صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الرابع عشر: اهدف الخلقة

تاریخ: 
پنجشنبه, 4 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 26 آب 2010م الموافق للیلة السادسة عشرة من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

أهداف الخلقة

فی كلام فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)

خلاصة المباحث الماضیة

«...كَوَّنَهَا بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَهَا بِمَشِیَّتِه، مِنْ غَیْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَى تَكْوِینِهَا، وَلاَ فَائِدَةٍ لَهُ فِی تَصْوِیرِهَا، إِلاَّ تَثْبِیتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبِیهاً عَلَى طَاعَتِهِ، وَإِظْهَاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِیَّتِهِ، وَإِعْزَازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوَابَ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَضَعَ الْعِقَابَ عَلَى مَعْصِیَتِهِ، ذِیَادَةً لِعِبَادِهِ عَنْ نَقِمَتِهِ، وَحِیَاشَةً لَهُمْ إِلَى جَنَّتِه»1.
فی توضیحنا لفقرات خطبة السیّدة الزهراء (سلام الله علیها) وصلنا إلى حیث أكّدت (علیها السلام) بعبارة قصیرة أنّ الله سبحانه وتعالى یملك منتهى الاختیار، وأنّ كلّ شیء هو منقاد لمشیئته. وقد انتقلت إلى هذا المعنى بمناسبة التساؤل عن الهدف من وراء خلق هذا العالم. ولقد قدّمنا فی المحاضرة الماضیة توضیحاً موجزاً لذلك، وقلنا: إذا كان المراد من الهدف هو ما یُطرح بخصوص أفعالنا الاختیاریّة نحن البشر، فهو إنّما یصدق على الفاعل الذی یكون محتاجاً إلى هدف، والذی طالما لم یصل إلى ذلك الهدف ولم ینل ذلك الكمال فهو یقوم بذلك الفعل كی یوصله إلیه، وهذا المعنى فی حیازة الهدف لا یصحّ بالنسبة لله عزّ وجلّ. فالله لیس بحاجة إلى شیء؛ ومن هذا المنطلق تؤكّد السیّدة الزهراء (سلام الله علیها): «ذَرَأَهَا بِمَشِیَّتِه، مِنْ غَیْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَى تَكْوِینِهَا، وَلاَ فَائِدَةٍ لَهُ فِی تَصْوِیرِهَا».
لكنّه من الممكن أن نتصوّر معنى تحلیلیّاً للهدف یكون صادقاً على الله تعالى أیضاً ویندرج فی عداد صفاته الذاتیّة، وهو أن نقول: إنّ الهدف هو ما یحبّ الفاعل المختار تحقّقَه. فی الحقیقة إنّ الدافع من وراء إنجاز الفعل بالنسبة للفاعل المختار هو الحبّ. والمحبّة تتعلّق بشیء بالذات تارةً، وبالتبع طوراً، وبالعرض حیناً، وقد عرضنا فی المحاضرة الماضیة توضیحاً لهذه المصطلحات. وجمیع متعلّقات المحبّة تُعدّ أهدافاً بنحو من الأنحاء. فعلى سبیل المثال عندما یوجَّه السؤال إلى أهل العبادة والذكر: لماذا أنتم تعبدون؟ فستقول طائفة منهم: من أجل نیل ثواب الآخرة. فالهدف الأساسیّ لهؤلاء هو النعم الفردوسیّة، ولمّا كانت العبادة هی السبیل الموصل إلى تلك النعم فهم یحبّونها هی الاُخرى بالتبع. أمّا البعض الآخر فإنّهم یأنسون ویلتذّون بذكر الله: «بذكرك عاش قلبی»2؛ فحیاة قلبی هی فی الأساس مستمرّة بذكرك. فالعبادة بالنسبة لأفراد كهؤلاء هی نفسها مطلوبة بالذات. إذ أنّ لله عباداً لا یستمتعون بنعیم الجنّة إلاّ من جهة كونه من الله، وهم یحبّون هذا النعیم من أجل انتسابه إلى الله وكونه مظهراً من مظاهر لطفه عزّ وجلّ. فهذا هو الإمام زین العابدین (علیه السلام) یقول فی احدی مناجاة خمس عشرة: «یا نعیمی وجنّتی ویا دنیای وآخرتی»3، فإنّ لله مثل هؤلاء العبید أیضاً. فیالیت حالاً كهذا ینتابنا ولو لبضع لحظات من أعمارنا.
على أیّة حال فكلّ تلك الأمور هی أهداف وإنّ الأهداف بالتبع تقع فی طول الأهداف بالذات. فإذا لاحظنا أنّ القرآن الكریم یعرض لعدّة أهداف بالنسبة لخلق الإنسان فهو فی الحقیقة یشیر إلى الأهداف الطولیّة. وانطلاقاً من ذلك یمكننا القول: إنّ لله تعالى هدفاً بالذات، وهدفاً بالتبع، وهدفاً بالعرض فی آن معاً، وقد مرّ توضیح ذلك فی المحاضرة الفائتة. فعندما نُمعِن النظر فی الآیات القرآنیّة وروایات أهل البیت (علیهم السلام)، التی من جملتها هذه الخطبة الشریفة، نلاحظ أنّ الله عزّ وجلّ قد حدّد لأفعاله أهدافاً. وساُعرّج على مقاطع هذه الخطبة الشریفة التی تلوتها فی مستهلّ الحدیث كی نتعرّف على الأهداف التی ذكرتها مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) لخلقة العالم.

