صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الثالثة والاربعون: احتجاجات فاطمه علیها السلام علی عدم اهلیة الخلفاء

تاریخ: 
چهارشنبه, 13 بهمن, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 23 شباط 2011م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

سُبُل تعزیز الوحدة بین المذاهب الإسلامیّة

حدّ النصاب للوحدة

إنّ «اُسبوع الوحدة الإسلامیّة» یُعدّ فرصة ذهبیّة لتوطید العلاقات بین الطوائف الإسلامیّة المختلفة من أجل أن یوثّقوا عُرى الاتّحاد والاتّفاق فیما بینهم فی مواجهة أعدائهم. نشكر المولى العلیّ القدیر أنّه مَنّ علینا بهذه النعمة الجلیلة وهی توفیر الظروف المساعدة ببركة الجمهوریّة الإسلامیّة بغیة إزالة الكثیر ممّا كان عائقاً بین الاُخوة المسلمین من رواسب العداوة والبغضاء الناجمة عن التعصّب الأعمى أو الحدّ منها بنسبة عالیة.
وعلى الرغم من مضیّ ما یربو على ثلاثین عاماً على طرح هذه المسألة وإقامة الاحتفالات السنویّة بهذه المناسبة، غیر أنّه لا تزال هناك بعض الإبهامات تحیط بمفهوم الوحدة الإسلامیّة؛ إذ یتصوّر البعض أنّ المقصود من الوحدة هو توحید المذاهب الكلامیّة والمذاهب الفقهیّة لجمیع الطوائف الإسلامیّة كی یصلوا - من الناحیة العملیّة - إلى حدّ تقلید فتوى مرجعٍ واحد. إنّ توقّعاً كهذا هو بعید كلّ البعد عن الواقع؛ ذلك أنّ الرواسب الذهنیّة القدیمة للإنسان لها تأثیر كبیر على فهمه، بل وعلى سلوكه أیضاً. إذن لا تعنی الوحدة توحید المعتقدات، والأعمال، والسلوكیّات، والفتاوى عند جمیع المسلمین، بل إنّ للوحدة والاتّحاد مفهوماً تشكیكیّاً له مراتب. فإنّ إحدى هذه المراتب تعتبر ضروریّة للجمیع ولابدّ من مراعاتها وإنّ عدم مراعاتها من شأنه أن یُلحق بالإسلام ضرراً جسیماً ولن یصبّ إلاّ فی صالح أعدائه، وهذه المرتبة هی تجنّب طرح الخلافات التی تضع الاخوة المسلمین فی مواجهة بعضهم، حتّى یسبّ أحدُهم الآخر ویبادله الضغینة والعداوة. فینبغی على جمیع المسلمین حثّ الخطى وبذل الجهود للوصول إلى هذه الوحدة التی تقف أمام خلافاتٍ من هذا القبیل، بحیث یعامل أحدهم الآخر باحترام فی مقام العمل ویؤمن كلّ مسلم بوجود حدود لأخیه المسلم یستطیع ضمنها أن یعتقد بما یصل إلیه من العقائد ویعمل وفقاً لما یتّبعه من منهج فقهیّ بكلّ حرّیة؛ بالضبط كالخلافات الموجودة بین الشیعة أنفسهم فی العمل بفتاوى مراجعهم. فهل یا ترى أنّ قولنا: «یتعیّن على الشیعة أن یتوحّدوا فیما بینهم» یعنی أنّ علیهم جمیعاً أن یقلّدوا مرجعاً واحداً؟ إذن لابدّ من تطبیق عین هذه الطریقة على العلاقات بین باقی المسلمین بشكل عامّ. فأكثر ما یشتهر من خلاف بین المسلمین هو الخلاف الفقهیّ؛ إذ أنّ هناك أربعة مذاهب فقهیّة معروفة لدى إخواننا من أهل السنّة وهی المذهب الشافعیّ، والمالكیّ، والحَنَفیّ، والحنبلیّ حیث ینتهی كلّ واحد منها إلى واحدٍ من أربعة من كبار علمائهم بل ویسمّى باسمه أیضاً. فكأنّ أتْباع كلّ مذهب من هذه المذاهب الأربعة یقلّدون مرجعاً ویعملون بفتاواه. ففی هذه الحالة یمكننا القول: اعملوا وفقاً لفتوى مرجعكم فی التقلید ونعمل نحن طبقاً لفتوى مرجعنا فی التقلید. فالوحدة فی هذا المقام تقتضى أن یكون تعاملنا مع باقی المسلمین بالشكل الذی یعترف فیه كلّ منّا بالآخر فلا یؤدّی الخلاف فی بعض المعتقدات الكلامیّة، أو بعض الفتاوى الفقهیّة إلى تكفیر بعضنا البعض. لكنّه یوجد فی مقابل هذا النمط الفكریّ فكر نادر یُدعىٰ «الفكر التكفیریّ» یقول المعتقدون به: «المسلمون الحقیقیّون هم نحن ولیس غیر، أمّا الآخرون فجمیعهم كفّار وإنّ دماءهم وأعراضهم مباحة»! فإن وضعنا هذه الشرذمة من الناس، الذین لا یشكّلون إلاّ طائفة صغیرة من المسلمین، جانباً فسنجد أنّ باقی المسلمین لا یحملون مثل هذه العقیدة، بل لقد تعایشوا كأصدقاء واخوة إلى جوار بعضهم لسنین موغلة فی القِدَم.

