صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة التاسعة و العشرون: الصبر مفتاح الاجر

تاریخ: 
چهارشنبه, 7 مهر, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 29 أیلول 2010م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

الصبر مفتاح الأجر

«وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِیجَابِ الأَجْر»1
تلونا معاً بتوفیق من الله عزّ وجلّ جزءاً من خطبة مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) مشفوعة بتوضیح مقتضب. وقد بلغنا من الخطبة إلى حیث قالت (علیها السلام)، فی أثناء إشارتها إلى أهمّ مباحث المعارف الإسلامیّة والنظام القیمیّ فی الإسلام والتذكیر بحكمة تشریعها – قالت: «وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِیجَابِ الأَجْر».

الصبر من المفردات المفتاحیّة فی المعارف

انّ المفردات التی یكثر القرآن الكریم والروایات من تكرارها ویؤكد علیها محدودة نسبیّاً. إحدى هذه المفردات هی «الصبر» وهی تُعدّ من المفردات المفتاحیّة فی المعارف الإسلامیّة. فالله سبحانه وتعالى یوصی نبیّه الأعظم (صلّى الله علیه وآله) دوماً بالصبر بقوله: «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ»2، و«فاصبر...»3، كما أنه عزّ وجلّ یوصی عموم الناس أیضاً بالصبر فی مواطن كثیرة من كتابه العزیز؛ إذ یقول عزّ من قائل فی سورة العصر: «وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِی خُسْرٍ * إِلا الَّذِینَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ». فهذه السورة تحتوی على أربع مفردات مفتاحیة هی: الإیمان، والعمل الصالح، والحقّ، والصبر. إذن من الواضح أنّ موضوع الصبر ینطوی على أهمیة كبیرة مما یدعو إلى ذكره إلى جانب الحقّ، والإیمان، والعمل الصالح.

 لیس الصابر منفعلاً ولا منظلماً

للأسف فإنّ معانی بعض المفردات القرآنیة لا تتمّ المحافظة علیها فی عرفنا جیداً بل قد تعانی بعض التحریف أیضاً، ومن جملة هذه المفردات هی مفردة الصبر التی إذا أمعنّا النظر فی استخداماتها فی الآیات القرآنیة وروایات أهل البیت (علیهم السلام) لوجدناها تختلف بعض الشیء عما هو مرتكز فی أذهاننا. فنحن نتصوّر أنّ الصبر هو حالة الانفعال التی تنتاب الإنسان؛ أو بتعبیر آخر: عدم إظهار ردّ فعل تجاه حوادث الدهر. فنحن نطلق على مَن یتلقى الصفعة على وجهه من دون أن یردّ علیها بمثلها انّه صابر! وعلى الرغم من أنّ الإنسان الذی لا یُبدی عظیم جزع وشدید فزع فی مواجهة المصائب والنوازل هو لا شكّ من أهل الصبر، وأنّ هذه الصفة هی من المصادیق البارزة والصحیحة للصبر، بید أنّ نطاق استخدام مصطلح الصبر هو أوسع بكثیر من ذلك وأنّ مؤدّاه أعمق وأغنى من هذا المعنى.
كما أنّ الصبر لا یعنی الانظلام والخنوع تحت وطأة الظلم والتعدّی، فالإسلام لا یحبّ أن یكون المرء منفعلاً فی مقابل الظلم وسریع التسلیم له. فقد جاء فی الخبر بأسناد متعدّدة: «مَن قُتل دون مَظلِمته فهو شهید»4؛ أی من تعرّض للظلم ثمّ قُتل دفاعاً عن نفسه وبغیة رفع الظلم عنه فله حكم الشهید. فالإسلام لا یحبّ الإنسان الخنوع الذلیل المنفعل، بل یرید من المسلم أن یقاوم الظلم وأن ینتزع حقّه المغتصَب حتّى وإن دفع حیاته ثمناً لذلك؛ لكنّ الأسمى والأرفع من ذلك هو الدفاع عن الإسلام، والاُمة الإسلامیة وقیم الإسلام ومقدّساته، فهذا التكلیف أسمى وأهمّ من الأوّل بكثیر.

