صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة السابعة والثلاثون: فاطمة (علیها السلام) تعرّف نفسها

تاریخ: 
چهارشنبه, 1 دى, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 22 كانون الأوّل 2010م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

فاطمة (علیها السلام) تعرّف نفسها

نحن مستمرّون فی بحثنا حول خطبة سیّدتنا فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) حیث إنّ ذكر كلامها (علیها السلام) مطلوب من كلّ النواحی؛ إذ أوّلاً: إنّ كلامها هو نور بحدّ ذاته: «كلامكم نور»1. ثانیاً: إنّ من مقتضیات قاعدة المحبّة أن یُلِمّ المحبّ بما وصل إلیه من كلام محبوبه ویحاول فهمه بشكل أفضل والاستفادة من مضامینه. ثالثاً: مضامین هذا الكلام تنیر لنا نحن البشرَ دربَ الحیاة، وتوضّح لنا معالم الطریق إلى السعادة الأبدیّة، وهی الدواء الأنجع لعلاج أمراضنا الاجتماعیّة، فعلینا الإفادة من هذا الكلام وأن نولی اهتماماً كافیاً بتوجیهات أهل البیت (صلوات الله علیهم أجمعین) وتعالیمهم.

هذه التی تتكلّم معكم هی فاطمة (علیها السلام)

لقد بحثنا فی المحاضرات الماضیة مقاطع من هذه الخطبة الشریفة وقمنا - بما أسعفَنا به التوفیق - بتقدیم شرح موجز لكلّ مقطع. وقد وصلنا فی بحثنا إلى حیث قالت (علیها السلام): «أَیُّهَا النَّاسُ! اعْلَمُوا أَنِّی فَاطِمَةُ وَأَبِی مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً (عوداً على بدء)، وَلا أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً، وَلا أَفْعَلُ مَا أَفْعَلُ شَطَطاً. «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْكُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ»2، فَإِنْ تَعْزُوهُ وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أَبِی دُونَ نِسَائِكُمْ، وَأَخَا ابْنِ عَمِّی دُونَ رِجَالِكُمْ، وَلَنِعْمَ الْمَعْزِیُّ إِلَیْهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، صَادِعاً بِالنِّذَارَةِ، مَائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِینَ، ضَارِباً ثَبَجَهُمْ، آخِذاً بِأَكْظَامِهِمْ، دَاعِیاً إِلَى سَبِیلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة»3.

فبعد حمد الله تعالى والثناء علیه وذكر آلاء هدایته التی منّ بها على الناس بواسطة نبیّه الكریم (صلّى الله علیه وآله) والإشارة إلى أهمّ العناوین التی جاءت فی تعالیم هذا النبیّ، تصل (علیها السلام) إلى القسم الثانی من الخطبة حیث توجّه خطابها إلى الناس مباشرة معرّفة نفسها فی بادئ الأمر. وهذه القضیّة تحوز أهمّیة من جهات مختلفة، وما علینا - من أجل الوقوف على أهمّیتها – إلا أن نتصوّر الموقف والأجواء التی اُلقیت فیها الخطبة ونجسّم المشهد بدقّة.

فالقضیّة أنّ هناك نبیّاً قد عاش فی قومٍ مدّة 23 سنة تحمّل خلالها من المصائب والمحن الكثیر. ففی فترة سكناه فی مكّة، التی هی مسقط رأسه ووطنه الأصلیّ، قد حُوصِر خلال عدد من السنین فی وادٍ حتّى أنّ الماء والخبز لم یكن یصل إلیهم إلا بشقّ الأنفس. ثمّ هاجر بعدها إلى المدینة المنوّرة حیث وجد أنصاراً. وشیئاً فشیئاً بدأ عدد المسلمین بالتزاید حتّى وصل حدّاً مكّنه (صلّى الله علیه وآله) من تشكیل مجتمع وتأسیس دولة. وقد انقضت على هذه الدولة سنوات تخلّلتها الحروب والنزاعات مع المخالفین من أمثال مشركی مكّة، والیهود، والنصارى، وغیرهم. وخلاصة الأمر فقد انقضت تلك السنوات الثلاث والعشرین على النبیّ (صلّى الله علیه وآله) حاملة معها مختلف صنوف العذاب والمحن حتّى نُقل عنه (صلّى الله علیه وآله) قوله: «ما اُوذِی نبیّ مثل ما أوذیتُ»4. الآن وقد رحل هذا النبیّ عن هذه الدنیا ولم یمض على مواراة جسده الثرى غیر بضعة أیّام ولم یخلّف من ذكرىً له غیر بنت وحیدة. وقد طرق أسماعنا - بشكل أو بآخر – أنّه من حضیض أیّ ذلّ إلى ذُرى أی عزّ قد نُقل الناس فی ذلك العصر بجهود هذا النبیّ الإلهیّ. فمولاتنا (علیها السلام) تكرّس جانباً من هذه الخطبة الشریفة لتوضیح هذا الموضوع كی یتهیّأ الناس ولو قلیلاً لسماع ما تقوله، ویعوا أنّهم أمام مَن یقفون ومَن هو المتحدّث إلیهم.