أهداف خلق الوجود فی كلمات السیّدة الزهراء (سلام الله علیها)

تقول فاطمة الزهراء (علیها السلام): إنّ الله إذ خلق العالم لم تكن لدیه حاجة إلى إیجاده؛ لا فی أصل الإیجاد، ولا فی تکمیله وتصویره. ثمّ تستثنی من ذلك اُموراً فتعرضها بعنوان الهدف من الخلقة فتقول: «إلاّ تثبیتاً» وهو استثناء منقطع؛ وذلك لأنّه لیس فی هذه الاُمور أیضاً ما یعود على الله تعالى بالفائدة. فالاستثناء المنقطع یحكی غایة التأكید؛ بمعنى أنّه: حتّى لو ذكرنا هدفاً لذلك فإنّه لیس من سنخ الأهداف التی تكون ناشئةً عن حاجة أو لازمةً لجلب فائدة؛ بل هی اُمور غایتها إسباغ الفوائد على الخلق. واستطراداً فی كلامها تشیر سیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) إلى بضعة موارد هی: «تثبیتاً لحكمته»؛ فإن كان ثمّة من یشكّ فی حكمة الله عزّ وجلّ فسوف یفهم، لدى رؤیته لخلقه، وإدراكه لأسرار خلق كلّ واحد من موجوداته، مدى ظهور آثار حكمته عزّ وجلّ فی ذلك.
«وتنبیهاً على طاعته»؛ فحینما یشاهد المرء هذا الكون بكلّ ما اُودع فیه من الحكمة فسیلتفت إلى أنّ وراء هذا الوجود حساباً واستجواباً. فالقرآن الكریم یقول:
«الَّذِینَ یَذْكُرُونَ اللهَ قِیَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»4. فعندما یطیلون التأمّل فی أسرار هذه الخلیقة یقولون: «رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ». أی حتّى وجودی أنا فهو لیس بعبث. فإذا لم یخلُ هذا العالم من المحاسبة فقد تجرّنی بعض أعمالی إلى استحقاق نار جهنّم. فتكون نتیجة هذه التأمّلات والتفكیر أن ینبروا إلى القول: «فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»؛ فإطالة التفكیر والتأمّل فی حِكَم الله جلّت آلاؤه تقود المرء إلى الالتفات إلى طاعة الله وتبعث فی نفسه الدافع إلى ذلك.
«وإظهاراً لقدرته» وهی تشبه عبارة «تثبیتاً لحكمته». وقد جاءت فی بعض النسخ (التی یبدو رجحانها كما یظهر) عبارة «دَلاَلَةً عَلَى رُبُوبِیَّتِه» أیضاً؛ أی: إنّه خلق هذا الكون كی یُظهر ربوبیّته لعباده، حتّى یفهموا أنّ اختیار التصرّف فی العالم هو بیده. ومن باب التقابل فعندما یكون هو «الربّ» نكون نحن «العبید». ومن هذا المنطلق فإنّه یتعیّن علینا أداء فروض عبودیّتنا.
«وتعبّداً لبریّته». كلمة التعبّد تستعمل تارة بصورتها اللازمة واُخرى بالمتعدّیة. فعندما تأتی بصورتها اللازمة تعطی معنى قیام المرء بالعبادة وممارسته إیّاها؛ أمّا عندما تكون متعدّیة فتؤدّی معنى دعوة الآخرین إلى العبودیّة. ویظهر أنّ المراد هنا هو الصورة المتعدّیة منها؛ لیكون المعنّى أنّ الله قد خلق هذا العالم بكلّ تلك الأسرار والحِكَم كی یدعو عباده إلى عبودیّته.
ثمّ تقول فی الختام: «وإعزازاً لدعوته»؛ أی عندما یرسل الله أنبیاءه ویدعو الناس إلى صراط العبودیّة المستقیم فإنّ التفكّر فی حكمة الخلقة وعظمتها یأتی بمثابة المساعد والمعزّز لدعوة الأنبیاء. وقد اُشیر فی القرآن الكریم إلى أنّ الله عندما یرسل أنبیاءه فإنّه یقیّض الأسباب التكوینیّة بشكل تكون معها دعوة الأنبیاء أبلغ وأكثر تأثیراً
5.
«ثُمَّ جَعَلَ الثَّوَابَ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَضَعَ الْعِقَابَ عَلَى مَعْصِیَتِهِ»؛ ثمّ لم یكتف الله تعالى بوقوف الناس على تكالیفهم عبر مشاهدة عظمة هذا العالم وما ینطوی علیه من الحكمة وخضوعهم أمام خالقه، بل جعل لعباده بلطفه عاملاً معزّزاً آخر بقوله: إذا أدّیتم فروض العبودیّة فإنّ لكم عند الله الثواب الاُخرویّ، وإن عصیتم فإنّ العقاب بانتظاركم. وهذا أیضاً جرّاء رحمته تعالى؛ أی إنّ الله عزّ وجلّ من فرط رغبته بسلوك عباده سبیل الكمال وكسب الأهلیّة لنیل كلّ تلك الألوان التی لا نهایة لها من الرحمة فإنّه قد وضع تلك العوامل كی تكون حافزاً أكبر لهم لانتهاج سبیل الطاعة والنزوح عن منطقة المعصیة.
«ذِیَادَةً لِعِبَادِهِ عَنْ نَقِمَتِهِ، وَحِیَاشَةً لَهُمْ إِلَى جَنَّتِه». یُقال لغةً لمن یدفع العدوّ عن الأرض «ذائد». والسیّدة الزهراء (علیها السلام) تقول: إنّ الله تعالى قد جعل الثواب ووضع العقاب وبیّنهما للناس من أجل وقایتهم من الابتلاء بنقماته وسَوْقهم إلى فسیح جنّاته. فكلمة «حیاشة» تقع من حیث المعنى فی النقطة المقابلة لكلمة «ذیادة» وهی تعنی السوق.

