صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الثامنة والعشرون: الجهاد عز الاسلام

تاریخ: 
چهارشنبه, 31 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 22 أیلول 2010م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

الجهاد عزّ الإسلام

تذكّر المجاهدین

«... وَالْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلامِ ...» 1
تحدّثنا طیلة شهر رمضان المبارك حول خطبة السیّدة الزهراء (سلام الله علیها) وقد بلغنا عبارة: «وَالْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلامِ». ولعلّ التقدیرات الإلهیّة شاءت أن یتزامن شرح هذه الجملة مع أیّام اُسبوع الدفاع المقدّس كی نتذكر اُولئك الشهداء العظماء الذین نتنعّم الیوم، ببركة دمائهم الطاهرة، بكلّ هذه النعم الإلهیّة المادّیة والمعنویّة. فلولا جهاد هؤلاء المجاهدین ما کنّا ندری أیّ نهج كنّا سننتهج وأیّ سلوك كنّا سنسلك. فمسیرة المجتمع قبل الثورة كانت تتّجه نحو الكفر، وجسَد الإسلام كان یتلقّى یومیّاً ضربات موجعة. إنّنی أقولها عن یقین راسخ وأنا مسؤول عن كلامی هذا، إنّه لولا حركة الإمام الخمینیّ (رضوان الله تعالى علیه) وتضحیات الشهداء فإنّه لم یبقَ الیوم من الإسلام فی هذا البلد غیر الاسم. إنّنا الیوم مدینون بأمننا، ورفاهیّتنا، ونعمنا ضمن الإطار المادّی، ومفاخرنا على الصعید الدولیّ، والأهمّ من ذلك كلّه انّنا مدینون بدیننا للثورة، والشهداء، والذائدین عن الإسلام. نسأل الله العلیّ القدیر أنّ یمنّ على هؤلاء الأعزّة بما یقتضیه كرمه ویتطلّبه جوده! ذلك أنّنا لن نتمكّن - بأیّ حال من الأحوال - من أداء شكر هذه النعم وعرفان جمیل مُنعِمها. كم هو قبیح أن یعمد البعض، على الرغم من كلّ هذه البركات التی حظینا بها بسبب الثورة وشهدائها وشهداء الحرب المفروضة، أن یعمدوا بمنتهى نكران الجمیل إلى إغماض أعینهم عن كلّ شیء وإنكار جمیع الحقائق والتشكیك بها! إنّنی لا أظنّ أنّه یمكن تصوّر كفران للنعمة أقبح وأشدّ من ذلك. ندعو الله العزیز الحكیم أن یحفظنا من عقوبة كفران مثل هذه النعم.
انّ الفرصة التی تتیحها بضع محاضرات لا تكفی لطرح بحث مستوفٍ عن قضیّة الجهاد. لقد طرحنا فیما مضى، ضمن بحوث قرآنیّة، بحثاً فی هذا الشأن وقد طُبع تحت عنوان «الحرب والجهاد فی القرآن». وما نودّ أن نعالجه فی هذه المحاضرة أو المحاضرتین فیما یخصّ المسائل المرتبطة بالجهاد هو ما یطرحه أعداء الإسلام فی هذا العصر من شبهات حول الجهاد ممّا قد یشوّش أذهان بعض شباننا. ومن هنا فإنّ الأبحاث التی سأتعرّض لها ستكون من قبیل الفهرست.