فلئلاّ یزعم زاعم فیما بعد قائلاً: «إنّنا لم نكن نعلم مَن هو المتحدّث، ولم نسمع سوى امرأة كانت تتكلّم من وراء ستار؛ ولذا لم نكترث للأمر كثیراً» فقد انبرت الزهراء (سلام الله علیها) بادئ ذی بدء إلى التعریف بنفسها قائلة: «أَیُّهَا النَّاسُ! اعْلَمُوا أَنِّی فَاطِمَةُ»؛ أیّها الناس! افهموا وعُوا مَن الذی یتحدّث إلیكم؟ إنّها البنت الوحیدة التی خلّفها ذلك النبیّ الذی بذل جهوداً جبّارة لهدایتكم وعانى أشدّ المعاناة لأجلكم. إنّها تلك المرأة التی لا یضاهیها أحد فی الاهتمام بالهدف الذی كان یصبو إلیه أبوها والجهود المضنیة التی بذلها فی هذا الطریق وهی ترید أن تقتفی أثره وتسلك سبیله. إنّها الشخص الذی كان النبیّ (صلّى الله علیه وآله) یحرص طوال حیاته على أن یعرّفه لكم بشتّى السبل والوسائل، حتّى قال: «فاطمةُ بَضعَة منّی»5؛ «إنّ الله تعالى یغضب لغضب فاطمة ویرضى لرضاها»6. ففاطمة الیوم هی التی تتحدّث إلیكم. ثمّ تقول: «وَلا أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً» فما أقوله هو عین الصواب والحقیقة، «وَلا أَفْعَلُ مَا أَفْعَلُ شَطَطاً»؛ أی حاشا أن أفعل شیئاً عبثاً أو جزافاً، ففعلی یوافق الحكمة وأوامر الله والعقل موافقة كاملة.

لقد فعلت الزهراء (علیها السلام) بهذا التعریف فعلةً من شأنها أن تثیر لدى مَن كان لا یعرفها من الحضور – هذا على فرض وجود مثل هذا الشخص – الإعجاب بكلامها وتدفعه - على أقلّ تقدیر - إلى التحقیق فی أمرها. وهذه هی أفضل السبل لإتمام الحجّة على الناس.

