صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الرابعهَ والخمسون: ماذا لو أصبح علی علیه السلام حاکما؟

تاریخ: 
چهارشنبه, 11 خرداد, 1390

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 1 حزیران 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

ماذا لو أصبح علی علیه السلام حاكما؟

تلوت على مسامعكم فی المحاضرة الفائتة جانباً من خطبة الزهراء (سلام الله علیها) التی ألقتها فی جمع نساء المهاجرین والأنصار وقدّمت لما قرأته شرحاً موجزاً بمقدار ما أسعفنی التوفیق لذلك. وقد بلغنا منها تلك العبارة التی تقول (علیها السلام) فیها: «وَمَا الَّذِی نَقَمُوا مِنْ أَبِی الْحَسَنِ (علیه السلام)؟ نَقَمُوا وَاللهِ مِنْهُ نَكِیرَ سَیْفِهِ، وَقِلَّةَ مُبَالاتِهِ لِحَتْفِهِ، وَشِدَّةَ وَطْأَتِهِ، وَنَكَالَ وَقْعَتِهِ، وَتَنَمُّرَهُ فِی ذَاتِ اللهِ ...».

الحاكم المثالیّ

بعد أن أتمّت فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) فی الأیّام الأخیرة من عمرها الحُجّة على الناس وعلى المتصدّین للخلافة من دون الوصول معهم إلى نتیجة أرادت فی هذا المجلس أن تبیّن علّة تخلّی الناس عن أمیر المؤمنین (علیه السلام). ومن أجل فهم العلّة من وراء ترك الناس لأمیر المؤمنین (سلام الله علیه) ومبایعة غیره علینا بادئ ذی بدء تقدیم هذه المقدّمة وهی: ما الذی تتوقّعه الرعیّة من الحاكم؟ ومن هو الحاكم المثالیّ؟
القسم الأوّل من الامور التی تطلبها الرعیّة من الحكومة هی اُمور عامّة یتوقّعها كلّ شعب - مهما كانت اتّجاهاته الفكریّة والعقائدیّة - من زعیمه، ومنها تنفیذ القانون الذی أقرّه الشعب بشكل صحیح، والذی من لوازمه معاقبة الخارجین عن هذا القانون. فأفراد المجتمع ینتظرون من الحاكم محاكمة ومعاقبة مَن یتمرّد عمداً على القانون ویتجاوز على حقوق الآخرین. كما وإنّ من مطالبات الشعب العامّة من حاكمه هو أن یكون الأخیر رؤوفاً بعامّة الرعیّة وطالباً لخیرهم فی الظاهر والباطن. ومنها أیضاً أن لا یفكّر الحاكم بنفسه وأن یفكّر جدّیاً بتأمین مصالح المجتمع وخدمة الرعیّة، لا أن یسعى لكنز الثروة وجمع الامتیازات لنفسه.
هذا النمط من المطالبات یطالب به كلّ شعب من حكومته، ویكون الحاكم مثالیّاً بالنسبة لكافّة المجتمعات البشریّة إذا توفّرت فیه هذه الخصوصیّات. أمّا المجتمع الإسلامیّ فإنّه - مضافاً إلى ما سبق - ینتظر من حاكمه صیانة القیم الإسلامیّة وإشاعتها على صعید المجتمع؛ أی أن یجعل الرعیّة تسیر على صراط التوحید القویم ویجتهد فی أن لا یُبتلى أفراد الاُمّة بضروب البدع والآفات الفكریّة والانحرافات العقائدیّة. فإذا انتهج الحاكم - فی مقام العمل - سبیل التسامح واللامبالاة ولم یتعاط مع هذه القضایا بجدّیة كبیرة فسینقسم الناس حیال ذلك إلى طائفتین عادةً؛ فالظلمة والمتجاوزون على حقوق العباد والذین یسیؤون التصرّف ببیت المال سیستبشرون ویرضون عن الحاكم إذا أمنوا من جانبه العقاب ولاحظوا منه انعدام الحزم فی التعامل مع تجاوزاتهم. أمّا سائر الناس فإنّهم عندما یشاهدون الحیف الذی ینزل بهم والحقوق التی تضیع منهم فسیستاءون ولا یرضون عن هذا الحاكم. فحینما تؤمَّن مصالح المتنفّذین وأصحاب الثروات ورؤوس الأموال فإنّهم سیحاولون بشتّى الحیل والوسائل إقناع الآخرین وإلهاءهم عن مزاحمتهم وخلق المشاكل لهم؛ وهی أسالیب تشاهَد فی كلّ بلد من بلدان العالم، وقد لا یتسنّى العثور فی هذه الدنیا على بلد لا تُستخدم فیه تلك الحیل والأسالیب الشیطانیّة؛ ذلك أنّه لا یخلو بلد من وجود فئة من الخواصّ والنُّخب یلتفّون حول حاكمه الذی یكون بحاجة إلى آرائهم، ومساعداتهم المالیّة، وما یتمتّعون به من نفوذ وسلطة. ولهذا تكون أیادیهم مطلقة فی التصرّف ببیت المال كیفما شاءوا، ولكی لا تثور الشعوب علیهم فإنّهم یحاولون إلهاءها بكلّ الوسائل المتاحة. وهذا الوضع أضحى عادیّاً وطبیعیّاً فی العدید من الحكومات والبلدان. أمّا الدین الإسلامیّ فهو لا یرضى بذلك.

