صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الخامسة والعشرون: الزکاة تزکیة للنفس والمال

تاریخ: 
دوشنبه, 15 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 6 أیلول 2010م الموافق للیلة السابعة والعشرین من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

الزكاة تزكیة للنفس والمال

«... وَالزَّكَاةَ تَزْكِیَةً لِلنَّفْسِ، وَنَمَاءً فِی الرِّزْق‏ ...»1
تذكر مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) فی الشطر الثانی من خطبتها الشریفة الحكمة من وراء تشریع عدد من الاُمور البارزة فی المعارف الإسلامیّة والقرآن الكریم، فتبتدئ بالإیمان ثمّ تذكر الصلاة ومن ثمّ تعرّج على قضیّة الزكاة.
القرآن الكریم أیضاً یذكر الصلاة والزكاة جنباً إلى جنب، ولعلّ فی ذلك إلفاتا إلى أنّه كما یتعیّن على الإنسان أن یجتهد لتعزیز علاقته الباطنیّة والقلبیّة مع الله عبر أداء الصلاة، فإنّ علیه أیضاً أن یوطّد علاقته مع عباد الله التی تمثّل هی الاخرى رابطة مع الله عن طریقٍ غیر مباشر؛ بمعنى أنّ فی رقبة الإنسان واجباتٍ تجاه عباد الله ینبغی أن یؤدّیها طاعة لله تعالى.

مفهوم الزكاة

تشمل كلمة الزكاة فی أصل الثقافة الدینیّة ـ سواء الإسلامیّة منها أو غیر الإسلامیّة ـ كلّ إنفاق تكون الغایة منه طاعة الله عزّ وجلّ. لكنّها تُطلق فی عرفنا على قسم من العبادات المالیّة ولا تتعلّق إلاّ بأشیاء خاصّة؛ أمّا فی أصل اللغة وفی صلب ثقافتنا الإسلامیّة العامّة فهی لا تختصّ بهذا الحكم؛ فالزكاة هی إنفاق المال على الآخرین.

