على رؤوسنا وصدورنا على ما نزل به وبأهل بیته (علیهم السلام) من المصائب. بل وإنّنا مسرورون من بكائنا علیهم أیضاً. وهذا الأمر لیدعو إلى العجب حقّاً؛ وهو أن یبكی الإنسان ثمّ یفرح لبكائه؛ فهو فرِح لأنّ الله سبحانه قد وفّقه لإحیاء عزاء أبی عبد الله الحسین (علیه السلام).
فالحزن من أجل الآخرة لا یتنافى على الإطلاق مع المسرّات التی یرضاها الله جلّ وعلا. فالذی ینجز تكالیفه الدنیویّة فإنّه سیشعر فی أعماق قلبه بالحزن حتّى فی المواقف التی تستلزم السرور والبهجة واللذّة الدنیویّة، وحزنه هذا نابع من حرمانه من التمتّع بالمزید من الكمالات الاُخرویّة التی نالها أولیاء الله.

العلاقة بین دوام الحزن ونور القلب

أمّا السؤال الأخیر فهو: ما العلاقة التی تربط دوام الحزن بنور القلب؟ لقد علمنا بأنّ البُعد الإدراكیّ لقلب الإنسان قد تصیبه العتمة أحیاناً، وقد یصل إعتامه إلى درجة عمى القلب أیضاً. والعلّة من وراء هذه العتمة والظلمة هی ارتكاب المعاصی والغفلة، وإنّ روح جمیع هذه الاُمور تكمن فی حبّ الدنیا. أمّا إذا كان الإنسان ذاكراً للموت وحزیناً بسبب تفریطه بالفرصة تلو الفرصة فإنّ هذه الحالة ستغلق الباب أمام وساوس الشیطان وتفتح عین قلبه واُذنه وتجعل قلبه نورانیّاً. فآفة نور القلب هی حبّ الدنیا والتدنّس بالآثام واللذائذ الدنیویّة. والمراد من الدنیا هنا هو كلّ ما لا یحبّه الله عزّ وجلّ؛ وإلاّ فإنّ من لذائذ الدنیا ما هو واجب ویُثاب المرء علیه أیضاً.
إذن فدوام الحزن إنّما یزید من نورانیّة القلب من جهة أنّه یحفظ الإنسان من وساوس الشیطان.

وفّقنا الله وإیّاكم إن شاء الله


1. تحف العقول، ص286.

2. سورة الحجّ، الآیة 46.

3. «وَمَن كَانَ فِی هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِی الآخِرَةِ أَعْمَىٰ» (سورة الإسراء، الآیة 72).

4. سورة المائدة، الآیة 15.

5. سورة النور، الآیة 35. 

6. سورة الأنعام، الآیة 122.

7. سورة الحدید، الآیة 28.

8. سورة الأنبیاء، الآیة 103.

9. سورة الأنعام، الآیة 29.

10. سورة القصص، الآیة 76.

11. سورة فصّلت، الآیة 30.  

12. سورة الحدید، الآیة 22. 

13. سورة الحدید، الآیة 23.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...