حكومة علیّ علیه السلام نموذج للحكومة الإسلامیّة

لقد أعطى علیّ (علیه السلام) المثل الأعلى للحاكم الإسلامیّ، ولولا حكومته لما توفّر الآن فی أیدینا اُنموذج للحكم الإسلامیّ الحقیقیّ.
عندما وجّه الصحفیّون الأجانب فی فرنسا للإمام الخمینیّ الراحل (قدّس سرّه) سؤالاً عن نمط الحكومة التی یعتزم تشكیلها إذا انتصر فی مقارعته لشاه إیران ونجح فی إسقاطه، أجاب سماحته: «سأشكّل حكومة مشابهة لحكومة علیّ (علیه السلام)». فالعدوّ والصدیق فی جمیع أقطار العالم وأكنافه یعلم عن عدل علیّ (سلام الله علیه)، فلقد كانت حكومته اُنموذجاً یُحتذى على طول تاریخ البشریّة. فالحاكم العادل الحقیقیّ - حسب الرؤیة الإسلامیّة - هو الرجل الذی یكون حازماً فی تعامله مع المتعدّین، ولا یتّخذ مع الظلمة جانب اللین والمداهنة والتسامح، ولا یمیل فی حكمه إلى قومه وعشیرته وحزبه، ...الخ، بل یقیم الحقّ أینما كان. هذا هو نموذج الحكم الإسلامیّ المثالیّ.
لقد عرف الناس علیّاً (علیه السلام) حقّ المعرفة؛ فلقد شاهدوا عدم مفارقته لرسول الله (صلّى الله علیه وآله) طرفة عین طیلة ثلاث وعشرین سنة من عمر الرسالة وخبروا سلوكه وتصرّفاته عن كثب. فلقد علم الجمیع أنّ علیّاً لا یلین أمام الحقّ وفی مقابل الحكم الإلهیّ، وأنّ القریب والغریب عنده سواء عند إقامة الحقّ. إذن فالناس قد عرفوا علیّاً (سلام الله علیه) بهذه الصفات وعلموا أنّه لیس ممّن یسعهم خداعه أو استغلاله لأغراضهم.