طرح الأبحاث المنطقیّة فی أجواء ودّیة هو السبیل لتقلیص فجوة الخلاف

لكن لا ینبغی أن نكتفی بهذا الحدّ من النصاب، بل یتعیّن علینا أن نسعى قدر الإمكان لتقلیص هُوّة الخلاف فیما بیننا. فینبغی لمن یجد فی نفسه الأهلیّة للبحث والنقاش من الفریقین أن یعقدوا مجالس ودّیة یسودها جوّ من الإنصاف، بعیدة عن التعصّبات المقیتة لینخرطوا فی حوار مشترك لعلّ ذلك یؤدّی إلى إزالة نقاط الخلاف فی العدید من المسائل العقائدیّة والفقهیّة. فصحیح أنّنا قلنا: لیس من الممكن إزالة جمیع الخلافات، لكنّنا لم نقل: لیس بالإمكان أن نحلّ ولو خلافاً واحداً.
كان المرحوم آیة الله العظمى بهجت (رضوان الله تعالى علیه) یقول: «لا تطرحوا فی مستهلّ حواراتكم مع سائر المسلمین ما یصعب علیهم قبوله، فمناقشات كهذه لا تؤدّی إلى نتیجة مطلوبة. ابدأوا معهم من هذه النقطة وهی أن تقولوا لهم: إنّكم منقسمون إلى أربع طوائف وكلّ طائفة منكم تعتبر الطوائف الاخرى مسلمة، ولا إشكال فی ذلك على الإطلاق. فجمیعكم یقلّدون أربعة من عظماء العلماء الذین عاشوا فی فترة واحدة تقریباً. لكنّ جمیع هؤلاء الأربعة قد استقوا العلم من الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) إمّا بشكل مباشر أو بالواسطة. فأنتم تروُون فی كتبكم أنّ أبا حنیفة قد قال: «لولا السنتان لهلك النعمان»1؛ أی لولا السنتان اللتان تتلمذتُ فیهما عند الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) لكنتُ قد هلكت. كما وتنقلون عنه أیضاً قوله: «ما رأیت أفقه من جعفر بن محمّد»2. فی حین أنّنا نقلّد من تتلمذَ أعاظمُ علمائكم على یده إمّا بصورة مباشرة أو غیر مباشرة. فإذا كان تقلید التلمیذ جائزاً، فكیف یكون تقلید الاستاذ، الذی هو - باعتراف نفس هذا التلمیذ - أفقه أهل زمانه، غیر جائز؟! فلیس لأیّ امرئ منصف أن ینكر ذلك».
وقد كان آیة الله بهجت یذكر المرحوم الشیخ محمود شلتوت كمثال ویقول: «كان المرحوم الشیخ محمود شلتوت یحمل درجة من درجات التشیّع، حیث إنّه قد أفتى بصحّة تقلید الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) كما وقد اُقرّت فی زمانه بعض الأحكام القانونیّة وفقاً لفتاوى الإمام الصادق (علیه السلام) أیضاً. فعندما یشعرون أنّ خلافنا معهم هو خلاف فی المرجعیّة فسیساعد ذلك على توطید علاقتنا معهم وسیكثر الاحتكاك فیما بیننا، وحینئذ ستتاح الفرصة لأن یقرأوا كتبنا وعندئذ ستُحلّ الكثیر من الخلافات بین الطرفین. وهذه هی أنجع السبل لخلق الوحدة بین المسلمین».
