صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الرابعة: فدک؛ ذریعة لبیان الحقائق

تاریخ: 
دوشنبه, 25 مرداد, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 16 آب 2010م الموافق للیلة السادسة من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

فدك؛ ذریعة لبیان الحقائق

قصّة فدك

بتوفیق من الله تعالى نستهلّ البحث حول الخطبة المعروفة للسیّدة الزهراء (سلام الله علیها)؛ وبمناسبة تسمیة هذه الخطبة بالخطبة الفدكیّة فإنّه من المناسب أن نقدّم بادئ ذی بدء شرحاً موجزاً عن قصّة «فدك»، إذ أنّ أغلب شباننا لیس لدیهم الاطّلاع الكافی على هذه القضیّة. فدك هی اسم بلدة تقع إلى الشمال من المدینة المنوّرة قرب حصون خیبر وتفصلها عن المدینة حوالی مائة كیلومتر. سكّان هذه البلدة وتلك الحصون كانوا طوائف من الیهود. وفیما یتعلّق بنزوح الیهود إلى أرض الحجاز وتوطّنهم فی المدینة فهذا یعود إلى قرون قبل ظهور الإسلام. لقد سمع علماء الیهود من أنبیائهم (سلام الله علیهم أجمعین) وقرأوا فی كتبهم أنّه سیُبعث فی آخر الزمان نبیّ یصدّق مَن سبقه من الأنبیاء، وسینتشر دینه فی العالم بأسره. فهاجر الیهود إلى أرض الحجاز على أمل إدراك نبیّ آخر الزمان والإیمان به، وتوطّنوا فی أطراف المدینة؛ إذ كانوا یعلمون أنّ عاصمة ذلك النبیّ الموعود ستكون المدینة. كان الیهود فی ضواحی المدینة یشكّلون ثلاث طوائف (وهم بنو قریظة، وبنو قینقاع، وبنو النضیر) وكانوا یمتازون بخصوصیّات أوّلها أنّهم كانوا حالهم حال غیرهم من الیهودـ شدیدی الشغف بالمال ویتمتّعون بعقلیّة اقتصادیّة. وثانیها التفکر للمستقبل البعید والتأمل فی العواقب. فعندما جاءوا المدینة سعوا إلى تشخیص الأراضی التی تتمتّع بالخصوبة والأماكن الاستراتیجیّة وبناء القلاع الحصینة. أمّا میزتهم الثالثة فهی أنّهم كانوا أهل علم ومعرفة ویمتازون بحضارة تفوق حضارة عرب الجزیرة. وقد نال الیهود بما یمتلكونه من خصوصیّات مكانة مرموقة بین العرب.
وبعد هجرة النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) إلى المدینة ونجاحه عملیّاً فی تأسیس الدولة الإسلامیّة، وقّع النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) مع مختلف طوائف الیهود معاهدة تقضی بعدم تعرّض الیهود للمسلمین أو مدّ ید العون لأعدائهم؛ لكنّ أیّاً من تلك الطوائف لم تف بعهدها وراح الیهود یبنون علاقات سرّیة مع مشركی مكّة من جانب، وفیما بعد مع منافقی المدینة من جانب آخر بل وتآمروا فی التخطیط لشنّ حرب على نبیّ الإسلام (صلّى الله علیه وآله). وقد عاهدهم المنافقون بأنّكم إن اجتحتم المدینة فإنّنا سنكون ظهیراً لكم لأنّ عددنا یقترب من الألفین. یشیر الباری تعالى إلى هدف المنافقین هذا فی سورة «المنافقون» فی قوله: «یَقُولُونَ لَئِنْ رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِینَةِ لَیُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ»1؛ فهم یزعمون بأنّهم أعزّاء، والمسلمون لیسوا إلاّ مشرّدین من مكّة أذلاّء وإنّنا سوف نطردهم من المدینة. وحینما وصل خبرهم هذا إلى مسامع رسول الله (صلّى الله علیه وآله) تجهّز لقتالهم فنشبت فی نهایة المطاف حروب كانت إحداها واقعة خیبر. فی هذه الواقعة تمّ فتح حصون خیبر، التی كانت من أهمّ حصون الیهود الاستراتیجیّة: «وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ»2، على ید أمیر المؤمنین علی ‌بن‌ ابی ‌طالب (علیه السلام) المقتدرة. فبلغ خبر فتح خیبر أهالی فدك، ومن أجل حقن دمائهم ووقایة أنفسهم ممّا نزل بأهل خیبر من البلاء اقترحوا على النبیّ (صلّى الله علیه وآله) الصلح، وعرض كبراء فدك على النبیّ إعطاءه أراضیهم وأموالهم فی مقابل تركهم أحیاء. فقبِل النبیّ (صلّى الله علیه وآله) بعرضهم وقام كلّ واحد منهم فأخذ لنفسه من أمواله بمقدار بعیر وسلّم الباقی للنبیّ (صلّى الله علیه وآله). یشیر القرآن الكریم فی أوّل سورة الحشر إلى تلك القصّة بالقول: «وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى‏ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلـٰكِنَّ اللهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ عَلَى‏ كُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ»3؛ ومضمون هذه الآیة هو أنّ هذه الأرض التی استولیتَ علیها من دون استخدام قوّة عسكریّة والتی وهبها أهالیها بأنفسهم للنبی (صلّى الله علیه وآله)، تختلف عن أموال الغنائم التی یحصل علیها المسلمون فی الحرب. ففی العادة عندما ینتصر جند الإسلام فی الحرب على الكفّار ویحصلون على الغنائم فإنّ خمس تلك الغنائم یكون من حصّة النبیّ (صلّى الله علیه وآله): «وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّنْ شَیْ‏ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَىٰ‏»4. أمّا الأموال التی تقدَّم خصیصاً للنبیّ (صلّى الله علیه وآله) فهی كلّها تعود له. هناك فی الفقه بحث حول أقسام أموال غنائم الحرب. فواحد من تلك الأقسام هو ذلك الذی تشیر إلیه الآیة السادسة من سورة الحشر حیث تقول: «ما أعطا الله من أموالهم لرسوله ممّا لم تستخدموا فی الحصول علیه لا خیلاً ولا جمالاً». فلیس سوى النبیّ (صلّى الله علیه وآله) من له صلاحیّة التصرّف فی تلك الأموال وما من أحد غیره على الإطلاق له حقّ فیها.
فأهالی فدك هم الذین سلّموا أراضیهم للنبیّ كی یحقنوا دماءهم. وطبقاً لما تنقله بعض الروایات فإنّه عندما أصبحت تلك الأراضی ملكاً للنبیّ (صلّى الله علیه وآله) نزلت هذه الآیة: «وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ»5؛ فصحیح أنّك حرّ فی التصرّف فی تلك الأموال كیف تشاء؛ لكنّه «لذوی القربى» حقّ فیها. أی لقد صدر الأمر فی الحقیقة بأنّه: صحیح أنّ لك كامل الحرّیة فی التصرّف فی تلك الأموال، لكن علیك أن تعطی هذا القسم من الأراضی لذوی القربى. وقد جاء فی الخبر أنّ المراد من «ذا القربى» هو فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)6. وتنفیذاً للأمر الوارد فی الآیة الشریفة فقد قام النبیّ (صلّى الله علیه وآله) باعطاء فدك للزهراء (علیها السلام) وعیّن فی حیاته متولّیاً علیها لیدیر شؤونها. فكان النبیّ (صلّى الله علیه وآله) یأخذ من ریعها ما یعادل قوته وقوت الزهراء لسنة ثمّ یوزّع الباقی بین الفقراء بعنوان هدیة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها). وما دام النبیّ (صلّى الله علیه وآله) على قید الحیاة كانت الاُمور تجری على هذا المنوال.
لكن بعدما رحل رسول الله (صلّى الله علیه وآله) الی ربّه وفی غضون بضعة أیّام لا غیر جرت على الأمّة الإسلامیّة من التحوّلات العظیمة ما یصعب تصدیقه للغایة. كلّ تلك القصص التی نسمعها كلّ یوم وكلّ لیلة فتُدمَى لها قلوبنا كانت قد جرت أحداثها فی تلك الأیّام القلائل. فبعد عشرة أیّام من وفاة النبیّ (صلّى الله علیه وآله) أخرج خلیفة ذلك الزمان وكیلَ الزهراء (سلام الله علیها) من فدك وعیّن غیره مكانه، فصادر بذلك ریع تلك الأراضی الذی قیل إنّه كان یصل حتّى إلى 120 ألف دینار، محتجّاً بأنّ تلك الأموال كانت توزَّع فی حیاة النبیّ (صلّى الله علیه وآله) على الفقراء؛ ونحن أیضاً نأخذها ونوزّعها على الفقراء، والحال أنّ فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) كانت تنفق على الفقراء من ملكها الخاصّ ولم یكن المال متعلّقاً بالدولة. ولم تمض على تلك الأحداث غیر شهرین وبضعة أیّام حتّى رحلت الزهراء (سلام الله علیها) عن هذه الدنیا.
فی هذه الفترة بالتحدید كان للزهراء (علیها السلام) بضع خطب وحوارات كانت إحداها هذه الخطبة المشهورة التی تُعدّ من مفاخر الإسلام ومن الوثائق التی یظلّ صداها یدوّی إلى یوم القیامة معلنة عن حقّانیة الإسلام، والتشیّع، وأهل بیت الرسول (صلّى الله علیه وآله). ومن حُسن الحظّ أنّ هذه الخطبة بقیت، بهمم الشیعة، محفوظة إلى یوم الناس هذا بل وثُبّتت أیضاً حتّى فی كتب المخالفین.