عیب علیّ علیه السلام سجایاه الحسنة

تقول الزهراء (سلام الله علیها) فی هذا المقطع: «إنّ العلّة من وراء عدم تأیید عامّة الناس لعلیّ (علیه السلام) هو سجایاه الحسنة، وإلاّ فلیس بوسع المرء العثور على أیّ عیب فیه». فأیّ امرئ كان یعرف الإسلام أكثر من علیّ (علیه السلام)؟ ومَن من الناس كان یفوق علیّاً (علیه السلام) عطفاً وشفقة على الضعفاء والأیتام والفقراء والأرامل؟ فالجمیع كانوا یعلمون أنّ علیّاً (سلام الله علیه) لم یكن یتحمّل دمعة یتیم. لقد شاهدوا باُمّ أعینهم كیف أنّه (علیه السلام) كان یحفر الجداول ویزرع بساتین النخیل ثمّ یوقفها للفقراء من دون أن ینتفع هو منها، بل كان یبیت هو وأطفاله وعیاله جیاعاً بعد أن یدفعوا ما عندهم من قلیل الطعام إلى سائل. فقد یقول قائل: إنّ هذه لصفات حسنة للغایة وإنّ أیّ اُمّة ستحبّ زعیمها إذا اتّصف بهذه السجایا. إذن فلماذا أقصوا علیّاً (علیه السلام) عن مسند الخلافة؟
أجل فالناس كانوا قد عرفوا علیّاً (سلام الله علیه) حقّ المعرفة، غیر أنّ خواصّ القوم كانوا یطلبون منه أن یحسب لهم حساباً خاصّاً یختلف عن عامّة الرعیّة، لكنّ علیّاً لم یكن من هذا الصنف من الرجال. فعلیّ (علیه السلام) كان من ذلك النمط الذی عندما جاءه أخوه الفقیر یطلب منه زیادة سهمه من بیت المال قرّب من یده حدیدة مُحماة تذكیراً له بعذاب الله الألیم. إذن فلقد أحسّ القوم من علیّ (علیه السلام) أنّه لیس من الصنف الذی یسعهم التفاهم معه. فكانوا على استعداد لأن یتغاضوا عن كلّ حسنات علیّ (علیه السلام) وسجایاه الحمیدة ویضعوا أیدیهم بید من یحسب لهم حساباً خاصّاً.
تقول فاطمة (سلام الله علیها): «وما الذی نَقَموا من أبی الحسن (علیه السلام)»؛ ما هو العیب الذی كان فی علیّ (علیه السلام) كی ینفضّوا من حوله؟! ومن باب الاحترام فقد كانت (علیها السلام) تذكر أمیر المؤمنین بكنیته. «نقموا والله منه نكیر سیفه، وقلّة مبالاته لحتفه»؛ فإنّ العیب الذی أخذوه على علیّ (علیه السلام) هو أنّ أحداً لم یكن یصمد أمام سیفه فی ساحة الوغى. فلقد شاهدوا كیف أنّه (علیه السلام) لا یخاف الخطر أو القتل عندما تحین ساعة النِزال. «وشدّة وطأته»؛ فقد كان یخطو بثبات وعزم، لا بتسامح ومداهنة. «ونكال وقعته»؛ فإن أنزل العقاب بأحد فإنّ ضربته تكون شدیدة تلقّن درساً قاسیاً. «وتنمّره فی ذات الله»؛ وهذا تعبیر بلیغ وظریف للغایة وهو مشتقّ من «النمر»؛ فالعرب تعتقد بأنّ النمر یمتاز من بین السباع بصفة خاصّة وهی أنّه یكون دائم الغضب ومتأهّباً للنزال على الدوام. ومن هنا فإنّهم یطلقون صفة التنمّر على الرجل إذا كان دائم التأهّب للقتال ولا یُؤخَذ على حین غِرَّة. وعبارة «تنمّره فی ذات الله» تعنی أنّه عندما یتعلّق الأمر بالله عزّ وجلّ یكون علیّ (سلام الله علیه) على أتمّ الاستعداد ویتعاطى مع التكالیف الإلهیّة بحزم كامل لا یلین. وهذا هو العیب الذی أخذه الناس على علیّ (علیه السلام) إذ ما كان لهم أن یطیقوا ذلك منه. فلقد حدث أن كان أمیر المؤمنین (سلام الله علیه) مرّة على رأس سریّة فی مهمّة خاصّة فلمّا رجعوا جاء بعضهم إلى رسول الله (صلّى الله علیه وآله) وشكوا إلیه حزم علیّ (علیه السلام) وشدّته، فكان جواب النبیّ (صلّى الله علیه وآله) لهم أن قال: «ارفعوا ألسنتَكم من شكایة علیّ فإنّه خَشِن فی ذات الله»1؛ فعندما یتّصل الأمر بالله جلّ شأنه وبحكمه فإنّه لا یُبدی (علیه السلام) من جانبه أیّ تهاون أو لین، وإذا تعلّق الموضوع بحقوق الرعیّة فلا یغضّ الطرف عن شیء قید أنملة، بینما إذا ارتبطت المسألة بحقّه الشخصیّ فإنّك تراه یتغاضّى عن كلّ شیء.