بعض الآراء حول أصل الحرب

یعتقد بعض المفكّرین والباحثین فی موضوع الحرب أنّ الحرب تمثّل قانوناً عامّاً للوجود (والوجود عند هؤلاء بالطبع یساوی عالم المادّة). فهم یقولون فی هذا المجال: إنّ أحد القوانین العامّة المسیطرة على عالم الوجود أساساً هو أصل التنازع؛ فالمدرسة الماركسیّة - على سبیل المثال - تعتبر أنّ أصل التضادّ هو أحد الاُصول الفلسفیّة التی تحكم الكون. ولیس بعیداً عن ذلك ما ذهب إلیه المعتقدون بأنّ الحرب هی قانون الحیاة قائلین: هناك قانون عامّ یهیمن على عالم الكائنات الحیّة یسمّى أصل التنازع (وهذه هی النزعة الداروِنیّة). حتّى إنّ بعض علماء الاجتماع، وانطلاقاً من هذه النزعة، فقد اعتمدوا أصل التنازع الداروِنیّ فی علم الاجتماع فقالوا: هناك قانون جبریّ وعامّ یحكم كافّة المجتمعات البشریّة مفاده أنّه لابدّ من وجود الحرب والتنازع من أجل بقاء الأصلح والأكمل وإقصاء الآخرین.
وعلى النقیض من ذلك فهناك عقیدة تقول: الحرب هی مرض وأمر غیر طبیعیّ لابدّ من اجتثاثه بالكامل. وقد شاعت مثل هذه العقیدة فی قدیم الزمان فی الشریعة الهندوسیّة. فهؤلاء یعتقدون بوجوب عدم التعرّض لأیّ شیء، وعلى الناس أن لا یُفیدوا ممّا هو موجود فی العالم إلاّ بمقدار الضرورة؛ وحتّى النباتات یجب أن لا تُستعمل بكثرة، وإنّ قتل الحیوان، وبطریق أولى الإنسان، غیر جائز عندهم على الإطلاق. وبناءً علیه فإنّ كلّ مَن یسعى، بأیّ شكل من الأشكال، لإشعال حرب فإنّه یقوم بعمل خاطئ وغیر أخلاقیّ.
أمّا الرأی الآخر الذی یُعدّ من اُسس حقوق الإنسان فیقول: الحرب أساساً أمر سیّئ جدّاً ولا ینبغی إشعال فتیلها إلاّ فی موارد نادرة جدا. دُعاة هذا الرأی وضعوا بضعة قوانین عامّة لحقوق الإنسان أحدها هو أصل الحیاة، فهم یعتقدون بأنّ من الحقوق التی ینبغی لجمیع البشر التمتّع بها، مهما كانت الظروف ومهما بلغوا من الإجرام، هو حقّ الحیاة؛ وبناءً على ذلك فلابدّ من الوقوف بوجه كلّ قوانین الإعدام وما هو على شاكلتها. أمثال هؤلاء یُسهبون فی الكلام حول أمثال هذه المواضیع وكتابتها على الورق أمّا على أرض الواقع فإنّهم من أفظع الكائنات الموجودة على وجه الأرض إجراماً، بل إنّ جرائمهم قد بیّضت حتّى وجوه الحیوانات المتوحّشة.

ما هو رأی الإسلام فی الحرب؟

لكن ما الذی یقوله الإسلام حول هذه الآراء؟ الدین الإلهیّ یأخذ وقائع المجتمع البشریّ بعین الاعتبار ویضع القوانین المناسبة على أساس تلك الوقائع كی یؤمّن بمجموع ذلك سعادة البشر. فالإسلام لا یوافق على عدم جواز التعرّض لأیّ كائن حیّ؛ بل إنّه یقول إذا حُرّمت لحوم بعض الحیوانات بلا سبب وجیه: «قُلْ ءَاللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ» 2 . فالله قد خلقها من أجل منفعتكم وغذائكم. إذن فلتتناولوا ما حلّ لحمه من الحیوانات، لكن مع الاعتدال ووفقاً للضوابط. بل إنّ إحدى العبادات الإسلامیّة هی ذبح الاُضحیّة أیضاً.
فهذه الرؤیة تقف فی مقابل الرؤیتین السابقتین الإفراطیّة والتفریطیّة. وحتّى فیما یتعلّق بالحرب فالإسلام یصدر حكمه ضمن إطار رؤیة واقعیّة؛ ذلك أنّ الله عزّ وجلّ هو الذی خلق الإنسان وهو أعلم بما خلق وما یتطلّبه مخلوقه. هو یعلم أنّ الناس، ومن خلال ما یوجد فی رغباتهم من تضادّ، ستؤول بهم الاُمور إلى الحرب. فاذا قلنا على نحو مثالیّ: یتعیّن الوقوف بوجه كلّ حرب ودفاع عن النفس وإنّ كلّ ذلك مُدان، فانه قول لا ینسجم مع واقع الحیاة البشریّة وسوف یصبّ فی مصلحة الظَّلَمة فی نهایة المطاف. فالإحجام عن الجهاد وعدم مجابهة هجمات العدوّ سوف یمهّد الأرضیّة للعدوّ لیرتكب ما یحلو له من الحماقات، والله لا یجیز مثل هذا التصرّف.
فلقد أخذ الإسلام هذه المسألة بعین الاعتبار وهی أنّ وجود طبیعة التعدّی فی البشر ستؤدّی – شئنا أم أبینا - إلى النزاع والحرب ویتعیّن وضع ضوابط وقوانین لمثل هذه القضایا، وهذا هو الدور الأساسیّ الذی تنهض به الشریعة وهو أنّه بالنظر لتوفّر مقدّمات الانحراف فی المجتمع فلابدّ من وضع قوانین، والسعی لتنفیذها كی یُقطع الطریق أمام أیّ انحراف أو یُحدّ منه إلى أدنى مستوى ممكن.