أقسام الصبر الثلاثة

من حسن الحظّ فإنّ التفاسیر الواردة فی الأحادیث تقف إلى حدّ ما بوجه هذه التحریفات والأخطاء. فقد ورد فی حدیث نبویّ شریف معروف: «الصبر ثلاثة: صبر عند المصیبة، وصبر عند الطاعة، وصبر عن المعصیة»5. فالصبر عند المصیبة یعنی أن لا یجزع المرء وأن یحافظ على رباطة جأشه إذا حلّت به شدیدة أو نازلة. والصبر على الطاعة وحال أداء التكلیف هو أن یبذل الإنسان جهده فی أن یؤدّی ما علیه من تكلیف على أحسن وجه. والصبر عن المعصیة هو أن یقاوم الإنسان ما یتولّد فی داخله من دافع إلى المعصیة الذی یكون غالباً بصورة الشهوة والغضب. وقد ذكرت الأحادیث أقسام الصبر هذه وإنّ هذه التوصیات والتوجیهات تهیّئ الأرضیة لنا كی نكتشف الوجه المشترك بینها. فالقرآن الكریم یذكر الصبر بشكل مطلق بقوله: «واصبر»، بینما تبیّن الروایات ثلاثة أقسام للصبر. فكیف لنا أن نفهم أیّ المصادیق هو مقصود القرآن الكریم من الصبر؟ بطبیعة الحال إننا لو درسنا وتفحّصنا موارد استعمال الصبر فی القرآن الكریم لاستطعنا اكتشاف مصادیق تلك الأقسام الثلاثة؛ لكننا لو توصلنا إلى معنى تحلیلیّ للصبر تكون له جهة مشتركة بین الأقسام الثلاثة، لظفرنا بفهم أفضل لمفاد الآیات والروایات، وقد لا یخلو من نفع فی مقام العمل أیضاً.

المعنى التحلیلیّ للصبر

التحلیل الذی یمكن تقدیمه هنا هو أنّ أعمالنا الاختیاریّة بحاجة إلى مقدّمات. فالفعل الاختیاریّ للإنسان یحتاج على الأقلّ إلى عاملین: أحدهما المعرفة، وثانیهما الدافع. لكن من حیث إنّ الله جلّ وعلا قد خلق هذا العالم على نحو بحیث نكون على الدوام عرضة للامتحان فلیست القضیّة أنّه بمجرّد وقوفنا على حُسن فعلٍ مّا فإنّ الدافع لإنجازه سیتولّد فی وجودنا فوراً. فلو كان الأمر كذلك فلن یُصار إلى تمییز الحَسَن عن القبیح أو إدراك قیمة الأعمال. فصحیح أنّنا قد نحیط علماً بحُسن فعل معیّن ونجد فی أنفسنا الحافز للقیام به، غیر أنّ دوافع معارضة قد تتولّد فی أنفسنا أو تبرز بعض العراقیل والمشاكل التی تعیق إنجازه. فإن رغبنا فی إنجاز هذا العمل فما علینا إلاّ إزاحة تلك العراقیل والموانع عن طریقه.
فالزواج مثلاً هو أمر اختیاریّ، لكن لیست المسألة أنّ المرء باستطاعته أن یتزوّج حال اتّخاذه قراراً بذلك، بل إنّ اتّخاذ مثل هذه الخطوة یتطلّب مقدّمات كثیرة. إذن فإن شئنا القیام بعمل صحیح من شأنه أن یقودنا إلى الكمال والسعادة ولا تكون عاقبته الحسرة والندامة (هذا وإنّ أهمّ أشكال الندامة هو ما یرتبط بالآخرة لأنّ ندم الدنیا یمكن تداركه) فعلینا الإحاطة بحسن العمل وكونه قیّماً أوّلاً، ومعرفة كیفیّة إنجازه ثانیاً، وإزالة الموانع والعراقیل من طریقه ثالثاً. فقد یعلم المرء أنّ العمل الفلانیّ جیّد ومفید، وأنّ الوسائل الكفیلة بإنجازه متوفّرة بشكل أو بآخر، لكن قد تظهر أحیاناً عند الإقدام علیه بعض الموانع التی تعرقل أداءه، وهذه الموانع تنقسم إلى بضعة أقسام:
القسم الأوّل هی الموانع الداخلیّة لدى الإنسان نفسه؛ وهی أن یتصوّر – على سبیل المثال – أنّ القیام بعمل كهذا قد یحرمه بعض الملذّات أو یكرهه على تجشّم المعاناة. فعادة عندما تكون عواطف الإنسان ومشاعره مواتیة لفعل معیّن فإنّه سرعان ما یتّخذ القرار بإنجازه، لكنّه عندما تتضادّ أحاسیسه ومشاعره مع اتّخاذ مثل هذا القرار فستشكّل مانعاً داخلیّاً یردعه عن القیام به.
القسم الثانی هی الموانع الخارجیّة البشریّة؛ كأن یسخر أرحام المرء وأقاربه من أدائه لفعل خیر فیشكّلون بذلك مانعاً من القیام به. فهذا المانع یكون تأثیره من الخارج.
القسم الثالث هی المشاكل والأحداث التی تصرف الإنسان عن إنجاز العمل، كالابتلاء بالمرض أو بعض الحوادث الطبیعیّة.
وبناء علیه فإذا توصّلنا إلى نتیجة مفادها أنّ أمراً معیّناً لابدّ أن یُنجَز فیجب أن نُعدّ أنفسنا لمواجهة تلك الموانع ومقاومة العوامل الداخلیّة والخارجیّة والمشاكل الاخرى، ویُطلق على هذا النمط من المقاومة اسم «الصبر». فالعامل الداخلیّ – مثلاً - قد یتمثّل بالمیول الشهوانیّة التی إذا جعلها الإنسان تحت قدمیه عُدّ ذلك مصداقاً من مصادیق الصبر.