الإسلام واهتمامه بجمیع أبعاد الإنسان

انّ بعض الباحثین عن التكامل الروحیّ یرکز اهتمامه على جانب من القیم الإسلامیّة والإلهیّة غافلا عن سائر أبعاد الوجود الإنسانیّ وباقی الأحكام والمُثُل الإسلامیّة. فالكثیر من فرق المتصوّفة لا یرون التكامل إلاّ فی التوجّه إلى الله، والذكر، والمراقبة، وعبادات من هذا القبیل ولا یعیرون اهتماماً یُذكر لمسائل اخرى كالجهاد، والأمر بالمعروف والنهی عن المنكر، والإنفاق على الفقراء، وما إلى ذلك. فالمطّلعون على المعارف الإلهیّة والشیعیّة یدركون جیّداً أنّ الإسلام لا یقرّ هذا النمط من الرؤیة الاُحادیّة الجانب. فلابدّ لنا ـ فی هذا المضمار ـ أن نفتّش فی أحوال نبیّنا الكریم وأئمّتنا الأطهار (صلوات الله علیهم أجمعین) ونعتقد اعتقاداً راسخاً بأنّ الطریق هو ما سلكوه، والنهج هو ما انتهجوه ونقول للمتصوّفة: إنّ الإنسان هو موجود متعدّد الأبعاد ولابدّ أن یتّجه سیره نحو الله فی جمیع أبعاده، ولیس فی البعد القلبیّ فقط؛ بالطبع إنّ جمیع هذه القیم ترتبط ـ بشكل أو بآخر ـ مع قلب الإنسان، لكنّها تتشعّب عنه إلى فروع شتّى. فاهتمام المرء بفرع واحد من العبادات یجعل منه شخصاً اُحادیّ البعد، وإنّ الإنسان الذی یركّز اهتمامه على جانب واحد من العبادة یكون كالذی یهتمّ ببناء وتقویة عضو واحد من بدنه فیصبح كائناً غیر موزون قد نمى أحد أعضائه دون الأعضاء الاخرى، وهذا الاسلوب لا یُرضی الله تعالى. فالإنسان كائن متعدّد الأبعاد ویتعیّن علیه أن یستغلّ جمیع أبعاده فی سبیل الله لینمو نموّاً موزوناً ومتناسقاً. ولعلّ فی اختیار الزهراء (علیها السلام) لتلك العناوین المتعدّدة فی خطبتها المباركة ـ التی یرتبط بعضها بالعبادات الفردیّة والبعض الآخر بالعبادات الاجتماعیّة، ویتّخذ بعضها طابع الإثبات والآخر طابع النفی ـ درساً لنا كی نعلم أنّ الإسلام لا یهتمّ ببعد واحد من الأبعاد الإنسانیّة. من أجل ذلك علینا أن نستغلّ كلّ ما أعطانا الله وما نشعر انّ بإمكاننا تهیئة الأرضیّة لنموّه وازدهاره لوجه الله وفی سبیله. فالأولیاء الكُمّل كانوا یجهدون ما أمكنهم لأن یستعملوا فی عباداتهم جمیع أعضائهم.
إنّها لنظرة شمولیّة أن نعتقد أنّ علینا إنفاق كلّ وجودنا وكیاننا فی سبیل العبودیّة لله عزّ وجلّ وأن نؤمن أنّه تعالى لم یخلق فینا شیئاً غیر ذی فائدة أو شیئاً یشكّل عائقاً أمام عبادتنا له جلّ ثناؤه. وصحیح أنّه قد یقع تزاحم بین نشاطات الأعضاء المختلفة أو بین الجسد والروح، وفی حالة كهذه لابدّ أن نعمد إلى تعدیل هذا التزاحم طبقاً لأوامر الله ونواهیه.
فی هذه الخطبة الشریفة تذكر سیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) حكمتین للزكاة:
1. تزكیة النفس: أی إنّ الزكاة من شأنها أن تطهّر روح الإنسان وتزكّیها. وهنا قد یسأل سائل: كیف تکون الزكاة مطهرة للروح و سبباً فی تنمیتها ورشدها؟ نقول: كأنّ كلمة «الزكاة» ـ التی تنتمی إلى عائلة «التزكیة» ـ كانت تُستعمل فی أصل اللغة عندما یراد نزع زوائد شیء ما للمساعدة على نموّه ورشده، كتشذیب أغصان الشجرة حیث كان یطلق على هذه العملیّة «تزكیة». فالإنسان بإعطائه الزكاة یُخرج جزءاً من ماله لیعطیه لغیره وهذا یماثل تشذیب أغصان الشجرة وأوراقها الزائدة حیث یساعدها ذلك على نموّها وإیتائها ثمراً أفضل. فقولنا: الزكاة تؤدّی إلى زیادة الرزق هو أقرب إلى الاستیعاب والفهم من قولنا: إنّ الزكاة توجب تطهیر الروح. فما السرّ فی ارتباط إیتاء الزكاة بتطهیر الروح یا ترى؟