بطبیعة الحال یوجد من بین الشیعة ومن بین السنّة على حدّ سواء أشخاص مغرضون ومرضى، لكن لا ینبغی أن یكون وجود أمثال هؤلاء سبباً فی المواجهة بین الفریقین لیصل الأمر – والعیاذ بالله – إلى استغلال الأعداء لهذا الوضع وبثّهم للفتن المؤدّیة إلى إشعال فتیل الحروب الأهلیّة بین الطائفتین؛ وهو ما نشاهد - مع بالغ الأسف – نموذجاً منه فی الباكستان مثلاً. فمراعاة هذا المقدار من الوحدة هو أمر واجب،  لاسیّما بالالتفات إلى توصیات قائد الثورة المعظّم (حفظه الله تعالى) فی هذا المجال حیث أصدر فتوى صریحة بحرمة التعرّض بسوء لرموز ومقدّسات سائر طوائف المسلمین. إذن فالسبیل إلى الاقتراب من الوحدة الحقیقیّة التی تقترب فیها معتقداتنا وفتاوانا من بعضها هی فی الجلوس على طاولة البحث والمطالعة والتحقیق فی جوّ صحّی سلیم، وهو أشبه بما یحصل فی الحوزات العلمیّة الشیعیّة. فبعض مراجع الشیعة المعاصرین كانوا فی فترة دراستهم الحوزویّة یشاركون بعضهم فی جلسات البحث ویتتلمذون على ید استاذ واحد، لكنّ فتاواهم قد اختلفت فیما بعد. فالمرجع یعمل بما یراه حجّة علیه بینه وبین ربّه. فالعمل من أجل تقارب الأفكار وتلاقحها لیس أنّه لا ینافی مشروع الوحدة فحسب، بل یكون مكمّلاً ومتمّماً له أیضاً.
لقد اُسّست فی زمان المرحوم آیة الله العظمى السیّد البروجردیّ (رضوان الله علیه) مؤسّسة تحمل اسم «دار التقریب» وقد أرسل المرحوم آیة الله البروجردیّ (رحمة الله علیه) المرحوم الشیخ محمّد تقی القمّی مبعوثاً من قِبله للإقامة فی مصر. وقد عقد الأخیر هناك جلسات متعدّدة مع عدد من علماء الأزهر المنتمین إلى مذاهب مختلفة وقام بإصدار مجلّة تحت عنوان «رسالة التقریب» كان یَنشُر فیها أشخاصٌ ینتمون إلى مذاهب مختلفة مقالاتِهم ویدلی كلّ منهم فیها برأیه فیما یتعلّق بالمسائل الخلافیّة. لكنّه نتیجة لتشنّج العلاقات بین مصر وإیران فی عهد شاه إیران فقد تمّ إغلاق دار التقریب التی كان من ثمارها طبع بعض الكتب الشیعیّة فی مصر ومن جملتها تفسیر مجمع البیان وكتاب المختصر النافع فی فقه الإمامیّة وقد تمّ إدراج كتاب المختصر النافع كنصّ فقهیّ فی كلّیات الحقوق والفقه هناك. فالعلاقات بین المذاهب الإسلامیّة كانت تتقدّم إلى هذا الحدّ من السلامة غیر أنّ الأعداء لم یسمحوا بذلك.