ما نصنع بفدك؟!

یتصوّر البعض أنّ الذی آلم الزهراء (علیها السلام) إلى أبعد الحدود كان غصبهم لأموالها! بل ویُذكَر فی بعض المراثی أحیاناً أنّها (سلام الله علیها) قالت: «لقد سلبتم قوت عیالی!». فإن قلنا إنّ هذا الكلام هو من أعظم ألوان الظلم الذی مارسناه نحن الشیعة فی حقّ أهل البیت (علیهم السلام) لم نكن قد بالغنا. فكیف یمكن لمَن لا تساوی كنوز الدنیا كلّها فی أعینهم أكثر من كومة رماد أن یغتمّوا لفقد مال دنیویّ؟! فهذا أمیر المؤمنین علی بن ابی طالب (علیه السلام) یقول فی نهج البلاغة: «وما أصنع بفدك وغیر فدك»7؟! أیكون حقیقةًـ كلّ ذلك البكاء، والأنین، والتظلّم من أجل مال الدنیا؟! إنّ تصوّراً كهذا لا یعدوا كونه تصوّراً ساذجاً فی غیر محلّه، ولیس هو من العقل فی شیء. فحقیقة الأمر أنّ هذه المسألة كانت ذریعة اتّخذتها سیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) لتعلن عن حقائق أرادت لها أن تظلّ على درجة كبیرة من الوضوح والجلاء إلى یوم القیامة فلا یتمكّن أحد من إخفائها والتستّر علیها. لم یكن من أحد، بما فیهم شخص أمیر المؤمنین (علیه السلام)، باستطاعته أن یبیّن تلك الحقائق بمثل تلك الصراحة غیر السیّدة الزهراء (سلام الله علیها)! فأمیر المؤمنین (علیه السلام) كان هو نفسه طرفاً فی النزاع مع الخلفاء على قضیّة خلافة رسول الله (صلّى الله علیه وآله)؛ ومن أجل ذلك فإنّه ما كان یتفوّه بكلمة حتّى یقولوا له: «إنّك ترید الكلام لمصلحتك!». لكنّ فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) كانت قد أعلنت عن تلك الحقائق باُسلوب لا یجرؤ أحد الیوم على التكلّم عن هؤلاء الأشخاص بمثله. فی تلك الظروف كان هذا العمل الوحید الذی تستطیع الزهراء (سلام الله علیها) القیام به وبالإفادة من فرصة الأیّام القلیلة تلك كانت (علیها السلام) قد أسدت إلى الإسلام خدمة تعادل خدمة أعوام وقرون متمادیة.