الجهاد، معركة الصبر على الطاعة

لكنّنا لم نتعوّد فی محاوراتنا الیومیّة على اعتبار مقاومة تلك العوامل صبراً؛ فعلى سبیل المثال إذا استیقظ شخص بعد منتصف اللیل مع شدّة نعاسه وسارع إلى غسل وجهه و یدیه لطرد النوم من عینیه كی لا تفوته صلاة اللیل فإنّنا لا نجد من یسمّی ذلك صبراً؛ لكنّه فی الحقیقة مصداق بارز لـ «صبر عند الطاعة». كما أنّ المصداق الواضح لهذا النمط من الصبر هو الصبر والثبات فی مقابل العدوّ فی ساحة الوغى. فنحن الیوم نقف أمام أعداء یقول فیهم القرآن الكریم: إنّهم أعداء دینكم: «وَلا یَزَالُونَ یُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى یَرُدُّوكُمْ عَن دِینِكُمْ»6. فالبعض یعتقد أنّهم لا یطمعون إلا بنفطنا، وإذا تمّ تأمین مصالحهم الاقتصادیّة فستُحلّ مشكلتنا معهم. وهذا التصوّر إنّما ینبع من روح الرضوخ والخوف التی تكمن حقیقتها فی طلب الراحة والدعة. فأمثال هؤلاء یودّون العیش فی راحة وطمأنینة ولا یریدون تعریض حیاتهم للخطر. ومن أجل تبریر مواقفهم أمام الناس الذین یتّهمونهم بانعدام الغیرة ونكران الجمیل فهم یقولون: «إنّكم لا تفقهون من السیاسة شیئاً. فلابدّ من التطبیع والحوار مع أمریكا كی ندفع الأخطار عن بلادنا»! وهذا خلاف الصبر تماماً. فالصبر هو أن نثبت ونصمد بصلابة كالرجال. بالطبع لابدّ إلى جانب ذلك أن یكون لدینا خطّة متقنة وتدبیر للامور، لكن عندما ندرك أنّه ثمّة عملٌ مّا ینبغی القیام به فلا یجوز أن نتهاون أو نتقاعس، فهذه من العوامل التی تردع المرء عن أداء التكلیف. ولا ننسى أن بحثنا یتناول موضوعاً قد ثَبُت فیه التكلیف، وإلا فإنّ ولوج میدان العمل من دون هدف محدّد وخطّة مسبقة الإعداد لیس بالأمر المعقول؛ «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِی الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ»7؛ فیجب علینا أن نستعدّ لطاعة الله ورسوله وولیّ الأمر. طبعاً قد یكون عذر البعض مقبولاً عند الله ورسوله فی واقع الأمر، لكنّ اختلاق الأعذار والتحجّج عند البعض الآخر غالباً ما یكون منشؤه التقاعس والنزوع نحو الراحة والدعة.
فالفلسطینیّون واللبنانیّون ومن خلال توجیهات الإمام الراحل (رضوان الله تعالى علیه) قد وصلوا إلى قناعة مفادها أنّ المقاومة هی السبیل الوحید للنجاة وقد تحوّلت المقاومة عندهم إلى ثقافة جدیدة حتّى صارت شعار حزب الله فی لبنان فی الوقت الحاضر. وهذا أیضاً هو شكل من أشكال الصبر؛ وهو نفس الصبر الذی یتحدّث عنه القرآن الكریم بقوله: «وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ»8؛ أی من أجل إحقاق حقّكم علیكم بالمقاومة وتحمّل المكاره والمشاقّ فی سبیلها.

