صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الخامسة والثلاثون: الشرک الد الاعداء

تاریخ: 
چهارشنبه, 3 آذر, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 24 تشرین الثانی 2010م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

الشرك ألدّ الأعداء

عید الله

نبارك لصاحب العصر والزمان إمامنا المهدیّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) بمناسبة حلول عید الغدیر الأغرّ عید الله الأكبر. ولكی نعطّر المجلس بذكر مولانا أمیر المؤمنین (صلوات الله وسلامه علیه) أستعرض فی مطلع اجتماعنا هذا موجزاً عن عید الغدیر.
یمكننا أن نستفید من عبارة: «الذی جعلته للمسلمین عیداً»1 التی نقرأها فی قنوت صلاة عیدَی الفطر والأضحى أنّ هذین العیدین هما عیدان للمسلمین. أمّا عید الغدیر فإنّ الروایات تسمّیه بـ «عید الله الأكبر» وهو تعبیر یحمل معنى عمیقاً للغایة؛ فهذا العید هو عید الله، لكنّ عید الفطر هو عید المسلمین. ولعلّ بإمكاننا القول تعلیلاً لهذه التسمیة: إنّ المسلمین یصومون شهراً كاملاً هو شهر رمضان المبارك ویتوقّعون من الله الأجر والجائزة على ذلك. فمن أجل تتمیم عبادة استمرّت لشهر كامل فهم یتّخذون یوماً معیّناً عیداً ویصلّون فیه. فعید الفطر - فی الحقیقة - هو مكمّل لصیام شهرٍ كامل. هذا من ناحیة. ومن ناحیة اخرى فإنّ الله جلّ وعلا قد أنزل دین الإسلام على النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) على امتداد ثلاثة وعشرین عاماً كان یُنزل خلالها فی كلّ مناسبة حكماً خاصّاً. ومع ذلك فقد ظلّ هذا الدین ناقصاً، إلى أن قال عزّ وجلّ فی نهایة المطاف: «الْیَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِینَكُمْ»2. فعید الفطر هو یوم إكمال شهر رمضان المبارك، أمّا الیوم (عید الغدیر) فهو الیوم الذی أكمل الله فیه أمره؛ فقد أكمل تبارك وتعالى تشریع دینه بولایة أمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام). إذن فهذا العید هو عید الله، ومن هذا المنطلق نستطیع القول: إنّ هذا العید أشرف من عیدی الفطر والأضحى. نسأل الله العلیّ القدیر أن یمنّ علینا بالتوفیق للعبادة فی هذا الیوم. اُقسم بالله العظیم، إذا أعارنا أمیر المؤمنین (علیه السلام) نظرة ولو بطرف عینه فمن شأن ذلك أن یضمن سعادتنا فی الدنیا والآخرة.

التوحید، عصارة الإسلام

فی متابعتنا للخطبة الفدكیّة لمولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) وصلنا إلى العبارة التی قالت (علیها السلام) فیها: «وَحَرَّمَ اللهُ الشِّرْكَ إِخْلاصاً لَهُ بِالرُّبُوبِیَّة»3. لقد ابتدأت (سلام الله علیها) هذا القسم من الخطبة بعبارة: «فَجَعَلَ اللهُ الإِیمَانَ تَطْهِیراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ» واختتمته بجملة: «وَحَرَّمَ اللهُ الشِّرْكَ إِخْلاصاً لَهُ بِالرُّبُوبِیَّة». ولعلّنا نستشفّ من هذا التنسیق والتنظیم فی العبارات أنّ التوحید هو مبدأ الدین ومنتهاه. فأوّل عمل قام به الأنبیاء (علیهم السلام) هو محاربة الشرك وآخر مهمّة نهضوا بها هی اقتلاع جذور الشرك، وإنّ ما یوصل الإنسان إلى السعادة هو التوحید، وما یجرّه إلى السقوط والتعاسة هو الشرك.
إنّ للتوحید معانیَ عمیقةً وغنیّةً ولطیفةً إذا نحن أدركناها بدقّة فسنفهم أنّ كلّ ما فی الدین من أَلِفِه إلى یائِه لیس هو إلّا التوحید. یقول المرحوم العلامة الطباطبائیّ (رضوان الله علیه) فی هذا الباب: «إذا جمعْنا الإسلام وضغطناه فسنحصل على التوحید، وإذا بسطنا التوحید وشرحناه فستخرج الشریعة بكلّ تفاصیلها من أعماقه». فالتوحید هو أشبه ما یكون بالقرص الـمُدمَج الذی یضمّ الإسلام كلّه.