وبعد انتصار الثورة الإسلامیّة تأسّس فی إیران مجمع باسم «مجمع التقریب بین المذاهب الإسلامیّة». وهو عمل لا یرمی إلى رفع الخلافات بالكامل؛ ذلك أنّ شیئاً كهذا لیس أمراً عملیّاً بتاتاً؛ لكنّنا یمكننا الاقتراب من بعضنا أكثر والحدّ من خلافاتنا. فإنّ من جملة سبل التقریب فی نظرنا هی عقد جلسات مباحثة فی أجواء سلیمة فی مجالات مختلفة، وأن یتمّ البحث والتحقیق فی كلّ مجال بما یتناسب معه من طرق وسبل خاصّة؛ كأن یتمّ البحث فی المباحث الكلامیّة بالطرق المتّبعة فی علم الكلام، وفی المباحث الفقهیّة بالطرق الخاصّة بعلم الفقه، وفی المباحث التاریخیّة بالأسالیب المخصّصة بتلك المباحث، وهكذا. أقول هذا القول من أجل أن تتوضّح نقطة مهمّة وهی أنّ هدفنا من الخوض فی خطبة سیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) لیس هو من منطلق العداء أو البغض لأیّ أحد، بل إنّ ما نرمی إلیه هو مناقشة سند تاریخیّ قد اشتغل علیه وأثبته علماء أعلام وباحثون أكفاء. ولعلّ القسم الأعظم من هذه الخطبة قد جاء فی كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید. فقد نقل مصنّف هذا الكتاب، وهو سنّی معتزلیّ المذهب، المقاطع الأشدّ حساسیّة من هذه الخطبة بأسنادٍ عَدّها معتبَرة، بل وإنّه یستفید منها أحیاناً فی مواضع اخرى. كما أنّه نقل فی ذیل هذه الخطبة عن أساتذته مباحث تتطلّب منّا – حقّاً - الوقوف وقفة إجلال وثناء على ما أبداه هذا الرجل وأساتذته من إنصاف.
وتتجلّى أهمّیة الخوض فی هذه الخطبة المباركة عندما نكتشف – مع شدید الأسف – أنّ معظمنا نحن الشیعة، وعلى الرغم ممّا نكنّه من محبّة وافرة لمولاتنا الزهراء (علیها السلام)، لا نملك الاطّلاع الصحیح والكافی على أصل هذه القصّة وتفاصیلها. فنحن لا نعلم ما هی مسألة فدك؟ ولماذا وبأیّ اُسلوب طُرحت؟ وماذا كان ادّعاء فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)؟ وما هی المباحث التی تتّصل بهذا الادّعاء؟ فعندما یكون فی أیدنا سند كهذا، وهو عن بضعة الرسول فاطمة الزهراء (علیها السلام)، فما الذی یدعونا لعدم الحرص على الاطّلاع علیه بدقّة؟! والحال أنّ هذا السند یمثّل خطبة ألقتها الزهراء (سلام الله علیها) بعد شهرین وبضعة أیّام فقط من وفاة رسول الله (صلّى الله علیه وآله) وهی الفترة التی تشكّل كلّ العمر السیاسیّ – الاجتماعیّ المستقلّ للزهراء (سلام الله علیها)، وهذه الخطبة هی – تحدیداً - ما نحن بحاجة إلیه فی هذا الیوم.