الأهواء النفسانیّة تسیء لسمعة الإسلام

من جملة ألوان الفساد التی یُبتلى بها المجتمع البشریّ هو ارتكاب البعض لأصناف الجرائم والفجائع الإنسانیّة تحت شعار العمل بأحكام الدین الإسلامیّ، الأمر الذی یؤدّی إلى الإساءة لسمعة المسلمین. فقد ارتكبت سلسلة من سلاطین بلاد الإسلام على مرّ التاریخ باسم الجهاد فی سبیل الإسلام جرائم شنیعة كانت عواقبها تأخیر انتشار الإسلام فی تلك البلدان لقرون من الزمن وتشویه صورة الإسلام فی العالم. والیوم أیضاً تقوم أمثال حركة طالبان والقاعدة بنفس هذا الدور فی جمیع أنحاء العالم مطلقین على ما یقومون به عنوان التطبیق لأحكام الإسلام. ومن هنا یتعیّن علینا أن نطبّق حقیقة الجهاد كما جاء به الإسلام من دون أدنى زیادة أو نقصان، لا أن ننفّذ ما تملیه علینا أهواؤنا ونزواتنا مسمّین ذلك إسلاماً.

أصل الدفاع وما یجب الدفاع عنه

بشكل عامّ فإنّ الجمیع یعلم أنّ الجهاد هو أحد فروع الدین وضروریّاته، فهذا الأمر هو من المسلّمات التی لا تتطلّب بحثاً. لكنّ المهمّ هو أنّ القرآن الكریم نفسه قد أشار إلى بعض الحِكَم من وراء تشریع الجهاد، حیث بالرجوع إلى هذه الحِكَم یمكننا الوقوف على الغایة من تشریع الجهاد أساساً من ناحیة، والتعرّف على حدوده ولوازمه من ناحیة اُخرى.
هناك أصل لا یملك أیّ إنسان سلیم الفطرة إنكاره وهو أصل «الدفاع»؛ یقول هذا الأصل: إذا هجم علینا العدوّ فلا یصحّ أن نجلس مكتوفی الأیدی ونستسلم لمن یرید إبادتنا. فما من فطرة تقبل بذلك. فإذا فُتح باب البحث مع اُولئك المنادین بحقوق الإنسان والمخالفین لأحكام الجهاد فی الإسلام والقائلین: «ما دام الإسلام یقرّ بأحكام الجهاد فهو دین عنف!»، إذا فُتح باب البحث معهم فمن المستحسن الشروع بالبحث من هذه النقطة وهی أنّه ما من إنسان سلیم الفطرة یمكنه تحریم الدفاع والقول: لا ینبغی الدفاع عن النفس. لكنّ السؤال المطروح هنا هو: عن أیّ شیء یتعیّن الدفاع؟ فهل الدفاع مقتصر على الدفاع عن النفس إذا تعرّضت للخطر، أم یتعیّن الدفاع عن العرض، والولد، وسائر المتعلّقات أیضاً؟ وإذا ارتفعنا إلى مستوى المجتمع فما هی الاُمور التی ینبغی للشعب الدفاع عنها؟
المتعارف – من الناحیة العملیّة - لدى جمیع سكّان المعمورة هو الدفاع عن الماء والتراب. ففی كلّ ثقافة یوجد أبطال تفتخر بهم شعوبهم وهم فی العادة اُولئك الذین دافعوا ببسالة عن میاه شعوبهم وأراضیهم. إذن بالإضافة إلى الدفاع عن النفس، فإنّ الدفاع عن الماء والتراب هو أیضاً محطّ قبول العقلاء. كما أنّ معظم الأقوام بل لعلّ جمیعهم یقولون بوجوب الدفاع عن العرض أیضاً وإنْ بلغ حدّ الحرب والقتل، بل إنّ المقصّر فی هذا الجانب سیُصنَّف فی عداد المنحطّین والمتخاذلین، وهو مُدان وفقاً لثقافة ومنطق عقلاء العالم. بالطبع، كما قد أشرت مسبقا، فقد یدّعی البعض فی مجال البیان والبنان غیر ذلك؛ لكنّهم جمیعاً یقبلون بذلك من الناحیة العملیّة.