التوحید، هو الطریق الوحیدة الموصلة إلى الحبیب

إنّ من النصوص القرآنیّة التی لا تقبل التأویل بتاتاً هی الآیة الشریفة: «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُونِ»4 إذ أنّها تبیّن حصراً قاطعاً ومفهوماً واضحاً. ولا یعنی قوله تعالى هذا أنّ الله بحاجة إلى عبادتنا، إذ أنّ الفعل الأساسیّ لله تبارك وتعالى وما یصدر من ذاته المقدّسة هو الإفاضة والرحمة والعطاء. ولعلّ هذا هو تعلیل جعل صفة الرحمٰن صفة خاصّة لله عزّ وجلّ لأنّها تشمل كلّ كرم وعطاء. فكلّ مخلوق من مخلوقات الله جلّ شأنه یملك استعداداً خاصّاً لكمال معیّن. فشجرة الجوز مثلاً لها قابلیّة النموّ إلى حجم معیّن، ونبتة الخیار لها قابلیّة النموّ إلى حجم آخر. فلا یمكن أن نتوقّع من نبتة الخیار أن تنمو لتبلغ حجم شجرة الجوز. وكذا الحیوانات فلكلّ نوع منها حدود للنموّ. وحتّى الإنسان فإنّ له حدّاً معیّناً للنمو لا یمكن أن یتخطّاه. لكنّ الناس غالباً ما ینظرون إلى أشكال الرقیّ والكمال التی یتّصفون بها بمنظار مادّی؛ كالطول، والوزن، والنشاطات البدنیّة، والقدرة على رفع الأثقال، والقابلیّة على أكلّ كمّیات كبیرة من الأطعمة، ...الخ. لكن علینا أن ندرك أنّ إنسانیة الإنسان تكمن فی روحه، وقدرة روح ابن آدم لیست هی ممّا یمكن قیاسه. بل لابدّ أن نقول إجمالاً إنّ ظرفیّة روح الإنسان تقترب ممّا لا نهایة له أو تمیل إلى ما لا نهایة؛ أی لا یمكننا تحدید حدّ معیّن لها. ونستطیع القول: إنّه یمكن لعلم الإنسان أن یبلغ حدّاً بحیث یعلم كلّ شیء، ویقدر على إنجاز كلّ عمل. لكنّ هذه الامور هی آثار ذلك الكمال الذی یستطیع أن یبلغه. فإذا أردنا أن نصوغ ذلك الكمال بعبارة موجزة، فلابدّ أن نقول، بما یتماشى مع التعبیر القرآنیّ: «القرب من الله». فالإنسان باستطاعته أن یسمو ویترقّى حتّى یقترب من الله عزّ وجلّ: «عِندَ مَلِیكٍ مُّقْتَدِرٍ»5. ومن أجل الوصول إلى ذلك المقام فلیس ثمّة سوى طریق واحدة ألا وهی الارتباط بالله عزّ وجلّ اختیاریّاً وهو ارتباط قوامه اعتقاد المرء بأنّ الله هو ربّه حقّاً وأنّ الإنسان عبده حقّاً. ویطلق على هذا الارتباط اسم «العبادة»، أو «العبودیّة». إذن عندما یُطرح السؤال التالی: لماذا خَلَقنا الله؟ فإنّه یتعیّن الإجابة: «من أجل العبودیّة»؛ بمعنى أنّنا إذا لم نعبد ونعمل وفقاً للعبودیّة فإنّنا لن نصل إلى ذلك المقام. والعبودیّة تكمن فی تقویة علاقتنا مع الله تبارك وتعالى، وأن نعمل بما یقرّبنا إلى الله أكثر، ویزید من اُنسنا به، وحبّنا له.