آداب النقاش مع المخالفین حسب الرؤیة القرآنیّة

إنّ من السهل رسم خطّة من أجل التقریب بین المذاهب الإسلامیّة وتوثیق الوحدة بینهم، لكنّ العمل بهذه الخطّة له آداب وطرق خاصّة. إذ یعلّمنا القرآن الكریم أن نبدأ فی النقاش والمباحثة مع مَن یخالفنا الرأی من هذه النقطة وهی أن نقول لهم: «نحن الاثنان نختلف فی قضیّة ومن الممكن أن أكون أنا المصیب وأنت المخطئ، أو تكون أنت على صواب وأنا على خطأ. إذن علینا أن نفتّش معاً عن الدلیل الحقیقیّ وننظر أیّ الموقفین هو الموقف الحقّ». فالقرآن المجید یشیر علینا بهذه الطریقة. فهو عندما یقول: «وَإِنَّا أَوْ إِیَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدىً أَوْ فِی ضَلالٍ مُّبِینٍ»3 فهو یعنی أنّه فی أجواء من هذا القبیل لابدّ أن تقوم الفرضیّة على أنّ الحقّ لا یُعلَم مع مَنْ یكون. إذن هذه هی الطریقة التی یُستهَلّ بها النقاش.
أمّا فی المرحلة التالیة فیتعیّن السعی لطرح المشتركات. وهذا أصل یتّصل بعلم النفس مفاده أنّ طرح نقاط الخلاف فی مستهلّ البحث والنقاش مع شخص سوف لن یفضی بالبحث إلى النتیجة المرجوّة. لكنّك إن ابتدأت بطرح نقاط الاشتراك أوّلاً، وأضْفیتَ طابع المودّة على جوّ النقاش، ثمّ ابتدأت - شیئاً فشیئاً - بطرح المسائل التی تمتاز عن غیرها بكونها أسرع حلاًّ، فستُوَفّق أكثر فی الوصول إلى النتیجة المطلوبة. وبالطبع فإنّ بلوغ النتیجة یعتمد على قدرتنا على المباحثة من ناحیة، وعلى استعداد الطرف المقابل لتقبّل كلامنا من ناحیة اخرى. فإن تحلّى الطرفان بالإنصاف وانتهجا هذا الاسلوب فی النقاش، فسیُسهم ذلك فی تمهید الأرضیّة لتقدّم البحث. فهذا القرآن الكریم یقول: «وَلا تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ»4. فعندما بُعث النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) بالنبوّة لم تكن قضیّة الخلاف بین الشیعة والسنّة مطروحة آنذاك، كما أنّه لم یكن المشركون أصحاب بحث ونقاش فلم یكن لدیهم من دلیل یقیمونه على عدم إیمانهم غیر تقلید أسلافهم. أمّا الیهود والنصارى فقد كانوا علماء وأصحاب قلم وكتابة وقد كانوا یحظون باحترام بین أهل الحجاز، ولهذا فإنّ أغلب السجالات البحثیّة كانت تدور مع علماء الیهود والنصارى. یقول القرآن الكریم فی هذا الصدد: «لا تنتهجوا اسلوب الجدال غیر المجدی عند مناقشة هؤلاء فانّه  لا یوصل إلى نتیجة؛ بل ابدأوا من النقطة التی تمهّد لتقدّم البحث؛ قولوا: نحن جمیعاً نؤمن بالله عزّ وجلّ ونعتقد بأنّه سبحانه وتعالى قد أنزل المعارف والعلوم على عباده، وإنّنا نؤمن بكلّ ما أنزله الله على أنبیائكم: «لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ»5؛ فنحن نؤمن بالتوراة والإنجیل معاً. وأنتم أیضاً تؤمنون بأنبیاء الله كافّة، ولا تنكرون إلا آخرهم. إذن تعالوا نتحدّث مع بعضنا حول هذا الموضوع، فإن كان كسائر الأنبیاء وأنّه مُرسَل من قبل الله عزّ وجلّ فاقبلوا به. قولوا لهم: «تَعَالَوا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءِ بَیْنَنَا وَبَیْنَكُمْ»6؛ فنحن نشترك بكلام واحد، إذن هلمّوا ننطلق من هذه المشتركات: «أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَیْئاً وَلا یَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ»7؛ تعالوا نبنی على الأصل الذی مفاده: یجب طاعة الله الواحد والإذعان لكلّ ما یقوله تعالى ولیس ما یقوله الآخرون.