ذریعة لبیان الحقائق

فیما یخصّ اُسلوب الحوار الذی جرى بین السیّدة الزهراء (علیها السلام) من جانب وخلیفة ذلك الزمن والمتصدّین لقضیّة الخلافة من جانب آخر هناك نقاط تقع أحیاناً محطّ غفلة أو قلّة إنصاف، كما ویطرحها البعض أیضاً بعنوان الشبهة، وهی أنّ هذه المزرعة فی الواقع كانت قد وُهبت من قبل النبیّ (صلّى الله علیه وآله) خصّیصاً للزهراء (سلام الله علیها)؛ لكنّ مسألة الإرث قد اُقحمت فی القضیّة بعد ذلك حیث طالبته الزهراء (علیها السلام) بإرث أبیها، فبادرها بالجواب قائلاً: إنّ النبیّ قال: «نحن معاشر الأنبیاء لا نورّث!».
هذا الحدیث الذی نقله الخلیفة لفاطمة (سلام الله علیها) هو من الموارد التی یؤخذ فیها بعض الكلام ویُسكَت عن البعض الآخر الذی یتضمّن القرینة، ممّا یؤدّی إلى الالتباس فی فهم المعنى. نحن أیضاً لدینا روایات تحمل هذا المضمون نقلها أئمّة أهل البیت (صلوات الله علیهم أجمعین) عن رسول الله (صلّى الله علیه وآله) أنّه قال: «نحن معاشر الأنبیاء لا نورّث درهماً ولا دیناراً» أو أنّ النبیّ (صلّى الله علیه وآله) قال بنفسه فی مقام الحثّ على طلب العلم: «إنّ الأنبیاء لم یورّثوا دیناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم، فمَن أخذ منه أخذ بحظّ وافر»8؛ والغایة منه هو أنّ علیكم أن تقدروا العلم حقّ قدره فهو میراث الأنبیاء. لكن هناك فرقاً بین: ما الذی تركه الأنبیاء للناس من میراث، وبین: ما الذی تركه الأنبیاء من أموالهم كإرث لوارثیهم. فأحیاناً ننظر إلى الأنبیاء «بما هم أنبیاء»، أو كما یُصطلح علیهـ من زاویة شخصیّاتهم الحقوقیّة، ففی هذه الحالة یتمّ طرح الأنبیاء فی مقابل الاُمّة. هاهنا یمكننا التساؤل: ما الذی تركه النبیّ للاُمّة من إرث؟ حیث یكون الجواب: إنّ النبیّ لا یورّث اُمّته مالاً؛ بل یورّثها العلم، والمعرفة، والدین. لكنّه عندما یُطرح شخص النبیّ بما هو محمّد بن عبد الله (صلّى الله علیه وآله)، فحینئذ یكون السؤال: ما الذی تركه لامرأته وأولاده من الإرث؟ فهاتان مسألتان منفصلتان. فالنبیّ بما هو نبیّ لا یترك لاُمّته مالاً، وهذا صحیح؛ لكنّ ذلك لا یتنافى مع كونه فرداً من أفراد الاُمّة ومتّبعاً لأحكام الإسلام. فنبیّ الإسلام، من حیث إنّ علیه العمل بأحكام الإسلام وله حقوق أیضاً طبقاً للضوابط الإسلامیّة، فهو كسائر المسلمین. فیجب علیه حاله حال باقی المسلمینـ أن یصلّی، ویصوم، ویراعی حلال الله وحرامه، وإنّ قاعدة «أَوْفُوا بِالعُقُودِ»9 تشمله أیضاً، وعلیه أن یتّصف بالوفاء فی المعاملة، و... الخ. وهناك فی القرآن الكریم آیات صریحة حول توریث الأنبیاء (علیهم السلام) لأبنائهم؛ كما فی قوله: «وَوَرِثَ سُلَیْمَانُ دَاوُدَ»10، وكما فی دعاء النبیّ زكریّا (علیه السلام) لله أن یرزقه ولداً من أجل أن یرثه: «یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنْ ءَالِ یَعْقُوبَ»11. ولا یُراد من هذه الآیات أنّهم تركوا میراثاً لأنّهم رسل وأنبیاء؛ بل المقصود منها أنّه بما أنّهم مسلمون ومنصاعون لأحكام الله تعالى فإنّهم یرثون موَرِّثیهم، ویورّثون وارثیهم. ولا اُرید من هذا الكلام إلاّ التنویه إلى هذه النقطة وهی أنّ تقطیع الكلام یبعث أحیاناً على تغییر معناه الأمر الذی یؤدّی إلى عدم فهم القصد الأساسیّ منه.