الشرك هو عدوّ الوصول إلى الحبیب

إنّ عدوّ ابن آدم الذی یحول بینه وبین بلوغ هذه المنزلة الرفیعة هو العامل الذی یؤدّی إلى زوال روح العبودیّة؛ ذلك أنّ العامل الوحید الذی من شأنه أن یقود الإنسان نحو التسامی والرُقیّ وإیصاله إلى قرب الله تعالى هو «روح العبودیّة». فالركون إلى هذا العدوّ یُطلق علیه فی الثقافة الإسلامیّة اسم «الشرك». وإطلاق كلمة الشرك على هذا العمل یستبطن لطیفة مفادها: أنّ فطرة الإنسان لا تستطیع نسیان وجود الله سبحانه وتعالى. فإذا لجأ الإنسان إلى غیر الله فإنّه یجعل - فی واقع الأمر – شریكاً له. فالشرك – على أیّة حال – هو ألدّ أعداء الإنسان، ومن هذا المنطلق فإنّ الشیطان یبذل قصارى جهده من أجل إبعاد ابن آدم عن العبودیّة لله الواحد وتقریبه من الشرك.

مراتب التوحید والشرك

إنّ لكلٍّ من مقولتَی توحید الله والشرك به مراتبَ تبدأ من فوق الصفر وتقترب ممّا لا نهایة له. فأحادیث أهل البیت (علیهم السلام) تجعل للإیمان وأمثاله مراتبَ؛ فقد جاء فی بعض الأخبار – على سبیل المثال – أنّ «للإیمان سبعة أسهم»، وجاء فی بعضها أیضاً أنّ «للإیمان عشر درجات». وهذه المقولات هی لتقریب المسألة إلى الذهن وإلاّ فإنّ لكلٍّ من هذه الأسهم والدرجات امتداداً وهی - من هذا الباب - قابلة للتقسیم أیضاً؛ فكلّ امتداد یمكن تقسیمه إلى ما لا نهایة. إذن فمراتب الإیمان والشرك كثیرة جدّاً؛ فالإیمان یبدأ من مجرّد اعتراف الإنسان بوجود الله ویستمرّ حتّى یصل إلى إیمانٍ كإیمان علیّ بن أبی طالب (علیه السلام) مثلاً. لكنّ المسافة بین الاثنین تشبه المسافة بین الصفر وما لا نهایة. وكذا الشرك فهو یبدأ من أقلّ شرك بالله حتّى یبلغ منزلة أسفل السافلین: «ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِینَ»6. إذن فإنّ لدینا طریقاً نحو الأعلى باتّجاه الله وهو السیر الصعودیّ وإنّ له مسیرةً طویلة ومراتبَ كثیرة جدّاً، وإنّ له طریقاً نحو الأسفل هو السیر النزولیّ وهو یبدأ ممّا دون المكان الذی یوجد فیه الإنسان حتّى یصل إلى أسفل وأخسّ موضع: «أُوْلَئكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِیَّة»7. فالإنسان یقع بین هذین المسیرین اللذین لا نهایة لهما. أمّا الهدف من خلقتنا فهو ذلك المقام الرفیع، وهو مقام خلافة الله تعالى ومجالَسة النبیّ الأعظم والأئمّة الأطهار (صلوات الله علیهم أجمعین)، وإنّ ألدّ أعداء ذلك المقام هو الشرك. فالقرآن الكریم یقول فی هذا المجال: «لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ»8. فالظلم هو أن یغتصب امرؤ حقّ غیره. وهل من حقّ هو أسمى وأعظم من حقّ الله على عباده؟! فحقّ الله على عباده هو أن یسیروا نحوه كی یوصلهم إلى ما لا نهایة له من الكمال. وبعبارة أبسط: إنّ لله على عباده حقّاً وهو أن یعبدوه. وسَلْب هذا الحقّ من الله تعالى یعنی عدم عبادته، وهو أعظم أشكال الظلم، وأفدح أنواع الحیف لحقّ من الحقوق؛ ومن هنا یقول الباری تعالى: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ».