سرّ تطهیر الروح بالزكاة

لیس للامور الدنیویّة والمادّیة المتوفّرة للإنسان أصالة وهی لا تتّخذ بالنسبة له إلاّ طابع الوسیلة. وعلى خلاف ما یتصوّره المادیّون ومنكرو وجود الله تعالى فإنّنا لم نُخلَق لنقتصر على التمتّع بلذائذ الدنیا، بل إنّ الحیاة الدنیا برمّتها لا تمثّل فی الحقیقة إلاّ طریق سفر ونحن فیه مسافرون، أمّا المقصد فهو فی مجال آخر، ولا ینبغی لنا فی هذا الطریق أن نتزوّد بأكثر ممّا نحتاجه للوصول إلى المقصود. فالدنیا نفسها لیست هدفاً بالأصالة. لكنّ الله عزّ وجلّ قد تلطّف علینا، فمن أجل حثّنا على السعی للإفادة من هذه الآلاء فإنّه قد جعل فی الانتفاع منها لذّة ومتعة أیضاً. فلولا ما فی تناول الطعام والشراب من لذّة لما اهتممنا بهما ولانقرضنا من الوجود، ولولا ما اُودع فی الإنسان من الغریزة الجنسیّة لضعف الحافز لدیه لتأسیس الاُسرة وإنجاب الأطفال. فقد أودع الله فی وجودنا المیل إلى الملذّات المادّیة والدنیویّة كی یحرّضنا على تأمین حیاتنا المادّیة من أجل أن نستخدم هذه الحیاة كوسیلة لبلوغ السعادة الأبدیّة. فإذا كنّا راغبین بنیل تلك السعادة الأبدیّة ورضوان الله تعالى فما علینا إلاّ السیر فی هذا الطریق؛ أی أن نبقى فی هذا العالم بمقدار ما قدّره الله تعالى لنا وأن نصارع مصاعب الحیاة ومشاقّها كی ننعم بالتكامل المعنویّ فی ظلّ طاعة الباری جلّ شأنه. فمن مقتضیات هذه الرؤیة أنّنا سننظر إلى الحیاة نظرة وسیلة لا هدف. وكلّما قوی هذا الاعتقاد فی نفس المرء فإنّه سیتجلّى أكثر فأكثر فی أعماله وتصرّفاته؛ فهو مثلاً سیتناول الطعام لیكتسب من الطاقة ذلك المقدار الذی یعینه على إنجاز واجباته فحسب ویتجنّب التخمة، أو أنّه لن یهتمّ كثیرا بلون اللباس، وارتداء الجدید كلّ یوم، والاعتناء المفرِط بكوْیِه، وما إلى ذلك؛ لأنّ المقصود من اللباس هو حمایة المرء من برودة الجوّ وحرارته. بالطبع إنّ الزینة بحد ذاتها هی من متطلّبات الإنسان وإنّ كسوة البدن بما هو مطلوب من الثیاب أمر واجب فی الدین الإسلامیّ؛ أمّا أن یتركّز جلّ همّ الإنسان على ملبسه، وتوفیر أسباب زینته، وتصفیف شعره، وتحسین مظهر وجهه بحیث یأخذ ساعات من وقته فهو ممّا لا ینسجم مع تلك الرؤیة.
وخلاصة الأمر فإنّ المرء فی حیاته الاجتماعیّة سیصل بالتدریج إلى نتیجة مفادها أنّه إذا رغب فی تأمین ملذّاته فلابدّ أن یحوز المال، وهو لذلك سیسعى وراء كسب المال، وإذا كان ممّن یتحلّى بمقدار كاف من الإیمان فسوف یجتهد لأن یكون دخله من طُرق الحلال. كما أنّ الإنسان بطبعه لا یقنع بحدّ معیّن فهو سیبذل جهداً كبیراً ووقتاً كثیراً فی سبیل كسب المال. لكنّ العناء الذی یتجشّمه فی حصوله على هذا المال سوف یولّد فی نفسه تعلّقاً شدیداً به. فإذا تعلّق به سِیقت ـ أوّلاً ـ قواه الفكریّة والعاطفیّة ومشاعره وأحاسیسه إلى هذه الوجهة؛ حتّى إذا قیل له: أنفق ما اكتسبته على غیرك! فسیشقّ علیه ذلك كثیراً؛ بل سیكون إخراج خمس ماله وسائر واجباته المالیّة صعبا علیه للغایة. وهذا هو ما ینتاب الإنسان من تعلّق بامور الدنیا وهو غایة فی الخطورة ومن شأنه، إذا استفحل فی نفس المرء، أن یجرّه إلى الكفر، وقد جرّ الكثیرین إلى هذه العاقبة فعلاً. فالمال على أقلّ تقدیر سیشغل ذهن الإنسان ویجعله یقضی الوقت، الذی یتحتّم علیه قضاؤه فی العبادة والتكامل المعنویّ، فی التخطیط لزیادة دخله. وهذا لعمری تلوّث للروح ونكبة لها وهو أكبر قاطع طریق بوجه تكامل الإنسان؛ فهو أشبه ما یكون بالطیر المربوط برجله حجرٌ فكلّما ثقل الحجر شكّل مانعاً أكبر لطیرانه. فالطیر یعرف فنّ الطیران ویمتلك الوسائل المُعَدّة له؛ غیر أنّ الحجر هو الذی یعیقه من ذلك. فالإنسان یمتلك العقل والشعور والمعرفة، وقد شاهد تعالیم الأنبیاء (علیهم السلام)، وعلِم أنّ السعادة الأبدیّة تكمن فی الجنّة وأنّ الدنیا لا تعدو كونها لعبة: «إِنَّمَا الحَیَوٰةُ الدُّنْیَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ»2 لكنّه ینسى ذلك على صعید العمل. فإضاعته لورقة مالیّة من شأنه أن یسلب النوم من عینیه ویشغل فكره أثناء الصلاة. كلّ هذه الاُمور هی علامات التعلّق بالدنیا. فهل سیتوفّر لمثل هذا لشخص حالٌ یعینه على العبادة یا ترى؟ وهل سیتمكّن من الاستیقاظ باكراً فی السحر للوقوف بین یدی الله خاشعاً متضرّعاً مناجیاً؟ اذن هذا التعلّق هو نوع من التلوّث الذی یصیب الروح.