تدبیرٌ منقطع النظیر

قبل الولوج فی البحث لابدّ من الالتفات إلى هذه النقاط وهی أنّ نزاع السیّدة فاطمة (سلام الله علیها) مع المدّعین لخلافة رسول الله (صلّى الله علیه وآله) لم یكن نزاعاً على المال والإرث. فلم یَعدُ الأمر ذریعة لقول بعض الحقائق وتثبیتها فی صفحات التاریخ، كما أنّ سلوك السیّدة الزهراء (علیها السلام) بعد تلك الأحداث كان بكیفیّة من شأنها أن تؤمّن هذا الهدف المرجوّ. وعلیّ أن أقول هنا أیضاً إنّ وصیّة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) القاضیة بعدم رضاها بحضور هؤلاء فی جنازتها الشریفة لم تكن من دافع الحقد والضغینة، والعیاذ بالله؛ بل لقد كانت هذه الخطوة من أعظم السیاسات التی خطّت بخطّ البطلان على مزاعمهم. فلقد أرادت (علیها السلام) أن تثبّت منتهى حنقها وغضبها علیهم كی یكونوا المصداق الأجلى لحدیث النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله): «إنّ الله عزّ وجلّ یغضب بغضب فاطمة»12. فالغایة من دفن جسدها الشریف سرّاً وعدم الإذن للأغیار بالمشاركة فی تشییع جنازتها كانت من أجل أن تُثبّت هذه الحقیقة فی التاریخ ولیعلم الجمیع أنّها لم ترضَ عن هؤلاء قطّ. هذه المسألة لم تكن على خلفیّة الحقد والضغینة؛ فأصحاب هذا البیت الطاهر كانوا على جانب من الرأفة والرحمة بحیث إنّهم لو شعروا ببصیص أمل، مهما كان ضئیلاً، بإمكانیّة هدایة ألدّ وأعتى أعدائهم، ما كانوا لیألوا جهداً فی هدایتهم؛ لكن لو لم تفعل السیّدة الزهراء (سلام الله علیها) ما فعلت لما انجلت الغبرة، ولما انكشفت الحقیقة، ولما ذقنا أنا وأنتم الیوم طعم الإسلام والتشیّع. فبفضل تدبیر السیّدة فاطمة (سلام الله علیها) هذا عرف الملایین من البشر حقیقة الإسلام. إنّنی لأقطع وأجزم على أنّه لو كان ثمّة بصیص أمل فی هدایة هؤلاء وتوبتهم عبر المشاركة فی جنازة الزهراء (علیها السلام) لأصرّت (سلام الله علیها) إصراراً بلیغاً على مشاركتهم؛ لكنّها كانت على علم بأنّ الذین خالفوا أمیر المؤمنین (علیه السلام) علناً لن یكونوا على استعداد لقبول الحقّ مهما كان الثمن. ولهذا فقد أسّست (علیها السلام) لهذا التدبیر بُغیة أن تَفهَم الأجیال القادمة بأنّه قد تولّد فی الاُمّة الإسلامیّة تیّار راح یسیر على عكس المسیرة الحقیقیّة للإسلام وخلافاً لمقاصد النبیّ الكریم (صلّى الله علیه وآله) وتوجیهاته، كی یتمكّن البشر من معرفة الحقّ إذا رغبوا فی اتّباعه.

اللهمّ لا تحرمنا شفاعة الزهراء (علیها السلام).


1. سورة «المنافقون»، الآیة 8 .

2. سورة الحشر، الآیة 2.

3. سورة الحشر، الآیة 6.

4. سورة الأنفال، الآیة 41.

5. سورة الإسراء، الآیة 26.

6. بحار الأنوار، ج48، ص157.

7. نهج البلاغة، الرسالة 45.

8. بحار الأنوار، ج1، ص164.

9. سورة المائدة، الآیة 1.

10. سورة النمل، الآیة 16.

11. سورة مریم، الآیة 6.

12. عیون أخبار الرضا (علیه السلام)، ج2، ص26.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...