فاطمة (علیها السلام) بنت أشدّ الأنبیاء رأفة ورحمة

مع بالغ الأسف فإنّ الدافع الذی دفع فاطمة الزهراء (علیها السلام) إلى بیان هذه الامور لم یُعرف كما ینبغی حتّى بین محبّیها. فلم یكن دافعها (سلام الله علیها) من ذلك یختلف عن دافع النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) فی إبلاغ الرسالة؛ فقد كان قلبه یحترق ألماً على كلّ فرد من أفراد قومه وكان شدید الحزن بسبب انتهاجهم سبیل الضلال وعدم نیلهم للسعادة! وعدم تشخیصهم لجادّة الحقّ! وسلوكهم سبیل الاعوجاج الذی یقودهم إلى عذاب أبدیّ! فقد كان قلبه یتفطّر ألماً وشفقة علیهم حتّى خاطبه الباری المتعال بقوله: «فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثَارِهِمْ إِن لَّمْ یُؤْمِنُواْ بِهٰذَا الْحَدِیثِ أَسَفاً»7؛ أی: أترید أن تُهلك نفسك غمّاً وحزناً لأنّهم لم یؤمنوا بهذا الحدیث؟! فالله تبارك وتعالى یسلّی نبیّه الكریم (صلّى الله علیه وآله)؛ فهو (صلّى الله علیه وآله) مظهر رحمة الله الواسعة؛ وقد كان ینتابه الغمّ ویعتصره الألم إلى الحدّ‌ الذی یقول الله سبحانه له: «إنّنا نحبّ أن تتألّم لذلك، لكن لیس إلى هذا الحدّ. أترید أن تُهلك نفسك بسبب عدم إیمانهم»؟! إذن هذا هو الدافع الذی كان یدفع النبیّ (صلّى الله علیه وآله) إلى دعوة الناس إلى الإسلام. وقد استهلّت فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) خطبتها بذكر هذه المیزات التی امتاز بها النبیّ (صلّى الله علیه وآله) كی تقول للناس: إنّنی ابنة ذلك النبیّ؛ فإنْ أنا خاطبتكم فلأنّ قلبی مشفق علیكم، فلا أرید أن تضلّوا، بل أودّ أن تعرفوا الحقّ وتنالوا سعادة الدنیا والآخرة». وهذا هو ما قادها إلى تلاوة هذه الآیة الكریمة: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْكُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ»8. فإنّ من الآداب الإسلامیّة أن تُتلى فی الخطبة آیات من الذكر الحكیم. لكن لماذا اختارت (علیها السلام) هذه الآیة بالذات؟ لقد اختارتها لتذكّر الناس بأنّهم أیَّ رجلٍ قد فقدوا، وأنّنی الذكرى الوحیدة التی خلّفها فیكم، والتی تؤمن بالهدف الذی بُعث (صلّى الله علیه وآله) من أجله أكثر من أیّ شخص آخر، وتصرّ على اقتفاء أثره. وهذه الملاحظة لجدیرة بالاهتمام حقّاً؛ فهذه الآیة تنبّهنا إلى هذه القضیّة وهی: أیّ نعمة عظیمة قد منّ الله بها علینا وأیّ أثر كبیر لهذه النعمة على عواقب اُمورنا. فإنّ معظم أشكال الانحراف وأنماط الضلال هی نتیجة لنسیان أنعم الله علینا وكفرانها. إنّه یتعیّن علینا أن نستلهم من نفس هذه الملاحظات العِبَر والدروس فنتفكّر فیما وهبنا الله تعالى فی عصرنا من الآلاء، وكیف أنّ بعض الجاحدین قد أنكروا تلك النعم فهم یتعاملون معها وكأنّهم لم یشاهدوها ولم یعرفوها فهم لا یبادرون إلى شكرها.

على أیّة حال، فالآیة تقول: أیّها الناس! افهموا وعوا أنّه قد جاءكم نبیّ هذه صفاته: فهو من أنفسكم ولیس هو غریباً عنكم لا یعرف أحوالكم ولا یفهمكم. یشقّ علیه كثیراً أن ینالكم أیُّ ألم أو عذاب. أجل، لابدّ أن نعلم أنّه ما من فرد من هذه الاُمّة الإسلامیّة – سواء أكان فی زمان الرسالة، أو فی زماننا الحاضر أو فی المستقبل – تصیبه محنة أو شدّة إلاّ ویحزنُ علیه نبیّنا الكریم (صلّى الله علیه وآله) حزن الأب على مصیبة ولده بل وأشدّ بمئات المرّات. بل إنّ النبیّ (صلّى الله علیه وآله) كان یتألّم حتّى على حال المشركین؛ اولئك الذین عادوه بكلّ نذالة ولم یراعوا فی حقّه أبسط قواعد الأخلاق والإنسانیّة. فأیّ قلب یستطیع أن یقاسی كلّ تلك المآسی والآلام ویتحمّل كلّ تلك المشاقّ والصعاب؟! نحن لا نستطیع بحال من الأحوال أن ندرك مدى الألم والعذاب الذی كان یقاسیه نبیّنا الكریم (صلّى الله علیه وآله). فالله عزّ وجلّ یقول له: «أترید أن تُهلك نفسك»؟! إذن فالله وحده یعلم أیّ معاناة قد عاناها النبیّ، وهو جلّ وعلا - من هذا المنطلق - یسلّیه ویواسیه فی القرآن بین الحین والآخر. تقول الزهراء (علیها السلام): هذه هی الصفة الاولى التی كان یتحلّى بها أبی.