إنّ خلْقَ تمام الوجود هو من أجل الإنسان

لكن ثمّة سؤال یُطرح هنا وهو: فی الوقت الذی لم یكن الله قد خلق الإنسان بعد کیف یمکن ان یُقال إنّه خلق العالم إظهاراً لحكمته؟ فلمن یرید إظهارها یا ترى؟ ومن الذی یرید الباری عزّ وجلّ، عبر خلقه للعالم، أن یسوقه نحو الثواب ویجنّبه العقاب؟ والجواب هو أنّ المقصود هنا هو بعض مصادیق الأشیاء ولیس العالم من حیث المجموع. بمعنى: أنّ مولاتنا (علیها السلام) قد قصدت كلّ العالم من دون الإنسان المختار، ثمّ قالت: لقد خلق العالم وأعمَلَ فیه كلّ هذه الأنماط من حكمته، وأظهر فیه ألوان قدرته، وما إلى ذلك كی تجدوا فی أنفسكم حافزاً یدفعكم إلى طاعته وتكونوا مؤهّلین فی ظلّ العبادة إلى نیل المزید من رحمته. فمالم تمارسوا أصناف العبادة تلك فانّکم لن توفَّقوا أساساً إلى إدراك رحمته. فالملائكة لا یستطیعون إدراك الثواب الاخرویّ لأنّه خاصّ بالبشر، والملائكة سیكونون خدّام الناس فی الجنّة. فثواب الجنّة لا یتّم الحصول علیه إلاّ جرّاء العمل الاختیاریّ للإنسان. ومن هنا فإنّ الله عندما یرید دعوة الإنسان إلى عبادته فهو یقول: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُونِ»6؛ فلیس معنى ذلك: اعبدونی كی أبتهج بعبادتكم! لأنّ مؤدّى هذا الكلام هو أنّ الله محتاج إلى عبادتنا! والحال أنّ الله غنیّ ومن المستحیل ان یکومن محتاجا. فلقد جاء فی القرآن الكریم فی غیر موضع أنّه لو كفر جمیع الإنس والجنّ من الأوّلین والآخرین بالله فإنّه لن یلحق بالله أیّ ضرر ولو بقدر رأس الدبّوس ولن ینقص منه شیء. ولهذا فإنّ كلّ تلك التشكیلات من إرسال الأنبیاء والأولیاء وكلّ ما یُلحق بذلك هی من أجل أن یتمكّن الناس عبر طاعتهم لله من أن یحوزوا الأهلیّة لنیل المزید من الثواب، والكمال، والرحمة فیتقرّبوا من الله أكثر فأكثر. فالله یحبّ إفاضة الرحمة؛ لكنّ السبیل الموصل إلى تلك الرحمة هی العبادة. فإنّ من باب المسامحة أن نقول: ینبغی الإتیان بالعمل فی سبیل مرضاة الله، وأنّ علینا فعل ما یرضیه عزّ وجلّ؛ إذ إنّ المقصود من هذا القول هو أن نحوز اللیاقة والأهلیّة لأن یتعلّق بنا رضا الله سبحانه؛ فالتحوّل إنّما ینتابنا نحن لا هو.