التوحید فی النیّة، أعلى مراتب التوحید

قلنا سلفاً إنّ لكلّ من الإیمان والشرك مراتبَ. لكنّنا إذا أمعنّا النظر فسوف نجد أنّ الدرجات الضعیفة من الإیمان تكون مصاحبة لبعض مراتب الشرك، لكنّه كلّما قَوِی أحد هذین الطرفین ضَعُف الطرف الآخر. فحیثما ضعف الإیمان فلابدّ أن یوجد الشرك. یقول عزّ من قائل: «وَمَا یُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ»9؛ فإیمان أكثر الناس یكون مشوبا بالشرك والسبب فی ذلك هو ضعف إیمانهم. فكلّما قَوِی الإیمان ضَعُف الشرك وقلّ معه الریاء فی العبادة.
فبعض الناس إنّما یقف إلى الصلاة كی یشاهده الآخرون! لكن لیس الجمیع مرائین إلى هذا الحدّ. فبعضهم یصلّون بإخلاص، لكنّهم یفرحون إذا علم الآخرون بصلاتهم. وهذه أیضاً هی مرتبة من مراتب الشرك. فالخلوص فی العبادة هو أن یكون الأمر بالنسبة للمرء سیّان، إنْ عَلِم الناس بصلاته أم لم یعلموا. فإذا أثّرت ردود أفعال الناس فی سلوك المرء عُلِم حینئذ أنّه مبتلىً بمرتبة من مراتب الشرك.
كما أنّ للشرك مرتبةً اخرى ترتبط بالنیّة. فإنّنا نصلّی امتثالاً لأمر الله عزّ وجلّ؛ لكن لو قال الله لی: «الصلاة واجبة علیك، لكنّنی لن اُدخلك الجنّة حتّى إذا صلّیت»! أو یقول: «حتّى إذا صلّیت فإنّنی ساُدخلك النار» فهل سنصلّی عندئذ؟ فإذا كان جوابنا بالنفی، علمنا أنّنا لا نصلّی طاعة لأمر الله تعالى فقط، بل إنّ نیّتنا مشوبة بالخوف من العذاب أو الشوق إلى نیل الثواب وهذه أیضاً هی مرتبة من مراتب الشرك. فالنیّة الخالصة هی نیّة الإمام السجّاد (علیه السلام) إذ یقول: «لَئِنْ أَدْخَلْتَنِی النَّارَ لَأُخْبِرَنَّ أَهْلَ النَّارِ بِحُبِّی‏ لَكَ»10 و الذی یقول: «إِلَهِی... وَ عِزَّتِكَ وَ جَلَالِكَ لَوْ كَانَ رِضَاكَ فِی أَنْ أُقْطَعَ إِرْباً إِرْباً وَ أُقْتَلَ سَبْعِینَ قَتْلَةً بِأَشَدِّ مَا یُقْتَلُ بِهِ النَّاسُ لَكَانَ رِضَاكَ أَحَبَّ إِلَی»‏11
فالسبیل للوصول إلى أعلى درجة هیّأها الله للإنسان هی العبادة الخالصة: «قُلْ إِنِّی أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّین»12. فمن أجل بلوغ هذا المقام یتحتّم على الإنسان أن یتخلّص شیئاً فشیئاً من هذه الأشكال من الشرك الجلیّ والظاهر كی یكتسب تدریجیّاً الاستعداد لاجتناب معانیه الأكثر ظرافة لیقول كما یقول علیّ (علیه السلام): «ما عبدتُك خوفاً من نارك ولا طمعاً فی جنّتك لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتُك»13، فهذا هو الدین الخالص. بالطبع إنّما هی ألطاف علیّ (علیه السلام) وعنایاته التی تعیننا على اجتناب الشرك؛ لكنّ السبیل الأساسیّة – على أیّة حال – هی أن یكون التفاتنا وتوجّهنا إلى الله وحده.

لا یلیق للعبد إلا العبودیّة

إذا طُرح السؤال التالی: لماذا یتعیّن علینا ممارسة العبودیّة؟ فالجواب هو: لأنّنا عبید. فإنْ لم یمارس العبدُ العبودیّةَ، فماذا سیصنع إذن؟ وإذا لم یعط المصباح النورَ فماذا سیفعل؟ فالإضاءة هی ذاتیّة للنور. فمتّى ما استطعنا الاستقالة من العبودیّة فلیس من الضروریّ أن نمارسها بعدئذ، لكن ما دمنا عبیداً فلابدّ أن نعمل بمقتضى العبودیّة. والملفت هنا هو أنّ كمال عزّتنا مخبّأة فی هذه العبودیّة وأن أقصى درجات اللذّة هی فی العبودیّة. فقد كان المرحوم آیة الله بهجت (رضوان الله تعالى علیه) یقول: «لو علم السلاطین ما فی الصلاة من اللذّة لتركوا سلطانهم وهرعوا للصلاة». وقد أوصى المرحوم المیرزا حسن الشیرازیّ أن تُقضى عنه جمیع صلواته. فاستفسر أحد المقرّبین منه عن علّة هذه الوصیّة فأجابه قائلاً: «أخشى أن تتنافى اللذّة التی كانت تنتابنی أثناء الصلاة مع قصد القربة». إذن فإنّ لله أمثال هؤلاء العبید أیضاً. لقد خلق الله هذا الدین كی نتعلّم طریق العبادة فنصل من خلالها إلى درجة القرب منه سبحانه وتعالى. إذن فالسبیل للقرب منه هو توحیده، وعدوّ هذا السبیل هو الشرك به. ومن هذا المنطلق تقول سیّدتنا الزهراء البتول (علیها السلام): «وَحَرَّمَ اللهُ الشِّرْكَ إِخْلاصاً لَهُ بِالرُّبُوبِیَّة».