وبهذا الاسلوب یُعبِّد القرآن الكریم الطریق للبحث. فقوله: «وَلا یَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ» هو من لوازم التوحید، لكنّ هؤلاء لم یكونوا ملتفتین إلى هذا اللازم. صحیح أنّهم كانوا یقولون: «الله واحد ولابدّ من الإذعان لكلّ ما یقول» لكنّهم كانوا مبتلین بلون من ألوان الشرك. وهنا یقول القرآن: «تعالوا نلتزم بلوازم هذا الكلام». إذن فالله عزّ وجلّ یعلّمنا هنا أن لا نبتدئ فی نقاشنا مع مخالفینا بطرح المسائل التی تمثّل قمّة الخلاف معهم؛ إذ أنّ طرح مسائل من هذا القبیل لا یؤدّی إلى نتیجة مطلوبة. فإذا كنّا نطلب الوصول إلى نتیجة فما علینا إلاّ أن ننطلق من المسائل المتَّفق علیها والتدرّج للوصول إلى حیث تقتضی الظروف والأجواء.
فإذا كان هذا هو النهج الذی ینبغی انتهاجه عند مناقشة الیهود والنصارى، فهل یصحّ الشروع من أشدّ مسائل الخلاف عند المناقشة مع أهل السنّة؟! فمن المسلّم فی مثل هذه الحالة أنّنا لن نصل إلى نتیجة سلیمة، أو أنّ مسیر النقاش سیطول كثیراً ویتعقّد. إذن أسهل الطرق هی أن نقوم باستعراض المشتركات ونطرح السؤال التالی: «هل تحبّون أهل البیت»؟ فأنا شخصیّاً لا أعتقد أنّه من الممكن العثور، من بین ملیار ونصف مسلم، على ملیون مسلم یمكن أن یجیب بالنفی على مثل هذا السؤال. لقد سافرت إلى ما یقرب من أربعین بلداً مختلفاً وكانت لی فی كلّ بلد منها لقاءات مع جماعات من أهل السنّة، ولم أرَ خلال هذه اللقاءات شخصاً واحداً أساء الأدب مع أهل البیت (علیهم السلام). بل إنّ الكثیر من أهل السنّة یَعُدّون المشاركة فی عزاء سیّد الشهداء (علیه السلام) واجباً بعنوان كونه أداءً لأجر الرسالة. إذن یتعیّن علینا الإفادة من هذه الأرضیّة الخصبة، وإنّ عنصراً مشتركاً من هذا القبیل لَیتطلّب إحیاءه والاعتماد علیه.
أمّا فی المرحلة التالیة فلنقترح علیهم طرح التواریخ والأسناد على طاولة البحث والنقاش من دون أیّ تعصّب لنعرف هل إنّ مسلمی صدر الإسلام كانوا قد تعاملوا مع الزهراء البتول (سلام الله علیها) بشكل صحیح أم لا؟ ثمّ - إذا كانت الظروف مواتیة – فسوف نطرح بعد ذلك السؤال التالی: «ماذا كانت نیّتهم من هذا التصرّف»؟ وینبغی أن نقول حینئذ: «قد یرتكب المرء عملاً قبیحاً نتیجة لخطأ مّا. فنحن نعلم أنّ مسلمی صدر الإسلام كانوا اُناساً سطحیّین حدیثی العهد بالإسلام. حتّى إنّ بعضهم كانوا قد اتّبعوا رؤساءهم فی عملیّة إسلامهم فإنْ أسلَم الرئیس أسلم جمیع المرؤوسین، وإن ارتدّ الرئیس ارتدّ الجمیع تبعاً له. ومن هنا فإنّ بإمكاننا من خلال تتبّعنا للتاریخ أن نشاهد أیّ تبعات غریبة وحوادث عجیبة قد حصلت فی صدر الإسلام والتی، كما یقول قائد الثورة المعظّم (مُدّ ظلّه)، كان منشأَها انعدامُ البصیرة».
فإذا استطعنا أن نهیّئ الأرضیّة للجلوس على طاولة واحدة من أجل نقاش وبحث سلیم ومنطقیّ ومستدَلّ ضمن جوّ من الاحترام المتبادل فإنّ هذه الطریقة ستكون مؤثّرة حتماً، لاسیّما فی هذه المرحلة التی وجدت فیها بیئات مختلفة ومتنوّعة للتقریب بین الشیعة والسنّة فی بلدان العالم المختلفة وأضحى بعض علماء الشیعة من أحبّ الناس إلى قلوب الكثیرین من أهل السنّة. إذن علینا أن نغتنم هذه الفرص ونستغلّها فی سبیل توضیح الحقائق أكثر فأكثر، بشرط أن نضع التعصّب الأعمى جانباً ونتحدّث بكلام منطقیّ وباسلوب سلیم.

وفّقنا الله وإیّاكم إن شاء الله


1. مختصر التحفة الاثنى عشریة / لمحمود شكری الآلوسی، ص9.

2. تذكرة الحفاظ / للذهبی، ج1، ص166.

3. سورة سبأ، الآیة 24.

4. سورة العنكبوت، الآیة 46.

5. سورة البقرة، الآیة 136.

6. سورة آل عمران، الآیة 64.

7. سورة آل عمران، الآیة 64.

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...