أمّا صفته الثانیة فهی أنّه كان یحرص أشدّ الحرص على هدایتكم: «حَرِیصٌ عَلَیْكُمْ». فبعض الناس عندما یُعهد إلیهم بمهمّة فإنّهم ینجزون منها بمقدار ما تملیه علیهم مسؤولیّتهم فحسب ثمّ یتركونها. أمّا الرسول الأعظم (صلّى الله علیه وآله) فلم یكن هكذا، فالله قد أرسل نبیّه برسالة إلى جمیع البشر وكانت وظیفته تتلخّص فی إبلاغ تلك الرسالة بشكل شفّاف وبلیغ وواضح وعلى أتمّ وجه إلى المرسَل إلیهم. لكنّ النبیّ قد أنفق كلّ عمره الشریف فی سبیل أن یكون لهذه الرسالة أقصى درجات التأثیر فی اُمّته. كان حریصاً على أن تطبَّق هذه الأوامر الإلهیّة حتى یصبح الناس من أصحاب الجنّة ویُنتشَلون من نار جهنّم.

وأمّا الصفة الثالثة لأبی الزهراء (صلّى الله علیه وآله) فهی رأفته ورحمته الشدیدة بالمؤمنین. فعندما كان یؤمن قوم به ویجیبون دعوته كانت تغمر قلبَه تجاههم محبّة خاصّة فكان یعینهم ویساعدهم ما استطاع إلى ذلك سبیلاً.

فاطمة (علیها السلام) تذود عن الولایة

تقول مولاتنا الزهراء (علیها السلام): «فَإِنْ تَعْزُوهُ وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أَبِی دُونَ نِسَائِكُمْ»؛ إذا كنتم تعرفون أبی وأهل بیته فستعلمون أنّه أبی وأنّنی ابنته، فهو لم یكن أباً لأیّ واحدة من نسائكم. فأنا الوحیدة التی تربطنی مع هذا النبیّ نسبة البنوّة. وهی (علیها السلام) هنا تُلفت أیضاً إلى ملاحظة ترید أن تتناولها بمزید من التفصیل فی آخر الخطبة. ثمّ تقول: «وَأَخَا ابْنِ عَمِّی دُونَ رِجَالِكُمْ»؛ وإن كنتم تعرفون أبی فستعلمون أنّه أخو ابن عمّی ولیس من بین رجالكم مَنْ تربطه به هذه القرابة، فعلیٌّ فقط هو أخو الرسول (صلّى الله علیه وآله). بالطبع عندما یكون شخص ابن عمّ لشخص آخر یكون الثانی ابن عمّ الأوّل بالضرورة؛ لكنّ الزهراء تقول هنا: «النبیّ هو أخو ابن عمّی»، فالناس یعلمون أنّ النبیّ (صلّى الله علیه وآله) عندما آخَى بین المسلمین اتّخذ علیّاً (علیه السلام) أخاه وقد كان علیّ (علیه السلام) معروفاً بین الناس بأنّه أخو النبیّ (صلّى الله علیه وآله).

أمّا قصد فاطمة (علیها السلام) من ذكر كلّ هذه الامور وطرح كلّ هذه البحوث فهو إثبات حقّانیّة وإمامة علیّ (علیه السلام) أمام الملأ. فهذه الالتفاتة تدلّ على براعة استهلال لهذا المقصود. فهی تشیر إلى هذه النقاط منذ البدایة كی یفهم الناس مَن هو المتحدِّث إلیهم أوّلاً، وأیّ موضوع سیطرحه علیهم ثانیاً. ولهذا فهی تلمّح منذ هذه اللحظة بأنّ بحثنا یرتبط بابن عمّی علیّ (علیه السلام).