لم تُبیّن جمیع الأهداف لنا

لقد أوضحت السیّدة الزهراء (سلام الله علیها) فی هذه الجمل القلیلة الفلسفة العظیمة من وراء الخلقة، وقد تحدّثنا عنها فی بضع محاضرات بشكل مقتضب. لكنّه لابدّ من الالتفات إلى ملاحظة مهمّة وهی أنّ الله عندما یروم القیام بفعل شیء فإنّه یضرب أحیاناً مائة عصفور بحجر واحد فیحقّق مائة هدف فی آن واحد؛ لكنّه أحیاناً لا یُفصح لنا إلاّ عن واحد من تلك الأهداف الصغیرة. ومن أجل توضیح هذه النقطة لابدّ لی من عرض مقدّمة.
نحن عادة عندما نضع فی حسابنا القیام بعمل ونستهدف منه هدفاً معیّناً فقد تكون لهذا العمل جملة من المستلزمات والآثار لا نكون ملتفتین إلیها أصلاً. فعندما نتناول الطعام مثلاً یكون هدفنا الشبع، وإذا كنّا أكثر عقلاً بقلیل فسیكون هدفنا من وراء تناولنا للطعام هو تنشیط القوى لممارسة العبادة. فی حین أنّنا عندما نأكل الطعام ونمضغه فی أفواهنا فإنّ عضلات فكوكنا تقوى بفعل الحركة أیضاً. فلو أغلق المرء فاه ولم یحرّكه أدنى حركة لمدّة من الزمن فسوف تضمر العضلات المحیطة بالفكّ وتتصلّب. إذن فتناول الطعام یقوّی فكوكنا أیضاً. لكنّ أكثر الناس لا یعلمون بهذا الأثر، وإن علموا به فإنّهم غیر واعین له. فإن استطعنا حقّاً أن نحیط علماً بكلّ تلك الآثار النافعة، ووضعناها جمیعاً فی حساباتنا ساعة تناول الطعام فهل فی ذلك من إشكال؟ إنّه ممّا لا شكّ فیه أنّه إذا علم المرء بكلّ أثر حسن یترتّب على فعله، ووضعه فی حسابه، وابتغاه لدى القیام به فسیكون فعله أكثر كمالاً حتماً.
فقد یضرب الله تعالى بفعله أحیاناً مائة عصفور بحجر واحد غیر أنّه قد لا یصرّح لنا إلاّ بواحد من أهدافه الصغیرة تلك؛ ذلك أنّ هذا هو مقتضى الكلام مع أمثالنا؛ فإمّا أن تکون الأهداف الاُخرى لا یمكن بیانها أصلاً، أو أنّنا لن نفهمها أو لن نعیرها أهمّیة فی حال بیانها. فلأیّ شیء ـ مثلاً ـ خُلقت كلّ تلك السماوات والمجرّات بكلّ ما تحتویه من العظمة والروعة؟ فقد تفصل المجرّةَ عن الاُخرى آلاف السنین الضوئیّة، وقد تسبح فی بعض تلك لمجرّات الملایین، بل الملیارات من النجوم. إنّه سؤال جدّی یتبادر إلى الذهن: لأیّ شیء خُلقت هذه المنظومة العظیمة؟ فلو أرادوا أن یبیّنوا لنا جمیع الأهداف الكامنة وراء خلقة هذه المجرّات فهل سیسعنا تصوّرها؟ ففی الزمان الذی كان فیه البشر یتصوّرون أنّ النجوم مسامیر زینة رُصّعت بها السماء لم یكونوا أبداً لیفهموا هذه الأهداف. بل لو صرّحوا بذلك الآن لنا فلن نقوى على إدراكها أیضاً. یقول الله تبارك وتعالى فی كتابه المجید:
«وَهُوَ الَّذِی جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِی ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»7؛ أی لتهتدوا بها إذا ضللتم الطریق فی ظلمات القفار والبحار. فلو شاء الله أن یبیّن لنا كلّ ما خُبِّئ فی تلك النجوم من الحِكَم لما كانت عقولنا لتستوعبها. فهو جلّ شأنه لیس بجاهل كی لا یحیط علماً بآثارها؛ غیر أنّ الأهداف المُفصَح عنها فی الآیات والروایات هی بمقتضى الحال الذی نزلت فیه الآیة والمخاطَب الذی یسمعها، وإلاّ فلو اراد عزّ وجلّ بیان جمیع الحقائق لتطلّب ذلك الإطناب والإطالة أوّلاً، ولاستعصى على المخاطَب إدراكها ثانیاً، وإن لم یدركها لم یسعه الإفادة والانتفاع منها. ومن هذا المنطلق فلا ینبغی أن نتصوّر أنّ الأهداف المبیَّنة هی على نحو الحصر وأنّ الله قد فعل هذا الفعل من أجل الهدف الفلانیّ فحسب. فالأهداف المعلَنة لیست هی إلاّ جانباً من كلّ الأهداف وهی تبیَّن لنا كی تكون سبباً فی تربیتنا ومدعاةً لانتفاعنا من تلك النعم. فلمّا كان القرآن الكریم «هُدىً لِلنَّاسِ»8 وأنّ علینا أن نتّخذه الهادی لنا فینبغی أن یقول ما نفهمه كی یكون ذا أثر فینا. فإنّ العلّة من بیان هدف صغیر واحد من بین أهداف متعدّدة هو أحیاناً من أجل أن یتحقّق الغرض من بیان هذه الآیة لاُولئك المخاطَبین.

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرین


1. بلاغات النساء، ص27؛ وبحار الأنوار، ج29، ص220.

2. بحار الأنوار، ج95، ص89، دعاء أبی حمزة الثمالیّ.

3. بحار الأنوار، ج91، ص147، مناجاة خمس عشرة.

4. سورة آل عمران، الآیة 191.

5. سورة الأعراف، الآیة 94؛ وسورة الأنعام، الآیة 42.

6. سورة الذاریات، الآیة 56.

7. سورة الأنعام، الآیة 97.

8. سورة البقرة، الآیة 185.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...