إنفاق المرء لما یحبّه

ما السبیل یا ترى للتخلّص من هذا التلوّث والدنس؟ لقد بیّنت الآیة الشریفة التالیة علاج هذا الداء بقولها: «لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ»3؛ فإذا رغبتم بالتطهّر فلابدّ من أن تعمدوا إلى الفائض والزائد وتشذّبوه، فتعطوا بعض ما جمعتم من أموالكم للآخرین، وإلا فإنّ التعلّق بها سیعیق عملیّة تقدّمكم ورقیّكم. فالتعلّق هو بمثابة الحجر المشدود إلى أرجلكم؛ فإذا أردتم الطیران فیتعیّن  علیکم أن تفكّوا هذا الحجر. ومن هنا فقد أوجب الله تعالى دفع قسم من المال بعنوان الخمس والزكاة، غیر أنّه ترك المجال مفتوحاً أیضاً لإنفاق المزید من المال، هذا وإن كان على المرء أن یراعی الاعتدال فی جمیع الامور.
وعلى أیّ حال فإنّ الطریق المثلى للحدّ من التعلّقات الدنیویّة هی مساعدة الآخرین. فالقرآن الكریم یقول: «لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ» لا أن تنفقوا ممّا یسبّب لكم الإزعاج وتودّون التخلّص منه. بل إنّ القرآن یؤكّد على هذه النقطة بقوله: «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَیِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَیَمَّمُواْ الْخَبِیثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِیهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِیهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَنِیٌّ حَمِید»4؛ أی علیكم بالإنفاق من طیّب ما جنیتم من الأموال وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تنفقوا من خبائث أموالكم التی لستم أنتم على استعداد للقبول بها إلاّ عن إغماض وإكراه.
إذن فالقلب یطهر من هذه الخبائث بإعطاء الزكاة. فهذا القرآن یخاطب النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) بقوله: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّیهِم»5. فالتعلّقات الدنیویّة، التی تقف عقبة أمام حبّ الآخرة والاُنس مع الله والاستئناس بعبادته عزّ وجلّ، تزول بإیتاء الزكاة؛ ومن هذا المنطلق تقول مولاتنا (علیها السلام): «... وَالزَّكَاةَ تَزْكِیَةً لِلنَّفْسِ»؛ أی جعل الله الزكاة تزكیة وتطهیراً للقلب والروح.
من الشائع فی ثقافتنا القول: طهّر مالك بدفعك الخمس والزكاة؛ وذلك لأنّه مع وجود الحقوق الواجبة التی لله عزّ وجلّ ضمن أموالنا یصبح التصرّف فی المال حراماً، والحرام نجس ینجّس المال ویجعله قذراً؛ ومن هنا یقال: طهّر مالك! وهذا تعبیر صحیح أیضاً؛ لكنّ المسألة الأساسیّة هی تطهیر روح الإنسان.
2. ونماء فی الرزق: فالفائدة الثانیة للزكاة هی فائدة دنیویّة تتمثّل فی توسیع الرزق فی هذا العالم. فطاعة الله عزّ وجلّ ومراعاة الأحكام الإلهیّة تؤدی الى ان یفتح الله تبارك وتعالى بابَ رحمةٍ بوجه الإنسان لیس بمقدور الإنسان نفسه أن یحصی منافعها. فالقرآن یقول: «وَمَن یَتَّقِ اللهَ یَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لاَ یحَتَسِبُ»6. فهذا هو الثواب الذی یثیب الله به عباده الأتقیاء. وهذه هی إحدى علل زیادة الرزق بواسطة إعطاء الزكاة.
أمّا الدلیل الآخر فهو ما توصّل إلیه المؤمنون بتجربتهم العملیّة. فأنا شخصیّاً أعرف واحدا أهل العلم ممّن هو ـ حقیقةً ـ مظهر من مظاهر السخاء والكرم، فلم أرَ فی حیاتی مَن هو أكثر منه بسطة یدٍ فی البذل والعطاء. كان هذ الرجل یقول: كلّما بذلتُ وأنفقت أكثر زاد رأس مالی بغیر حساب، وكنموذج على ذلك فإنّ مائة من شیاهی ولدت هذا العام توأمین. فكلّنا قد جرّب أنّ المال الذی ندفعه كزكاة نُعوَّض عنه ویفاض على أموالنا المزید من البركة، من دون أن ندری لماذا.