سیرة علیّ علیه السلام هی السبیل الوحید لسعادة البشر

«وَتَاللهِ لَوْ مَالُوا عَنِ الْمَحَجَّةِ اللاّئِحَةِ وَزَالُوا عَنْ قَبُولِ الْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ لَرَدَّهُمْ إِلَیْهَا وَحَمَلَهُمْ عَلَیْهَا»؛ فوالله لو انحرفت الاُمّة وزاغ الناس عن السبیل القویم لأرجعهم علیّ (علیه السلام) إلى جادّة الحقّ ولم یذرهم ینحرفون عنها. فالانحراف فی الرأی أو النهج - سواء أكان عن سهو أو عن عمد - قد یصیب أیّ مجتمع وإنّها لفضیلة عظیمة تُسجَّل للحاكم إذا تمكّن من ردع المجتمع عن الزیغ عن سبیل الحقّ. «وَلَسَارَ بِهِمْ سَیْراً سُجُحاً»؛ و«السیر السُّجُح» هو حركة البعیر بهدوء بالغ بحیث لا یؤذی راكبه. فالإبل فی ذلك الزمان كانت المركب المناسب الذی یستخدمه العرب فی أسفارهم البعیدة. وعندما تنطلق القافلة فإنّ سائق الإبل هو الذی كان یتولّى تنظیم حركتها والحرص على عدم إیذائها لراكبیها، فیحثّها على الإسراع فی السیر إذا لزم الأمر الإسراع ویحدّ من سرعتها إذا كان الإبطاء ضروریّاً. تقول الزهراء (سلام الله علیها) فی هذه الجملة: «لو أنّ علیّاً (علیه السلام) هو الذی أخذ بزمام الحكومة لساق قافلة إبل الاُمّة بحیث لا تتخلّف الرعیّة عن القافلة من ناحیة، ولا یصابون بتعب السفر أو نصبه من ناحیة اُخرى، وسیبلغون مقصدهم بكلّ یسر من ناحیة ثالثة. «لا یَكْلُمُ حِشَاشُهُ»؛ فقد جرت العادة عند القدماء أن یجعلوا رباطاً فی أنف البعیر للسیطرة على حركته، فالراكب یوجّه البعیر إلى الوجهة التی یشاء من خلال تحریك هذا الرباط. لكنّ البعض كانوا یسحبون الرباط بشدّة إذا أرادوا توجیه البعیر فیجرحون بذلك أنفه، أو یركلون بأرجلهم فخذی البعیر وجنبیه بعنف فیصاب فخذه بالكدمات والجروح لاسیّما فی الأسفار الطویلة التی تستمرّ أیّاماً ویتواصل معها ركل جنبی البعیر. قصد مولاتنا الزهراء (علیها السلام) من هذا التشبیه أنّه: لو أنّهم تركوا أزمّة إبل الخلافة لعلیّ (سلام الله علیه) لساقها إلى المقصد بكلّ هدوء وسلاسة من دون أن یتسبّب فی إیذائها إو إیذاء راكبیها: «وَلا یَكِلُّ سَائِرُهُ، وَلا یُمَلُّ رَاكِبُه»؛ فلا الإبل تتخلّف عن القافلة، ولا راكبها یصیبه الإعیاء والضجر. «وَلأَوْرَدَهُمْ مَنْهَلاً نَمِیراً صَافِیاً رَوِیّاً تَطْفَحُ ضَفَّتَاهُ، وَلا یَتَرَنَّقُ جَانِبَاهُ، وَلأَصْدَرَهُمْ بِطَاناً». فمصادر میاه الشرب كانت تحوز أهمّیة بالغة عند العرب فی ذلك الزمن. فقد كان سكّان البادیة یعیشون فی صحراء قاحلة وكان بالقرب من مقرّ كلّ قبیلة ینبوع ماء أو واحة تتجمّع فیها میاه الأمطار یستخدمها أفراد تلك القبیلة كمصدر للمیاه. تقول فاطمة البتول (علیها السلام): «لو أنّ علیّاً تسلّم زمام الحكومة لسار بالناس بكلّ هدوء وطمأنینة ولأوصلهم فی الموعد المناسب إلى ینبوع ماء لیس ماؤه بالملوّث بل هو صاف زلال على الدوام یتدفّق ویفور ویطفح من ضفّتیه فیشرب منه أفراد القافلة حتّى یرتووا. فإنّ علیّاً (علیه السلام) إذا قاد الاُمّة وتزعّمها فانّه لا یبقى فی الاُمّة ضمآن».