أشفَق هادٍ

«وَلَنِعْمَ الْمَعْزِیُّ إِلَیْهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، صَادِعاً بِالنِّذَارَةِ، مَائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِینَ، ضَارِباً ثَبَجَهُمْ، آخِذاً بِأَكْظَامِهِمْ، دَاعِیاً إِلَى سَبِیلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة»؛ تقول البتول (سلام الله علیها): إنّنی أنسب نفسی إلیه ونعم المنسوب إلیه. فأنتم تعلمون أنّ هذا النبیّ لم یقصّر قید أنملة فی أداء التكلیف. فهو الذی رفعكم من أخسّ وأحقر مراتب الحیاة الاجتماعیّة إلى أوج العزّة والكرامة. وهو الذی قرن رسالته بالإنذار. فإنّ التنبیه إلى العواقب الوخیمة للعمل السیّئ فی مقام الهدایة لهو أكثر تأثیراً من التذكیر بمنافع تركه. فمن أجل الوقوف أمام ظاهرة التدخین فی المجتمع – على سبیل المثال – یمكن أن نقول: «توقّف عن التدخین كی تحافظ على بدنك سالماً نشیطاً»، فهذه طریقة من طرق الدعایة لمنع التدخین. أمّا الطریقة الاخرى فهی أن نقول: «إنّ من جملة مضارّ التدخین هی الإصابة بالسرطان، وأمراض جهاز التنفّس، واختلالات الجهاز الهضمیّ». فتأثیر الطریقة الثانیة یفوق تأثیر الاولى بكثیر. ومن هنا فقد كان الأنبیاء یولون الإنذار أهمّیة بالغة. وهذه الطریقة یطلق علیها «الإنذار». تقول الزهراء (سلام الله علیها): عندما صدح النبیّ بالرسالة وأظهرها قرن إبلاغها بالإنذار والتحذیر كی یكون أثرها فی الناس أكبر ولئلاّ یتورّطوا بما تورّط به المشركون من سوء العاقبة. فلقد تذرّع (صلّى الله علیه وآله) بكلّ وسیلة ممكنة لإبلاغ الرسالة. فالمرء إذا أراد تحریض أحد للقیام بعمل مّا فإمّا أن یدفعه مِنْ خلفه أو یسحبه مِنْ ثیابه من أمامه. فلقد استخدم النبیّ كافّة السبل والوسائل المتاحة فی الهدایة ولم یألُ أیّ جهد فی ذلك، فقد استنفر كلّ إمكاناته من أجل هدایتكم إلى سواء السبیل وإنقاذكم من الهلكات. وكانت طریقته هی ذات الطریقة التی أمره القرآن الكریم بها بقوله: «ادْعُ إِلَى سَبیلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة»9؛ فقد كان یدعو الناس بالحكمة وبما هو یقینیّ وقطعیّ من الامور، وعبر وعظهم وإرشادهم، إلى الطریق التی رسمها الله تعالى له.

فذكر هذه الامور هی بمثابة المقدّمة كی یتذكّر الناس ما قدّمه النبیّ (صلّى الله علیه وآله) من خدمات ولیعلموا ما للنبیّ من حقّ علیهم، وأنّ التی تتحدّث الآن إلیهم هی امرأة قد آلت على نفسها إلاّ أن تواصل هذا الدرب، وتهدی الناس إلیه، وهی المشفقة علیهم إذ تراهم یزیغون عن الطریق التی رسمها لهم نبیّهم، وینسون ما حباهم الله عزّ وجلّ من الهدایة بواسطة سیّد المرسلین محمّد (صلّى الله علیه وآله).

وفّقنا الله وإیّاكم إن شاء الله


 


1. زیارة الجامعة الكبیرة، بحار الأنوار، ج99، ص131.

2. سورة التوبة، الآیة 128.

3. بحار الأنوار، ج29، ص223 - 224.

4. بحار الأنوار، ج39، ص55.

5. بحار الأنوار، ج21، ص279.

6. عیون أخبار الرضا (علیه السلام)، ج2، ص46.

7. سورة الكهف، الآیة 6.

8. سورة التوبة، الآیة 128.

9. سورة النحل، الآیة 125.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...