الشرك التشریعیّ

إنّ للشرك فی الربوبیّة أنواعاً أحدها الشرك التشریعیّ. إذ یقول القرآن الكریم بخصوص الیهود والنصارى: «اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ»14؛ أی إنّ هؤلاء كانوا قد تورّطوا فی مرتبة من مراتب الشرك بأن اتّخذوا علماءهم ورهبانهم أرباباً. وقد سُئل أبو عبد الله الصادق (علیه السلام) عن سبب سجود هؤلاء لعلمائهم فقال (علیه السلام): «أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا علیهم حلالاً فعبدوهم من حیث لا یشعرون»15. وهذا یُعدّ شركاً فی الربوبیّة التشریعیّة. فالذی یسنّ قانوناً إلى جانب القانون الإلهیّ فهو مشرك، اللهمّ إلاّ أن یكون سنُّه لهذا القانون بإذن الله تعالى. فقد جاء فی الخبر أنّ الله قد فوّض لنبیّه الكریم (صلّى الله علیه وآله) وضع الكثیر من الأحكام وكان (صلّى الله علیه وآله) یسنّ تلك القوانین بنفسه. فأمثال هذه الموارد لا تُعدّ شركاً لأنّها تكون بتفویض وإذن من الله عزّ وجلّ. وكذا الحال إذا اُجیز الولیّ الفقیه بسنّ قانون مؤقّت فی ظروف خاصّة فإنّه لا یُعدّ هذا من قبیل الشرك؛ ذلك أنّ الولیّ الفقیه مأذون من قبل المعصوم (علیه السلام) والمعصوم مأذون من قبل الله عزّ وجلّ؛ إذن فعمل الولیّ الفقیه هو بإذن الله أیضاً. وبناء علیه فلو انتخب الشعب بأكمله شخصاً لمنصب رئاسة الجمهوریّة فلن یتمتّع بالمشروعیّة ما لم ینصبه الولیّ الفقیه لهذا المنصب. ومن هذا المنطلق قال الإمام الراحل: «إذا أدلى جمیع أفراد الشعب بأصواتهم لرئیس الجمهوریّة ولم ینصبه الولیّ الفقیه لهذا المنصب فهو طاغوت وطاعته محرّمة». فالحاكمیّة والربوبیّة هی لله وحده؛ فإنْ أجاز تعالى لأحد من الناس بذلك اكتسب الأخیر المشروعیّة، وإلا فلا: «قُلْ ءَاللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُون»16؛ أی تفترون بالتحلیل والتحریم من عند أنفسكم؟!

إذن فالتوحید فی العبادة هو السبیل الوحیدة المؤدّیة إلى تلك المنزلة التی جعلها الله للإنسان؛ إذن لابدّ من الحذر من الشرك. ومن هذا المنطلق انطلقت مولاتنا الزهراء (علیها السلام) فی قولها: «وَحَرَّمَ اللهُ الشِّرْكَ إِخْلاصاً لَهُ بِالرُّبُوبِیَّة».
جعلنا الله وإیّاكم من الموحّدین

والسلام علیكم ورحمة الله


1. إقبال الأعمال، ص289.

2. سورة المائدة، الآیة 3.

3. بحار الأنوار، ج29، ص223.

4. سورة الذاریات، الآیة 56.

5. سورة القمر، الآیة 55. 

6. سورة التین، الآیة 5.

7. سورة البیّنة، الآیة 6.

8. سورة لقمان، الآیة 13.

9. سورة یوسف، الآیة 106.

10. دعاء ابوحمزه الثمالی.

11. بحارالأنوار ج:74 ص:26 حدیث لیلة المعراج.

12. سورة الزمر، الآیة 11. 

13. بحار الأنوار، ج67، ص186.

14. سورة التوبة، الآیة 31.

15. بحار الأنوار، ج2، ص98.

16. سورة یونس، الآیة 59.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...