تبلیغ الدین مصداق للصبر على الطاعة

المصداق الآخر للصبر هو میدان الدعوة الدینیّة. فإذا كان ثمّة مَن هو بحاجة إلى إبلاغه الدین، ویتأثّر إذا توفّر مَن یبلّغه من خلال المنطق الصحیح والاسلوب الذی یرضاه الله ویقرّه العقل، فینبغی حینئذ تحمّل أعباء هذا الطریق وولوج هذا المضمار. فسلوك طریق كهذا ینطوی - بما لا شكّ فیه - على عناء ومكاره، بل وقد یضطرّ السالك له أحیاناً إلى مقاساة الجوع، والعطش، وتحمّل السلوك المشین الصادر من الآخرین، وما إلى ذلك. فلقد كانت عملیّة الدعوة الإسلامیّة تواجَهُ فی الماضی بمشاكل جمّة؛ فشدّ الرحال من أجل إبلاغ الدین كان یمثّل بالنسبة للبعض جهاداً بكلّ ما فی الكلمة من معنى. لكنّنا نشهد الیوم، ولله الحمد، تضاؤلاً ملحوظاً لهذه المشاكل. فقد نقل أحد الاُخوة (وهو الآن أحد المراجع الكبار فی قمّ المقدّسة وقد كان فی ذلك الحین أیضاً مدرّساً بارزاً فی الحوزة العلمیّة) عن ذكریات التبلیغ فی شبابه فقال: ذهبت للتبلیغ فی شهر محرّم الحرام إلى إحدى القرى النائیة وكان الفصل شتاءً فلم یُبدِ أحد أیّ استعداد للتعاون معی، بل إنّ أحداً لم یدعُنی إلى بیته. إذن هكذا كان وضع الدعوة الإسلامیّة فی إیران قبل انتصار الثورة الإسلامیّة (وهی البلد الشیعیّ الوحید فی العالم).

میادین المقاومة

أمّا مجالات المقاومة فهی تلك الأقسام الثلاثة التی أكّدت علیها الروایات:
القسم الأوّل «صبر عن المعصیة» وهو الثبات والمقاومة فی مجابهة النفس والشیطان. وهنا لابدّ من الصمود بوجه النفس والشیطان بعنوان انّهما العوامل الداخلیّة، ومقاومة الناس فی الخارج الذین یمارسون على الإنسان ضغوطاً عبر التهدید والسخریة أو من خلال علاقات الصداقة وروابط المحبّة بعنوان أنّهم العوامل البشریّة الخارجیّة. والقسم الثانی هو الـ «صبر عند الطاعة» حیث یتعیّن على الإنسان أن یدع التقاعس جانباً ویكون جادّاً فی أداء التكلیف. بالطبع علیه هنا تأدیة التكالیف الواجبة بالدرجة الاُولى والمستحبّة بالدرجة الثانیة مراعاةً للأفضل فالأقلّ فضلاً. أمّا القسم الثالث فهو الـ «صبر عند المصیبة». فلیكن فی علمنا أنّ الحیاة الدنیا لا تكون من دون مصاعب ومحن. فقد خلق الله عزّ وجلّ الدنیا محفوفة بالمصاعب. لیس هذا فحسب، بل لقد قال سبحانه وتعالى بنفسه: «لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِی كَبَد»9، والكبد هو العذاب والمعاناة، وإنّه یصطلَح على مجموع هذه المحن والمصاعب وكذا الصبر علیها ومقاومتها بـ «المكابدة». فكم من الآلام والمعاناة یتحتّم على الاُمّ أن تتحمّلها فی سبیل ولادة طفلها وتنشئته. فهو عزّ وجلّ یقول فی حدیث قدسیّ: «وَضَعْتُ الرَّاحَةَ فِی الْجَنَّةِ وَهُمْ الناس یَطْلُبُونَهَا فِی الدُّنْیَا فَلا یَجِدُونَهَا»10. إذن نحن نطلب الراحة فی الدنیا لكن من غیر جدوى، فهی: «دار بالبلاء محفوفة»11. والتجارب أثبتت أنّه ما من عمل مهمّ یمكن تنفیذه من دون مصاعب ومشاقّ. إذن ما على المرء إلا أن یلقّن نفسه بأنّه لابدّ من السعی الحثیث والجهد المتواصل من أجل بلوغ أیّ منصب أو مقام، حتّى وإن كان دنیویّاً؛ فإنّه

وما نیل المطالب بالتمنّی      ولكن تؤخذ الدنیا غلابا12

فلا دوام لما یُستحصل بالحیلة والخداع وسرعان ما یفتضَح أمر مَن یستخدم هذه الأسالیب ویمسی منبوذاً من قبل الناس.