التحلیل العلمیّ لآثار الزكاة

ومن الممكن توضیح هذا المعنى باسلوب علمیّ بالنسبة لمن یهتمّ بالقضایا العلمیّة ولا یعیر كبیر اهتمام للمسائل التعبدّیة. فإنّ قدرة المستهلك على الانتفاع من المنتوج هی مسألة اقتصادیّة مهمّة وإنّ تطوّر المجتمع اقتصادیّاً هو رهن بها. فزیادة الإنتاج من دون توفر مستهلِك یشتریه لن یكون ذا فائدة لأصحاب رؤوس الأموال. فعلى صعید الاقتصاد العالمیّ مثلاً إذا اُرید نموٌّ ونهوضٌ بالاقتصاد فلابدّ من التفكیر فی البدء بسوق لتسویق المنتجات. كما أن الدول الرأسمالیّة تسعى جاهدة، حتّى وإن كان عن طریق خداع شعوبها، أن ترفع من مستوى القدرة الشرائیّة لعامّة أفراد الشعب ولو مؤقّتاً. فالصنادیق المالیّة وبطاقات الائتمان التی زاد عددها فی هذا القرن إنّما تسهّل إعطاء القروض للناس لهذا الغرض، وهذا نوع من التكتیك من أجل أن یجنی صاحب رأس المال هو الآخر المزید من الربح. وعلى مستوى الاقتصاد العالمیّ فإنّ الدول الصناعیّة المتقدّمة تسعى ـ تحت شعار المساعدات العلمیّة والاقتصادیّة والثقافیّة والمصرفیّة وما إلى ذلك ـ إلى تأسیس مؤسّسات اقتصادیّة وصنادیق نقد وتمنح الدول الاخرى قروضاً مالیّة لیس الهدف من ورائها الا تصریف منتجاتها وبضائعها. إذن فإنّ إحدى سبل النهوض باقتصاد المجتمع هو مساعدة الفقراء لكی یكتسبوا قدرة شرائیّة. فإن اكتسبوا تلك القدرة عاد نفع ذلك على المنتجین أیضاً.
ومن هنا فإنّ إحدى فوائد الزكاة هی أنّها ترفع القدرة الشرائیّة للمعوزین فی المجتمع، وبالنتیجة فإنّ تحرك السیولة النقدیّة فی شرایین المجتمع تؤدّی إلى النموّ فی الاقتصاد. بطبیعة الحال فإنّ على من یمتلك أموالاً أكثر أن یعطی بعضها لمن یملك أقلّ منه. إذن فعن طریق التجربة من ناحیة، والاستدلال العلمیّ من ناحیة اخرى، وعبر البیان القرآنیّ من ناحیة ثالثة نفهم أنّ الإنفاق هو من السبل الكفیلة بتحسین الوضع الاقتصادیّ للمجتمع.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرین


1. بحار الأنوار، ج29، ص223.

2. سورة محمّد (صلّى الله علیه وآله)، الآیة 36.

3. سورة آل عمران، الآیة 92.

4. سورة البقرة، الآیة 267.

5. سورة التوبة، الآیة 103. 

6. سورة الطلاق، الآیتان 2 و3.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...