الجهاد فی سبیل الله، لا فی سبیل الماء والتراب

لكن هل الجهاد فی الإسلام هو على هذه الشاكلة أیضاً؟
لیس ثمّة أدنى شكّ فی أنّه إذا هجم أعداء الإسلام على المسلمین قاصدین إبادتهم أو الاستیلاء على أراضیهم فإنّ صدّهم عن ذلك سیمثّل تكلیفاً واجباً من الناحیة الشرعیّة. لكن ما نودّ قوله هو أنّ الجهاد الإسلامیّ هو أشرف وأعظم قیمة بكثیر ممّا یعتقد به عقلاء العالم. فما یعتقد به هؤلاء لا یتجاوز حدّ الغریزة الموجودة حتّى عند الحیوانات؛ إذ أنّ معظم الحیوانات تدافع عن أوكارها بكلّ شراسة إذا هوجمت. فإنّ عدم دفاع المرء عن بیته أو وكره سیجعله أخسّ من الحیوان. إذن فلیس فی هذا النمط من الدفاع مفخرة. فالقضیّة الجوهریّة هی أنّ الجهاد الإسلامیّ هو جهاد فی سبیل الله تبارك وتعالى، وإنّ الهدف الذی یضعه الإسلام للجهاد هو أسمى وأرفع بكثیر من مجرّد حفظ النفس والمال.
انّ بدایة ما نزل من القرآن نزل فی الجهاد والذی تناول الجهاد الدفاعیّ هو ما جاء فی سورة الحجّ، حیث یقول عزّ من قائل: «إِنَّ اللهَ یُدَافِعُ عَنِ الَّذِینَ ءَامَنُواْ إِنَّ اللهَ لا یُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ * الَّذِینَ أُخْرِجُواْ مِن دِیَارِهِم بِغَیْرِ حَقٍّ إِلا أَن یَقُولُواْ رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِیَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ یُذْكَرُ فِیهَا اسْمُ اللهِ كَثِیراً وَلَیَنصُرَنَّ اللهُ مَن یَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ عَزِیز» 3 . کان المسلمون قبل ذلك الحین قد طلبوا الإذن بالحرب، لكنّ الأمر الإلهیّ كان قد نزل یحثّهم على الكفّ عنها: «كُفُّواْ أَیْدِیَكُمْ» 4 ؛ إذ أنّ عددهم كان قلیلاً ولم تكن لهم العدّة الكافیة للحرب؛ فإن هم أقدموا على الحرب فی حینها فإنّهم كانوا سیبادون عن بكرة أبیهم. فالآیات المذكورة من سورة الحجّ كانت أوّل مرّة یؤذَن فیها للمسلمین بالدفاع عن أنفسهم. لكنّنا نلاحظ أنّ الله عزّ وجلّ لم یقل فی بیان الحكمة من هذا الإذن: «إذا لم تجاهدوا فستتعرّض أرواحكم للخطر وسیستولی الأغیار على میاهكم وأرضكم» بل قال: «إنّنا لو لم نعط الإذن بالدفاع فإنّ مصیر مراكز العبادة سیكون التهدیم والإبادة» (وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِیَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ یُذْكَرُ فِیهَا اسْمُ اللهِ كَثِیراً). بطبیعة الحال كانت هذه هی الحكمة من تشریع الجهاد فی جمیع الأدیان السماویّة؛ فالدفاع والجهاد لا یختصّان بالإسلام. فحكمة الجهاد الأساسیّة التی یستند إلیها المنطق القرآنیّ هی المحافظة على اسم الله فی الأرض وجعل الناس یتذكّرون الله عند وقوع أنظارهم على المعابد والمساجد؛ ذلك أنّ ذكر الله جلّ وعلا هو الحقیقة الوحیدة التی من شأنها أن تقود المرء إلى السعادة الأبدیّة.
ثمّ یقول تعالى من بعد ذلك: بعد أن ینتصر فی ساحة الحرب اولئك الذین أذِنّا لهم بالقتال ووعدناهم بالنصر فإنّ أوّل ما سیقومون به هو إقامة الصلاة وإیتاء الزكاة؛ أی تطبیق دین الله فی الأرض: «الَّذِینَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِی الأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ» 5 . فإنّ الاسم الذی یطلق على هذا النمط من الجهاد هو الجهاد فی سبیل الله ولیس القتال فی سبیل الماء والتراب.