«وَنَصَحَ لَهُمْ سِرّاً وَإِعْلاناً». سبق أن قلنا إنّ الزعیم المثالیّ هو ذلك الذی یكون رؤوفاً بالرعیّة بكلّ ما فی الكلمة من معنى ولا یشغله شاغل غیر خدمتهم فی السرّ والعلانیة؛ وعلیّ (سلام الله علیه) كان كذلك. «وَلَمْ یَكُنْ یَتَحَلَّى مِنَ الْدُّنْیَا بِطَائِلٍ»؛ فمن صفات الحاكم المثالیّ الاُخرى هی عدم تفكیره بنفسه أو ادّخار شیء له. فعلیّ (علیه السلام) كما تقول سیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) لم یكن یقتنی شیئاً من فَضْل الدنیا وزینتها. «وَلا یَحْظَى مِنْهَا بِنَائِلٍ غَیْرَ رَیِّ النَّاهِلِ وَشُبْعَةِ الْكَافِلِ»؛ ولم یكن یمدّ یده إلى بیت المال إلا بمقدار جرعة ماء یروی بها ضمأه وقلیل من الطعام یسدّ به رمقه. «وَلَبَانَ لَهُمُ الزَّاهِدُ مِنَ الرَّاغِبِ، وَالصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ» وعندها سیمتاز الزاهد الحقیقیّ عن طالب الدنیا ویتبیّن الذی یدّعی الحقّ من صاحب المزاعم الجوفاء الكاذبة. ثمّ تستشهد (سلام الله علیها) بقوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَیْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ یَكْسِبُونَ»2؛ فالسنّة الإلهیّة تقضی بأنّه إذا أصبح أهل البلدان (المجتمعات البشریّة) من أهل التقوى والإیمان (أی اعتقدوا بالمعتقدات الصائبة وتقیّدوا بالقیم) فسیُنزل علیهم الله فی هذه الدنیا بركات من السماء والأرض. لكنّهم – مع الأسف – قد كذّبوا عوضاً عن الإیمان. ولهذا فإنّنا سنعاقبهم بما اجترحوا من السیّئات. یقول الباری عزّ وجلّ هنا: «إذا أصبح المجتمع من أهل التقوى» أی هذا الحكم وهذه السنّة ترتبط بالمجتمع لا بالفرد. فقد یكون فی المجتمع بعض الصالحین، لكنّه إذا فسد المجتمع فإنّ الله سیُنزل العقاب بكلّ المجتمع.
«وَالَّذِینَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاءِ سَیُصِیبُهُمْ سَیِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُم بِمُعْجِزِینَ»3. كم هو جمیل هذا الربط! فالزهراء (سلام الله علیها) تستشهد بالآیة السابقة كقاعدة كلّیة وتجعلها كُبرى القیاس ثمّ تشیر بعدها مستخدمة اسم الإشارة «هؤلاء» إلى مجتمع عصرها. بمعنى: حتّى هؤلاء القوم فإنّهم إذا ظلموا فستحیق بهم عواقب أعمالهم ولن یستطیعوا أن یُعجِزوا الله كی یكفّ عن تطبیق سننه. الإشارة إلى هذه الآیة یحمل عبرة عمیقة وضرباً من التنبّؤ بالمستقبل؛ ومعناها: استناداً إلى هذه الآیة الشریفة فإنّ العذاب الإلهیّ سیحیق بأفراد هذا المجتمع لا محالة بسبب تخلّفهم عن حكم الله تعالى، وإهمالهم له، ونقضهم لبیعتهم.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرین


1. إعلام الورى بأعلام الهدى، ص131.

2. سورة الأعراف، الآیة 96.

3. سورة الزمر، الآیة 51.

 

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...