لا یبلغ الرجل المدلّل مُنیةً    فالعشق من دأب الرجال الكادحین13

والملفت هنا هو أنّ الصبر لا یفضی إلى النجاح فی الامور الدنیویّة فحسب بل إنّه ینهض بدور حیویّ حتّى فی نیل أفضل الاُمور المعنویّة والكمالات الإنسانیّة وكلّ ما یتعلّق بالهدف النهائیّ من خلقة الإنسان. فباستعراضنا للآیات القرآنیّة سندرك أنّ الصبر هو المفتاح لكلّ نجاح وموفقیّة. فالله تعالى كان قد نصر فی واقعة بدر تلك الفئة القلیلة العدّة والعدد من الحفاة، حین قال: «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ»14. ثمّ حثّهم على الثبات والمقاومة بقوله: إن أصابكم ضعف مددناكم بالملائكة: «بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَیَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا یُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ ءَالافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِینَ»15. فلا تظنّوا أنّ ملائكة الله الذین هرعوا لنجدتكم كانوا بهذا العدد فقط. فلم تكن مهمّة هؤلاء إلاّ فكّ العقدة التی أنتم فیها؛ لكنّكم إذا تحلّیتم بالصبر والتقوى ثمّ أصابكم بعض العجز فسوف نمدّكم بخمسة آلاف ملَك أیضاً، لكن بشرط أن تتحلّوا بـ «الصبر» و«التقوى»؛ «إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ».
وفیما یتّصل بنیل النجاحات الدنیویّة أیضاً فإنّه تعالى یشیر إلى قصّة یوسف (علیه السلام) فیقول: «إِنَّهُ مَن یَتَّقِ وَیَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ»16. فالمقام الذی ناله یوسف (علیه السلام) كان بسبب ما احتمله من صبر فی مقاومة المعصیة. هذا هو الأجر الدنیویّ فقط أمّا الأجر الاُخرویّ فمفروغ عنه. ویشیر القرآن الكریم إلى هذا المضمون فی عدد من الآیات وهو أنّ اقتران التقوى مع الصبر هو شرط الظفر فی الدنیا وفی الآخرة معاً. والتقوى هی أن یمتلك الإنسان روح الاجتهاد فی فهم ما علیه من تكلیف شرعیّ والعمل به بعد فهمه؛ وذلك بطاعة الله ورسوله وولیّ الأمر، ومن ثمّ الصمود بوجه العدوّ ومقاومته من خلال التوكّل على الله سبحانه وتعالى.

النصر لا یكون إلاّ من عنده سبحانه

واستكمالاً للآیات التی تتناول واقعة بدر یقول عزّ من قائل: «وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِیزِ الْحَكِیمِ»17؛ فلقد مددناكم بالملائكة فانتصرتم، لكن لا تتوهّموا أنّ الملائكة هم من نصركم. فنحن لم نرسل الملائكة إلاّ من أجل أن تطمئنّ قلوبكم؛ وإلاّ فما النصر إلاّ من عند الله القویّ المقتدر الحكیم.
فلا ینبغی للمؤمن أن یمدّ عینیه إلى غیر ید الله تعالى، فلا یقصرّن فی أداء الواجب من ناحیة، ولا یخافنّ من شیء أبداً، فإن انتابه عجز أعانه الله تعالى عبر طرق اُخرى حتّى وإن كانت قوى غیبیّة. وحتّى فی حال مدّنا بالقوى الغیبیّة فإنّه لا ینبغی أن نتصوّر أنّ الأمر بید تلك القوى؛ بل إنّ أصل النصر والإعانة بید الله وحده. إذن فلتتجه أعینكم إلى ید الله تعالى، ولا تتوكّلوا حتّى على الملائكة. فالإسلام یصبو إلى تنشئة اُناس كهؤلاء.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرین


1. بحار الأنوار، ج29، ص223.

2. سورة الأحقاف، الآیة 35.

3. سورة طه، الآیة 130، وسورة الروم، الآیة 60، وسورة القلم، الآیة 48.

4. الكافی، ج5، ص52.

5. وسائل الشیعة، ج15، ص238.

6. سورة البقرة، الآیة 217.

7. سورة النساء، الآیة 83.

8. سورة العصر، الآیة 3.

9. سورة البلد، الآیة 4.

10. بحار الأنوار، ج75، ص453.

11. نهج البلاغة، الخطبة 226.

12. للشاعر أحمد شوقی.

13. فی إشارة لبیت شعر بالفارسیّة لحافظ الشیرازیّ یقول فیه: نازپرورده تنعم نبرد راه به دوست       عاشقی شیوه مردان بلاکش باشد

14. سورة آل عمران، الآیة 123.

15. سورة آل عمران، الآیة 125.

16. سورة یوسف، الآیة 90.

17. سورة آل عمران، الآیة 126.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...