الأنفس فداء للإسلام

كم تخلّفنا نحن عن هذه الثقافة! فلقد بلغ بنا الأمر فی زماننا إلى حدّ أنّنا، ومن أجل الدفاع عن هذا الحكم، نلجأ إلى دلیل تشترك فیه حتّى الحیوانات؛ أی الدفاع عن الماء والتراب والوطن. إذ حتّى الحیوانات تدافع عن أوطانها؛ فلیس فی هذا الأمر عظیمُ فخر واعتزاز. فالأهمّ من ذلك هو الدفاع عن القیم والمثل والدفاع عن الدین، فكلّ شیء ینبغی أن یقدَّم فداء للدین! لكنّ تغلغل الثقافة الغربیّة فی ثقافتنا أدّى بنا، مع بالغ الأسف، إلى الهبوط بمسألة الجهاد - مع كلّ ما لها من عظمة وشرف - إلى مستوى الغریزة الحیوانیّة!
فمولاتنا فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) تقول بالحرف الواحد: «وَالْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلامِ». لكنّنا إن بالغنا فی التكلّف والارتقاء بمستوى كلامنا فغایة ما سنقوله هو: الجهاد عزّاً للمسلمین. لكنّ الزهراء (علیها السلام) تقول: «وَالْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلامِ»، أیّ إنّ الهدف الأساسیّ هو الإسلام، وما علینا جمیعاً إلاّ أن نفدی أجسادنا فی سبیل الإسلام. بل إنّه ما من شیء أساساً یمكن وضعه فی مقابل الإسلام.
إذن فالجواب على السؤال الذی طرحناه وهو: «عن أیّ شیء یتعیّن الدفاع؟» هو أنّ علینا بالدرجة الاُولى الدفاع عن القیم والمثُل الإلهیّة، ومن ثُمّ یأتی دور الدفاع عن النفس، والمال، والعرض، والماء، والتراب، وما إلى ذلك. فأهمّ أنماط الدفاع هو الدفاع عن الدین الذی یقود إلى سعادة البشر جمیعاً. فلولا الدین لكان الناس فی مستوى الحیوانات، بل وقد یكونون أخسّ من الحیوانات أحیاناً؛ إذ یقول عزّ وجلّ: «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِینَ كَفَرُواْ فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ» 6 ؛ فالله تعالى لا یقول: إنّ شرّ الناس هم المعاندون لله، بل قال: إنّ هؤلاء هم شرّ الدوابّ. فعند غیاب الإسلام فإنّ الامور ستؤول إلى هذه النتیجة. إذن فإنّ أعلى مراتب الدفاع هو ما تكون سعادة البشر كافّة رهناً به؛ وهو الدفاع عن الإسلام. إذن فالأصل هو الإسلام وإنّ قیمة المسلمین بإسلامهم. لكن هذه المسألة - مع بالغ الأسف - مغفول عنها فی الكثیر من أقوال المسلمین وكتاباتهم.

وفّقنا الله وإیّاكم لما یحبّ ویرضى


1 . بحار الأنوار، ج29، ص223.

2 . سورة یونس، الآیة 59.

3 . سورة الحجّ، الآیات 38 - 40.

4 . سورة النساء الآیة 77.

5 . سورة الحجّ، الآیة 41.

6 . سورة الأنفال، الآیة 55.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...